(
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=64الله الذي جعل لكم الأرض قرارا والسماء بناء وصوركم فأحسن صوركم ورزقكم من الطيبات ذلكم الله ربكم فتبارك الله رب العالمين nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=65هو الحي لا إله إلا هو فادعوه مخلصين له الدين الحمد لله رب العالمين nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=66قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله لما جاءني البينات من ربي وأمرت أن أسلم لرب العالمين nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=67هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم يخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ثم لتكونوا شيوخا ومنكم من يتوفى من قبل ولتبلغوا أجلا مسمى ولعلكم تعقلون )
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=64الله الذي جعل لكم الأرض قرارا والسماء بناء وصوركم فأحسن صوركم ورزقكم من الطيبات ذلكم الله ربكم فتبارك الله رب العالمين nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=65هو الحي لا إله إلا هو فادعوه مخلصين له الدين الحمد لله رب العالمين nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=66قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله لما جاءني البينات من ربي وأمرت أن أسلم لرب العالمين nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=67هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم يخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ثم لتكونوا شيوخا ومنكم من يتوفى من قبل ولتبلغوا أجلا مسمى ولعلكم تعقلون )
اعلم أنا بينا أن
nindex.php?page=treesubj&link=28659دلائل وجود الله وقدرته إما أن تكون من دلائل الآفاق أو من باب دلائل الأنفس ، أما دلائل الآفاق فالمراد كل ما هو غير الإنسان من كل هذا العالم وهي أقسام كثيرة ، والمذكور منها في هذه الآية أقسام منها أحوال الليل والنهار وقد سبق ذكره .
وثانيها : الأرض والسماء وهو المراد من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=64الله الذي جعل لكم الأرض قرارا والسماء بناء ) قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=64قرارا ) أي منزلا في حال الحياة وبعد الموت (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=64والسماء بناء ) كالقبة المضروبة على الأرض ، وقيل مسك الأرض بلا عمد حتى أمكن التصرف عليها (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=64والسماء بناء ) أي قائما ثابتا وإلا لوقعت علينا ، وأما دلائل الأنفس فالمراد منها
nindex.php?page=treesubj&link=19778_19791دلالة أحوال بدن الإنسان ودلالة أحوال نفسه على وجود الصانع القادر الحكيم ، والمذكور منها في هذه الآية قسمان أحدها : ما هو حاصل مشاهد حال كمال حاله ، والثاني : ما كان حاصلا في ابتداء خلقته وتكوينه .
أما القسم الأول : فأنواع كثيرة والمذكور منها في هذه الآية أنواع ثلاثة أولها : حدوث صورته وهو المراد من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=64وصوركم ) وثانيها : حسن صورته وهو المراد من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=64فأحسن صوركم ) ، وثالثها : أنه رزقه من الطيبات وهو المراد من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=64ورزقكم من الطيبات ) وقد أطنبنا في تفسير هذه الأشياء في هذا الكتاب مرارا لا سيما في تفسير قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=70ولقد كرمنا بني آدم ) [ الإسراء : 70 ] ولما ذكر الله تعالى هذه
[ ص: 74 ] الدلائل الخمسة اثنين من دلائل الآفاق وثلاثة من دلائل الأنفس قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=64ذلكم الله ربكم فتبارك الله رب العالمين ) وتفسير : تبارك إما الدوام والثبات وإما كثرة الخيرات ، ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=65هو الحي لا إله إلا هو ) وهذا يفيد الحصر وأن لا حي إلا هو ، فوجب أن يحمل ذلك على الحي الذي يمتنع أن يموت امتناعا ذاتيا وحينئذ لا حي إلا هو فكأنه أجرى الشيء الذي يجوز زواله مجرى المعدوم .
واعلم أن الحي عبارة عن الدارك الفعال ، والدارك إشارة إلى العلم التام ، والفعال إشارة إلى القدرة الكاملة ، ولما نبه على هاتين الصفتين من صفات الجلال نبه على الصفة الثالثة وهي : الوحدانية بقوله : لا إله إلا هو ، ولما وصفه بهذه الصفات أمر العباد بشيئين :
أحدها : بالدعاء ، والثاني : بالإخلاص فيه ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=65فادعوه مخلصين له الدين ) ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=65الحمد لله رب العالمين ) فيجوز أن يكون المراد قول : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=65الحمد لله رب العالمين ) ويجوز أن يكون المراد أنه لما كان موصوفا بصفات الجلال والعزة استحق لذاته أن يقال له الحمد لله رب العالمين ، ولما بين صفات الجلال والعظمة قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=66قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله ) فأورد ذلك على المشركين بألين قول ليصرفهم عن عبادة الأوثان ، وبين أن وجه النهي في ذلك ما جاءه من البينات ، وتلك البينات أن إله العالم قد ثبت كونه موصوفا بصفات الجلال والعظمة على ما تقدم ذكره ، وصريح العقل يشهد بأن العبادة لا تليق إلا به ، وأن جعل الأحجار المنحوتة والخشب المصورة شركاء له في المعبودية مستنكر في بديهة العقل .
ولما بين أنه أمر بعبادة الله تعالى فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=66وأمرت أن أسلم لرب العالمين ) وإنما ذكر هذه الأحكام في حق نفسه ؛ لأنهم كانوا يعتقدون فيه أنه في غاية العقل وكمال الجوهر ، ومن المعلوم بالضرورة أن كل أحد فإنه لا يريد لنفسه إلا الأفضل الأكمل ، فإذا ذكر أن مصلحته لا تتم إلا بالإعراض عن غير الله والإقبال بالكلية على طاعة الله ظهر به أن هذا الطريق أكمل من كل ما سواه ، ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=67هو الذي خلقكم من تراب ) .
واعلم أنا قد ذكرنا أن الدلائل على قسمين : دلائل الآفاق والأنفس ، أما دلائل الآفاق فكثيرة والمذكور منها في هذه الآية أربعة : الليل ، والنهار ، والأرض ، والسماء .
وأما دلائل الأنفس فقد ذكرنا أنها على قسمين : أحدها : الأحوال الحاضرة حال كمال الصحة وهي أقسام كثيرة ، والمذكور ههنا منها ثلاثة أنواع : الصورة وحسن الصورة ورزق الطيبات .
وأما القسم الثاني : وهو كيفية تكون هذا البدن من ابتداء كونه نطفة وجنينا إلى آخر الشيخوخة والموت فهو المذكور في هذه الآية فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=67هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة ) فقيل : المراد
آدم ، وعندي لا حاجة إليه ؛ لأن كل إنسان فهو مخلوق من المني ومن دم الطمث ، والمني مخلوق من الدم .
فالإنسان مخلوق من الدم والدم إنما يتولد من الأغذية والأغذية إما حيوانية وإما نباتية ، والحال في تكون ذلك الحيوان كالحال في تكون الإنسان ، فالأغذية بأسرها منتهية إلى النباتية والنبت إنما يكون من التراب يصير نطفة ثم علقة بعد كونه علقة مراتب كثيرة إلى أن ينفصل من بطن الأم ، فالله تعالى ترك ذكرها ههنا لأجل أنه تعالى ذكرها في سائر الآيات .
واعلم أنه تعالى رتب عمر الإنسان على ثلاث مراتب أولها : كونه طفلا ، وثانيها : أن يبلغ أشده ، وثالثها : الشيخوخة وهذا ترتيب صحيح مطابق للعقل ؛ وذلك لأن الإنسان في أول عمره يكون في التزايد والنشوء
[ ص: 75 ] والنماء وهو المسمى بالطفولية .
والمرتبة الثانية : أن يبلغ إلى كمال النشوء وإلى أشد السن من غير أن يكون قد حصل فيه نوع من أنواع الضعف والنقص ، وهذه المرتبة هي المراد من قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=67ثم لتكونوا شيوخا ) وإذا عرفت هذا التقسيم عرفت أن مراتب العمر بحسب هذا التقسيم لا تزيد على هذه الثلاثة ، قال صاحب الكشاف " قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=67لتبلغوا أشدكم ) متعلق بفعل محذوف تقديره ثم يبقيكم لتبلغوا .
ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=67ومنكم من يتوفى من قبل ) أي من قبل الشيخوخة أو من قبل هذه الأحوال إذا خرج سقطا .
ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=67ولتبلغوا أجلا مسمى ) ومعناه يفعل ذلك لتبلغوا أجلا مسمى وهو وقت الموت وقيل يوم القيامة .
ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=67ولعلكم تعقلون ) ما في هذه الأحوال العجيبة من أنواع العبر وأقسام الدلائل .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=64اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=65هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=66قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَمَّا جَاءَنِيَ الْبَيِّنَاتُ مِنْ رَبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=67هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ )
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=64اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=65هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=66قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَمَّا جَاءَنِيَ الْبَيِّنَاتُ مِنْ رَبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=67هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ )
اعْلَمْ أَنَا بَيَّنَّا أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28659دَلَائِلَ وُجُودِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ إِمَّا أَنْ تَكُونَ مِنْ دَلَائِلِ الْآفَاقِ أَوْ مِنْ بَابِ دَلَائِلِ الْأَنْفُسِ ، أَمَّا دَلَائِلُ الْآفَاقِ فَالْمُرَادُ كُلُّ مَا هُوَ غَيْرُ الْإِنْسَانِ مِنْ كُلِّ هَذَا الْعَالَمِ وَهِيَ أَقْسَامٌ كَثِيرَةٌ ، وَالْمَذْكُورُ مِنْهَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَقْسَامٌ مِنْهَا أَحْوَالُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَقَدْ سَبَقَ ذِكْرُهُ .
وَثَانِيهَا : الْأَرْضُ وَالسَّمَاءُ وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=64اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً ) قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=64قَرَارًا ) أَيْ مَنْزِلًا فِي حَالِ الْحَيَاةِ وَبَعْدَ الْمَوْتِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=64وَالسَّمَاءَ بِنَاءً ) كَالْقُبَّةِ الْمَضْرُوبَةِ عَلَى الْأَرْضِ ، وَقِيلَ مَسَكَ الْأَرْضَ بِلَا عَمَدٍ حَتَّى أَمْكَنَ التَّصَرُّفَ عَلَيْهَا (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=64وَالسَّمَاءَ بِنَاءً ) أَيْ قَائِمًا ثَابِتًا وَإِلَّا لَوَقَعَتْ عَلَيْنَا ، وَأَمَّا دَلَائِلُ الْأَنْفُسِ فَالْمُرَادُ مِنْهَا
nindex.php?page=treesubj&link=19778_19791دَلَالَةُ أَحْوَالِ بَدَنِ الْإِنْسَانِ وَدَلَالَةُ أَحْوَالِ نَفْسِهِ عَلَى وُجُودِ الصَّانِعِ الْقَادِرِ الْحَكِيمِ ، وَالْمَذْكُورُ مِنْهَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ قِسْمَانِ أَحَدُهَا : مَا هُوَ حَاصِلٌ مُشَاهَدٌ حَالَ كَمَالِ حَالِهِ ، وَالثَّانِي : مَا كَانَ حَاصِلًا فِي ابْتِدَاءِ خِلْقَتِهِ وَتَكْوِينِهِ .
أَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ : فَأَنْوَاعٌ كَثِيرَةٌ وَالْمَذْكُورُ مِنْهَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنْوَاعٌ ثَلَاثَةٌ أَوَّلُهَا : حُدُوثُ صُورَتِهِ وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=64وَصَوَّرَكُمْ ) وَثَانِيهَا : حُسْنُ صُورَتِهِ وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=64فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ ) ، وَثَالِثُهَا : أَنَّهُ رَزَقَهُ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=64وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ) وَقَدْ أَطْنَبْنَا فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فِي هَذَا الْكِتَابِ مِرَارًا لَا سِيَّمَا فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=70وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ ) [ الْإِسْرَاءِ : 70 ] وَلَمَّا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ
[ ص: 74 ] الدَّلَائِلَ الْخَمْسَةَ اثْنَيْنِ مِنْ دَلَائِلِ الْآفَاقِ وَثَلَاثَةً مِنْ دَلَائِلِ الْأَنْفُسِ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=64ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ) وَتَفْسِيرُ : تَبَارَكَ إِمَّا الدَّوَامُ وَالثَّبَاتُ وَإِمَّا كَثْرَةُ الْخَيْرَاتِ ، ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=65هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ) وَهَذَا يُفِيدُ الْحَصْرَ وَأَنْ لَا حَيَّ إِلَّا هُوَ ، فَوَجَبَ أَنْ يُحْمَلَ ذَلِكَ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي يَمْتَنِعُ أَنْ يَمُوتَ امْتِنَاعًا ذَاتِيًّا وَحِينَئِذٍ لَا حَيَّ إِلَّا هُوَ فَكَأَنَّهُ أَجْرَى الشَّيْءَ الَّذِي يَجُوزُ زَوَالُهُ مَجْرَى الْمَعْدُومِ .
وَاعْلَمْ أَنَّ الْحَيَّ عِبَارَةٌ عَنِ الدَّارِكِ الْفَعَّالِ ، وَالدَّارِكُ إِشَارَةٌ إِلَى الْعِلْمِ التَّامِّ ، وَالْفَعَّالُ إِشَارَةٌ إِلَى الْقُدْرَةِ الْكَامِلَةِ ، وَلَمَّا نَبَّهَ عَلَى هَاتَيْنِ الصِّفَتَيْنِ مِنْ صِفَاتِ الْجَلَالِ نَبَّهَ عَلَى الصِّفَةِ الثَّالِثَةِ وَهِيَ : الْوَحْدَانِيَّةُ بِقَوْلِهِ : لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ، وَلَمَّا وَصَفَهُ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ أَمَرَ الْعِبَادَ بِشَيْئَيْنِ :
أَحَدُهَا : بِالدُّعَاءِ ، وَالثَّانِي : بِالْإِخْلَاصِ فِيهِ ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=65فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=65الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ قَوْلَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=65الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ مَوْصُوفًا بِصِفَاتِ الْجَلَالِ وَالْعِزَّةِ اسْتَحَقَّ لِذَاتِهِ أَنْ يُقَالَ لَهُ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، وَلَمَّا بَيَّنَ صِفَاتِ الْجَلَالِ وَالْعَظَمَةِ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=66قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ) فَأَوْرَدَ ذَلِكَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ بِأَلْيَنِ قَوْلٍ لِيَصْرِفَهُمْ عَنْ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ ، وَبَيَّنَ أَنَّ وَجْهَ النَّهْيِ فِي ذَلِكَ مَا جَاءَهُ مِنَ الْبَيِّنَاتِ ، وَتِلْكَ الْبَيِّنَاتُ أَنَّ إِلَهَ الْعَالَمِ قَدْ ثَبَتَ كَوْنُهُ مَوْصُوفًا بِصِفَاتِ الْجَلَالِ وَالْعَظَمَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ ، وَصَرِيحُ الْعَقْلِ يَشْهَدُ بِأَنَّ الْعِبَادَةَ لَا تَلِيقُ إِلَّا بِهِ ، وَأَنَّ جَعْلَ الْأَحْجَارِ الْمَنْحُوتَةِ وَالْخُشُبِ الْمُصَوَّرَةِ شُرَكَاءَ لَهُ فِي الْمَعْبُودِيَّةِ مُسْتَنْكَرٌ فِي بَدِيهَةِ الْعَقْلِ .
وَلَمَّا بَيَّنَ أَنَّهُ أَمَرَ بِعِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=66وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ) وَإِنَّمَا ذَكَرَ هَذِهِ الْأَحْكَامَ فِي حَقِّ نَفْسِهِ ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَعْتَقِدُونَ فِيهِ أَنَّهُ فِي غَايَةِ الْعَقْلِ وَكَمَالِ الْجَوْهَرِ ، وَمِنَ الْمَعْلُومِ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ فَإِنَّهُ لَا يُرِيدُ لِنَفْسِهِ إِلَّا الْأَفْضَلَ الْأَكْمَلَ ، فَإِذَا ذَكَرَ أَنَّ مَصْلَحَتَهُ لَا تَتِمُّ إِلَّا بِالْإِعْرَاضِ عَنْ غَيْرِ اللَّهِ وَالْإِقْبَالِ بِالْكُلِّيَّةِ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ ظَهَرَ بِهِ أَنَّ هَذَا الطَّرِيقَ أَكْمَلُ مِنْ كُلِّ مَا سِوَاهُ ، ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=67هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ) .
وَاعْلَمْ أَنَّا قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الدَّلَائِلَ عَلَى قِسْمَيْنِ : دَلَائِلُ الْآفَاقِ وَالْأَنْفُسِ ، أَمَّا دَلَائِلُ الْآفَاقِ فَكَثِيرَةٌ وَالْمَذْكُورُ مِنْهَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَرْبَعَةٌ : اللَّيْلُ ، وَالنَّهَارُ ، وَالْأَرْضُ ، وَالسَّمَاءُ .
وَأَمَّا دَلَائِلُ الْأَنْفُسِ فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهَا عَلَى قِسْمَيْنِ : أَحَدُهَا : الْأَحْوَالُ الْحَاضِرَةُ حَالَ كَمَالِ الصِّحَّةِ وَهِيَ أَقْسَامٌ كَثِيرَةٌ ، وَالْمَذْكُورُ هَهُنَا مِنْهَا ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ : الصُّورَةُ وَحُسْنُ الصُّورَةِ وَرِزْقُ الطَّيِّبَاتِ .
وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي : وَهُوَ كَيْفِيَّةُ تَكَوُّنِ هَذَا الْبَدَنِ مِنِ ابْتِدَاءِ كَوْنِهِ نُطْفَةً وَجَنِينًا إِلَى آخِرِ الشَّيْخُوخَةِ وَالْمَوْتِ فَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=67هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ) فَقِيلَ : الْمُرَادُ
آدَمُ ، وَعِنْدِي لَا حَاجَةَ إِلَيْهِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ إِنْسَانٍ فَهُوَ مَخْلُوقٌ مِنَ الْمَنِيِّ وَمِنْ دَمِ الطَّمْثِ ، وَالْمَنِيُّ مَخْلُوقٌ مِنَ الدَّمِ .
فَالْإِنْسَانُ مَخْلُوقٌ مِنَ الدَّمِ وَالدَّمُ إِنَّمَا يَتَوَلَّدُ مِنَ الْأَغْذِيَةِ وَالْأَغْذِيَةُ إِمَّا حَيَوَانِيَّةً وَإِمَّا نَبَاتِيَّةً ، وَالْحَالُ فِي تَكَوُّنِ ذَلِكَ الْحَيَوَانِ كَالْحَالِ فِي تَكَوُّنِ الْإِنْسَانِ ، فَالْأَغْذِيَةُ بِأَسْرِهَا مُنْتَهِيَةٌ إِلَى النَّبَاتِيَّةِ وَالنَّبْتُ إِنَّمَا يَكُونُ مِنَ التُّرَابِ يَصِيرُ نُطْفَةً ثُمَّ عَلَقَةً بَعْدَ كَوْنِهِ عَلَقَةً مَرَاتِبُ كَثِيرَةٌ إِلَى أَنْ يَنْفَصِلَ مِنْ بَطْنِ الْأُمِّ ، فَاللَّهُ تَعَالَى تَرَكَ ذِكْرَهَا هَهُنَا لِأَجْلِ أَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَهَا فِي سَائِرِ الْآيَاتِ .
وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى رَتَّبَ عُمْرَ الْإِنْسَانِ عَلَى ثَلَاثِ مَرَاتِبَ أَوَّلُهَا : كَوْنُهُ طِفْلًا ، وَثَانِيهَا : أَنْ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ، وَثَالِثُهَا : الشَّيْخُوخَةُ وَهَذَا تَرْتِيبٌ صَحِيحٌ مُطَابِقٌ لِلْعَقْلِ ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ فِي أَوَّلِ عُمْرِهِ يَكُونُ فِي التَّزَايُدِ وَالنُّشُوءِ
[ ص: 75 ] وَالنَّمَاءِ وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالطُّفُولِيَّةِ .
وَالْمَرْتَبَةُ الثَّانِيَةُ : أَنْ يَبْلُغَ إِلَى كَمَالِ النُّشُوءِ وَإِلَى أَشُدِّ السِّنِّ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ قَدْ حَصَلَ فِيهِ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الضَّعْفِ وَالنَّقْصِ ، وَهَذِهِ الْمَرْتَبَةُ هِيَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=67ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا ) وَإِذَا عَرَفْتَ هَذَا التَّقْسِيمَ عَرَفْتَ أَنَّ مَرَاتِبَ الْعُمْرِ بِحَسَبِ هَذَا التَّقْسِيمِ لَا تَزِيدُ عَلَى هَذِهِ الثَّلَاثَةِ ، قَالَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ " قَوْلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=67لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ) مُتَعَلِّقٌ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ ثُمَّ يُبْقِيكُمْ لِتَبْلُغُوا .
ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=67وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ ) أَيْ مِنْ قَبْلِ الشَّيْخُوخَةِ أَوْ مِنْ قَبْلِ هَذِهِ الْأَحْوَالِ إِذَا خَرَجَ سَقْطًا .
ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=67وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى ) وَمَعْنَاهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ لِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى وَهُوَ وَقْتُ الْمَوْتِ وَقِيلَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ .
ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=67وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) مَا فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ الْعَجِيبَةِ مِنْ أَنْوَاعِ الْعِبَرِ وَأَقْسَامِ الدَّلَائِلِ .