الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ( فاصبر إن وعد الله حق فإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا يرجعون ولقد أرسلنا رسلا من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله فإذا جاء أمر الله قضي بالحق وخسر هنالك المبطلون )

                                                                                                                                                                                                                                            قوله تعالى : ( فاصبر إن وعد الله حق فإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا يرجعون ولقد أرسلنا رسلا من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله فإذا جاء أمر الله قضي بالحق وخسر هنالك المبطلون )

                                                                                                                                                                                                                                            اعلم أنه تعالى لما تكلم من أول السورة إلى هذا الموضع في تزييف طريقة المجادلين في آيات الله ، أمر في هذه الآية رسوله بأن يصبر على إيذائهم وإيحاشهم بتلك المجادلات ، ثم قال : ( إن وعد الله حق ) وعنى به ما وعد به الرسول من نصرته ، ومن إنزال العذاب على أعدائه ، ثم قال : ( فإما نرينك بعض الذي نعدهم ) يعني أولئك الكفار من أنواع العذاب ، مثل القتل يوم بدر ، فذلك هو المطلوب ( أو نتوفينك ) قبل إنزال العذاب عليهم ( فإلينا يرجعون ) يوم القيامة فننتقم منهم أشد الانتقام ، ونظيره قوله تعالى : ( فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون أو نرينك الذي وعدناهم فإنا عليهم مقتدرون ) [ الزخرف : 41 ] .

                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال تعالى : ( ولقد أرسلنا رسلا من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك ) والمعنى أنه قال لمحمد صلى الله عليه وسلم : أنت كالرسل من قبلك ، وقد ذكرنا حال بعضهم لك ، ولم نذكر حال الباقين ، وليس فيهم أحد أعطاه الله آيات ومعجزات إلا وقد جادله قومه فيها وكذبوه فيها ، وجرى عليهم من الهم ما يقارب ما جرى عليك فصبروا ، وكانوا أبدا يقترحون على الأنبياء إظهار المعجزات الزائدة على قدر الحاجة على سبيل العناد والتعنت ، ثم إن الله تعالى لما علم أن الصلاح في إظهار ما أظهره ، وإلا لم يظهره ولم يكن ذلك قادحا في نبوتهم ، فكذلك الحال في اقتراح قومك عليك المعجزات الزائدة لما لم يكن إظهارها صلاحا ، لا جرم ما أظهرناها ، وهذا هو المراد من قوله ( وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله ) ثم قال : ( فإذا جاء أمر الله قضي بالحق ) وهذا وعيد ورد عقيب اقتراح الآيات " وأمر الله " القيامة " والمبطلون " هم المعاندون الذين يجادلون في آيات الله ، ويقترحون المعجزات الزائدة على قدر الحاجة على سبيل التعنت .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية