ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=13وتقولوا سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين ) .
واعلم
nindex.php?page=treesubj&link=17783أنه تعالى عين ذكرا معينا لركوب السفينة ، وهو قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=41بسم الله مجراها ومرساها ) [هود : 41] وذكرا آخر لركوب الأنعام ، وهو قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=13سبحان الذي سخر لنا هذا ) وذكر عند دخول المنازل ذكرا آخر ، وهو قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=29رب أنزلني منزلا مباركا وأنت خير المنزلين ) [المؤمنون : 29] وتحقيق القول فيه أن الدابة التي يركبها الإنسان - لا بد وأن تكون أكثر قوة من الإنسان بكثير ، وليس لها عقل يهديها إلى طاعة الإنسان ، ولكنه سبحانه خلق تلك البهيمة على وجوه مخصوصة في خلقها الظاهر ، وفي خلقها الباطن يحصل منها هذا الانتفاع ، أما خلقها الظاهر : فلأنها تمشي على أربع قوائم ، فكان ظاهرها كالموضع الذي يحسن استقرار الإنسان عليه ، وأما خلقها الباطن فلأنها مع قوتها الشديدة قد خلقها الله سبحانه بحيث تصير منقادة للإنسان ومسخرة له ، فإذا تأمل الإنسان في هذه العجائب وغاص بعقله في بحار هذه الأسرار ، عظم تعجبه من تلك القدرة القاهرة والحكمة غير المتناهية ، فلا بد وأن يقول (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=13سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين ) قال
أبو عبيدة : فلان مقرن لفلان ، أي ضابط له . قال
الواحدي : وكأن اشتقاقه من قولك ضرب له قرنا ، ومعنى : أنا قرن لفلان ، أي مثاله في الشدة ، فكأن المعنى أنه ليس عندنا من القوة والطاقة أن نقرن هذه الدابة والفلك وأن نضبطها ، فسبحان من سخرها لنا بعلمه وحكمته وكمال قدرته ، روى صاحب "الكشاف" عن النبي - صلى الله عليه وسلم -
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013687أنه كان إذا وضع رجليه في الركاب ، قال : بسم الله ، فإذا استوى على الدابة ، قال : الحمد لله على كل حال ، سبحان الذي سخر لنا هذا ، إلى قوله لمنقلبون وروى القاضي في "تفسيره" : عن
أبي مخلد أن
الحسن بن علي عليهما السلام : رأى رجلا ركب دابة ، فقال : سبحان الذي سخر لنا هذا ، فقال له : ما بهذا أمرت ، أمرت أن تقول : الحمد لله الذي هدانا للإسلام ، الحمد لله الذي من علينا
بمحمد صلى الله عليه وسلم ، والحمد لله الذي جعلنا من خير أمة أخرجت للناس ، ثم تقول : سبحان الذي سخر لنا هذا . وروي أيضا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013688أنه كان إذا سافر وركب راحلته ، كبر ثلاثا ، ثم يقول : سبحان الذي سخر لنا هذا ، ثم قال : nindex.php?page=treesubj&link=17780اللهم إني أسألك في سفري هذا البر والتقوى ، ومن العمل ما ترضى ، اللهم هون علينا السفر واطو عنا بعد الأرض ، اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة على الأهل ، اللهم اصحبنا في سفرنا ، واخلفنا في أهلنا وكان إذا رجع إلى أهله يقول آيبون تائبون ، لربنا حامدون قال صاحب "الكشاف" : دلت هذه الآية على خلاف قول
المجبرة من وجوه :
الأول : أنه تعالى قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=13لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم ) فذكره بلام " كي " ، وهذا يدل على أنه تعالى أراد منا هذا الفعل ، وهذا يدل على بطلان قولهم أنه تعالى أراد الكفر منه ، وأراد الإصرار على الإنكار .
الثاني : أن قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=13لتستووا ) يدل على أن فعله معلل بالأغراض .
الثالث : أنه تعالى بين أن خلق هذه الحيوانات على هذه الطبائع إنما كان لغرض أن يصدر الشكر على العبد ، فلو كان فعل العبد فعلا لله تعالى ، لكان معنى الآية : إني
[ ص: 172 ] خلقت هذه الحيوانات لأجل أن أخلق " سبحان الله " في لسان العبد ، وهذا باطل ؛ لأنه تعالى قادر على أن يخلق هذا اللفظ في لسانه بدون هذه الوسايط .
واعلم أن الكلام على هذه الوجوه معلوم ، فلا فائدة في الإعادة .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=14وإنا إلى ربنا لمنقلبون ) واعلم أن وجه اتصال هذا الكلام بما قبله أن ركوب الفلك في خطر الهلاك ، فإنه كثيرا ما تنكسر السفينة ويهلك الإنسان ، وراكب الدابة أيضا كذلك ؛ لأن الدابة قد يتفق لها اتفاقات توجب هلاك الراكب ، وإذا كان كذلك فركوب الفلك والدابة يوجب تعريض النفس للهلاك ، فوجب على الراكب أن يتذكر أمر الموت ، وأن يقطع أنه هالك لا محالة ، وأنه منقلب إلى الله تعالى وغير منقلب من قضائه وقدره ، حتى لو اتفق له ذلك المحذور كان قد وطن نفسه على الموت .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=13وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ ) .
وَاعْلَمْ
nindex.php?page=treesubj&link=17783أَنَّهُ تَعَالَى عَيَّنَ ذِكْرًا مُعَيَّنًا لِرُكُوبِ السَّفِينَةِ ، وَهُوَ قَوْلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=41بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا ) [هُودٍ : 41] وَذِكْرًا آخَرَ لِرُكُوبِ الْأَنْعَامِ ، وَهُوَ قَوْلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=13سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا ) وَذَكَرَ عِنْدَ دُخُولِ الْمَنَازِلِ ذِكْرًا آخَرَ ، وَهُوَ قَوْلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=29رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ ) [الْمُؤْمِنُونَ : 29] وَتَحْقِيقُ الْقَوْلِ فِيهِ أَنَّ الدَّابَّةَ الَّتِي يَرْكَبُهَا الْإِنْسَانُ - لَا بُدَّ وَأَنْ تَكُونَ أَكْثَرَ قُوَّةً مِنَ الْإِنْسَانِ بِكَثِيرٍ ، وَلَيْسَ لَهَا عَقْلٌ يَهْدِيهَا إِلَى طَاعَةِ الْإِنْسَانِ ، وَلَكِنَّهُ سُبْحَانَهُ خَلَقَ تِلْكَ الْبَهِيمَةَ عَلَى وُجُوهٍ مَخْصُوصَةٍ فِي خَلْقِهَا الظَّاهِرِ ، وَفِي خَلْقِهَا الْبَاطِنِ يَحْصُلُ مِنْهَا هَذَا الِانْتِفَاعُ ، أَمَّا خَلْقُهَا الظَّاهِرُ : فَلِأَنَّهَا تَمْشِي عَلَى أَرْبَعِ قَوَائِمَ ، فَكَانَ ظَاهِرُهَا كَالْمَوْضِعِ الَّذِي يَحْسُنُ اسْتِقْرَارُ الْإِنْسَانِ عَلَيْهِ ، وَأَمَّا خَلْقُهَا الْبَاطِنُ فَلِأَنَّهَا مَعَ قُوَّتِهَا الشَّدِيدَةِ قَدْ خَلَقَهَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِحَيْثُ تَصِيرُ مُنْقَادَةً لِلْإِنْسَانِ وَمُسَخَّرَةً لَهُ ، فَإِذَا تَأَمَّلَ الْإِنْسَانُ فِي هَذِهِ الْعَجَائِبِ وَغَاصَ بِعَقْلِهِ فِي بِحَارِ هَذِهِ الْأَسْرَارِ ، عَظُمَ تَعَجُّبُهُ مِنْ تِلْكَ الْقُدْرَةِ الْقَاهِرَةِ وَالْحِكْمَةِ غَيْرِ الْمُتَنَاهِيَةِ ، فَلَا بُدَّ وَأَنْ يَقُولَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=13سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ ) قَالَ
أَبُو عُبَيْدَةَ : فُلَانٌ مُقْرِنٌ لِفُلَانٍ ، أَيْ ضَابِطٌ لَهُ . قَالَ
الْوَاحِدِيُّ : وَكَأَنَّ اشْتِقَاقَهُ مِنْ قَوْلِكَ ضَرَبَ لَهُ قَرْنًا ، وَمَعْنَى : أَنَا قِرْنٌ لِفُلَانٍ ، أَيْ مِثَالُهُ فِي الشِّدَّةِ ، فَكَأَنَّ الْمَعْنَى أَنَّهُ لَيْسَ عِنْدَنَا مِنَ الْقُوَّةِ وَالطَّاقَةِ أَنْ نَقْرِنَ هَذِهِ الدَّابَّةَ وَالْفُلْكَ وَأَنْ نَضْبُطَهَا ، فَسُبْحَانَ مَنْ سَخَّرَهَا لَنَا بِعِلْمِهِ وَحِكْمَتِهِ وَكَمَالِ قُدْرَتِهِ ، رَوَى صَاحِبُ "الْكَشَّافِ" عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013687أَنَّهُ كَانَ إِذَا وَضَعَ رِجْلَيْهِ فِي الرِّكَابِ ، قَالَ : بِسْمِ اللَّهِ ، فَإِذَا اسْتَوَى عَلَى الدَّابَّةِ ، قَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ ، سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا ، إِلَى قَوْلِهِ لَمُنْقَلِبُونَ وَرَوَى الْقَاضِي فِي "تَفْسِيرِهِ" : عَنْ
أَبِي مَخْلَدٍ أَنَّ
الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ : رَأَى رَجُلًا رَكِبَ دَابَّةً ، فَقَالَ : سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا ، فَقَالَ لَهُ : مَا بِهَذَا أُمِرْتَ ، أُمِرْتَ أَنْ تَقُولَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِلْإِسْلَامِ ، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي مَنَّ عَلَيْنَا
بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَنَا مِنْ خَيْرِ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ، ثُمَّ تَقُولَ : سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا . وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013688أَنَّهُ كَانَ إِذَا سَافَرَ وَرَكِبَ رَاحِلَتَهُ ، كَبَّرَ ثَلَاثًا ، ثُمَّ يَقُولُ : سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا ، ثُمَّ قَالَ : nindex.php?page=treesubj&link=17780اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ فِي سَفَرِي هَذَا الْبِرَّ وَالتَّقْوَى ، وَمِنَ الْعَمَلِ مَا تَرْضَى ، اللَّهُمَّ هَوِّنْ عَلَيْنَا السَّفَرَ وَاطْوِ عَنَّا بُعْدَ الْأَرْضِ ، اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ وَالْخَلِيفَةُ عَلَى الْأَهْلِ ، اللَّهُمَّ اصْحَبْنَا فِي سَفَرِنَا ، وَاخْلُفْنَا فِي أَهْلِنَا وَكَانَ إِذَا رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ يَقُولُ آيِبُونَ تَائِبُونَ ، لِرَبِّنَا حَامِدُونَ قَالَ صَاحِبُ "الْكَشَّافِ" : دَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى خِلَافِ قَوْلِ
الْمُجْبِرَةِ مِنْ وُجُوهٍ :
الْأَوَّلُ : أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=13لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ ) فَذَكَرَهُ بِلَامِ " كَيْ " ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى أَرَادَ مِنَّا هَذَا الْفِعْلَ ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِهِمْ أَنَّهُ تَعَالَى أَرَادَ الْكُفْرَ مِنْهُ ، وَأَرَادَ الْإِصْرَارَ عَلَى الْإِنْكَارِ .
الثَّانِي : أَنَّ قَوْلَهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=13لِتَسْتَوُوا ) يَدُلُّ عَلَى أَنَّ فِعْلَهُ مُعَلَّلٌ بِالْأَغْرَاضِ .
الثَّالِثُ : أَنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ أَنَّ خَلْقَ هَذِهِ الْحَيَوَانَاتِ عَلَى هَذِهِ الطَّبَائِعِ إِنَّمَا كَانَ لِغَرَضِ أَنْ يَصْدُرَ الشُّكْرُ عَلَى الْعَبْدِ ، فَلَوْ كَانَ فِعْلُ الْعَبْدِ فِعْلًا لِلَّهِ تَعَالَى ، لَكَانَ مَعْنَى الْآيَةِ : إِنِّي
[ ص: 172 ] خَلَقْتُ هَذِهِ الْحَيَوَانَاتِ لِأَجْلِ أَنْ أَخْلُقَ " سُبْحَانَ اللَّهِ " فِي لِسَانِ الْعَبْدِ ، وَهَذَا بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ هَذَا اللَّفْظَ فِي لِسَانِهِ بِدُونِ هَذِهِ الْوَسَايِطِ .
وَاعْلَمْ أَنَّ الْكَلَامَ عَلَى هَذِهِ الْوُجُوهِ مَعْلُومٌ ، فَلَا فَائِدَةَ فِي الْإِعَادَةِ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=14وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ ) وَاعْلَمْ أَنَّ وَجْهَ اتِّصَالِ هَذَا الْكَلَامِ بِمَا قَبْلَهُ أَنَّ رُكُوبَ الْفُلْكِ فِي خَطَرِ الْهَلَاكِ ، فَإِنَّهُ كَثِيرًا مَا تَنْكَسِرُ السَّفِينَةُ وَيَهْلِكُ الْإِنْسَانُ ، وَرَاكِبُ الدَّابَّةِ أَيْضًا كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الدَّابَّةَ قَدْ يَتَّفِقُ لَهَا اتِّفَاقَاتٌ تُوجِبُ هَلَاكَ الرَّاكِبِ ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَرُكُوبُ الْفُلْكِ وَالدَّابَّةِ يُوجِبُ تَعْرِيضَ النَّفْسِ لِلْهَلَاكِ ، فَوَجَبَ عَلَى الرَّاكِبِ أَنْ يَتَذَكَّرَ أَمْرَ الْمَوْتِ ، وَأَنْ يَقْطَعَ أَنَّهُ هَالِكٌ لَا مَحَالَةَ ، وَأَنَّهُ مُنْقَلِبٌ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَغَيْرُ مُنْقَلِبٍ مِنْ قَضَائِهِ وَقَدَرِهِ ، حَتَّى لَوِ اتَّفَقَ لَهُ ذَلِكَ الْمَحْذُورُ كَانَ قَدْ وَطَّنَ نَفْسَهُ عَلَى الْمَوْتِ .