(
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=40أفأنت تسمع الصم أو تهدي العمي ومن كان في ضلال مبين nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=41فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=42أو نرينك الذي وعدناهم فإنا عليهم مقتدرون nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=43فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراط مستقيم nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=44وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=45واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون )
قوله تعالى (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=40أفأنت تسمع الصم أو تهدي العمي ومن كان في ضلال مبين nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=41فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=42أو نرينك الذي وعدناهم فإنا عليهم مقتدرون nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=43فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراط مستقيم nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=44وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=45واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون )
اعلم أنه تعالى لما وصفهم في الآية المتقدمة بالعشى وصفهم في هذه الآية بالصمم والعمى ، وما أحسن هذا الترتيب ، وذلك لأن الإنسان في أول اشتغاله بطلب الدنيا يكون كمن حصل بعينه رمد ضعيف ، ثم كلما كان اشتغاله بتلك الأعمال أكثر كان ميله إلى الجسمانيات أشد ، وإعراضه عن الروحانيات أكمل ، لما ثبت في علوم العقل أن كثرة الأفعال توجب حصول الملكات الراسخة ، فينتقل الإنسان من الرمد إلى أن يصير أعشى ، فإذا واظب على تلك الحالة أياما أخرى انتقل من كونه أعشى إلى كونه أعمى ، فهذا ترتيب حسن موافق لما ثبت بالبراهين اليقينية ، روي أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يجتهد في دعاء قومه وهم لا يزيدون إلا تصميما على الكفر وتماديا في الغي ، فقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=40أفأنت تسمع الصم أو تهدي العمي ) يعني أنهم بلغوا في النفرة عنك وعن دينك إلى حيث إذا أسمعتهم القرآن كانوا كالأصم ، وإذا أريتهم المعجزات كانوا كالأعمى ، ثم بين
[ ص: 185 ] تعالى أن صممهم وعماهم إنما كان بسبب كونهم في ضلال مبين .
ولما بين تعالى أن دعوته لا تؤثر في قلوبهم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=41فإما نذهبن بك ) يريد حصول الموت قبل نزول النقمة بهم (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=41فإنا منهم منتقمون ) بعدك ، أو نرينك في حياتك ما وعدناهم من الذل والقتل ، فإنا مقتدرون على ذلك ، واعلم أن هذا الكلام يفيد كمال التسلية للرسول - عليه السلام - لأنه تعالى بين أنهم لا تؤثر فيهم دعوته ، واليأس إحدى الراحتين ، ثم بين أنه لا بد وأن ينتقم لأجله منهم إما حال حياته أو بعد وفاته ، وذلك أيضا يوجب التسلية ، فبعد هذا أمره أن يستمسك بما أمره تعالى ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=43فاستمسك بالذي أوحي إليك ) بأن تعتقد أنه حق ، وبأن تعمل بموجبه فإنه الصراط المستقيم الذي لا يميل عنه إلا ضال في الدين .
ولما بين تأثير التمسك بهذا الدين في منافع الدين بين أيضا تأثيره في منافع الدنيا ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=44وإنه لذكر لك ولقومك ) أي : إنه يوجب الشرف العظيم لك ولقومك حيث يقال : إن هذا الكتاب العظيم أنزله الله على رجل من قوم هؤلاء ، واعلم أن هذه الآية تدل على أن
nindex.php?page=treesubj&link=24416الإنسان لا بد وأن يكون عظيم الرغبة في الثناء الحسن والذكر الجميل ، ولو لم يكن الذكر الجميل أمرا مرغوبا فيه لما من الله به على
محمد - صلى الله عليه وسلم - حيث قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=44وإنه لذكر لك ولقومك ) ولما طلبه
إبراهيم - عليه السلام - حيث قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=84واجعل لي لسان صدق في الآخرين ) [الشعراء : 84] ولأن الذكر الجميل قائم مقام الحياة الشريفة ، بل الذكر أفضل من الحياة ؛ لأن أثر الحياة لا يحصل إلا في مسكن ذلك الحي ، أما أثر الذكر الجميل فإنه يحصل في كل مكان وفي كل زمان .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=44وسوف تسألون ) وفيه وجوه :
الأول : قال
الكلبي : تسألون هل أديتم شكر إنعامنا عليكم بهذا الذكر الجميل .
الثاني : قال
مقاتل : المراد أن من كذب به يسأل لم كذبه ، فيسأل سؤال توبيخ .
الثالث : تسألون هل عملتم بما دل عليه من التكاليف .
واعلم أن
nindex.php?page=treesubj&link=30612السبب الأقوى في إنكار الكفار لرسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - ولبغضهم له أنه كان ينكر عبادة الأصنام ، فبين تعالى أن إنكار عبادة الأصنام ليس من خواص دين
محمد - صلى الله عليه وسلم - ، بل كل الأنبياء والرسل كانوا مطبقين على إنكاره فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=45واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون ) وفيه أقوال :
الأول : معناه واسأل مؤمني
أهل الكتاب ، أي : أهل التوراة والإنجيل ، فإنهم سيخبرونك أنه لم يرد في دين أحد من الأنبياء عبادة الأصنام ، وإذا كان هذا الأمر متفقا عليه بين كل الأنبياء والرسل وجب أن لا يجعلوه سببا لبغض
محمد صلى الله عليه وسلم .
والقول الثاني : قال
عطاء عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : "
لما أسري به - صلى الله عليه وسلم - إلى المسجد الأقصى بعث الله له آدم وجميع المرسلين من ولده ، فأذن جبريل ثم أقام ، فقال : يا محمد ، تقدم فصل بهم ، فلما فرغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الصلاة ، قال له جبريل عليه السلام : " واسأل يا محمد من أرسلنا من قبلك من رسلنا ... " الآية ، فقال صلى الله عليه وسلم : لا أسأل لأني لست شاكا فيه " .
والقول الثالث : أن ذكر السؤال في موضع لا يمكن السؤال فيه يكون المراد منه النظر والاستدلال ، كقول من قال : سل الأرض من شق أنهارك ، وغرس أشجارك ، وجنى ثمارك ، فإنها إن لم تجبك جوابا أجابتك اعتبارا ، فههنا سؤال النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الأنبياء الذين كانوا قبله - ممتنع ، فكان المراد منه : انظر في هذه المسألة بعقلك وتدبر فيها بفهمك ، والله أعلم .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=40أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=41فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=42أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=43فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=44وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=45وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ )
قَوْلُهُ تَعَالَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=40أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=41فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=42أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=43فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=44وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=45وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ )
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا وَصَفَهُمْ فِي الْآيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ بِالْعَشَى وَصَفَهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِالصَّمَمِ وَالْعَمَى ، وَمَا أَحْسَنَ هَذَا التَّرْتِيبَ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ فِي أَوَّلِ اشْتِغَالِهِ بِطَلَبِ الدُّنْيَا يَكُونُ كَمَنْ حَصَلَ بِعَيْنِهِ رَمَدٌ ضَعِيفٌ ، ثُمَّ كُلَّمَا كَانَ اشْتِغَالُهُ بِتِلْكَ الْأَعْمَالِ أَكْثَرَ كَانَ مَيْلُهُ إِلَى الْجُسْمَانِيَّاتِ أَشَدَّ ، وَإِعْرَاضُهُ عَنِ الرُّوحَانِيَّاتِ أَكْمَلَ ، لِمَا ثَبَتَ فِي عُلُومِ الْعَقْلِ أَنَّ كَثْرَةَ الْأَفْعَالِ تُوجِبُ حُصُولَ الْمَلَكَاتِ الرَّاسِخَةِ ، فَيَنْتَقِلُ الْإِنْسَانُ مِنَ الرَّمَدِ إِلَى أَنْ يَصِيرَ أَعْشَى ، فَإِذَا وَاظَبَ عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ أَيَّامًا أُخْرَى انْتَقَلَ مِنْ كَوْنِهِ أَعْشَى إِلَى كَوْنِهِ أَعْمَى ، فَهَذَا تَرْتِيبٌ حَسَنٌ مُوَافِقٌ لِمَا ثَبَتَ بِالْبَرَاهِينِ الْيَقِينِيَّةِ ، رُوِيَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَجْتَهِدُ فِي دُعَاءِ قَوْمِهِ وَهُمْ لَا يَزِيدُونَ إِلَّا تَصْمِيمًا عَلَى الْكُفْرِ وَتَمَادِيًا فِي الْغَيِّ ، فَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=40أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ ) يَعْنِي أَنَّهُمْ بَلَغُوا فِي النَّفْرَةِ عَنْكَ وَعَنْ دِينِكَ إِلَى حَيْثُ إِذَا أَسْمَعْتَهُمُ الْقُرْآنَ كَانُوا كَالْأَصَمِّ ، وَإِذَا أَرَيْتَهُمُ الْمُعْجِزَاتِ كَانُوا كَالْأَعْمَى ، ثُمَّ بَيَّنَ
[ ص: 185 ] تَعَالَى أَنَّ صَمَمَهُمْ وَعَمَاهُمْ إِنَّمَا كَانَ بِسَبَبِ كَوْنِهِمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ .
وَلَمَّا بَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ دَعْوَتَهُ لَا تُؤَثِّرُ فِي قُلُوبِهِمْ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=41فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ ) يُرِيدُ حُصُولَ الْمَوْتِ قَبْلَ نُزُولِ النِّقْمَةِ بِهِمْ (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=41فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ ) بَعْدَكَ ، أَوْ نُرِيَنَّكَ فِي حَيَاتِكَ مَا وَعَدْنَاهُمْ مِنَ الذُّلِّ وَالْقَتْلِ ، فَإِنَّا مُقْتَدِرُونَ عَلَى ذَلِكَ ، وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ يُفِيدُ كَمَالَ التَّسْلِيَةِ لِلرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِأَنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ أَنَّهُمْ لَا تُؤَثِّرُ فِيهِمْ دَعْوَتُهُ ، وَالْيَأْسُ إِحْدَى الرَّاحَتَيْنِ ، ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّهُ لَا بُدَّ وَأَنْ يَنْتَقِمَ لِأَجْلِهِ مِنْهُمْ إِمَّا حَالَ حَيَاتِهِ أَوْ بَعْدَ وَفَاتِهِ ، وَذَلِكَ أَيْضًا يُوجِبُ التَّسْلِيَةَ ، فَبَعْدَ هَذَا أَمَرَهُ أَنْ يَسْتَمْسِكَ بِمَا أَمَرَهُ تَعَالَى ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=43فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ ) بِأَنْ تَعْتَقِدَ أَنَّهُ حَقٌّ ، وَبِأَنْ تَعْمَلَ بِمُوجِبِهِ فَإِنَّهُ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ الَّذِي لَا يَمِيلُ عَنْهُ إِلَّا ضَالٌّ فِي الدِّينِ .
وَلَمَّا بَيَّنَ تَأْثِيرَ التَّمَسُّكِ بِهَذَا الدِّينِ فِي مَنَافِعِ الدِّينِ بَيَّنَ أَيْضًا تَأْثِيرَهُ فِي مَنَافِعِ الدُّنْيَا ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=44وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ ) أَيْ : إِنَّهُ يُوجِبُ الشَّرَفَ الْعَظِيمَ لَكَ وَلِقَوْمِكَ حَيْثُ يُقَالُ : إِنَّ هَذَا الْكِتَابَ الْعَظِيمَ أَنْزَلَهُ اللَّهُ عَلَى رَجُلٍ مِنْ قَوْمِ هَؤُلَاءِ ، وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=24416الْإِنْسَانَ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ عَظِيمَ الرَّغْبَةِ فِي الثَّنَاءِ الْحَسَنِ وَالذِّكْرِ الْجَمِيلِ ، وَلَوْ لَمْ يَكُنِ الذِّكْرُ الْجَمِيلُ أَمْرًا مَرْغُوبًا فِيهِ لَمَا مَنَّ اللَّهُ بِهِ عَلَى
مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيْثُ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=44وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ ) وَلَمَا طَلَبَهُ
إِبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حَيْثُ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=84وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ ) [الشُّعَرَاءِ : 84] وَلِأَنَّ الذِّكْرَ الْجَمِيلَ قَائِمٌ مَقَامَ الْحَيَاةِ الشَّرِيفَةِ ، بَلِ الذِّكْرُ أَفْضَلُ مِنَ الْحَيَاةِ ؛ لِأَنَّ أَثَرَ الْحَيَاةِ لَا يَحْصُلُ إِلَّا فِي مَسْكَنِ ذَلِكَ الْحَيِّ ، أَمَّا أَثَرُ الذِّكْرِ الْجَمِيلِ فَإِنَّهُ يَحْصُلُ فِي كُلِّ مَكَانٍ وَفِي كُلِّ زَمَانٍ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=44وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ ) وَفِيهِ وُجُوهٌ :
الْأَوَّلُ : قَالَ
الْكَلْبِيُّ : تُسْأَلُونَ هَلْ أَدَّيْتُمْ شُكْرَ إِنْعَامِنَا عَلَيْكُمْ بِهَذَا الذِّكْرِ الْجَمِيلِ .
الثَّانِي : قَالَ
مُقَاتِلٌ : الْمُرَادُ أَنَّ مَنْ كَذَّبَ بِهِ يُسْأَلُ لِمَ كَذَّبَهُ ، فَيُسْأَلُ سُؤَالَ تَوْبِيخٍ .
الثَّالِثُ : تُسْأَلُونَ هَلْ عَمِلْتُمْ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ مِنَ التَّكَالِيفِ .
وَاعْلَمْ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30612السَّبَبَ الْأَقْوَى فِي إِنْكَارِ الْكُفَّارِ لِرِسَالَةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِبُغْضِهِمْ لَهُ أَنَّهُ كَانَ يُنْكِرُ عِبَادَةَ الْأَصْنَامِ ، فَبَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ إِنْكَارَ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ لَيْسَ مِنْ خَوَاصِّ دِينِ
مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، بَلْ كُلُّ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ كَانُوا مُطْبِقِينَ عَلَى إِنْكَارِهِ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=45وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ ) وَفِيهِ أَقْوَالٌ :
الْأَوَّلُ : مَعْنَاهُ وَاسْأَلْ مُؤْمِنِي
أَهْلِ الْكِتَابِ ، أَيْ : أَهْلِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ ، فَإِنَّهُمْ سَيُخْبِرُونَكَ أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِي دِينِ أَحَدٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ عِبَادَةُ الْأَصْنَامِ ، وَإِذَا كَانَ هَذَا الْأَمْرُ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ بَيْنَ كُلِّ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ وَجَبَ أَنْ لَا يَجْعَلُوهُ سَبَبًا لِبُغْضِ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَالْقَوْلُ الثَّانِي : قَالَ
عَطَاءٌ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ : "
لَمَّا أُسْرِيَ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى بَعَثَ اللَّهُ لَهُ آدَمَ وَجَمِيعَ الْمُرْسَلِينَ مِنْ وَلَدِهِ ، فَأَذَّنَ جِبْرِيلُ ثُمَّ أَقَامَ ، فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، تَقَدَّمْ فَصَلِّ بِهِمْ ، فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الصَّلَاةِ ، قَالَ لَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ : " وَاسْأَلْ يَا مُحَمَّدُ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا ... " الْآيَةَ ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا أَسْأَلُ لِأَنِّي لَسْتُ شَاكًّا فِيهِ " .
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ : أَنَّ ذِكْرَ السُّؤَالِ فِي مَوْضِعٍ لَا يُمْكِنُ السُّؤَالُ فِيهِ يَكُونُ الْمُرَادُ مِنْهُ النَّظَرَ وَالِاسْتِدْلَالَ ، كَقَوْلِ مَنْ قَالَ : سَلِ الْأَرْضَ مَنْ شَقَّ أَنْهَارَكِ ، وَغَرَسَ أَشْجَارَكِ ، وَجَنَى ثِمَارَكِ ، فَإِنَّهَا إِنْ لَمْ تُجِبْكَ جَوَابًا أَجَابَتْكَ اعْتِبَارًا ، فَهَهُنَا سُؤَالُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ كَانُوا قَبْلَهُ - مُمْتَنِعٌ ، فَكَانَ الْمُرَادُ مِنْهُ : انْظُرْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِعَقْلِكَ وَتَدَبَّرْ فِيهَا بِفَهْمِكَ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .