[ ص: 122 ] ( سورة الشورى )
خمسون وثلاث آيات ، مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
(
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=1حم nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=2عسق nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=3كذلك يوحي إليك وإلى الذين من قبلك الله العزيز الحكيم nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=4له ما في السماوات وما في الأرض وهو العلي العظيم nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=5تكاد السماوات يتفطرن من فوقهن والملائكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الأرض ألا إن الله هو الغفور الرحيم nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=6والذين اتخذوا من دونه أولياء الله حفيظ عليهم وما أنت عليهم بوكيل )
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=1حم nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=2عسق nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=3كذلك يوحي إليك وإلى الذين من قبلك الله العزيز الحكيم nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=4له ما في السماوات وما في الأرض وهو العلي العظيم nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=5تكاد السماوات يتفطرن من فوقهن والملائكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الأرض ألا إن الله هو الغفور الرحيم nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=6والذين اتخذوا من دونه أولياء الله حفيظ عليهم وما أنت عليهم بوكيل )
اعلم أن الكلام في أمثال هذه الفواتح معلوم إلا أن في هذا الموضع سؤالان زائدان الأول : أن يقال : إن هذه السور السبعة مصدرة بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=1حم ) فما
nindex.php?page=treesubj&link=28900السبب في اختصاص هذه السورة بمزيد ( nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=2عسق ) ؟ .
الثاني : أنهم أجمعوا على أنه لا يفصل بين (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=1كهيعص ) [ مريم : 1 ] ( وههنا يفصل بين (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=1حم ) وبين (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=2عسق ) فما السبب فيه ؟
واعلم أن الكلام في أمثال هذه الفواتح يضيق ، وفتح باب المجازفات مما لا سبيل إليه ، فالأولى أن يفوض علمها إلى الله ، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود " حم عسق " .
أما قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=3كذلك يوحي إليك ) فالكاف معناه المثل وذا للإشارة إلى شيء سبق ذكره ، فيكون المعنى : مثل : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=1حم nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=2عسق nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=3كذلك يوحي إليك وإلى الذين من قبلك ) وعند هذا حصل قولان :
[ ص: 123 ] الأول : نقل عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنه أنه قال : " لا نبي صاحب كتاب إلا وقد أوحي إليه حم عسق " وهذا عندي بعيد .
الثاني : أن يكون المعنى : مثل الكتاب المسمى بـ " حم عسق " يوحي الله إليك وإلى الذين من قبلك ، وهذه المماثلة المراد منها المماثلة في الدعوة إلى التوحيد والعدل والنبوة والمعاد وتقبيح أحوال الدنيا والترغيب في التوجه إلى الآخرة ، والذي يؤكد هذا أنا بينا في سورة : (
nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=1سبح اسم ربك الأعلى ) [ الأعلى : 1 ] أن أولها في تقرير التوحيد ، وأوسطها في تقرير النبوة ، وآخرها في تقرير المعاد ، ولما تمم الكلام في تقرير هذه المطالب الثلاثة قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=18إن هذا لفي الصحف الأولى nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=19صحف إبراهيم وموسى ) [ الأعلى : 18 ] يعني أن المقصود من إنزال جميع الكتب الإلهية ليس إلا هذه المطالب الثلاثة ، فكذلك ههنا يعني مثل الكتاب المسمى بـ " حم عسق " يوحي الله إليك وإلى كل من قبلك من الأنبياء ، والمراد بهذه المماثلة الدعوة إلى هذه المطالب العالية والمباحث المقدسة الإلهية ، قال صاحب " الكشاف " ولم يقل أوحى إليك ، ولكن قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=3يوحي إليك ) على لفظ المضارع ليدل على أن إيحاء مثله عادته .
وقرأ
ابن كثير " كذلك يوحى " بفتح الحاء على ما لم يسم فاعله وهي إحدى الروايتين عن
أبي عمرو وعن بعضهم " نوحي " بالنون ، وقرأ الباقون " يوحي إليك وإلى الذين من قبلك " بكسر الحاء ، فإن قيل فعلى القراءة الأولى ما رافع اسم الله تعالى ؟ قلنا ما دل عليه بوحي ، كأن قائلا قال من الموحي ؟ فقيل الله ، ونظيره قراءة
السلمي " وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم " [ الأنعام : 137 ] على البناء للمفعول ، ورفع " شركاؤهم " فإن قيل فما رافعه فيمن قرأ " نوحي " بالنون ؟ قلنا يرفع بالابتداء ، والعزيز وما بعده أخبار ، أو (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=3العزيز الحكيم ) صفتان والظرف خبره ، ولما ذكر أن هذا الكتاب حصل بالوحي بين أن الموحي من هو ، فقال إنه هو العزيز الحكيم وقد بينا في أول سورة " حم المؤمن " أن كونه عزيزا يدل على كونه قادرا على ما لا نهاية له وكونه حكيما يدل على كونه عالما بجميع المعلومات غنيا عن جميع الحاجات فيحصل لنا من كونه عزيزا حكيما
nindex.php?page=treesubj&link=33679_29711_28781كونه قادرا على جميع المقدورات عالما بجميع المعلومات غنيا عن جميع الحاجات ، ومن كان كذلك كانت أفعاله وأقواله حكمة وصوابا ، وكانت مبرأة عن العيب والعبث ، قال مصنف الكتاب : قلت في قصيدة :
الحمد لله ذي الآلاء والنعم والفضل والجود والإحسان والكرم
منزه الفعل عن عيب وعن عبث
مقدس الملك عن عزل وعن عدم
والصفة الثالثة قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=4له ما في السماوات وما في الأرض ) وهذا يدل على مطلوبين في غاية الجلال : أحدهما : كونه موصوفا بقدرة كاملة نافذة في جميع أجزاء السماوات والأرض على عظمتها وسعتها ، بالإيجاد والإعدام ، والتكوين والإبطال .
والثاني : أنه لما بين بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=4له ما في السماوات وما في الأرض ) أن كل ما في السماوات وما في الأرض فهو ملكه وملكه ، وجب أن يكون منزها عن كونه حاصلا في السماوات وفي الأرض ، وإلا لزم كونه ملكا لنفسه .
وإذا ثبت أنه ليس في شيء من السماوات امتنع كونه أيضا في العرش ؛ لأن كل ما سماك فهو سماء فإذا كان العرش موجودا فوق السماوات كان في الحقيقة سماء ، فوجب أن يكون كل ما كان حاصلا في العرش ملكا لله وملكا له ، فوجب أن يكون منزها عن كونه حاصلا في العرش ، وإن قالوا : إنه تعالى قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=4له ما في السماوات ) وكلمة ما تتناول من يعقل قلنا هذا مدفوع من وجهين : الأول : أن
[ ص: 124 ] لفظة ما واردة في حق الله تعالى قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=91&ayano=5والسماء وما بناها nindex.php?page=tafseer&surano=91&ayano=6والأرض وما طحاها ) [ الشمس : 6 ] وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=2لا أعبد ما تعبدون nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=3ولا أنتم عابدون ما أعبد ) ، [ الكافرون : 5 ] .
والثاني : أن صيغة " من " : وردت في مثل هذه السورة قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=93إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا ) [ مريم : 93 ] وكلمة " من " لا شك أنها واردة في حق الله تعالى فدلت هذه الآية على أن
nindex.php?page=treesubj&link=28784_29687كل من في السماوات والأرض فهو عبد الله ، فلو كان الله موجودا في السماوات والأرض وفي العرش لكان هو من جملة من في السماوات فوجب أن يكون عبد الله ، ولما ثبت بهذه الآية أن كل من كان موجودا في السماوات والعرش فهو عبد لله وجب فيمن تقدست كبرياؤه عن تهمة العبودية أن يكون منزها عن الكون في المكان والجهة والعرش والكرسي .
والصفة الرابعة والخامسة : قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=4وهو العلي العظيم ) ولا يجوز أن يكون المراد بكونه عليا العلو في الجهة والمكان لما ثبتت الدلالة على فساده ، ولا يجوز أن يكون المراد من العظيم العظمة بالجثة وكبر الجسم ؛ لأن ذلك يقتضي كونه مؤلفا من الأجزاء والأبعاض ، وذلك ضد قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=112&ayano=1الله أحد ) فوجب أن يكون
nindex.php?page=treesubj&link=28723_34077_34080المراد من العلي المتعالي عن مشابهة الممكنات ومناسبة المحدثات ، ومن العظيم العظمة بالقدرة ، والقهر بالاستعلاء ، وكمال الإلهية .
[ ص: 122 ] ( سُورَةُ الشُّورَى )
خَمْسُونَ وَثَلَاثُ آيَاتٍ ، مَكِّيَّةٌ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=1حم nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=2عسق nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=3كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=4لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=5تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=6وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ )
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=1حم nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=2عسق nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=3كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=4لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=5تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=6وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَولِيَاءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ )
اعْلَمْ أَنَّ الْكَلَامَ فِي أَمْثَالِ هَذِهِ الْفَوَاتِحِ مَعْلُومٌ إِلَّا أَنَّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ سُؤَالَانِ زَائِدَانِ الْأَوَّلُ : أَنْ يُقَالَ : إِنَّ هَذِهِ السُّوَرَ السَّبْعَةَ مُصَدَّرَةٌ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=1حم ) فَمَا
nindex.php?page=treesubj&link=28900السَّبَبُ فِي اخْتِصَاصِ هَذِهِ السُّورَةِ بِمَزِيدِ ( nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=2عسق ) ؟ .
الثَّانِي : أَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُفْصَلُ بَيْنَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=1كهيعص ) [ مَرْيَمَ : 1 ] ( وَهَهُنَا يُفْصَلُ بَيْنَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=1حم ) وَبَيْنَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=2عسق ) فَمَا السَّبَبُ فِيهِ ؟
وَاعْلَمْ أَنَّ الْكَلَامَ فِي أَمْثَالِ هَذِهِ الْفَوَاتِحِ يَضِيقُ ، وَفَتْحُ بَابِ الْمُجَازَفَاتِ مِمَّا لَا سَبِيلَ إِلَيْهِ ، فَالْأَوْلَى أَنْ يُفَوَّضَ عِلْمُهَا إِلَى اللَّهِ ، وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ nindex.php?page=showalam&ids=10وَابْنُ مَسْعُودٍ " حم عسق " .
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=3كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ ) فَالْكَافُ مَعْنَاهُ الْمِثْلُ وَذَا لِلْإِشَارَةِ إِلَى شَيْءٍ سَبَقَ ذِكْرُهُ ، فَيَكُونُ الْمَعْنَى : مِثْلُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=1حم nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=2عسق nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=3كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ ) وَعِنْدَ هَذَا حَصَلَ قَوْلَانِ :
[ ص: 123 ] الْأَوَّلُ : نُقِلَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : " لَا نَبِيَّ صَاحِبَ كِتَابٍ إِلَّا وَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْهِ حم عسق " وَهَذَا عِنْدِي بِعِيدٌ .
الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى : مِثْلَ الْكِتَابِ الْمُسَمَّى بِـ " حم عسق " يُوحِي اللَّهُ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ ، وَهَذِهِ الْمُمَاثَلَةُ الْمُرَادُ مِنْهَا الْمُمَاثَلَةُ فِي الدَّعْوَةِ إِلَى التَّوْحِيدِ وَالْعَدْلِ وَالنُّبُوَّةِ وَالْمَعَادِ وَتَقْبِيحِ أَحْوَالِ الدُّنْيَا وَالتَّرْغِيبِ فِي التَّوَجُّهِ إِلَى الْآخِرَةِ ، وَالَّذِي يُؤَكِّدُ هَذَا أَنَّا بَيَّنَّا فِي سُورَةِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=1سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ) [ الْأَعْلَى : 1 ] أَنَّ أَوَّلَهَا فِي تَقْرِيرِ التَّوْحِيدِ ، وَأَوْسَطَهَا فِي تَقْرِيرِ النُّبُوَّةِ ، وَآخِرَهَا فِي تَقْرِيرِ الْمَعَادِ ، وَلَمَّا تَمَّمَ الْكَلَامَ فِي تَقْرِيرِ هَذِهِ الْمَطَالِبِ الثَّلَاثَةِ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=18إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=19صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى ) [ الْأَعْلَى : 18 ] يَعْنِي أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ إِنْزَالِ جَمِيعِ الْكُتُبِ الْإِلَهِيَّةِ لَيْسَ إِلَّا هَذِهِ الْمَطَالِبَ الثَّلَاثَةَ ، فَكَذَلِكَ هَهُنَا يَعْنِي مِثْلَ الْكِتَابِ الْمُسَمَّى بِـ " حم عسق " يُوحِي اللَّهُ إِلَيْكَ وَإِلَى كُلِّ مَنْ قَبْلَكَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ ، وَالْمُرَادُ بِهَذِهِ الْمُمَاثَلَةِ الدَّعْوَةُ إِلَى هَذِهِ الْمَطَالِبِ الْعَالِيَةِ وَالْمَبَاحِثِ الْمُقَدَّسَةِ الْإِلَهِيَّةِ ، قَالَ صَاحِبُ " الْكَشَّافِ " وَلَمْ يَقُلْ أَوْحَى إِلَيْكَ ، وَلَكِنْ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=3يُوحِي إِلَيْكَ ) عَلَى لَفْظِ الْمُضَارِعِ لِيَدُلَّ عَلَى أَنَّ إِيحَاءَ مِثْلِهِ عَادَتُهُ .
وَقَرَأَ
ابْنُ كَثِيرٍ " كَذَلِكَ يُوحَى " بِفَتْحِ الْحَاءِ عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ وَهِيَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ
أَبِي عَمْرٍو وَعَنْ بَعْضِهِمْ " نُوحِي " بِالنُّونِ ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ " يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ " بِكَسْرِ الْحَاءِ ، فَإِنْ قِيلَ فَعَلَى الْقِرَاءَةِ الْأُولَى مَا رَافِعُ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى ؟ قُلْنَا مَا دَلَّ عَلَيْهِ بِوَحْيٍ ، كَأَنَّ قَائِلًا قَالَ مَنِ الْمُوحِي ؟ فَقِيلَ اللَّهُ ، وَنَظِيرُهُ قِرَاءَةُ
السُّلَمِيِّ " وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلُ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ " [ الْأَنْعَامِ : 137 ] عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ ، وَرَفْعِ " شُرَكَاؤُهُمْ " فَإِنْ قِيلَ فَمَا رَافِعُهُ فِيمَنْ قَرَأَ " نُوحِي " بِالنُّونِ ؟ قُلْنَا يُرْفَعُ بِالِابْتِدَاءِ ، وَالْعَزِيزُ وَمَا بَعْدَهُ أَخْبَارٌ ، أَوِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=3الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) صِفَتَانِ وَالظَّرْفُ خَبَرُهُ ، وَلَمَّا ذَكَرَ أَنَّ هَذَا الْكِتَابَ حَصَلَ بِالْوَحْيِ بَيَّنَ أَنَّ الْمُوحِيَ مَنْ هُوَ ، فَقَالَ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ وَقَدْ بَيَّنَّا فِي أَوَّلِ سُورَةِ " حم الْمُؤْمِنِ " أَنَّ كَوْنَهُ عَزِيزًا يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ قَادِرًا عَلَى مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ وَكَوْنَهُ حَكِيمًا يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ عَالِمًا بِجَمِيعِ الْمَعْلُومَاتِ غَنِيًّا عَنْ جَمِيعِ الْحَاجَاتِ فَيَحْصُلُ لَنَا مِنْ كَوْنِهِ عَزِيزًا حَكِيمًا
nindex.php?page=treesubj&link=33679_29711_28781كَوْنُهُ قَادِرًا عَلَى جَمِيعِ الْمَقْدُورَاتِ عَالِمًا بِجَمِيعِ الْمَعْلُومَاتِ غَنِيًّا عَنْ جَمِيعِ الْحَاجَاتِ ، وَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ كَانَتْ أَفْعَالُهُ وَأَقْوَالُهُ حِكْمَةً وَصَوَابًا ، وَكَانَتْ مُبَرَّأَةً عَنِ الْعَيْبِ وَالْعَبَثِ ، قَالَ مُصَنِّفُ الْكِتَابِ : قُلْتُ فِي قَصِيدَةً :
الْحَمْدُ لِلَّهِ ذِي الْآلَاءِ وَالنِّعَمِ وَالْفَضْلِ وَالْجُودِ وَالْإِحْسَانِ وَالْكَرَمِ
مُنَزَّهِ الْفِعْلِ عَنْ عَيْبٍ وَعَنْ عَبَثِ
مُقَدَّسِ الْمُلْكِ عَنْ عَزْلٍ وَعَنْ عَدَمِ
وَالصِّفَةُ الثَّالِثَةُ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=4لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ) وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى مَطْلُوبَيْنِ فِي غَايَةِ الْجَلَالِ : أَحَدُهُمَا : كَوْنُهُ مَوْصُوفًا بِقُدْرَةٍ كَامِلَةٍ نَافِذَةٍ فِي جَمِيعِ أَجْزَاءِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَلَى عَظَمَتِهَا وَسِعَتِهَا ، بِالْإِيجَادِ وَالْإِعْدَامِ ، وَالتَّكْوِينِ وَالْإِبْطَالِ .
وَالثَّانِي : أَنَّهُ لَمَّا بَيَّنَ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=4لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ) أَنَّ كُلَّ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ فَهُوَ مُلْكُهُ وَمِلْكُهُ ، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ مُنَزَّهًا عَنْ كَوْنِهِ حَاصِلًا فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ ، وَإِلَّا لَزِمَ كَوْنُهُ مِلْكًا لِنَفْسِهِ .
وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنَ السَّمَاوَاتِ امْتَنَعَ كَوْنُهُ أَيْضًا فِي الْعَرْشِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا سَمَاكَ فَهُوَ سَمَاءٌ فَإِذَا كَانَ الْعَرْشُ مَوْجُودًا فَوْقَ السَّمَاوَاتِ كَانَ فِي الْحَقِيقَةِ سَمَاءً ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ مَا كَانَ حَاصِلًا فِي الْعَرْشِ مُلْكًا لِلَّهِ وَمِلْكًا لَهُ ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مُنَزَّهًا عَنْ كَوْنِهِ حَاصِلًا فِي الْعَرْشِ ، وَإِنْ قَالُوا : إِنَّهُ تَعَالَى قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=4لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ ) وَكَلِمَةُ مَا تَتَنَاوَلُ مَنْ يَعْقِلُ قُلْنَا هَذَا مَدْفُوعٌ مِنْ وَجْهَيْنِ : الْأَوَّلُ : أَنَّ
[ ص: 124 ] لَفْظَةَ مَا وَارِدَةٌ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=91&ayano=5وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا nindex.php?page=tafseer&surano=91&ayano=6وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا ) [ الشَّمْسِ : 6 ] وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=2لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=3وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ) ، [ الْكَافِرُونَ : 5 ] .
وَالثَّانِي : أَنَّ صِيغَةَ " مَنْ " : وَرَدَتْ فِي مِثْلِ هَذِهِ السُّورَةِ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=93إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا ) [ مَرْيَمَ : 93 ] وَكَلِمَةُ " مَنْ " لَا شَكَّ أَنَّهَا وَارِدَةٌ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَدَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28784_29687كُلَّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ ، فَلَوْ كَانَ اللَّهُ مَوْجُودًا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَفِي الْعَرْشِ لَكَانَ هُوَ مِنْ جُمْلَةِ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ عَبْدَ اللَّهِ ، وَلَمَّا ثَبَتَ بِهَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ مَوْجُودًا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْعَرْشِ فَهُوَ عَبْدٌ لِلَّهِ وَجَبَ فِيمَنْ تَقَدَّسَتْ كِبْرِيَاؤُهُ عَنْ تُهْمَةِ الْعُبُودِيَّةِ أَنْ يَكُونَ مُنَزَّهًا عَنِ الْكَوْنِ فِي الْمَكَانِ وَالْجِهَةِ وَالْعَرْشِ وَالْكُرْسِيِّ .
وَالصِّفَةُ الرَّابِعَةُ وَالْخَامِسَةُ : قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=4وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ) وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِكَوْنِهِ عَلِيًّا الْعُلُوَّ فِي الْجِهَةِ وَالْمَكَانِ لِمَا ثَبَتَتِ الدَّلَالَةُ عَلَى فَسَادِهِ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنَ الْعَظِيمِ الْعَظَمَةَ بِالْجُثَّةِ وَكِبَرِ الْجِسْمِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي كَوْنَهُ مُؤَلَّفًا مِنَ الْأَجْزَاءِ وَالْأَبْعَاضِ ، وَذَلِكَ ضِدُّ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=112&ayano=1اللَّهُ أَحَدٌ ) فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ
nindex.php?page=treesubj&link=28723_34077_34080الْمُرَادُ مِنَ الْعَلِيِّ الْمُتَعَالِي عَنْ مُشَابَهَةِ الْمُمْكِنَاتِ وَمُنَاسَبَةِ الْمُحْدَثَاتِ ، وَمِنَ الْعَظِيمِ الْعَظَمَةُ بِالْقُدْرَةِ ، وَالْقَهْرُ بِالِاسْتِعْلَاءِ ، وَكَمَالُ الْإِلَهِيَّةِ .