المسألة الثانية : في ظاهر هذه الآية إشكال ، فإنه يقال : المقصود منها
nindex.php?page=treesubj&link=28717_33677نفي المثل عن الله تعالى ، وظاهرها يوجب إثبات المثل لله ، فإنه يقتضي نفي المثل عن مثله ، لا عنه ، وذلك يوجب إثبات المثل لله تعالى ، وأجاب العلماء عنه بأن قالوا : إن العرب ، تقول : مثلك لا يبخل ، أي : أنت لا تبخل ، فنفوا البخل عن مثله ، وهم يريدون نفيه عنه ، ويقول الرجل : هذا الكلام لا يقال لمثلي ، أي : لا يقال لي ، قال الشاعر :
ومثلي كمثل جذوع النخيل
والمراد منه المبالغة ، فإنه إذا كان ذلك الحكم منفيا عمن كان مشابها بسبب كونه مشابها له ، فلأن يكون منتفيا عنه كان ذلك أولى ، ونظيره قولهم : سلام على المجلس العالي ، والمقصود : أن سلام الله إذا كان واقعا على مجلسه وموضعه فلأن يكون واقعا عليه كان ذلك أولى ، فكذا ههنا قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=11ليس كمثله شيء ) والمعنى : ليس كهو شيء ؛ على سبيل المبالغة من الوجه الذي ذكرناه ، وعلى هذا التقدير : فلم يكن هذا اللفظ ساقطا عديم الأثر ، بل كان مفيدا للمبالغة من الوجه الذي ذكرناه ، وزعم
nindex.php?page=showalam&ids=15658جهم بن صفوان أن المقصود من هذه الآية بيان أنه تعالى ليس مسمى باسم الشيء ، قال : لأن كل شيء فإنه يكون مثلا لمثل نفسه ، فقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=11ليس كمثله شيء ) معناه ليس مثل مثله شيء ، وذلك يقتضي أن لا يكون هو مسمى باسم الشيء ، وعندي فيه طريقة أخرى ، وهي أن المقصود من ذكر الجمع بين حرفي التشبيه الدليل الدال على كونه منزها عن المثل ، وتقريره أن يقال : لو كان له مثل لكان هو مثل نفسه ، وهذا محال ، فإثبات المثل له محال ، أما بيان أنه لو كان له مثل لكان هو مثل نفسه ، فالأمر فيه ظاهر ، وأما بيان أن هذا محال فلأنه لو كان مثل مثل نفسه لكان مساويا لمثله في تلك الماهية ومباينا له في نفسه ، وما به المشاركة - غير ما به المباينة . فتكون ذات كل واحد منهما مركبا ، وكل مركب ممكن ، فثبت أنه لو حصل لواجب الوجود مثل ؛ لما كان هو في نفسه واجب الوجود ، إذا عرفت هذا ، فقوله " ليس مثل مثله شيء " - إشارة إلى أنه لو صدق عليه أنه مثل مثل نفسه لما كان هو شيئا ؛ بناء على ما بينا أنه لو حصل لواجب الوجود مثل لما كان واجب الوجود ، فهذا ما يحتمله اللفظ .
المسألة الثالثة : هذه الآية دالة على نفي المثل ، وقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=27وله المثل الأعلى ) [الروم : 27] يقتضي إثبات المثل ، فلا بد من الفرق بينهما ، فنقول : المثل هو الذي يكون مساويا للشيء في تمام الماهية ، والمثل هو الذي يكون مساويا له في بعض الصفات الخارجة عن الماهية ، وإن كان مخالفا في تمام الماهية .
المسألة الرابعة : قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=11وهو السميع البصير ) يدل على
nindex.php?page=treesubj&link=33677_29717_29718كونه تعالى سامعا للمسموعات مبصرا للمرئيات ، فإن قيل : يمتنع إجراء هذا اللفظ على ظاهره ، وذلك لأنه إذا حصل قرع أو قلع انقلب الهواء من بين ذينك الجسمين انقلابا بعنف فيتموج الهواء بسبب ذلك ويتأدى ذلك التموج إلى سطح الصماخ ، فهذا هو
[ ص: 133 ] السماع ، وأما الإبصار فهو عبارة عن تأثر الحدقة بصورة المرئي ، فثبت أن السمع والبصر عبارة عن تأثر الحاسة ، وذلك على الله محال ، فثبت أن
nindex.php?page=treesubj&link=29718_29717إطلاق السمع والبصر على علمه تعالى بالمسموعات والمبصرات غير جائز ، والجواب : الدليل على أن السماع مغاير لتأثر الحاسة أنا إذا سمعنا الصوت علمنا أنه من أي الجوانب جاء ، فعلمنا أنا أدركنا الصوت حيث وجد ذلك الصوت في نفسه ، وهذا يدل على أن إدراك الصوت حالة مغايرة لتأثير الصماخ عن تموج ذلك الهواء .
وأما الرؤية فالدليل على أنها حالة مغايرة لتأثر الحدقة ، فذلك لأن نقطة الناظر جسم صغير فيستحيل انطباع الصورة العظيمة فيه ، فنقول : الصورة المنطبعة صغيرة ، والصورة المرئية في نفس العالم عظيمة ، وهذا يدل على أن الرؤية مغايرة لنفس ذلك الانطباع ، وإذا ثبت هذا فنقول : لا يلزم من امتناع التأثر في حق الله امتناع السمع والبصر في حقه ، فإن قالوا : هب أن السمع والبصر حالتان مغايرتان لتأثر الحاسة إلا أن حصولهما مشروط بحصول ذلك التأثر ، فلما كان حصول ذلك التأثر في حق الله تعالى ممتنعا كان حصول السمع والبصر في حق الله ممتنعا ، فنقول : ظاهر قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=11وهو السميع البصير ) يدل على كونه سميعا بصيرا ، فلم يجز لنا أن نعدل عن هذا الظاهر إلا إذا قام الدليل على أن الحاسة المسماة بالسمع والبصر مشروطة بحصول التأثر ، والتأثر في حق الله تعالى ممتنع ، فكان حصول الحاسة المسماة بالسمع والبصر ممتنعا ، وأنتم المدعون لهذا الاشتراط فعليكم الدلالة على حصوله ، وإنما نحن متمسكون بظاهر اللفظ إلى أن تذكروا ما يوجب العدول عنه ، فإن قال قائل : قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=11وهو السميع البصير ) يفيد الحصر ، فما معنى هذا الحصر ، مع أن العباد أيضا موصوفون بكونهم سميعين بصيرين ؟ فنقول : السميع والبصير لفظان مشعران بحصول هاتين الصفتين على سبيل الكمال ، والكمال في كل الصفات ليس إلا لله ، فهذا هو المراد من هذا الحصر .
أما قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=12له مقاليد السماوات والأرض ) فاعلم أن المراد من الآية أنه تعالى فاطر السماوات والأرض ، والأصنام ليست كذلك ، وأيضا فهو خالق أنفسنا وأزواجنا ، وخالق أولادنا منا ومن أزواجنا ، والأصنام ليست كذلك ، وأيضا ( فله مقاليد السماوات والأرض ) والأصنام ليست كذلك ، والمقصود من الكل بيان القادر المنعم الكريم الرحيم ، فكيف يجوز جعل الأصنام التي هي جمادات مساوية له في المعبودية ؟ فقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=12له مقاليد السماوات والأرض ) يريد
nindex.php?page=treesubj&link=29687_33679_18050مفاتيح الرزق من السماوات والأرض ، فمقاليد السماوات الأمطار ، ومقاليد الأرض النبات ، وذكرنا تفسير المقاليد في سورة الزمر عند قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=12يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ) لأن مفاتيح الأرزاق بيده (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=12إنه بكل شيء ) من البسط والتقدير (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=12عليم ) .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : فِي ظَاهِرِ هَذِهِ الْآيَةِ إِشْكَالٌ ، فَإِنَّهُ يُقَالُ : الْمَقْصُودُ مِنْهَا
nindex.php?page=treesubj&link=28717_33677نَفْيُ الْمِثْلِ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَظَاهِرُهَا يُوجِبُ إِثْبَاتَ الْمِثْلِ لِلَّهِ ، فَإِنَّهُ يَقْتَضِي نَفْيَ الْمِثْلِ عَنْ مِثْلِهِ ، لَا عَنْهُ ، وَذَلِكَ يُوجِبُ إِثْبَاتَ الْمِثْلِ لِلَّهِ تَعَالَى ، وَأَجَابَ الْعُلَمَاءُ عَنْهُ بِأَنْ قَالُوا : إِنَّ الْعَرَبَ ، تَقُولُ : مِثْلُكَ لَا يَبْخَلُ ، أَيْ : أَنْتَ لَا تَبْخَلُ ، فَنَفَوُا الْبُخْلَ عَنْ مِثْلِهِ ، وَهُمْ يُرِيدُونَ نَفْيَهُ عَنْهُ ، وَيَقُولُ الرَّجُلُ : هَذَا الْكَلَامُ لَا يُقَالُ لِمِثْلِي ، أَيْ : لَا يُقَالُ لِي ، قَالَ الشَّاعِرُ :
وَمِثْلِي كَمِثْلِ جُذُوعِ النَّخِيلِ
وَالْمُرَادُ مِنْهُ الْمُبَالَغَةُ ، فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ ذَلِكَ الْحُكْمُ مَنْفِيًّا عَمَّنْ كَانَ مُشَابِهًا بِسَبَبِ كَوْنِهِ مُشَابِهًا لَهُ ، فَلِأَنْ يَكُونَ مُنْتَفِيًا عَنْهُ كَانَ ذَلِكَ أَوْلَى ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُمْ : سَلَامٌ عَلَى الْمَجْلِسِ الْعَالِي ، وَالْمَقْصُودُ : أَنَّ سَلَامَ اللَّهِ إِذَا كَانَ وَاقِعًا عَلَى مَجْلِسِهِ وَمَوْضِعِهِ فَلِأَنْ يَكُونَ وَاقِعًا عَلَيْهِ كَانَ ذَلِكَ أَوْلَى ، فَكَذَا هَهُنَا قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=11لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) وَالْمَعْنَى : لَيْسَ كَهُوَ شَيْءٌ ؛ عَلَى سَبِيلِ الْمُبَالَغَةِ مِنَ الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ : فَلَمْ يَكُنْ هَذَا اللَّفْظُ سَاقِطًا عَدِيمَ الْأَثَرِ ، بَلْ كَانَ مُفِيدًا لِلْمُبَالَغَةِ مِنَ الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ ، وَزَعَمَ
nindex.php?page=showalam&ids=15658جَهْمُ بْنُ صَفْوَانَ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ بَيَانُ أَنَّهُ تَعَالَى لَيْسَ مُسَمًّى بِاسْمِ الشَّيْءِ ، قَالَ : لِأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ فَإِنَّهُ يَكُونُ مِثْلًا لِمِثْلِ نَفْسِهِ ، فَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=11لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) مَعْنَاهُ لَيْسَ مِثْلَ مِثْلِهِ شَيْءٌ ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَكُونَ هُوَ مُسَمًّى بِاسْمِ الشَّيْءِ ، وَعِنْدِي فِيهِ طَرِيقَةٌ أُخْرَى ، وَهِيَ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ ذِكْرِ الْجَمْعِ بَيْنَ حَرْفَيِ التَّشْبِيهِ الدَّلِيلُ الدَّالُّ عَلَى كَوْنِهِ مُنَزَّهًا عَنِ الْمِثْلِ ، وَتَقْرِيرُهُ أَنْ يُقَالَ : لَوْ كَانَ لَهُ مِثْلٌ لَكَانَ هُوَ مِثْلَ نَفْسِهِ ، وَهَذَا مُحَالٌ ، فَإِثْبَاتُ الْمِثْلِ لَهُ مُحَالٌ ، أَمَّا بَيَانُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ مِثْلٌ لَكَانَ هُوَ مِثْلَ نَفْسِهِ ، فَالْأَمْرُ فِيهِ ظَاهِرٌ ، وَأَمَّا بَيَانُ أَنَّ هَذَا مُحَالٌ فَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مِثْلَ مِثْلِ نَفْسِهِ لَكَانَ مُسَاوِيًا لِمِثْلِهِ فِي تِلْكَ الْمَاهِيَّةِ وَمُبَايِنًا لَهُ فِي نَفْسِهِ ، وَمَا بِهِ الْمُشَارَكَةُ - غَيْرُ مَا بِهِ الْمُبَايَنَةُ . فَتَكُونُ ذَاتُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُرَكَّبًا ، وَكُلُّ مُرَكَّبٍ مُمْكِنٌ ، فَثَبَتَ أَنَّهُ لَوْ حَصَلَ لِوَاجِبِ الْوُجُودِ مِثْلٌ ؛ لَمَا كَانَ هُوَ فِي نَفْسِهِ وَاجِبَ الْوُجُودِ ، إِذَا عَرَفْتَ هَذَا ، فَقَوْلُهُ " لَيْسَ مِثْلَ مِثْلِهِ شَيْءٌ " - إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَوْ صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مِثْلُ مِثْلِ نَفْسِهِ لَمَا كَانَ هُوَ شَيْئًا ؛ بِنَاءً عَلَى مَا بَيَّنَّا أَنَّهُ لَوْ حَصَلَ لِوَاجِبِ الْوُجُودِ مِثْلٌ لَمَا كَانَ وَاجِبَ الْوُجُودِ ، فَهَذَا مَا يَحْتَمِلُهُ اللَّفْظُ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : هَذِهِ الْآيَةُ دَالَّةٌ عَلَى نَفْيِ الْمِثْلِ ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=27وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى ) [الرُّومِ : 27] يَقْتَضِي إِثْبَاتَ الْمَثَلِ ، فَلَا بُدَّ مِنَ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا ، فَنَقُولُ : الْمِثْلُ هُوَ الَّذِي يَكُونُ مُسَاوِيًا لِلشَّيْءِ فِي تَمَامِ الْمَاهِيَّةِ ، وَالْمَثَلُ هُوَ الَّذِي يَكُونُ مُسَاوِيًا لَهُ فِي بَعْضِ الصِّفَاتِ الْخَارِجَةِ عَنِ الْمَاهِيَّةِ ، وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا فِي تَمَامِ الْمَاهِيَّةِ .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : قَوْلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=11وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) يَدُلُّ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=33677_29717_29718كَوْنِهِ تَعَالَى سَامِعًا لِلْمَسْمُوعَاتِ مُبْصِرًا لِلْمَرْئِيَّاتِ ، فَإِنْ قِيلَ : يَمْتَنِعُ إِجْرَاءُ هَذَا اللَّفْظِ عَلَى ظَاهِرِهِ ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إِذَا حَصَلَ قَرْعٌ أَوْ قَلْعٌ انْقَلَبَ الْهَوَاءُ مِنْ بَيْنَ ذَيْنِكَ الْجِسْمَيْنِ انْقِلَابًا بِعُنْفٍ فَيَتَمَوَّجُ الْهَوَاءُ بِسَبَبِ ذَلِكَ وَيَتَأَدَّى ذَلِكَ التَّمَوُّجُ إِلَى سَطْحِ الصِّمَاخِ ، فَهَذَا هُوَ
[ ص: 133 ] السَّمَاعُ ، وَأَمَّا الْإِبْصَارُ فَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ تَأَثُّرِ الْحَدَقَةِ بِصُورَةِ الْمَرْئِيِّ ، فَثَبَتَ أَنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ عِبَارَةٌ عَنْ تَأَثُّرِ الْحَاسَّةِ ، وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ مُحَالٌ ، فَثَبَتَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29718_29717إِطْلَاقَ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ عَلَى عِلْمِهِ تَعَالَى بِالْمَسْمُوعَاتِ وَالْمُبْصَرَاتِ غَيْرُ جَائِزٍ ، وَالْجَوَابُ : الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ السَّمَاعَ مُغَايِرٌ لِتَأَثُّرِ الْحَاسَّةِ أَنَّا إِذَا سَمِعْنَا الصَّوْتَ عَلِمْنَا أَنَّهُ مِنْ أَيِّ الْجَوَانِبِ جَاءَ ، فَعَلِمْنَا أَنَّا أَدْرَكْنَا الصَّوْتَ حَيْثُ وُجِدَ ذَلِكَ الصَّوْتُ فِي نَفْسِهِ ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ إِدْرَاكَ الصَّوْتِ حَالَةٌ مُغَايِرَةٌ لِتَأْثِيرِ الصِّمَاخِ عَنْ تَمَوُّجِ ذَلِكَ الْهَوَاءِ .
وَأَمَّا الرُّؤْيَةُ فَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهَا حَالَةٌ مُغَايِرَةٌ لِتَأَثُّرِ الْحَدَقَةِ ، فَذَلِكَ لِأَنَّ نُقْطَةَ النَّاظِرِ جِسْمٌ صَغِيرٌ فَيَسْتَحِيلُ انْطِبَاعُ الصُّورَةِ الْعَظِيمَةِ فِيهِ ، فَنَقُولُ : الصُّورَةُ الْمُنْطَبِعَةُ صَغِيرَةٌ ، وَالصُّورَةُ الْمَرْئِيَّةُ فِي نَفْسِ الْعَالَمِ عَظِيمَةٌ ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الرُّؤْيَةَ مُغَايِرَةٌ لِنَفْسِ ذَلِكَ الِانْطِبَاعِ ، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ : لَا يَلْزَمُ مِنِ امْتِنَاعِ التَّأَثُّرِ فِي حَقِّ اللَّهِ امْتِنَاعُ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ فِي حَقِّهِ ، فَإِنْ قَالُوا : هَبْ أَنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ حَالَتَانِ مُغَايِرَتَانِ لِتَأَثُّرِ الْحَاسَّةِ إِلَّا أَنَّ حُصُولَهُمَا مَشْرُوطٌ بِحُصُولِ ذَلِكَ التَّأَثُّرِ ، فَلَمَّا كَانَ حُصُولُ ذَلِكَ التَّأَثُّرِ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى مُمْتَنِعًا كَانَ حُصُولُ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ فِي حَقِّ اللَّهِ مُمْتَنِعًا ، فَنَقُولُ : ظَاهِرُ قَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=11وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ سَمِيعًا بَصِيرًا ، فَلَمْ يَجُزْ لَنَا أَنْ نَعْدِلَ عَنْ هَذَا الظَّاهِرِ إِلَّا إِذَا قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْحَاسَّةَ الْمُسَمَّاةَ بِالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ مَشْرُوطَةٌ بِحُصُولِ التَّأَثُّرِ ، وَالتَّأَثُّرُ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى مُمْتَنِعٌ ، فَكَانَ حُصُولُ الْحَاسَّةِ الْمُسَمَّاةِ بِالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ مُمْتَنِعًا ، وَأَنْتُمُ الْمُدَّعُونَ لِهَذَا الِاشْتِرَاطِ فَعَلَيْكُمُ الدَّلَالَةُ عَلَى حُصُولِهِ ، وَإِنَّمَا نَحْنُ مُتَمَسِّكُونَ بِظَاهِرِ اللَّفْظِ إِلَى أَنْ تَذْكُرُوا مَا يُوجِبُ الْعُدُولَ عَنْهُ ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : قَوْلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=11وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) يُفِيدُ الْحَصْرَ ، فَمَا مَعْنَى هَذَا الْحَصْرِ ، مَعَ أَنَّ الْعِبَادَ أَيْضًا مَوْصُوفُونَ بِكَوْنِهِمْ سَمِيعِينَ بَصِيرِينَ ؟ فَنَقُولُ : السَّمِيعُ وَالْبَصِيرُ لَفْظَانِ مُشْعِرَانِ بِحُصُولِ هَاتَيْنِ الصِّفَتَيْنِ عَلَى سَبِيلِ الْكَمَالِ ، وَالْكَمَالُ فِي كُلِّ الصِّفَاتِ لَيْسَ إِلَّا لِلَّهِ ، فَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْ هَذَا الْحَصْرِ .
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=12لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) فَاعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْآيَةِ أَنَّهُ تَعَالَى فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ، وَالْأَصْنَامُ لَيْسَتْ كَذَلِكَ ، وَأَيْضًا فَهُوَ خَالِقُ أَنْفُسِنَا وَأَزْوَاجِنَا ، وَخَالِقُ أَوْلَادِنَا مِنَّا وَمِنْ أَزْوَاجِنَا ، وَالْأَصْنَامُ لَيْسَتْ كَذَلِكَ ، وَأَيْضًا ( فَلَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) وَالْأَصْنَامُ لَيْسَتْ كَذَلِكَ ، وَالْمَقْصُودُ مِنَ الْكُلِّ بَيَانُ الْقَادِرِ الْمُنْعِمِ الْكَرِيمِ الرَّحِيمِ ، فَكَيْفَ يَجُوزُ جَعْلُ الْأَصْنَامِ الَّتِي هِيَ جَمَادَاتٌ مُسَاوِيَةً لَهُ فِي الْمَعْبُودِيَّةِ ؟ فَقَوْلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=12لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) يُرِيدُ
nindex.php?page=treesubj&link=29687_33679_18050مَفَاتِيحَ الرِّزْقِ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ، فَمَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ الْأَمْطَارُ ، وَمَقَالِيدُ الْأَرْضِ النَّبَاتُ ، وَذَكَرْنَا تَفْسِيرَ الْمَقَالِيدِ فِي سُورَةِ الزُّمَرِ عِنْدَ قَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=12يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ ) لِأَنَّ مَفَاتِيحَ الْأَرْزَاقِ بِيَدِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=12إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ ) مِنَ الْبَسْطِ وَالتَّقْدِيرِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=12عَلِيمٌ ) .