(
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=25وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم وحق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=26وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=27فلنذيقن الذين كفروا عذابا شديدا ولنجزينهم أسوأ الذي كانوا يعملون nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=28ذلك جزاء أعداء الله النار لهم فيها دار الخلد جزاء بما كانوا بآياتنا يجحدون nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=29وقال الذين كفروا ربنا أرنا اللذين أضلانا من الجن والإنس نجعلهما تحت أقدامنا ليكونا من الأسفلين )
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=25وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم وحق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=26وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=27فلنذيقن الذين كفروا عذابا شديدا ولنجزينهم أسوأ الذي كانوا يعملون nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=28ذلك جزاء أعداء الله النار لهم فيها دار الخلد جزاء بما كانوا بآياتنا يجحدون nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=29وقال الذين كفروا ربنا أرنا اللذين أضلانا من الجن والإنس نجعلهما تحت أقدامنا ليكونا من الأسفلين )
اعلم أنه تعالى لما ذكر الوعيد الشديد في الدنيا والآخرة على كفر أولئك الكفار أردفه بذكر السبب الذي لأجله وقعوا في ذلك الكفر ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=25وقيضنا لهم قرناء ) وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قال صاحب " الصحاح " : يقال قايضت الرجل مقايضة أي عاوضته بمتاع ، وهما قيضان كما يقال بيعان ، وقيض الله فلانا أي جاءه به وأتى به له ، ومنه قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=25وقيضنا لهم قرناء ) .
المسألة الثانية : احتج أصحابنا بهذه الآية على أنه تعالى يريد الكفر من الكافر ، فقالوا إنه تعالى ذكر أنه قيض لهم أولئك القرناء ، وكان عالما بأنه متى قيض لهم أولئك القرناء فإن يزينوا الباطل لهم ، وكل من فعل فعلا وعلم أن ذلك الفعل يفضي إلى أثر لا محالة ، فإن فاعل ذلك الفعل لا بد وأن يكون مريدا لذلك الأثر فثبت أنه تعالى لما قيض لهم قرناء فقد أراد منهم ذلك الكفر ، أجاب
الجبائي عنه بأن قال : لو أراد المعاصي لكانوا بفعلها مطيعين إذ الفاعل لما أراده منه غيره يجب أن يكون مطيعا له ، وبأن قوله
[ ص: 103 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=57وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) [ الذاريات : 56 ] يدل على أنه لم يرد منهم إلا العبادة ، فثبت بهذا
nindex.php?page=treesubj&link=28786أنه تعالى لم يرد منهم المعاصي ، وأما هذه الآية فنقول : إنه تعالى لم يقل وقيضنا لهم قرناء ليزينوا لهم ، وإنما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=25فزينوا لهم ) فهو تعالى قيض القرناء لهم بمعنى أنه تعالى أخرج كل أحد إلى آخر من جنسه ، فقيض أحد الزوجين للآخر والغني للفقير ، والفقير للغني ، ثم بين تعالى أن بعضهم يزين المعاصي للبعض .
واعلم أن وجه استدلال أصحابنا ما ذكرناه ، وهو أن من فعل فعلا وعلم قطعا أن ذلك الفعل يفضي إلى أثر ، فإن فاعل ذلك الفعل يكون مريدا لذلك الأثر ، فههنا الله تعالى قيض أولئك القرناء لهم ، وعلم أنه متى قيض أولئك القرناء لهم فإنهم يقعون في ذلك الكفر والضلال ، وما ذكره
الجبائي لا يدفع ذلك ، وقوله : ولو أراد الله منهم المعاصي لكانوا بفعلها مطيعين لله ، قلنا لو كان من فعل ما أراده غيره مطيعا له لوجب أن يكون الله مطيعا لعباده إذا فعل ما أرادوه ومعلوم أنه باطل ، وأيضا فهذا إلزام لفظي ؛ لأنه يقال إن أردت بالطاعة أنه فعل ما أراد فهذا إلزام للشيء على نفسه ، وإن أردت غيره فلا بد من بيانه حتى ينظر فيه أنه هل يصح أم لا .
المسألة الثانية : اختلفوا في المراد بقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=25فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم ) وذكر
الزجاج فيه وجهين :
الأول : زينوا لهم ما بين أيديهم من أمر الآخرة أنه لا بعث ولا جنة ولا نار وما خلفهم من أمر الدنيا ، فزينوا أن الدنيا قديمة ، وأنه لا فاعل ولا صانع إلا الطبائع والأفلاك .
الثاني : زينوا لهم أعمالهم التي يعملونها ويشاهدونها وما خلفهم وما يزعمون أنهم يعلمونه ، وعبر
ابن زيد عنه ، فقال زينوا لهم ما مضى من أعمالهم الخبيثة وما بقي من أعمالهم الخسيسة .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=25وحق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين ) فقوله في أمم في محل النصب على الحال من الضمير في عليهم ، والتقدير : حق عليهم القول حال كونهم كائنين في جملة ( أمم ) من المتقدمين (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=25إنهم كانوا خاسرين ) واحتج أصحابنا أيضا بأنه تعالى أخبر بأن هؤلاء (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=25حق عليهم القول ) فلو لم يكونوا كفارا لانقلب هذا القول الحق باطلا وهذا العلم جهلا ، وهذا الخبر الصدق كذبا ، وكل ذلك محال ومستلزم المحال محال ، فثبت أن صدور الإيمان عنهم ، وعدم صدور الكفر عنهم محال .
واعلم أن الكلام في أول السورة ابتدئ من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=5وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه ) إلى قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=5فاعمل إننا عاملون ) [ فصلت : 5 ] فأجاب الله تعالى عن تلك الشبهة بوجوه من الأجوبة ، واتصل الكلام بعضه بالبعض إلى هذا الموضع ، ثم إنه حكى عنهم شبهة أخرى فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=26وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون ) ، قال صاحب " الكشاف " : قرئ ( والغوا فيه ) بفتح الغين وضمها يقال : لغى يلغى ويلغو ، واللغو : الساقط من الكلام الذي لا طائل تحته .
واعلم أن القوم علموا أن القرآن كلام كامل في المعنى ، وفي اللفظ وأن كل من سمعه وقف على جزالة ألفاظه ، وأحاط عقله بمعانيه ، وقضى عقله بأنه كلام حق واجب القبول ، فدبروا تدبيرا في منع الناس عن استماعه ، فقال بعضهم لبعض : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=26لا تسمعوا لهذا القرآن ) إذا قرئ وتشاغلوا عند قراءته برفع الأصوات بالخرافات والأشعار الفاسدة والكلمات الباطلة ، حتى تخلطوا على القارئ وتشوشوا عليه وتغلبوا على قراءته ، كانت
قريش يوصي بذلك بعضهم بعضا ، والمراد افعلوا عند تلاوة القرآن ما يكون لغوا وباطلا ،
[ ص: 104 ] لتخرجوا قراءة القرآن عن أن تصير مفهومة للناس ، فبهذا الطريق تغلبون
محمدا صلى الله عليه وسلم ، وهذا جهل منهم ؛ لأنهم في الحال أقروا بأنهم مشتغلون باللغو والباطل من العمل ، والله تعالى ينصر
محمدا بفضله ، ولما ذكر الله تعالى ذلك هددهم بالعذاب الشديد فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=27فلنذيقن الذين كفروا عذابا شديدا ) لأن لفظ الذوق إنما يذكر في القدر القليل الذي يؤتى به لأجل التجربة ، ثم إنه تعالى ذكر أن ذلك الذوق عذاب شديد ، فإذا كان القليل منه عذابا شديدا فكيف يكون حال الكثير منه ، ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=27ولنجزينهم أسوأ الذي كانوا يعملون ) واختلفوا فيه :
فقال الأكثرون : المراد جزاء سوء أعمالهم ، وقال
الحسن : بل المراد أنه لا يجازيهم على محاسن أعمالهم ؛ لأنهم أحبطوها بالكفر فضاعت تلك الأعمال الحسنة عنهم ، ولم يبق معهم إلا الأعمال القبيحة الباطلة ، فلا جرم لم يتحصلوا إلا على جزاء السيئات .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=28ذلك جزاء أعداء الله النار ) والمعنى أنه تعالى لما قال في الآية المتقدمة (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=27ولنجزينهم أسوأ الذي كانوا يعملون ) بين أن ذلك الأسوأ الذي جعل جزاء أعداء الله هو النار .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=28لهم فيها دار الخلد ) أي لهم في جملة النار دار السيئات معينة وهي دار العذاب المخلد لهم (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=28جزاء أعداء الله النار لهم ) أي جزاء بما كانوا يلغون في القراءة ، وإنما سماه جحودا لأنهم لما علموا أن
nindex.php?page=treesubj&link=28899_28914القرآن بالغ إلى حد الإعجاز خافوا من أنه لو سمعه الناس لآمنوا به فاستخرجوا تلك الطريقة الفاسدة ، وذلك يدل على أنهم علموا كونه معجزا إلا أنهم جحدوا للحسد .
واعلم أنه تعالى لما بين أن الذي حملهم على الكفر الموجب للعقاب الشديد
nindex.php?page=treesubj&link=18567مجالسة قرناء السوء بين أن الكفار عند الوقوع في العذاب الشديد يقولون : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=29ربنا أرنا الذين أضلانا من الجن والإنس ) والسبب في ذكر هذين القسمين أن الشيطان على ضربين جني وإنسي ، قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=112وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن ) [ الأنعام : 112 ] وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=114&ayano=5الذي يوسوس في صدور الناس nindex.php?page=tafseer&surano=114&ayano=6من الجنة والناس ) [ الناس : 5 ] وقيل هما إبليس
وقابيل ؛ لأن الكفر سنة إبليس ، والقتل بغير حق سنة
قابيل .
وقرئ " أرنا " بسكون الراء لثقل الكسرة كما قالوا في فخذ : فخذ ، وقيل معناه أعطنا اللذين أضلانا وحكوا عن
الخليل أنك إذا قلت : أرني ثوبك بالكسر ، فالمعنى بصرنيه وإذا قلته بالسكون فهو استعطاء معناه أعطني ثوبك .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=29نجعلهما تحت أقدامنا ) قال
مقاتل : يكونان أسفل منا في النار (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=29ليكونا من الأسفلين ) قال
الزجاج : ليكونا في الدرك الأسفل من النار ، وكان بعض تلامذتي ممن يميل إلى الحكمة يقول : المراد باللذين يضلان الشهوة والغضب ، وإليهما الإشارة في قصة الملائكة بقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=30أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ) [ البقرة : 30 ] ثم قال : والمراد بقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=29نجعلهما تحت أقدامنا ) يعني يا ربنا أعنا حتى نجعل الشهوة والغضب تحت أقدام جوهر النفس القدسية .
والمراد بكونهما تحت أقدامه كونهما مسخرين للنفس القدسية مطيعين لها ، وأن لا يكونا مسئولين عليها قاهرين لها .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=25وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=26وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=27فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَابًا شَدِيدًا وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=28ذَلِكَ جَزَاءُ أَعْدَاءِ اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ جَزَاءً بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=29وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا اللَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ )
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=25وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=26وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=27فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَابًا شَدِيدًا وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=28ذَلِكَ جَزَاءُ أَعْدَاءِ اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ جَزَاءً بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=29وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا اللَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ )
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ الْوَعِيدَ الشَّدِيدَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ عَلَى كُفْرِ أُولَئِكَ الْكُفَّارِ أَرْدَفَهُ بِذِكْرِ السَّبَبِ الَّذِي لِأَجْلِهِ وَقَعُوا فِي ذَلِكَ الْكُفْرِ ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=25وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ ) وَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : قَالَ صَاحِبُ " الصِّحَاحِ " : يُقَالُ قَايَضْتُ الرَّجُلَ مُقَايَضَةً أَيْ عَاوَضْتُهُ بِمَتَاعٍ ، وَهُمَا قَيِّضَانِ كَمَا يُقَالُ بَيِّعَانِ ، وَقَيَّضَ اللَّهُ فُلَانًا أَيْ جَاءَهُ بِهِ وَأَتَى بِهِ لَهُ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=25وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ ) .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : احْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى يُرِيدُ الْكُفْرَ مِنَ الْكَافِرِ ، فَقَالُوا إِنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ أَنَّهُ قَيَّضَ لَهُمْ أُولَئِكَ الْقُرَنَاءَ ، وَكَانَ عَالِمًا بِأَنَّهُ مَتَى قَيَّضَ لَهُمْ أُولَئِكَ الْقُرَنَاءَ فَإِنْ يُزَيِّنُوا الْبَاطِلَ لَهُمْ ، وَكُلُّ مَنْ فَعَلَ فِعْلًا وَعَلِمَ أَنَّ ذَلِكَ الْفِعْلَ يُفْضِي إِلَى أَثَرٍ لَا مَحَالَةَ ، فَإِنَّ فَاعِلَ ذَلِكَ الْفِعْلِ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ مُرِيدًا لِذَلِكَ الْأَثَرِ فَثَبَتَ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا قَيَّضَ لَهُمْ قُرَنَاءَ فَقَدْ أَرَادَ مِنْهُمْ ذَلِكَ الْكُفْرَ ، أَجَابَ
الْجُبَّائِيُّ عَنْهُ بِأَنْ قَالَ : لَوْ أَرَادَ الْمَعَاصِيَ لَكَانُوا بِفِعْلِهَا مُطِيعِينَ إِذِ الْفَاعِلُ لِمَا أَرَادَهُ مِنْهُ غَيْرُهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُطِيعًا لَهُ ، وَبِأَنَّ قَوْلَهُ
[ ص: 103 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=57وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) [ الذَّارِيَاتِ : 56 ] يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ مِنْهُمْ إِلَّا الْعِبَادَةَ ، فَثَبَتَ بِهَذَا
nindex.php?page=treesubj&link=28786أَنَّهُ تَعَالَى لَمْ يُرِدْ مِنْهُمُ الْمَعَاصِيَ ، وَأَمَّا هَذِهِ الْآيَةُ فَنَقُولُ : إِنَّهُ تَعَالَى لَمْ يَقُلْ وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ لِيُزَيِّنُوا لَهُمْ ، وَإِنَّمَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=25فَزَيَّنُوا لَهُمْ ) فَهُوَ تَعَالَى قَيَّضَ الْقُرَنَاءَ لَهُمْ بِمَعْنَى أَنَّهُ تَعَالَى أَخْرَجَ كُلَّ أَحَدٍ إِلَى آخَرَ مِنْ جِنْسِهِ ، فَقَيَّضَ أَحَدَ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ وَالْغَنِيَّ لِلْفَقِيرِ ، وَالْفَقِيرَ لِلْغَنِيِّ ، ثُمَّ بَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ بَعْضَهُمْ يُزَيِّنُ الْمَعَاصِيَ لِلْبَعْضِ .
وَاعْلَمْ أَنَّ وَجْهَ اسْتِدْلَالِ أَصْحَابِنَا مَا ذَكَرْنَاهُ ، وَهُوَ أَنَّ مَنْ فَعَلَ فِعْلًا وَعَلِمَ قَطْعًا أَنَّ ذَلِكَ الْفِعْلَ يُفْضِي إِلَى أَثَرٍ ، فَإِنَّ فَاعِلَ ذَلِكَ الْفِعْلِ يَكُونُ مُرِيدًا لِذَلِكَ الْأَثَرِ ، فَهَهُنَا اللَّهُ تَعَالَى قَيَّضَ أُولَئِكَ الْقُرَنَاءَ لَهُمْ ، وَعَلِمَ أَنَّهُ مَتَى قَيَّضَ أُولَئِكَ الْقُرَنَاءَ لَهُمْ فَإِنَّهُمْ يَقَعُونَ فِي ذَلِكَ الْكُفْرِ وَالضَّلَالِ ، وَمَا ذَكَرَهُ
الْجُبَّائِيُّ لَا يَدْفَعُ ذَلِكَ ، وَقَوْلُهُ : وَلَوْ أَرَادَ اللَّهُ مِنْهُمُ الْمَعَاصِيَ لَكَانُوا بِفِعْلِهَا مُطِيعِينَ لِلَّهِ ، قُلْنَا لَوْ كَانَ مَنْ فَعَلَ مَا أَرَادَهُ غَيْرُهُ مُطِيعًا لَهُ لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ مُطِيعًا لِعِبَادِهِ إِذَا فَعَلَ مَا أَرَادُوهُ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ بَاطِلٌ ، وَأَيْضًا فَهَذَا إِلْزَامٌ لَفْظِيٌّ ؛ لِأَنَّهُ يُقَالُ إِنْ أَرَدْتَ بِالطَّاعَةِ أَنَّهُ فَعَلَ مَا أَرَادَ فَهَذَا إِلْزَامٌ لِلشَّيْءِ عَلَى نَفْسِهِ ، وَإِنْ أَرَدْتَ غَيْرَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهِ حَتَّى يَنْظُرَ فِيهِ أَنَّهُ هَلْ يَصِحُّ أَمْ لَا .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : اخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=25فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ) وَذَكَرَ
الزَّجَّاجُ فِيهِ وَجْهَيْنِ :
الْأَوَّلُ : زَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ مِنْ أَمْرِ الْآخِرَةِ أَنَّهُ لَا بَعْثَ وَلَا جَنَّةَ وَلَا نَارَ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا ، فَزَيَّنُوا أَنَّ الدُّنْيَا قَدِيمَةٌ ، وَأَنَّهُ لَا فَاعِلَ وَلَا صَانِعَ إِلَّا الطَّبَائِعُ وَالْأَفْلَاكُ .
الثَّانِي : زَيَّنُوا لَهُمْ أَعْمَالَهُمُ الَّتِي يَعْمَلُونَهَا وَيُشَاهِدُونَهَا وَمَا خَلْفَهُمْ وَمَا يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ يَعْلَمُونَهُ ، وَعَبَّرَ
ابْنُ زَيْدٍ عَنْهُ ، فَقَالَ زَيَّنُوا لَهُمْ مَا مَضَى مِنْ أَعْمَالِهِمُ الْخَبِيثَةِ وَمَا بَقِيَ مِنْ أَعْمَالِهِمُ الْخَسِيسَةِ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=25وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ ) فَقَوْلُهُ فِي أُمَمٍ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ عَلَى الْحَالِ مِنَ الضَّمِيرِ فِي عَلَيْهِمْ ، وَالتَّقْدِيرُ : حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ حَالَ كَوْنِهِمْ كَائِنِينَ فِي جُمْلَةِ ( أُمَمٍ ) مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=25إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ ) وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا أَيْضًا بِأَنَّهُ تَعَالَى أَخْبَرَ بِأَنَّ هَؤُلَاءِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=25حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ ) فَلَوْ لَمْ يَكُونُوا كُفَّارًا لَانْقَلَبَ هَذَا الْقَوْلُ الْحَقُّ بَاطِلًا وَهَذَا الْعِلْمُ جَهْلًا ، وَهَذَا الْخَبَرُ الصِّدْقُ كَذِبًا ، وَكُلُّ ذَلِكَ مُحَالٌ وَمُسْتَلْزِمُ الْمُحَالِ مُحَالٌ ، فَثَبَتَ أَنَّ صُدُورَ الْإِيمَانِ عَنْهُمْ ، وَعَدَمَ صُدُورِ الْكُفْرِ عَنْهُمْ مُحَالٌ .
وَاعْلَمْ أَنَّ الْكَلَامَ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ ابْتُدِئَ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=5وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ ) إِلَى قَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=5فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ ) [ فُصِّلَتْ : 5 ] فَأَجَابَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ تِلْكَ الشُّبْهَةِ بِوُجُوهٍ مِنَ الْأَجْوِبَةِ ، وَاتَّصَلَ الْكَلَامُ بَعْضُهُ بِالْبَعْضِ إِلَى هَذَا الْمَوْضِعِ ، ثُمَّ إِنَّهُ حَكَى عَنْهُمْ شُبْهَةً أُخْرَى فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=26وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ ) ، قَالَ صَاحِبُ " الْكَشَّافِ " : قُرِئَ ( وَالْغَوْا فِيهِ ) بِفَتْحِ الْغَيْنِ وَضَمِّهَا يُقَالُ : لَغَى يَلْغَى وَيَلْغُو ، وَاللَّغْوُ : السَّاقِطُ مِنَ الْكَلَامِ الَّذِي لَا طَائِلَ تَحْتَهُ .
وَاعْلَمْ أَنَّ الْقَوْمَ عَلِمُوا أَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامٌ كَامِلٌ فِي الْمَعْنَى ، وَفِي اللَّفْظِ وَأَنَّ كُلَّ مَنْ سَمِعَهُ وَقَفَ عَلَى جَزَالَةِ أَلْفَاظِهِ ، وَأَحَاطَ عَقْلُهُ بِمَعَانِيهِ ، وَقَضَى عَقْلُهُ بِأَنَّهُ كَلَامٌ حَقٌّ وَاجِبُ الْقَبُولِ ، فَدَبَّرُوا تَدْبِيرًا فِي مَنْعِ النَّاسِ عَنِ اسْتِمَاعِهِ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=26لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ ) إِذَا قُرِئَ وَتَشَاغَلُوا عِنْدَ قِرَاءَتِهِ بِرَفْعِ الْأَصْوَاتِ بِالْخُرَافَاتِ وَالْأَشْعَارِ الْفَاسِدَةِ وَالْكَلِمَاتِ الْبَاطِلَةِ ، حَتَّى تُخَلِّطُوا عَلَى الْقَارِئِ وَتُشَوِّشُوا عَلَيْهِ وَتَغْلِبُوا عَلَى قِرَاءَتِهِ ، كَانَتْ
قُرَيْشٌ يُوصِي بِذَلِكَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا ، وَالْمُرَادُ افْعَلُوا عِنْدَ تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ مَا يَكُونُ لَغْوًا وَبَاطِلًا ،
[ ص: 104 ] لِتُخْرِجُوا قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ عَنْ أَنْ تَصِيرَ مَفْهُومَةً لِلنَّاسِ ، فَبِهَذَا الطَّرِيقِ تَغْلِبُونَ
مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَهَذَا جَهْلٌ مِنْهُمْ ؛ لِأَنَّهُمْ فِي الْحَالِ أَقَرُّوا بِأَنَّهُمْ مُشْتَغِلُونَ بِاللَّغْوِ وَالْبَاطِلِ مِنَ الْعَمَلِ ، وَاللَّهُ تَعَالَى يَنْصُرُ
مُحَمَّدًا بِفَضْلِهِ ، وَلَمَّا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ هَدَّدَهُمْ بِالْعَذَابِ الشَّدِيدِ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=27فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَابًا شَدِيدًا ) لِأَنَّ لَفْظَ الذَّوْقِ إِنَّمَا يُذْكَرُ فِي الْقَدْرِ الْقَلِيلِ الَّذِي يُؤْتَى بِهِ لِأَجْلِ التَّجْرِبَةِ ، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ أَنَّ ذَلِكَ الذَّوْقَ عَذَابٌ شَدِيدٌ ، فَإِذَا كَانَ الْقَلِيلُ مِنْهُ عَذَابًا شَدِيدًا فَكَيْفَ يَكُونُ حَالُ الْكَثِيرِ مِنْهُ ، ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=27وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ ) وَاخْتَلَفُوا فِيهِ :
فَقَالَ الْأَكْثَرُونَ : الْمُرَادُ جَزَاءُ سُوءِ أَعْمَالِهِمْ ، وَقَالَ
الْحَسَنُ : بَلِ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يُجَازِيهِمْ عَلَى مَحَاسِنِ أَعْمَالِهِمْ ؛ لِأَنَّهُمْ أَحْبَطُوهَا بِالْكُفْرِ فَضَاعَتْ تِلْكَ الْأَعْمَالُ الْحَسَنَةُ عَنْهُمْ ، وَلَمْ يَبْقَ مَعَهُمْ إِلَّا الْأَعْمَالُ الْقَبِيحَةُ الْبَاطِلَةُ ، فَلَا جَرَمَ لَمْ يَتَحَصَّلُوا إِلَّا عَلَى جَزَاءِ السَّيِّئَاتِ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=28ذَلِكَ جَزَاءُ أَعْدَاءِ اللَّهِ النَّارُ ) وَالْمَعْنَى أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا قَالَ فِي الْآيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=27وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ ) بَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ الْأَسْوَأَ الَّذِي جُعِلَ جَزَاءَ أَعْدَاءِ اللَّهِ هُوَ النَّارُ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=28لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ ) أَيْ لَهُمْ فِي جُمْلَةِ النَّارِ دَارُ السَّيِّئَاتِ مُعَيَّنَةً وَهِيَ دَارُ الْعَذَابِ الْمُخَلَّدِ لَهُمْ (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=28جَزَاءُ أَعْدَاءِ اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ ) أَيْ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَلْغُونَ فِي الْقِرَاءَةِ ، وَإِنَّمَا سَمَّاهُ جُحُودًا لِأَنَّهُمْ لَمَّا عَلِمُوا أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28899_28914الْقُرْآنَ بَالِغٌ إِلَى حَدِّ الْإِعْجَازِ خَافُوا مِنْ أَنَّهُ لَوْ سَمِعَهُ النَّاسُ لَآمَنُوا بِهِ فَاسْتَخْرَجُوا تِلْكَ الطَّرِيقَةَ الْفَاسِدَةَ ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ عَلِمُوا كَوْنَهُ مُعْجِزًا إِلَّا أَنَّهُمْ جَحَدُوا لِلْحَسَدِ .
وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ أَنَّ الَّذِي حَمَلَهُمْ عَلَى الْكُفْرِ الْمُوجِبِ لِلْعِقَابِ الشَّدِيدِ
nindex.php?page=treesubj&link=18567مُجَالَسَةُ قُرَنَاءِ السُّوءِ بَيَّنَ أَنَّ الْكُفَّارَ عِنْدَ الْوُقُوعِ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ يَقُولُونَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=29رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ ) وَالسَّبَبُ فِي ذِكْرِ هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ أَنَّ الشَّيْطَانَ عَلَى ضَرْبَيْنِ جِنِّيٍّ وَإِنْسِيٍّ ، قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=112وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ ) [ الْأَنْعَامِ : 112 ] وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=114&ayano=5الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ nindex.php?page=tafseer&surano=114&ayano=6مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ ) [ النَّاسِ : 5 ] وَقِيلَ هُمَا إِبْلِيسُ
وَقَابِيلُ ؛ لِأَنَّ الْكُفْرَ سُنَّةُ إِبْلِيسَ ، وَالْقَتْلَ بِغَيْرِ حَقٍّ سُنَّةُ
قَابِيلَ .
وَقُرِئَ " أَرْنَا " بِسُكُونِ الرَّاءِ لِثِقَلِ الْكَسْرَةِ كَمَا قَالُوا فِي فَخِذٍ : فَخْذٌ ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَعْطِنَا اللَّذَيْنِ أَضَلَّانَا وَحَكَوْا عَنِ
الْخَلِيلِ أَنَّكَ إِذَا قُلْتُ : أَرِنِي ثَوْبَكَ بِالْكَسْرِ ، فَالْمَعْنَى بَصِّرْنِيهِ وَإِذَا قُلْتَهُ بِالسُّكُونِ فَهُوَ اسْتِعْطَاءٌ مَعْنَاهُ أَعْطِنِي ثَوْبَكَ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=29نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا ) قَالَ
مُقَاتِلٌ : يَكُونَانِ أَسْفَلَ مِنَّا فِي النَّارِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=29لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ ) قَالَ
الزَّجَّاجُ : لِيَكُونَا فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ ، وَكَانَ بَعْضُ تَلَامِذَتِي مِمَّنْ يَمِيلُ إِلَى الْحِكْمَةِ يَقُولُ : الْمُرَادُ بِاللَّذَيْنِ يُضِلَّانِ الشَّهْوَةُ وَالْغَضَبُ ، وَإِلَيْهِمَا الْإِشَارَةُ فِي قِصَّةِ الْمَلَائِكَةِ بِقَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=30أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ ) [ الْبَقَرَةِ : 30 ] ثُمَّ قَالَ : وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=29نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا ) يَعْنِي يَا رَبَّنَا أَعِنَّا حَتَّى نَجْعَلَ الشَّهْوَةَ وَالْغَضَبَ تَحْتَ أَقْدَامِ جَوْهَرِ النَّفْسِ الْقُدْسِيَّةِ .
وَالْمُرَادُ بِكَوْنِهِمَا تَحْتَ أَقْدَامِهِ كَوْنُهُمَا مُسَخَّرَيْنِ لِلنَّفْسِ الْقُدْسِيَّةِ مُطِيعَيْنِ لَهَا ، وَأَنْ لَا يَكُونَا مَسْئُولَيْنِ عَلَيْهَا قَاهِرَيْنِ لَهَا .