(
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=26وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=27إلا الذي فطرني فإنه سيهدين nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=28وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=29بل متعت هؤلاء وآباءهم حتى جاءهم الحق ورسول مبين nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=30ولما جاءهم الحق قالوا هذا سحر وإنا به كافرون )
قوله تعالى (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=26وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=27إلا الذي فطرني فإنه سيهدين nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=28وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=29بل متعت هؤلاء وآباءهم حتى جاءهم الحق ورسول مبين nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=30ولما جاءهم الحق قالوا هذا سحر وإنا به كافرون ) .
اعلم أنه تعالى لما بين في الآية المتقدمة أنه ليس لأولئك الكفار داع يدعوهم إلى تلك الأقاويل الباطلة إلا تقليد الآباء والأسلاف ، ثم بين أنه طريق باطل ومنهج فاسد ، وأن الرجوع إلى الدليل أولى من الاعتماد على التقليد ، أردفه بهذه الآية ، والمقصود منها ذكر وجه آخر يدل على فساد القول بالتقليد ، وتقريره من وجهين :
الأول : أنه تعالى حكى عن
إبراهيم - عليه السلام - أنه تبرأ عن دين آبائه بناء على الدليل ، فنقول : إما أن يكون
nindex.php?page=treesubj&link=22302_20350تقليد الآباء في الأديان محرما أو جائزا ، فإن كان محرما فقد بطل القول بالتقليد ، وإن كان جائزا فمعلوم أن أشرف آباء العرب هو
إبراهيم عليه السلام ، وذلك لأنهم ليس لهم فخر ولا شرف إلا بأنهم من أولاده ، وإذا كان كذلك فتقليد هذا الأب الذي هو أشرف الآباء أولى من تقليد سائر الآباء ، وإذا ثبت أن تقليده أولى من تقليد غيره ، فنقول : إنه ترك دين الآباء ، وحكم بأن اتباع الدليل أولى من متابعة الآباء ، وإذا كان كذلك وجب تقليده في ترك تقليد الآباء ووجب تقليده في ترجيح الدليل على التقليد ، وإذا ثبت هذا فنقول : فقد ظهر أن القول بوجوب التقليد يوجب المنع من التقليد ، وما أفضى ثبوته إلى نفيه كان باطلا ، فوجب أن يكون القول بالتقليد باطلا ، فهذا طريق رقيق في إبطال التقليد وهو المراد بهذه الآية .
الوجه الثاني : في بيان أن
nindex.php?page=treesubj&link=22311ترك التقليد والرجوع إلى متابعة الدليل أولى في الدنيا وفي الدين ، أنه تعالى بين أن
إبراهيم - عليه السلام - لما عدل عن طريقة أبيه إلى متابعة الدليل لا جرم جعل الله دينه ومذهبه باقيا في عقبه إلى يوم القيامة ، وأما أديان آبائه فقد اندرست وبطلت ، فثبت أن الرجوع إلى متابعة الدليل يبقى محمود الأثر إلى قيام الساعة ، وأن التقليد والإصرار ينقطع أثره ولا يبقى منه في الدنيا خبر ولا أثر ، فثبت من هذين الوجهين أن متابعة الدليل وترك التقليد أولى ، فهذا بيان المقصود الأصلي من هذه الآية ، ولنرجع إلى تفسير ألفاظ الآية .
[ ص: 179 ] أما قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=26إنني براء مما تعبدون ) فقال
الكسائي والفراء nindex.php?page=showalam&ids=15153والمبرد والزجاج : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=26براء ) مصدر لا يثنى ولا يجمع ، مثل عدل ورضا ، وتقول العرب : أنا البراء منك والخلاء منك ، ونحن البراء منك والخلاء ، ولا يقولون : البراءان ولا البراؤون ؛ لأن المعنى ذوا البراء وذوو البراء ، فإن قلت بريء وخلي ثنيت وجمعت .
ثم استثنى خالقه من البراءة فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=27إلا الذي فطرني ) والمعنى : أنا أتبرأ مما تعبدون إلا من الله عز وجل ، ويجوز أن يكون "إلا " بمعنى " لكن " ، فيكون المعنى : لكن الذي فطرني فإنه سيهدين ، أي : سيرشدني لدينه ويوفقني لطاعته .
واعلم أنه تعالى حكى عن
إبراهيم - عليه السلام - في آية أخرى أنه قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=78الذي خلقني فهو يهدين ) وحكى عنه ههنا أنه قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=27سيهدين ) فأجمع بينهما وقدر كأنه قال : فهو يهدين وسيهدين ، فيدلان على استمرار الهداية في الحال والاستقبال (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=28وجعلها ) أي : وجعل
إبراهيم كلمة التوحيد التي تكلم بها ، وهي قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=26إنني براء مما تعبدون ) جاريا مجرى ( لا إله ) ، وقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=27إلا الذي فطرني ) جاريا مجرى قوله ( إلا الله ) ، فكان مجموع قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=26إنني براء مما تعبدون nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=27إلا الذي فطرني ) جاريا مجرى قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=35لا إله إلا الله ) [ الصافات : 35 ] ثم بين تعالى أن
إبراهيم جعل هذه الكلمة باقية في عقبه ، أي : في ذريته ، فلا يزال فيهم من يوحد الله ويدعو إلى توحيده (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=28لعلهم يرجعون ) أي لعل من أشرك منهم يرجع بدعاء من وحد منهم ، وقيل : وجعلها الله ، وقرئ " كلمة " على التخفيف وفي " عقيبه " .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=29بل متعت هؤلاء وآباءهم ) يعني
أهل مكة ، وهم عقب
إبراهيم ، بالمد في العمر والنعمة ، فاغتروا بالمهلة واشتغلوا بالتنعم واتباع الشهوات وطاعة الشيطان عن كلمة التوحيد (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=29حتى جاءهم الحق ) وهو القرآن (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=29ورسول مبين ) بين الرسالة وأوضحها بما معه من الآيات والبينات ، فكذبوا به وسموه ساحرا ، وما جاء به سحرا ، وكفروا به ، ووجه النظم أنهم لما عولوا على تقليد الآباء ولم يتفكروا في الحجة اغتروا بطول الإمهال وإمتاع الله إياهم بنعيم الدنيا ، فأعرضوا عن الحق ، قال صاحب "الكشاف" : إن قيل : ما وجه قراءة من قرأ " متعت " بفتح التاء ؟ قلنا : كأن الله سبحانه اعترض على ذاته في قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=28وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون ) فقال : بل متعتهم بما متعتهم به من طول العمر والسعة في الرزق حتى شغلهم ذلك عن كلمة التوحيد ، وأراد بذلك المبالغة في تعييرهم ؛ لأنه إذا متعهم بزيادة النعم وجب عليهم أن يجعلوا ذلك سببا في زيادة الشكر والثبات على التوحيد ، لا أن يشركوا به ويجعلوا له أندادا ، فمثاله : أن يشكو الرجل إساءة من أحسن إليه ثم يقبل على نفسه ، فيقول : أنت السبب في ذلك بمعروفك وإحسانك إليه ، وغرضه بهذا الكلام توبيخ المسيء ، لا تقبيح فعل نفسه .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=26وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=27إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=28وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=29بَلْ مَتَّعْتُ هَؤُلَاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى جَاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُبِينٌ nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=30وَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ )
قَوْلُهُ تَعَالَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=26وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=27إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=28وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=29بَلْ مَتَّعْتُ هَؤُلَاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى جَاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُبِينٌ nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=30وَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ ) .
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ فِي الْآيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ أَنَّهُ لَيْسَ لِأُولَئِكَ الْكُفَّارِ دَاعٍ يَدْعُوهُمْ إِلَى تِلْكَ الْأَقَاوِيلِ الْبَاطِلَةِ إِلَّا تَقْلِيدُ الْآبَاءِ وَالْأَسْلَافِ ، ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّهُ طَرِيقٌ بَاطِلٌ وَمَنْهَجٌ فَاسِدٌ ، وَأَنَّ الرُّجُوعَ إِلَى الدَّلِيلِ أَوْلَى مِنَ الِاعْتِمَادِ عَلَى التَّقْلِيدِ ، أَرْدَفَهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ ، وَالْمَقْصُودُ مِنْهَا ذِكْرُ وَجْهٍ آخَرَ يَدُلُّ عَلَى فَسَادِ الْقَوْلِ بِالتَّقْلِيدِ ، وَتَقْرِيرُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ :
الْأَوَّلُ : أَنَّهُ تَعَالَى حَكَى عَنْ
إِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ تَبَرَّأَ عَنْ دِينِ آبَائِهِ بِنَاءً عَلَى الدَّلِيلِ ، فَنَقُولُ : إِمَّا أَنْ يَكُونَ
nindex.php?page=treesubj&link=22302_20350تَقْلِيدُ الْآبَاءِ فِي الْأَدْيَانِ مُحَرَّمًا أَوْ جَائِزًا ، فَإِنْ كَانَ مُحَرَّمًا فَقَدْ بَطَلَ الْقَوْلُ بِالتَّقْلِيدِ ، وَإِنْ كَانَ جَائِزًا فَمَعْلُومٌ أَنَّ أَشْرَفَ آبَاءِ الْعَرَبِ هُوَ
إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ لَيْسَ لَهُمْ فَخْرٌ وَلَا شَرَفٌ إِلَّا بِأَنَّهُمْ مِنْ أَوْلَادِهِ ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَتَقْلِيدُ هَذَا الْأَبِ الَّذِي هُوَ أَشْرَفُ الْآبَاءِ أَوْلَى مِنْ تَقْلِيدِ سَائِرِ الْآبَاءِ ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ تَقْلِيدَهُ أَوْلَى مِنْ تَقْلِيدِ غَيْرِهِ ، فَنَقُولُ : إِنَّهُ تَرَكَ دِينَ الْآبَاءِ ، وَحَكَمَ بِأَنَّ اتِّبَاعَ الدَّلِيلِ أَوْلَى مِنْ مُتَابَعَةِ الْآبَاءِ ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ وَجَبَ تَقْلِيدُهُ فِي تَرْكِ تَقْلِيدِ الْآبَاءِ وَوَجَبَ تَقْلِيدُهُ فِي تَرْجِيحِ الدَّلِيلِ عَلَى التَّقْلِيدِ ، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ : فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ الْقَوْلَ بِوُجُوبِ التَّقْلِيدِ يُوجِبُ الْمَنْعَ مِنَ التَّقْلِيدِ ، وَمَا أَفْضَى ثُبُوتُهُ إِلَى نَفْيِهِ كَانَ بَاطِلًا ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ بِالتَّقْلِيدِ بَاطِلًا ، فَهَذَا طَرِيقٌ رَقِيقٌ فِي إِبْطَالِ التَّقْلِيدِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِهَذِهِ الْآيَةِ .
الْوَجْهُ الثَّانِي : فِي بَيَانِ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=22311تَرْكَ التَّقْلِيدِ وَالرُّجُوعَ إِلَى مُتَابَعَةِ الدَّلِيلِ أَوْلَى فِي الدُّنْيَا وَفِي الدِّينِ ، أَنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ أَنَّ
إِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَّا عَدَلَ عَنْ طَرِيقَةِ أَبِيهِ إِلَى مُتَابَعَةِ الدَّلِيلِ لَا جَرَمَ جَعَلَ اللَّهُ دِينَهُ وَمَذْهَبَهُ بَاقِيًا فِي عَقِبِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَأَمَّا أَدْيَانُ آبَائِهِ فَقَدِ انْدَرَسَتْ وَبَطَلَتْ ، فَثَبَتَ أَنَّ الرُّجُوعَ إِلَى مُتَابَعَةِ الدَّلِيلِ يَبْقَى مَحْمُودَ الْأَثَرِ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ ، وَأَنَّ التَّقْلِيدَ وَالْإِصْرَارَ يَنْقَطِعُ أَثَرُهُ وَلَا يَبْقَى مِنْهُ فِي الدُّنْيَا خَبَرٌ وَلَا أَثَرٌ ، فَثَبَتَ مِنْ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ أَنَّ مُتَابَعَةَ الدَّلِيلِ وَتَرْكَ التَّقْلِيدِ أَوْلَى ، فَهَذَا بَيَانُ الْمَقْصُودِ الْأَصْلِيِّ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ ، وَلْنَرْجِعْ إِلَى تَفْسِيرِ أَلْفَاظِ الْآيَةِ .
[ ص: 179 ] أَمَّا قَوْلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=26إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ ) فَقَالَ
الْكِسَائِيُّ وَالْفَرَّاءُ nindex.php?page=showalam&ids=15153وَالْمُبَرِّدُ وَالزَّجَّاجُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=26بَرَاءٌ ) مَصْدَرٌ لَا يُثَنَّى وَلَا يُجْمَعُ ، مِثْلَ عَدْلٍ وَرِضَا ، وَتَقُولُ الْعَرَبُ : أَنَا الْبَرَاءُ مِنْكَ وَالْخَلَاءُ مِنْكَ ، وَنَحْنُ الْبَرَاءُ مِنْكَ وَالْخَلَاءُ ، وَلَا يَقُولُونَ : الْبَرَاءَانِ وَلَا الْبَرَاؤُونَ ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى ذَوَا الْبَرَاءِ وَذَوُو الْبَرَاءِ ، فَإِنْ قُلْتَ بَرِيءٌ وَخَلِيُّ ثَنَّيْتَ وَجَمَعْتَ .
ثُمَّ اسْتَثْنَى خَالِقَهُ مِنَ الْبَرَاءَةِ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=27إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي ) وَالْمَعْنَى : أَنَا أَتَبَرَّأُ مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلَّا مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ "إِلَّا " بِمَعْنَى " لَكِنْ " ، فَيَكُونُ الْمَعْنَى : لَكِنَّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ ، أَيْ : سَيُرْشِدُنِي لِدِينِهِ وَيُوَفِّقُنِي لِطَاعَتِهِ .
وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى حَكَى عَنْ
إِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي آيَةٍ أُخْرَى أَنَّهُ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=78الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ ) وَحَكَى عَنْهُ هَهُنَا أَنَّهُ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=27سَيَهْدِينِ ) فَأَجْمَعُ بَيْنَهُمَا وَقُدِّرَ كَأَنَّهُ قَالَ : فَهُوَ يَهْدِينِ وَسَيَهْدِينِ ، فَيَدُلَّانِ عَلَى اسْتِمْرَارِ الْهِدَايَةِ فِي الْحَالِ وَالِاسْتِقْبَالِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=28وَجَعَلَهَا ) أَيْ : وَجَعَلَ
إِبْرَاهِيمُ كَلِمَةَ التَّوْحِيدِ الَّتِي تَكَلَّمَ بِهَا ، وَهِيَ قَوْلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=26إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ ) جَارِيًا مَجْرَى ( لَا إِلَهَ ) ، وَقَوْلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=27إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي ) جَارِيًا مَجْرَى قَوْلِهِ ( إِلَّا اللَّهُ ) ، فَكَانَ مَجْمُوعُ قَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=26إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=27إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي ) جَارِيًا مَجْرَى قَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=35لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ) [ الصَّافَّاتِ : 35 ] ثُمَّ بَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ
إِبْرَاهِيمَ جَعَلَ هَذِهِ الْكَلِمَةَ بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ ، أَيْ : فِي ذُرِّيَّتِهِ ، فَلَا يَزَالُ فِيهِمْ مَنْ يُوَحِّدُ اللَّهَ وَيَدْعُو إِلَى تَوْحِيدِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=28لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) أَيْ لَعَلَّ مَنْ أَشْرَكَ مِنْهُمْ يَرْجِعُ بِدُعَاءِ مَنْ وَحَّدَ مِنْهُمْ ، وَقِيلَ : وَجَعَلَهَا اللَّهُ ، وَقُرِئَ " كَلِمَةً " عَلَى التَّخْفِيفِ وَفِي " عَقِيبِهِ " .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=29بَلْ مَتَّعْتُ هَؤُلَاءِ وَآبَاءَهُمْ ) يَعْنِي
أَهْلَ مَكَّةَ ، وَهُمْ عَقِبُ
إِبْرَاهِيمَ ، بِالْمَدِّ فِي الْعُمُرِ وَالنِّعْمَةِ ، فَاغْتَرُّوا بِالْمُهْلَةِ وَاشْتَغَلُوا بِالتَّنَعُّمِ وَاتِّبَاعِ الشَّهَوَاتِ وَطَاعَةِ الشَّيْطَانِ عَنْ كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=29حَتَّى جَاءَهُمُ الْحَقُّ ) وَهُوَ الْقُرْآنُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=29وَرَسُولٌ مُبِينٌ ) بَيَّنَ الرِّسَالَةَ وَأَوْضَحَهَا بِمَا مَعَهُ مِنَ الْآيَاتِ وَالْبَيِّنَاتِ ، فَكَذَّبُوا بِهِ وَسَمَّوْهُ سَاحِرًا ، وَمَا جَاءَ بِهِ سِحْرًا ، وَكَفَرُوا بِهِ ، وَوَجْهُ النَّظْمِ أَنَّهُمْ لَمَّا عَوَّلُوا عَلَى تَقْلِيدِ الْآبَاءِ وَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي الْحُجَّةِ اغْتَرُّوا بِطُولِ الْإِمْهَالِ وَإِمْتَاعِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ بِنَعِيمِ الدُّنْيَا ، فَأَعْرَضُوا عَنِ الْحَقِّ ، قَالَ صَاحِبُ "الْكَشَّافِ" : إِنْ قِيلَ : مَا وَجْهُ قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ " مَتَّعْتَ " بِفَتْحِ التَّاءِ ؟ قُلْنَا : كَأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ اعْتَرَضَ عَلَى ذَاتِهِ فِي قَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=28وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) فَقَالَ : بَلْ مَتَّعْتُهُمْ بِمَا مَتَّعْتُهُمْ بِهِ مِنْ طُولِ الْعُمُرِ وَالسَّعَةِ فِي الرِّزْقِ حَتَّى شَغَلَهُمْ ذَلِكَ عَنْ كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ ، وَأَرَادَ بِذَلِكَ الْمُبَالَغَةَ فِي تَعْيِيرِهِمْ ؛ لِأَنَّهُ إِذَا مَتَّعَهُمْ بِزِيَادَةِ النِّعَمِ وَجَبَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَجْعَلُوا ذَلِكَ سَبَبًا فِي زِيَادَةِ الشُّكْرِ وَالثَّبَاتِ عَلَى التَّوْحِيدِ ، لَا أَنْ يُشْرِكُوا بِهِ وَيَجْعَلُوا لَهُ أَنْدَادًا ، فَمِثَالُهُ : أَنْ يَشْكُوَ الرَّجُلُ إِسَاءَةَ مَنْ أَحْسَنَ إِلَيْهِ ثُمَّ يُقْبِلُ عَلَى نَفْسِهِ ، فَيَقُولُ : أَنْتَ السَّبَبُ فِي ذَلِكَ بِمَعْرُوفِكَ وَإِحْسَانِكَ إِلَيْهِ ، وَغَرَضُهُ بِهَذَا الْكَلَامِ تَوْبِيخُ الْمُسِيءِ ، لَا تَقْبِيحُ فِعْلِ نَفْسِهِ .