[ ص: 165 ] ( سورة الزخرف )
وهي تسع وثمانون آية مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
(
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=1حـم nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=2والكتاب المبين nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=3إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=4وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=5أفنضرب عنكم الذكر صفحا أن كنتم قوما مسرفين nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=6وكم أرسلنا من نبي في الأولين nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=7وما يأتيهم من نبي إلا كانوا به يستهزئون nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=8فأهلكنا أشد منهم بطشا ومضى مثل الأولين )
بسم الله الرحمن الرحيم (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=1حم nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=2والكتاب المبين nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=3إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=4وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=5أفنضرب عنكم الذكر صفحا أن كنتم قوما مسرفين nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=6وكم أرسلنا من نبي في الأولين nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=7وما يأتيهم من نبي إلا كانوا به يستهزئون nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=8فأهلكنا أشد منهم بطشا ومضى مثل الأولين )
اعلم أن قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=1حم nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=2والكتاب المبين ) يحتمل وجهين :
الأول : أن يكون التقدير هذه (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=1حم nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=2والكتاب المبين ) فيكون القسم واقعا على أن هذه السورة هي سورة " حم " ، ويكون قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=3إنا جعلناه قرآنا عربيا ) ابتداء لكلام آخر .
الثاني : أن يكون التقدير : هذه "
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=1حم " ، ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=2والكتاب المبين nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=3إنا جعلناه قرآنا عربيا ) فيكون المقسم عليه هو قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=3إنا جعلناه قرآنا عربيا ) .
وفي المراد بالكتاب قولان : أحدهما : أن المراد به القرآن ، وعلى هذا التقدير فقد أقسم بالقرآن أنه جعله عربيا .
الثاني : أن المراد بالكتاب الكتابة والخط ، وأقسم بالكتابة لكثرة ما فيها من المنافع ، فإن العلوم إنما تكاملت بسبب الخط ، فإن المتقدم إذا استنبط علما وأثبته في كتاب ، وجاء المتأخر ووقف عليه أمكنه أن يزيد في استنباط الفوائد ، فبهذا الطريق تكاثرت الفوائد وانتهت إلى الغايات العظيمة ، وفي وصف الكتاب بكونه مبينا من وجوه :
الأول : أنه المبين للذين أنزل إليهم ؛ لأنه بلغتهم ولسانهم .
والثاني : المبين هو الذي
[ ص: 166 ] أبان طريق الهدى من طريق الضلالة ، وأبان كل باب عما سواه ، وجعلها مفصلة ملخصة .
واعلم أن وصفه بكونه مبينا مجاز ؛ لأن المبين هو الله تعالى ، وسمي القرآن بذلك توسعا من حيث إنه حصل البيان عنده .
أما قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=3إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون ) ففيه مسائل :
المسألة الأولى :
nindex.php?page=treesubj&link=29453القائلون بحدوث القرآن احتجوا بهذه الآية من وجوه :
الأول : أن الآية تدل على أن القرآن مجعول ، والمجعول هو المصنوع المخلوق ، فإن قالوا لم لا يجوز أن يكون المراد أنه سماه عربيا ؟ قلنا : هذا مدفوع من وجهين :
الأول : أنه لو كان المراد بالجعل هذا لوجب أن من سماه عجميا أن يصير عجميا وإن كان بلغة العرب ، ومعلوم أنه باطل .
الثاني : أنه لو صرف الجعل إلى التسمية لزم كون التسمية مجعولة ، والتسمية أيضا كلام الله ، وذلك يوجب أنه فعل بعض كلامه ، وإذا صح ذلك في البعض صح في الكل .
الثاني : أنه وصفه بكونه قرآنا ، وهو إنما سمي قرآنا لأنه جعل بعضه مقرونا بالبعض ، وما كان كذلك كان مصنوعا معمولا .
الثالث : أنه وصفه بكونه عربيا ، وهو إنما كان عربيا لأن هذه الألفاظ إنما اختصت بمسمياتهم بوضع العرب واصطلاحاتهم ، وذلك يدل على كونه معمولا ومجعولا .
والرابع : أن
nindex.php?page=treesubj&link=16377القسم بغير الله لا يجوز على ما هو معلوم ، فكان التقدير : حم ورب الكتاب المبين ، وتأكد هذا أيضا بما روي أنه - عليه السلام -كان يقول :
يا رب طه ويس ويا رب القرآن العظيم . والجواب : أن هذا الذي ذكرتموه حق ، وذلك لأنكم إنما استدللتم بهذه الوجوه على كون هذه الحروف المتوالية والكلمات المتعاقبة محدثة مخلوقة ، وذلك معلوم بالضرورة ، ومن الذي ينازعكم فيه ، بل كان كلامكم يرجع حاصله إلى إقامة الدليل على ما عرف ثبوته بالضرورة .
المسألة الثانية : كلمة " لعل " للتمني والترجي ، وهو لا يليق بمن كان عالما بعواقب الأمور ، فكان المراد منها ههنا "كي" ، أي : أنزلناه قرآنا عربيا لكي تعقلوا معناه وتحيطوا بفحواه ، قالت
المعتزلة : فصار حاصل الكلام (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=2إنا أنزلناه قرآنا عربيا ) لأجل أن تحيطوا بمعناه ، وهذا يفيد أمرين :
أحدهما : أن أفعال الله تعالى معللة بالأغراض والدواعي .
والثاني : أنه تعالى إنما
nindex.php?page=treesubj&link=28890أنزل القرآن ليهتدي به الناس ، وذلك يدل على أنه تعالى أراد من الكل الهداية والمعرفة ، خلاف قول من يقول إنه تعالى أراد من البعض الكفر والإعراض ، واعلم أن هذا النوع من استدلالات
المعتزلة مشهور ، وأجوبتنا عنه مشهورة ، فلا فائدة في الإعادة ، والله أعلم .
المسألة الثالثة : قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=3لعلكم تعقلون ) يدل على أن
nindex.php?page=treesubj&link=28914_28890القرآن معلوم وليس فيه شيء مبهم مجهول ؛ خلافا لمن يقول : بعضه معلوم وبعضه مجهول .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=4وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم ) وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قرأ
حمزة والكسائي " إم الكتاب " بكسر الألف ، والباقون بالضم .
المسألة الثانية : الضمير في قوله ( وإنه ) عائد إلى الكتاب الذي تقدم ذكره في (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=4أم الكتاب لدينا ) واختلفوا في المراد بأم الكتاب على قولين :
فالقول الأول : أنه اللوح المحفوظ لقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=85&ayano=21بل هو قرآن مجيد nindex.php?page=tafseer&surano=85&ayano=22في لوح محفوظ ) [البروج : 22] .
[ ص: 167 ] واعلم أن على هذا التقدير فالصفات المذكورة ههنا كلها صفات اللوح المحفوظ .
الصفة الأولى : أنه (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=4أم الكتاب ) والسبب فيه أن أصل كل شيء أمه ، والقرآن مثبت عند الله في اللوح المحفوظ ، ثم نقل إلى سماء الدنيا ، ثم أنزل حالا بحسب المصلحة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس - رضي الله عنه - : " إن
nindex.php?page=treesubj&link=31745أول ما خلق الله القلم ، فأمره أن يكتب ما يريد أن يخلق " فالكتاب عنده . فإن قيل : وما الحكمة في خلق هذا اللوح المحفوظ مع أنه تعالى علام الغيوب ، ويستحيل عليه السهو والنسيان ؟ قلنا : إنه تعالى لما أثبت في ذلك أحكام حوادث المخلوقات ، ثم إن الملائكة يشاهدون أن جميع الحوادث إنما تحدث على موافقة ذلك المكتوب ، استدلوا بذلك على كمال حكمة الله وعلمه .
الصفة الثانية من
nindex.php?page=treesubj&link=28782صفات اللوح المحفوظ : قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=4لدينا ) هكذا ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، وإنما خصه الله تعالى بهذا التشريف لكونه كتابا جامعا لأحوال جميع المحدثات ، فكأنه الكتاب المشتمل على جميع ما يقع في ملك الله وملكوته ، فلا جرم حصل له هذا التشريف ، قال
الواحدي : ويحتمل أن يكون هذا صفة القرآن ، والتقدير : إنه لدينا في أم الكتاب .
الصفة الثالثة : كونه " عليا " والمعنى كونه عاليا عن وجوه الفساد والبطلان ، وقيل : المراد كونه عاليا على جميع الكتب بسبب كونه معجزا باقيا على وجه الدهر .
الصفة الرابعة : كونه " حكيما" أي محكما في أبواب البلاغة والفصاحة ، وقيل : " حكيم " أي ذو حكمة بالغة ، وقيل : إن هذه الصفات كلها صفات القرآن على ما ذكرناه .
والقول الثاني في تفسير أم الكتاب : أنه الآيات المحكمة لقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب ) [آل عمران : 7] ومعناه : أن سورة " حم " واقعة في الآيات المحكمة التي هي الأصل والأم .
[ ص: 165 ] ( سُورَةُ الزُّخْرُفِ )
وَهِيَ تِسْعٌ وَثَمَانُونَ آيَةً مَكِّيَّةً
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=1حـم nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=2وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=3إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=4وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=5أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=6وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=7وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=8فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشًا وَمَضَى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ )
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=1حم nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=2وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=3إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=4وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=5أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=6وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=7وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=8فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشًا وَمَضَى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ )
اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=1حم nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=2وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ ) يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ :
الْأَوَّلُ : أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ هَذِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=1حم nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=2وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ ) فَيَكُونُ الْقَسَمُ وَاقِعًا عَلَى أَنَّ هَذِهِ السُّورَةَ هِيَ سُورَةُ " حم " ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=3إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا ) ابْتِدَاءً لِكَلَامٍ آخَرَ .
الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ : هَذِهِ "
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=1حم " ، ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=2وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=3إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا ) فَيَكُونَ الْمُقْسَمُ عَلَيْهِ هُوَ قَوْلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=3إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا ) .
وَفِي الْمُرَادِ بِالْكِتَابِ قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْقُرْآنُ ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَقَدْ أَقْسَمَ بِالْقُرْآنِ أَنَّهُ جَعَلَهُ عَرَبِيًّا .
الثَّانِي : أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكِتَابِ الْكِتَابَةُ وَالْخَطُّ ، وَأَقْسَمَ بِالْكِتَابَةِ لِكَثْرَةِ مَا فِيهَا مِنَ الْمَنَافِعِ ، فَإِنَّ الْعُلُومَ إِنَّمَا تَكَامَلَتْ بِسَبَبِ الْخَطِّ ، فَإِنَّ الْمُتَقَدِّمَ إِذَا اسْتَنْبَطَ عِلْمًا وَأَثْبَتَهُ فِي كِتَابٍ ، وَجَاءَ الْمُتَأَخِّرُ وَوَقَفَ عَلَيْهِ أَمْكَنَهُ أَنْ يَزِيدَ فِي اسْتِنْبَاطِ الْفَوَائِدِ ، فَبِهَذَا الطَّرِيقِ تَكَاثَرَتِ الْفَوَائِدُ وَانْتَهَتْ إِلَى الْغَايَاتِ الْعَظِيمَةِ ، وَفِي وَصْفِ الْكِتَابِ بِكَوْنِهِ مُبِينًا مِنْ وُجُوهٍ :
الْأَوَّلُ : أَنَّهُ الْمُبِينُ لِلَّذِينِ أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ ؛ لِأَنَّهُ بِلُغَتِهِمْ وَلِسَانِهِمْ .
وَالثَّانِي : الْمُبِينُ هُوَ الَّذِي
[ ص: 166 ] أَبَانَ طَرِيقَ الْهُدَى مِنْ طَرِيقِ الضَّلَالَةِ ، وَأَبَانَ كُلَّ بَابٍ عَمَّا سِوَاهُ ، وَجَعَلَهَا مُفَصَّلَةً مُلَخَّصَةً .
وَاعْلَمْ أَنَّ وَصْفَهُ بِكَوْنِهِ مُبِينًا مَجَازٌ ؛ لِأَنَّ الْمُبِينَ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى ، وَسَمِّي الْقُرْآنَ بِذَلِكَ تَوَسُّعًا مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ حَصَلَ الْبَيَانُ عِنْدَهُ .
أَمَّا قَوْلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=3إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) فَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى :
nindex.php?page=treesubj&link=29453الْقَائِلُونَ بِحُدُوثِ الْقُرْآنِ احْتَجُّوا بِهَذِهِ الْآيَةِ مِنْ وُجُوهٍ :
الْأَوَّلُ : أَنَّ الْآيَةَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ مَجْعُولٌ ، وَالْمَجْعُولُ هُوَ الْمَصْنُوعُ الْمَخْلُوقُ ، فَإِنْ قَالُوا لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّهُ سَمَّاهُ عَرَبِيًّا ؟ قُلْنَا : هَذَا مَدْفُوعٌ مِنْ وَجْهَيْنِ :
الْأَوَّلُ : أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْجَعْلِ هَذَا لَوَجَبَ أَنَّ مَنْ سَمَّاهُ عَجَمِيًّا أَنْ يَصِيرَ عَجَمِيًّا وَإِنْ كَانَ بِلُغَةِ الْعَرَبِ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ بَاطِلٌ .
الثَّانِي : أَنَّهُ لَوْ صَرَفَ الْجَعْلَ إِلَى التَّسْمِيَةِ لَزِمَ كَوْنُ التَّسْمِيَةِ مَجْعُولَةً ، وَالتَّسْمِيَةُ أَيْضًا كَلَامُ اللَّهِ ، وَذَلِكَ يُوجِبُ أَنَّهُ فَعَلَ بَعْضَ كَلَامِهِ ، وَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ فِي الْبَعْضِ صَحَّ فِي الْكُلِّ .
الثَّانِي : أَنَّهُ وَصَفَهُ بِكَوْنِهِ قُرْآنًا ، وَهُوَ إِنَّمَا سُمِّيَ قُرْآنًا لِأَنَّهُ جَعَلَ بَعْضَهُ مَقْرُونًا بِالْبَعْضِ ، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ مَصْنُوعًا مَعْمُولًا .
الثَّالِثُ : أَنَّهُ وَصَفَهُ بِكَوْنِهِ عَرَبِيًّا ، وَهُوَ إِنَّمَا كَانَ عَرَبِيًّا لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ إِنَّمَا اخْتُصَّتْ بِمُسَمَّيَاتِهِمْ بِوَضْعِ الْعَرَبِ وَاصْطِلَاحَاتِهِمْ ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ مَعْمُولًا وَمَجْعُولًا .
وَالرَّابِعُ : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=16377الْقَسَمَ بِغَيْرِ اللَّهِ لَا يَجُوزُ عَلَى مَا هُوَ مَعْلُومٌ ، فَكَانَ التَّقْدِيرُ : حم وَرَبِّ الْكِتَابِ الْمُبِينِ ، وَتَأَكَّدَ هَذَا أَيْضًا بِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -كَانَ يَقُولُ :
يَا رَبِّ طه وَيس وَيَا رَبِّ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ . وَالْجَوَابُ : أَنَّ هَذَا الَّذِي ذَكَرْتُمُوهُ حَقٌّ ، وَذَلِكَ لِأَنَّكُمْ إِنَّمَا اسْتَدْلَلْتُمْ بِهَذِهِ الْوُجُوهِ عَلَى كَوْنِ هَذِهِ الْحُرُوفِ الْمُتَوَالِيَةِ وَالْكَلِمَاتِ الْمُتَعَاقِبَةِ مُحْدَثَةً مَخْلُوقَةً ، وَذَلِكَ مَعْلُومٌ بِالضَّرُورَةِ ، وَمَنِ الَّذِي يُنَازِعُكُمْ فِيهِ ، بَلْ كَانَ كَلَامُكُمْ يَرْجِعُ حَاصِلُهُ إِلَى إِقَامَةِ الدَّلِيلِ عَلَى مَا عُرِفَ ثُبُوتُهُ بِالضَّرُورَةِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : كَلِمَةُ " لَعَلَّ " لِلتَّمَنِّي وَالتَّرَجِّي ، وَهُوَ لَا يَلِيقُ بِمَنْ كَانَ عَالِمًا بِعَوَاقِبِ الْأُمُورِ ، فَكَانَ الْمُرَادُ مِنْهَا هَهُنَا "كَيْ" ، أَيْ : أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِكَيْ تَعْقِلُوا مَعْنَاهُ وَتُحِيطُوا بِفَحْوَاهُ ، قَالَتِ
الْمُعْتَزِلَةُ : فَصَارَ حَاصِلُ الْكَلَامِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=2إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا ) لِأَجْلِ أَنْ تُحِيطُوا بِمَعْنَاهُ ، وَهَذَا يُفِيدُ أَمْرَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّ أَفْعَالَ اللَّهِ تَعَالَى مُعَلَّلَةٌ بِالْأَغْرَاضِ وَالدَّوَاعِي .
وَالثَّانِي : أَنَّهُ تَعَالَى إِنَّمَا
nindex.php?page=treesubj&link=28890أَنْزَلَ الْقُرْآنَ لِيَهْتَدِيَ بِهِ النَّاسُ ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى أَرَادَ مِنَ الْكُلِّ الْهِدَايَةَ وَالْمَعْرِفَةَ ، خِلَافَ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ إِنَّهُ تَعَالَى أَرَادَ مِنَ الْبَعْضِ الْكُفْرَ وَالْإِعْرَاضَ ، وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا النَّوْعَ مِنِ اسْتِدْلَالَاتِ
الْمُعْتَزِلَةِ مَشْهُورٌ ، وَأَجْوِبَتُنَا عَنْهُ مَشْهُورَةٌ ، فَلَا فَائِدَةَ فِي الْإِعَادَةِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : قَوْلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=3لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) يَدُلُّ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28914_28890الْقُرْآنَ مَعْلُومٌ وَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مُبْهَمٌ مَجْهُولٌ ؛ خِلَافًا لِمَنْ يَقُولُ : بَعْضُهُ مَعْلُومٌ وَبَعْضُهُ مَجْهُولٌ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=4وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ ) وَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : قَرَأَ
حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ " إِمِّ الْكِتَابِ " بِكَسْرِ الْأَلِفِ ، وَالْبَاقُونَ بِالضَّمِّ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ ( وَإِنَّهَ ) عَائِدٌ إِلَى الْكِتَابِ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=4أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا ) وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ بِأُمِّ الْكِتَابِ عَلَى قَوْلَيْنِ :
فَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ : أَنَّهُ اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ لِقَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=85&ayano=21بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ nindex.php?page=tafseer&surano=85&ayano=22فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ ) [الْبُرُوجِ : 22] .
[ ص: 167 ] وَاعْلَمْ أَنَّ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَالصِّفَاتُ الْمَذْكُورَةُ هَهُنَا كُلُّهَا صِفَاتُ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ .
الصِّفَةُ الْأُولَى : أَنَّهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=4أُمِّ الْكِتَابِ ) وَالسَّبَبُ فِيهِ أَنَّ أَصْلَ كُلِّ شَيْءٍ أُمُّهُ ، وَالْقُرْآنُ مُثْبَتٌ عِنْدَ اللَّهِ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ ، ثُمَّ نُقِلَ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا ، ثُمَّ أُنْزِلَ حَالًا بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - : " إِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=31745أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمَ ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَكْتُبَ مَا يُرِيدُ أَنْ يَخْلُقَ " فَالْكِتَابُ عِنْدَهُ . فَإِنْ قِيلَ : وَمَا الْحِكْمَةُ فِي خَلْقِ هَذَا اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ مَعَ أَنَّهُ تَعَالَى عَلَّامُ الْغُيُوبِ ، وَيَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ السَّهْوُ وَالنِّسْيَانُ ؟ قُلْنَا : إِنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَثْبَتَ فِي ذَلِكَ أَحْكَامَ حَوَادِثِ الْمَخْلُوقَاتِ ، ثُمَّ إِنَّ الْمَلَائِكَةَ يُشَاهِدُونَ أَنَّ جَمِيعَ الْحَوَادِثِ إِنَّمَا تَحْدُثُ عَلَى مُوَافَقَةِ ذَلِكَ الْمَكْتُوبِ ، اسْتَدَلُّوا بِذَلِكَ عَلَى كَمَالِ حِكْمَةِ اللَّهِ وَعِلْمِهِ .
الصِّفَةُ الثَّانِيَةُ مِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=28782صِفَاتِ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ : قَوْلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=4لَدَيْنَا ) هَكَذَا ذَكَرَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ ، وَإِنَّمَا خَصَّهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهَذَا التَّشْرِيفِ لِكَوْنِهِ كِتَابًا جَامِعًا لِأَحْوَالِ جَمِيعِ الْمُحْدَثَاتِ ، فَكَأَنَّهُ الْكِتَابُ الْمُشْتَمِلُ عَلَى جَمِيعِ مَا يَقَعُ فِي مُلْكِ اللَّهِ وَمَلَكُوتِهِ ، فَلَا جَرَمَ حَصَلَ لَهُ هَذَا التَّشْرِيفُ ، قَالَ
الْوَاحِدِيُّ : وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا صِفَةَ الْقُرْآنِ ، وَالتَّقْدِيرُ : إِنَّهُ لَدَيْنَا فِي أُمِّ الْكِتَابِ .
الصِّفَةُ الثَّالِثَةُ : كَوْنُهُ " عَلِيًّا " وَالْمَعْنَى كَوْنُهُ عَالِيًا عَنْ وُجُوهِ الْفَسَادِ وَالْبُطْلَانِ ، وَقِيلَ : الْمُرَادُ كَوْنُهُ عَالِيًا عَلَى جَمِيعِ الْكُتُبِ بِسَبَبِ كَوْنِهِ مُعْجِزًا بَاقِيًا عَلَى وَجْهِ الدَّهْرِ .
الصِّفَةُ الرَّابِعَةُ : كَوْنُهُ " حَكِيمًا" أَيْ مُحْكَمًا فِي أَبْوَابِ الْبَلَاغَةِ وَالْفَصَاحَةِ ، وَقِيلَ : " حَكِيمٌ " أَيْ ذُو حِكْمَةٍ بَالِغَةٍ ، وَقِيلَ : إِنَّ هَذِهِ الصِّفَاتِ كُلَّهَا صِفَاتُ الْقُرْآنِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ .
وَالْقَوْلُ الثَّانِي فِي تَفْسِيرِ أُمِّ الْكِتَابِ : أَنَّهُ الْآيَاتُ الْمُحْكَمَةُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ ) [آلِ عِمْرَانَ : 7] وَمَعْنَاهُ : أَنَّ سُورَةَ " حم " وَاقِعَةٌ فِي الْآيَاتِ الْمُحْكَمَةِ الَّتِي هِيَ الْأَصْلُ وَالْأُمُّ .