(
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=31وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=32أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمة ربك خير مما يجمعون )
قوله تعالى (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=31وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم [ ص: 180 ] nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=32أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمة ربك خير مما يجمعون )
اعلم أن هذا هو النوع الرابع من كفرياتهم التي حكاها الله تعالى عنهم في هذه السورة ، وهؤلاء المساكين قالوا : منصب رسالة الله منصب شريف ، فلا يليق إلا برجل شريف ، وقد صدقوا في ذلك ؛ إلا أنهم ضموا إليه مقدمة فاسدة ، وهي أن الرجل الشريف هو الذي يكون كثير المال والجاه ،
ومحمد ليس كذلك ، فلا تليق رسالة الله به ، وإنما يليق هذا المنصب برجل عظيم الجاه كثير المال في إحدى القريتين ، وهي
مكة والطائف ، قال المفسرون : والذي
بمكة هو
الوليد بن المغيرة ، والذي
بالطائف هو
عروة بن مسعود الثقفي ، ثم أبطل الله تعالى هذه الشبهة من وجهين :
الأول : قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=32أهم يقسمون رحمة ربك ) وتقرير هذا الجواب من وجوه :
أحدها : أنا أوقعنا التفاوت في مناصب الدنيا ولم يقدر أحد من الخلق على تغييره ، فالتفاوت الذي أوقعناه في مناصب الدين والنبوة بأن لا يقدروا على التصرف فيه كان أولى .
وثانيها : أن يكون المراد أن اختصاص ذلك الغني بذلك المال الكثير إنما كان لأجل حكمنا وفضلنا وإحساننا إليه ، فكيف يليق بالعقل أن نجعل إحساننا إليه بكثرة المال حجة علينا في أن نحسن إليه أيضا بالنبوة ؟
وثالثها : إنا لما أوقعنا التفاوت في الإحسان بمناصب الدنيا لا لسبب سابق ، فلم لا يجوز أيضا أن نوقع
nindex.php?page=treesubj&link=28855التفاوت في الإحسان بمناصب الدين والنبوة ، لا لسبب سابق ؟ فهذا تقرير الجواب ، ونرجع إلى تفسير الألفاظ ، فنقول : الهمزة في قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=32أهم يقسمون رحمة ربك ) للإنكار الدال على التجهيل والتعجب من إعراضهم وتحكمهم وأن يكونوا هم المدبرين لأمر النبوة ، ثم ضرب لهذا مثالا فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=32نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ) وفيه مسائل :
المسألة الأولى : أنا أوقعنا هذا التفاوت بين العباد في القوة والضعف والعلم والجهل والحذاقة والبلاهة والشهرة والخمول ، وإنما فعلنا ذلك لأنا لو سوينا بينهم في كل هذه الأحوال لم يخدم أحد أحدا ولم يصر أحد منهم مسخرا لغيره وحينئذ يفضي ذلك إلى خراب العالم وفساد نظام الدنيا ، ثم إن أحدا من الخلق لم يقدر على تغيير حكمنا ولا على الخروج عن قضائنا ، فإن عجزوا عن الإعراض عن حكمنا في أحوال الدنيا مع قلتها ودناءتها ، فكيف يمكنهم الاعتراض على حكمنا وقضائنا في تخصيص العباد بمنصب النبوة والرسالة ؟
المسألة الثانية : قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=32نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ) يقتضي أن تكون كل أقسام معايشهم إنما تحصل بحكم الله وتقديره ، وهذا يقتضي أن يكون الرزق الحرام والحلال كله من الله تعالى .
والوجه الثاني في الجواب : ما هو المراد من قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=32ورحمة ربك خير مما يجمعون ) ؟ وتقريره أن الله تعالى إذا خص بعض عبيده بنوع فضله ورحمته في الدين فهذه الرحمة خير من الأموال التي يجمعها ؛ لأن الدنيا على شرف الانقضاء والانقراض ، وفضل الله ورحمته تبقى أبد الآباد .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=31وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=32أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ )
قَوْلُهُ تَعَالَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=31وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ [ ص: 180 ] nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=32أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ )
اعْلَمْ أَنَّ هَذَا هُوَ النَّوْعُ الرَّابِعُ مِنْ كُفْرِيَّاتِهِمُ الَّتِي حَكَاهَا اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ فِي هَذِهِ السُّورَةِ ، وَهَؤُلَاءِ الْمَسَاكِينُ قَالُوا : مَنْصِبُ رِسَالَةِ اللَّهِ مَنْصِبٌ شَرِيفٌ ، فَلَا يَلِيقُ إِلَّا بِرَجُلٍ شَرِيفٍ ، وَقَدْ صَدَقُوا فِي ذَلِكَ ؛ إِلَّا أَنَّهُمْ ضَمُّوا إِلَيْهِ مُقَدِّمَةً فَاسِدَةً ، وَهِيَ أَنَّ الرَّجُلَ الشَّرِيفَ هُوَ الَّذِي يَكُونُ كَثِيرَ الْمَالِ وَالْجَاهِ ،
وَمُحَمَّدٌ لَيْسَ كَذَلِكَ ، فَلَا تَلِيقُ رِسَالَةُ اللَّهِ بِهِ ، وَإِنَّمَا يَلِيقُ هَذَا الْمَنْصِبُ بِرَجُلٍ عَظِيمِ الْجَاهِ كَثِيرِ الْمَالِ فِي إِحْدَى الْقَرْيَتَيْنِ ، وَهِيَ
مَكَّةُ وَالطَّائِفُ ، قَالَ الْمُفَسِّرُونَ : وَالَّذِي
بِمَكَّةَ هُوَ
الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ ، وَالَّذِي
بِالطَّائِفِ هُوَ
عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيُّ ، ثُمَّ أَبْطَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الشُّبْهَةَ مِنْ وَجْهَيْنِ :
الْأَوَّلُ : قَوْلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=32أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ ) وَتَقْرِيرُ هَذَا الْجَوَابِ مِنْ وُجُوهٍ :
أَحَدُهَا : أَنَّا أَوْقَعْنَا التَّفَاوُتَ فِي مَنَاصِبِ الدُّنْيَا وَلَمْ يَقْدِرْ أَحَدٌ مِنَ الْخَلْقِ عَلَى تَغْيِيرِهِ ، فَالتَّفَاوُتُ الَّذِي أَوْقَعْنَاهُ فِي مَنَاصِبِ الدِّينِ وَالنُّبُوَّةِ بِأَنْ لَا يَقْدِرُوا عَلَى التَّصَرُّفِ فِيهِ كَانَ أَوْلَى .
وَثَانِيهَا : أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّ اخْتِصَاصَ ذَلِكَ الْغَنِيِّ بِذَلِكَ الْمَالِ الْكَثِيرِ إِنَّمَا كَانَ لِأَجْلِ حُكْمِنَا وَفَضْلِنَا وَإِحْسَانِنَا إِلَيْهِ ، فَكَيْفَ يَلِيقُ بِالْعَقْلِ أَنْ نَجْعَلَ إِحْسَانَنَا إِلَيْهِ بِكَثْرَةِ الْمَالِ حُجَّةً عَلَيْنَا فِي أَنْ نُحْسِنَ إِلَيْهِ أَيْضًا بِالنُّبُوَّةِ ؟
وَثَالِثُهَا : إِنَّا لَمَّا أَوْقَعْنَا التَّفَاوُتَ فِي الْإِحْسَانِ بِمَنَاصِبِ الدُّنْيَا لَا لِسَبَبٍ سَابِقٍ ، فَلِمَ لَا يَجُوزُ أَيْضًا أَنْ نُوقِعَ
nindex.php?page=treesubj&link=28855التَّفَاوُتَ فِي الْإِحْسَانِ بِمَنَاصِبِ الدِّينِ وَالنُّبُوَّةِ ، لَا لِسَبَبٍ سَابِقٍ ؟ فَهَذَا تَقْرِيرُ الْجَوَابِ ، وَنَرْجِعُ إِلَى تَفْسِيرِ الْأَلْفَاظِ ، فَنَقُولُ : الْهَمْزَةُ فِي قَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=32أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ ) لِلْإِنْكَارِ الدَّالِّ عَلَى التَّجْهِيلِ وَالتَّعَجُّبِ مِنْ إِعْرَاضِهِمْ وَتَحَكُّمِهِمْ وَأَنْ يَكُونُوا هُمُ الْمُدَبِّرِينَ لِأَمْرِ النُّبُوَّةِ ، ثُمَّ ضَرَبَ لِهَذَا مِثَالًا فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=32نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ ) وَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : أَنَّا أَوْقَعْنَا هَذَا التَّفَاوُتَ بَيْنَ الْعِبَادِ فِي الْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ وَالْعِلْمِ وَالْجَهْلِ وَالْحَذَاقَةِ وَالْبَلَاهَةِ وَالشُّهْرَةِ وَالْخُمُولِ ، وَإِنَّمَا فَعَلْنَا ذَلِكَ لِأَنَّا لَوْ سَوَّيْنَا بَيْنَهُمْ فِي كُلِّ هَذِهِ الْأَحْوَالِ لَمْ يَخْدُمْ أَحَدٌ أَحَدًا وَلَمْ يَصِرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ مُسَخَّرًا لِغَيْرِهِ وَحِينَئِذٍ يُفْضِي ذَلِكَ إِلَى خَرَابِ الْعَالَمِ وَفَسَادِ نِظَامِ الدُّنْيَا ، ثُمَّ إِنَّ أَحَدًا مِنَ الْخَلْقِ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى تَغْيِيرِ حُكْمِنَا وَلَا عَلَى الْخُرُوجِ عَنْ قَضَائِنَا ، فَإِنْ عَجَزُوا عَنِ الْإِعْرَاضِ عَنْ حُكْمِنَا فِي أَحْوَالِ الدُّنْيَا مَعَ قِلَّتِهَا وَدَنَاءَتِهَا ، فَكَيْفَ يُمْكِنُهُمُ الِاعْتِرَاضُ عَلَى حُكْمِنَا وَقَضَائِنَا فِي تَخْصِيصِ الْعِبَادِ بِمَنْصِبِ النُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ ؟
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=32نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ كُلُّ أَقْسَامِ مَعَايِشِهِمْ إِنَّمَا تَحْصُلُ بِحُكْمِ اللَّهِ وَتَقْدِيرِهِ ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الرِّزْقُ الْحَرَامُ وَالْحَلَالُ كُلُّهُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي فِي الْجَوَابِ : مَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=32وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ) ؟ وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِذَا خَصَّ بَعْضَ عَبِيدِهِ بِنَوْعِ فَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ فِي الدِّينِ فَهَذِهِ الرَّحْمَةُ خَيْرٌ مِنَ الْأَمْوَالِ الَّتِي يَجْمَعُهَا ؛ لِأَنَّ الدُّنْيَا عَلَى شَرَفِ الِانْقِضَاءِ وَالِانْقِرَاضِ ، وَفَضْلُ اللَّهِ وَرَحْمَتُهُ تَبْقَى أَبَدَ الْآبَادِ .