(
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=33ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=34ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=35وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=36وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم )
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=33ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=34ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=35وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=36وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم )
اعلم أن في الآية مسائل :
المسألة الأولى : أنا ذكرنا أن الكلام من أول هذه السورة إنما ابتدئ حيث قالوا للرسول (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=5قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه ) [ فصلت : 5 ] ومرادهم ألا نقبل قولك ولا نلتفت إلى دليلك ، ثم ذكروا طريقة أخرى في السفاهة ، فقالوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=26لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه ) [ فصلت : 26 ] وإنه سبحانه ذكر الأجوبة الشافية ، والبينات الكافية في دفع هذه الشبهات وإزالة هذه الضلالات ، ثم إنه سبحانه وتعالى بين أن القوم وإن أتوا بهذه الكلمات الفاسدة ، إلا أنه يجب عليك تتابع المواظبة على التبليغ والدعوة ، فإن
nindex.php?page=treesubj&link=32023الدعوة إلى الدين الحق أكمل الطاعات ورأس العبادات ، وعبر عن هذا المعنى فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=33ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين ) فهذا وجه شريف حسن في نظم آيات هذه السورة . وفيه وجه آخر وهو أن مراتب
[ ص: 108 ] السعادات اثنان : التام ، وفوق التام ، أما التام : فهو أن يكتسب من الصفات الفاضلة ما لأجلها يصير كاملا في ذاته ، فإذا فرغ من هذه الدرجة اشتغل بعدها بتكميل الناقصين وهو فوق التام ، إذا عرفت هذا فنقول : إن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=30إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا ) [ فصلت : 30 ] إشارة إلى المرتبة الأولى ، وهي اكتساب الأحوال التي تفيد كمال النفس في جوهرها ، فإذا حصل الفراغ من هذه المرتبة وجب الانتقال إلى المرتبة الثانية وهي الاشتغال بتكميل الناقصين ، وذلك إنما يكون بدعوة الخلق إلى الدين الحق ، وهو المراد من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=33ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله ) فهذا أيضا وجه حسن في نظم هذه الآيات .
واعلم أن من آتاه الله قريحة قوية ونصابا وافيا من العلوم الإلهية الكشفية ، عرف أنه لا ترتيب أحسن ولا أكمل من ترتيب آيات القرآن .
المسألة الثانية : من الناس من قال : المراد من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=33ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله ) هو الرسول صلى الله عليه وسلم ، ومنهم من قال : هم المؤذنون ، ولكن الحق المقطوع به أن كل من دعا إلى الله بطريق من الطرق فهو داخل فيه ، والدعوة إلى الله مراتب :
فالمرتبة الأولى : دعوة الأنبياء عليهم السلام راجحة على دعوة غيرهم من وجوه :
أحدها : أنهم جمعوا بين الدعوة بالحجة أولا ، ثم الدعوة بالسيف ثانيا ، وقلما اتفق لغيرهم الجمع بين هذين الطريقين .
وثانيها : أنهم هم المبتدئون بهذه الدعوة ، وأما العلماء فإنهم يبنون دعوتهم على دعوة الأنبياء ، والشارع في إحداث الأمر الشريف على طريق الابتداء أفضل .
وثالثها : أن نفوسهم أقوى قوة ، وأرواحهم أصفى جوهرا ، فكانت تأثيراتها في إحياء القلوب الميتة وإشراق الأرواح الكدرة أكمل ، فكانت دعوتهم أفضل .
ورابعها : أن النفوس على ثلاثة أقسام : ناقصة وكاملة لا تقوى على تكميل الناقصين ، وكاملة تقوى على تكميل الناقصين .
فالقسم الأول : العوام ، والقسم الثاني : هم الأولياء ، والقسم الثالث : هم الأنبياء ، ولهذا السبب قال صلى الله عليه وسلم :
" علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل " وإذا عرفت هذا ، فنقول : إن نفس الأنبياء حصلت لها ميزتان : الكمال في الذات ، والتكميل للغير ، فكانت قوتهم على الدعوة أقوى ، وكانت درجاتهم أفضل وأكمل .
إذا عرفت هذا فنقول : الأنبياء عليهم السلام لهم صفتان : العلم والقدرة ، أما العلماء ، فهم نواب الأنبياء في العلم ، وأما الملوك ، فهم نواب الأنبياء في القدرة ، والعلم يوجب الاستيلاء على الأرواح ، والقدرة توجب الاستيلاء على الأجساد ، فالعلماء خلفاء الأنبياء في عالم الأرواح ، والملوك خلفاء الأنبياء في عالم الأجساد .
وإذا عرفت هذا ظهر أن
nindex.php?page=treesubj&link=18475_26376أكمل الدرجات في الدعوة إلى الله بعد الأنبياء درجة العلماء ، ثم العلماء على ثلاثة أقسام : العلماء بالله ، والعلماء بصفات الله ، والعلماء بأحكام الله .
أما العلماء بالله ، فهم الحكماء الذين قال الله تعالى في حقهم (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=269يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا ) [ البقرة : 229 ] وأما العلماء بصفات الله تعالى فهم أصحاب الأصول ، وأما العلماء بأحكام الله فهم الفقهاء ، ولكل واحد من هذه المقامات ثلاث درجات لا نهاية لها ، فلهذا السبب كان للدعوة إلى الله درجات لا نهاية لها ، وأما الملوك فهم أيضا يدعون إلى دين الله بالسيف ، وذلك بوجهين إما بتحصيله عند عدمه مثل المحاربة مع الكفار ، وإما بإيقاعه عند وجوده وذلك مثل قولنا : المرتد يقتل ، وأما المؤذنون فهم يدخلون في هذا الباب دخولا ضعيفا ، أما دخولهم فيه فلأن ذكر كلمات الأذان دعوة إلى الصلاة ، فكان ذلك داخلا تحت الدعاء إلى الله ، وأما كون
[ ص: 109 ] هذه المرتبة ضعيفة ؛ فلأن الظاهر من حال المؤذن أنه لا يحيط بمعاني تلك الكلمات ، وبتقدير أن يكون محيطا بها ، إلا أنه لا يريد بذكرها تلك المعاني الشريفة ، فهذا هو الكلام ، في مراتب الدعوة إلى الله .
المسألة الثالثة : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=33ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله ) يدل على أن الدعوة إلى الله أحسن من كل ما سواها ، إذا عرفت هذا فنقول : كل ما كان أحسن الأعمال وجب أن يكون واجبا ؛ لأن كل ما لا يكون واجبا فالواجب أحسن منه ، إذا عرفت هذا فنقول : الدعوة إلى الله أحسن الأعمال بمقتضى هذه الآية ، وكل ما كان أحسن الأعمال فهو واجب ، ثم ينتج أن الدعوة إلى الله واجبة ، ثم نقول : الأذان دعوة إلى الله ، والدعوة إليه واجبة ، فينتج : الأذان واجب ، واعلم أن الأكثرين من الفقهاء زعموا أن الأذان غير واجب ، وزعموا أن الأذان غير داخل في هذه الآية ، والدليل القاطع عليه أن الدعوة المرادة بهذه الآية يجب أن تكون أحسن الأقوال .
وثبت أن الأذان ليس أحسن الأقوال ؛ لأن الدعوة إلى دين الله سبحانه وتعالى بالدلائل اليقينية أحسن من الأذان ، ينتج من الشكل الثاني أن الداخل تحت هذه الآية ليس هو الأذان .
المسألة الرابعة : اختلف الناس في أن الأولى أن يقول الرجل : أنا مسلم أو الأولى أن يقول : أنا مسلم إن شاء الله ، فالقائلون بالقول الأول احتجوا على صحة قولهم بهذه الآية ، فإن التقدير : ومن أحسن قولا ممن قال إني من المسلمين ، فحكم بأن هذا القول أحسن الأقوال ، ولو كان قولنا : إن شاء الله معتبرا في كونه أحسن الأقوال لبطل ما دل عليه ظاهر هذه الآية .
المسألة الخامسة : الآية تدل على أن أحسن الأقوال قول من جمع بين خصال ثلاثة . أولها : الدعوة إلى الله . وثانيها : العمل الصالح . وثالثها : أن يكون من المسلمين ، أما الدعوة إلى الله فقد شرحناها وهي عبارة عن الدعوة إلى الله بإقامة الدلائل اليقينية والبراهين القطعية .
وأما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=33وعمل صالحا ) فاعلم أن
nindex.php?page=treesubj&link=27341العمل الصالح إما أن يكون عمل القلوب وهو المعرفة ، أو عمل الجوارح وهو سائر الطاعات .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=33وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=34وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=35وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=36وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ )
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=33وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=34وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=35وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=36وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ )
اعْلَمْ أَنَّ فِي الْآيَةِ مَسَائِلَ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : أَنَّا ذَكَرْنَا أَنَّ الْكَلَامَ مِنْ أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ إِنَّمَا ابْتُدِئَ حَيْثُ قَالُوا لِلرَّسُولِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=5قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ ) [ فُصِّلَتْ : 5 ] وَمُرَادُهُمْ أَلَّا نَقْبَلَ قَوْلَكَ وَلَا نَلْتَفِتَ إِلَى دَلِيلِكَ ، ثُمَّ ذَكَرُوا طَرِيقَةً أُخْرَى فِي السَّفَاهَةِ ، فَقَالُوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=26لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ ) [ فُصِّلَتْ : 26 ] وَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ ذَكَرَ الْأَجْوِبَةَ الشَّافِيَةَ ، وَالْبَيِّنَاتِ الْكَافِيَةَ فِي دَفْعِ هَذِهِ الشُّبُهَاتِ وَإِزَالَةِ هَذِهِ الضَّلَالَاتِ ، ثُمَّ إِنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بَيَّنَ أَنَّ الْقَوْمَ وَإِنْ أَتَوْا بِهَذِهِ الْكَلِمَاتِ الْفَاسِدَةِ ، إِلَّا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْكَ تَتَابُعُ الْمُوَاظَبَةِ عَلَى التَّبْلِيغِ وَالدَّعْوَةِ ، فَإِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=32023الدَّعْوَةَ إِلَى الدِّينِ الْحَقِّ أَكْمَلُ الطَّاعَاتِ وَرَأْسُ الْعِبَادَاتِ ، وَعَبَّرَ عَنْ هَذَا الْمَعْنَى فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=33وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) فَهَذَا وَجْهٌ شَرِيفٌ حَسَنٌ فِي نَظْمِ آيَاتِ هَذِهِ السُّورَةِ . وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ مَرَاتِبَ
[ ص: 108 ] السَّعَادَاتِ اثْنَانِ : التَّامُّ ، وَفَوْقَ التَّامِّ ، أَمَّا التَّامُّ : فَهُوَ أَنْ يَكْتَسِبَ مِنَ الصِّفَاتِ الْفَاضِلَةِ مَا لِأَجْلِهَا يَصِيرُ كَامِلًا فِي ذَاتِهِ ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْ هَذِهِ الدَّرَجَةِ اشْتَغَلَ بَعْدَهَا بِتَكْمِيلِ النَّاقِصِينَ وَهُوَ فَوْقَ التَّامِّ ، إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ : إِنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=30إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا ) [ فُصِّلَتْ : 30 ] إِشَارَةٌ إِلَى الْمَرْتَبَةِ الْأُولَى ، وَهِيَ اكْتِسَابُ الْأَحْوَالِ الَّتِي تُفِيدُ كَمَالَ النَّفْسِ فِي جَوْهَرِهَا ، فَإِذَا حَصَلَ الْفَرَاغُ مِنْ هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ وَجَبَ الِانْتِقَالُ إِلَى الْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ الِاشْتِغَالُ بِتَكْمِيلِ النَّاقِصِينَ ، وَذَلِكَ إِنَّمَا يَكُونُ بِدَعْوَةِ الْخَلْقِ إِلَى الدِّينِ الْحَقِّ ، وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=33وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ ) فَهَذَا أَيْضًا وَجْهٌ حَسَنٌ فِي نَظْمِ هَذِهِ الْآيَاتِ .
وَاعْلَمْ أَنَّ مَنْ آتَاهُ اللَّهُ قَرِيحَةً قَوِيَّةً وَنِصَابًا وَافِيًا مِنَ الْعُلُومِ الْإِلَهِيَّةِ الْكَشْفِيَّةِ ، عَرَفَ أَنَّهُ لَا تَرْتِيبَ أَحْسَنُ وَلَا أَكْمَلُ مِنْ تَرْتِيبِ آيَاتِ الْقُرْآنِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : مِنَ النَّاسِ مَنْ قَالَ : الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=33وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ ) هُوَ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : هُمُ الْمُؤَذِّنُونَ ، وَلَكِنَّ الْحَقَّ الْمَقْطُوعَ بِهِ أَنَّ كُلَّ مَنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ بِطَرِيقٍ مِنَ الطُّرُقِ فَهُوَ دَاخِلٌ فِيهِ ، وَالدَّعْوَةُ إِلَى اللَّهِ مَرَاتِبُ :
فَالْمَرْتَبَةُ الْأُولَى : دَعْوَةُ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ رَاجِحَةٌ عَلَى دَعْوَةِ غَيْرِهِمْ مِنْ وُجُوهٍ :
أَحَدُهَا : أَنَّهُمْ جَمَعُوا بَيْنَ الدَّعْوَةِ بِالْحُجَّةِ أَوَّلًا ، ثُمَّ الدَّعْوَةِ بِالسَّيْفِ ثَانِيًا ، وَقَلَّمَا اتَّفَقَ لِغَيْرِهِمُ الْجَمْعُ بَيْنَ هَذَيْنِ الطَّرِيقَيْنِ .
وَثَانِيهَا : أَنَّهُمْ هُمُ الْمُبْتَدِئُونَ بِهَذِهِ الدَّعْوَةِ ، وَأَمَّا الْعُلَمَاءُ فَإِنَّهُمْ يَبْنُونَ دَعْوَتَهُمْ عَلَى دَعْوَةِ الْأَنْبِيَاءِ ، وَالشَّارِعُ فِي إِحْدَاثِ الْأَمْرِ الشَّرِيفِ عَلَى طَرِيقِ الِابْتِدَاءِ أَفْضَلُ .
وَثَالِثُهَا : أَنَّ نُفُوسَهُمْ أَقْوَى قُوَّةً ، وَأَرْوَاحَهُمْ أَصْفَى جَوْهَرًا ، فَكَانَتْ تَأْثِيرَاتُهَا فِي إِحْيَاءِ الْقُلُوبِ الْمَيِّتَةِ وَإِشْرَاقِ الْأَرْوَاحِ الْكَدِرَةِ أَكْمَلَ ، فَكَانَتْ دَعْوَتُهُمْ أَفْضَلَ .
وَرَابِعُهَا : أَنَّ النُّفُوسَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ : نَاقِصَةٌ وَكَامِلَةٌ لَا تَقْوَى عَلَى تَكْمِيلِ النَّاقِصِينَ ، وَكَامِلَةٌ تَقْوَى عَلَى تَكْمِيلِ النَّاقِصِينَ .
فَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ : الْعَوَامُّ ، وَالْقِسْمُ الثَّانِي : هُمُ الْأَوْلِيَاءُ ، وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ : هُمُ الْأَنْبِيَاءُ ، وَلِهَذَا السَّبَبِ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
" عُلَمَاءُ أُمَّتِي كَأَنْبِيَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ " وَإِذَا عَرَفْتَ هَذَا ، فَنَقُولُ : إِنَّ نَفْسَ الْأَنْبِيَاءِ حَصَلَتْ لَهَا مَيْزَتَانِ : الْكَمَالُ فِي الذَّاتِ ، وَالتَّكْمِيلُ لِلْغَيْرِ ، فَكَانَتْ قُوَّتُهُمْ عَلَى الدَّعْوَةِ أَقْوَى ، وَكَانَتْ دَرَجَاتُهُمْ أَفْضَلَ وَأَكْمَلَ .
إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ : الْأَنْبِيَاءُ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ لَهُمْ صِفَتَانِ : الْعِلْمُ وَالْقُدْرَةُ ، أَمَّا الْعُلَمَاءُ ، فَهُمْ نُوَّابُ الْأَنْبِيَاءِ فِي الْعِلْمِ ، وَأَمَّا الْمُلُوكُ ، فَهُمْ نُوَّابُ الْأَنْبِيَاءِ فِي الْقُدْرَةِ ، وَالْعِلْمُ يُوجِبُ الِاسْتِيلَاءَ عَلَى الْأَرْوَاحِ ، وَالْقُدْرَةُ تُوجِبُ الِاسْتِيلَاءَ عَلَى الْأَجْسَادِ ، فَالْعُلَمَاءُ خُلَفَاءُ الْأَنْبِيَاءِ فِي عَالَمِ الْأَرْوَاحِ ، وَالْمُلُوكُ خُلَفَاءُ الْأَنْبِيَاءِ فِي عَالَمِ الْأَجْسَادِ .
وَإِذَا عَرَفْتَ هَذَا ظَهَرَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=18475_26376أَكْمَلَ الدَّرَجَاتِ فِي الدَّعْوَةِ إِلَى اللَّهِ بَعْدَ الْأَنْبِيَاءِ دَرَجَةً الْعُلَمَاءُ ، ثُمَّ الْعُلَمَاءُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ : الْعُلَمَاءُ بِاللَّهِ ، وَالْعُلَمَاءُ بِصِفَاتِ اللَّهِ ، وَالْعُلَمَاءُ بِأَحْكَامِ اللَّهِ .
أَمَّا الْعُلَمَاءُ بِاللَّهِ ، فَهُمُ الْحُكَمَاءُ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي حَقِّهِمْ (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=269يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ) [ الْبَقَرَةِ : 229 ] وَأَمَّا الْعُلَمَاءُ بِصِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُمْ أَصْحَابُ الْأُصُولِ ، وَأَمَّا الْعُلَمَاءُ بِأَحْكَامِ اللَّهِ فَهُمُ الْفُقَهَاءُ ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَقَامَاتِ ثَلَاثُ دَرَجَاتٍ لَا نِهَايَةَ لَهَا ، فَلِهَذَا السَّبَبِ كَانَ لِلدَّعْوَةِ إِلَى اللَّهِ دَرَجَاتٌ لَا نِهَايَةَ لَهَا ، وَأَمَّا الْمُلُوكُ فَهُمْ أَيْضًا يَدْعُونَ إِلَى دِينِ اللَّهِ بِالسَّيْفِ ، وَذَلِكَ بِوَجْهَيْنِ إِمَّا بِتَحْصِيلِهِ عِنْدَ عَدَمِهِ مِثْلَ الْمُحَارَبَةِ مَعَ الْكُفَّارِ ، وَإِمَّا بِإِيقَاعِهِ عِنْدَ وُجُودِهِ وَذَلِكَ مِثْلُ قَوْلِنَا : الْمُرْتَدُّ يُقْتَلُ ، وَأَمَّا الْمُؤَذِّنُونَ فَهُمْ يَدْخُلُونَ فِي هَذَا الْبَابِ دُخُولًا ضَعِيفًا ، أَمَّا دُخُولُهُمْ فِيهِ فَلِأَنَّ ذِكْرَ كَلِمَاتِ الْأَذَانِ دَعْوَةٌ إِلَى الصَّلَاةِ ، فَكَانَ ذَلِكَ دَاخِلًا تَحْتَ الدُّعَاءِ إِلَى اللَّهِ ، وَأَمَّا كَوْنُ
[ ص: 109 ] هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ ضَعِيفَةً ؛ فَلِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ الْمُؤَذِّنِ أَنَّهُ لَا يُحِيطُ بِمَعَانِي تِلْكَ الْكَلِمَاتِ ، وَبِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ مُحِيطًا بِهَا ، إِلَّا أَنَّهُ لَا يُرِيدُ بِذِكْرِهَا تِلْكَ الْمَعَانِيَ الشَّرِيفَةَ ، فَهَذَا هُوَ الْكَلَامُ ، فِي مَرَاتِبِ الدَّعْوَةِ إِلَى اللَّهِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=33وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ ) يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الدَّعْوَةَ إِلَى اللَّهِ أَحْسَنُ مِنْ كُلِّ مَا سِوَاهَا ، إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ : كُلُّ مَا كَانَ أَحْسَنَ الْأَعْمَالِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا لَا يَكُونُ وَاجِبًا فَالْوَاجِبُ أَحْسَنُ مِنْهُ ، إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ : الدَّعْوَةُ إِلَى اللَّهِ أَحْسَنُ الْأَعْمَالِ بِمُقَتْضَى هَذِهِ الْآيَةِ ، وَكُلُّ مَا كَانَ أَحْسَنَ الْأَعْمَالِ فَهُوَ وَاجِبٌ ، ثُمَّ يَنْتُجُ أَنَّ الدَّعْوَةَ إِلَى اللَّهِ وَاجِبَةٌ ، ثُمَّ نَقُولُ : الْأَذَانُ دَعْوَةٌ إِلَى اللَّهِ ، وَالدَّعْوَةُ إِلَيْهِ وَاجِبَةٌ ، فَيَنْتُجُ : الْأَذَانُ وَاجِبٌ ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَكْثَرِينَ مِنَ الْفُقَهَاءِ زَعَمُوا أَنَّ الْأَذَانَ غَيْرُ وَاجِبٍ ، وَزَعَمُوا أَنَّ الْأَذَانَ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ، وَالدَّلِيلُ الْقَاطِعُ عَلَيْهِ أَنَّ الدَّعْوَةَ الْمُرَادَةَ بِهَذِهِ الْآيَةِ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ أَحْسَنَ الْأَقْوَالِ .
وَثَبَتَ أَنَّ الْأَذَانَ لَيْسَ أَحْسَنَ الْأَقْوَالِ ؛ لِأَنَّ الدَّعْوَةَ إِلَى دِينِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِالدَّلَائِلِ الْيَقِينِيَّةِ أَحْسَنُ مِنَ الْأَذَانِ ، يَنْتُجُ مِنَ الشَّكْلِ الثَّانِي أَنَّ الدَّاخِلَ تَحْتَ هَذِهِ الْآيَةِ لَيْسَ هُوَ الْأَذَانَ .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ : أَنَا مُسْلِمٌ أَوِ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ : أَنَا مُسْلِمٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ، فَالْقَائِلُونَ بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ احْتَجُّوا عَلَى صِحَّةِ قَوْلِهِمْ بِهَذِهِ الْآيَةِ ، فَإِنَّ التَّقْدِيرَ : وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ قَالَ إِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، فَحَكَمَ بِأَنَّ هَذَا الْقَوْلَ أَحْسَنُ الْأَقْوَالِ ، وَلَوْ كَانَ قَوْلُنَا : إِنْ شَاءَ اللَّهُ مُعْتَبَرًا فِي كَوْنِهِ أَحْسَنَ الْأَقْوَالِ لَبَطَلَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ هَذِهِ الْآيَةِ .
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ : الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَحْسَنَ الْأَقْوَالِ قَوْلُ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ خِصَالٍ ثَلَاثَةٍ . أَوَّلُهَا : الدَّعْوَةُ إِلَى اللَّهِ . وَثَانِيهَا : الْعَمَلُ الصَّالِحُ . وَثَالِثُهَا : أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، أَمَّا الدَّعْوَةُ إِلَى اللَّهِ فَقَدْ شَرَحْنَاهَا وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنِ الدَّعْوَةِ إِلَى اللَّهِ بِإِقَامَةِ الدَّلَائِلِ الْيَقِينِيَّةِ وَالْبَرَاهِينِ الْقَطْعِيَّةِ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=33وَعَمِلَ صَالِحًا ) فَاعْلَمْ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=27341الْعَمَلَ الصَّالِحَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ عَمَلَ الْقُلُوبِ وَهُوَ الْمَعْرِفَةُ ، أَوْ عَمَلَ الْجَوَارِحِ وَهُوَ سَائِرُ الطَّاعَاتِ .