[ ص: 186 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=46ولقد أرسلنا موسى بآياتنا إلى فرعون وملئه فقال إني رسول رب العالمين nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=47فلما جاءهم بآياتنا إذا هم منها يضحكون nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=48وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها وأخذناهم بالعذاب لعلهم يرجعون nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=49وقالوا يا أيها الساحر ادع لنا ربك بما عهد عندك إننا لمهتدون nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=50فلما كشفنا عنهم العذاب إذا هم ينكثون nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=51ونادى فرعون في قومه قال يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=52أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=53فلولا ألقي عليه أسورة من ذهب أو جاء معه الملائكة مقترنين nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=54فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=55فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين )
قوله تعالى (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=46ولقد أرسلنا موسى بآياتنا إلى فرعون nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=46وملئه فقال إني رسول رب العالمين nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=47فلما جاءهم بآياتنا إذا هم منها يضحكون nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=48وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها وأخذناهم بالعذاب لعلهم يرجعون nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=49وقالوا ياأيها الساحر ادع لنا ربك بما عهد عندك إننا لمهتدون nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=50فلما كشفنا عنهم العذاب إذا هم ينكثون nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=51ونادى فرعون في قومه قال ياقوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=52أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=53فلولا ألقي عليه أسورة من ذهب أو جاء معه الملائكة مقترنين nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=54فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=55فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين )
وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى : اعلم أن المقصود من إعادة قصة
موسى - عليه السلام - وفرعون في هذا المقام تقرير الكلام الذي تقدم ، وذلك لأن
nindex.php?page=treesubj&link=30549كفار قريش طعنوا في نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - بسبب كونه فقيرا عديم المال والجاه ، فبين الله تعالى أن
موسى - عليه السلام - بعد أن أورد المعجزات القاهرة الباهرة التي لا يشك في صحتها عاقل أورد فرعون عليه هذه الشبهة التي ذكرها كفار
قريش ، فقال : إني غني كثير المال والجاه ، ألا ترون أنه حصل لي ملك
مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي ، وأما
موسى فإنه فقير مهين وليس له بيان ولسان ، والرجل الفقير كيف يكون رسولا من عند الله إلى الملك الكبير الغني ، فثبت أن هذه الشبهة التي ذكرها كفار
مكة ، وهي قولهم (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=31لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ) [الزخرف : 31] وقد أوردها بعينها فرعون على
موسى ، ثم إنا انتقمنا منهم فأغرقناهم ، والمقصود من إيراد هذه القصة - تقرير أمرين :
أحدهما : أن الكفار والجهال أبدا يحتجون على الأنبياء بهذه الشبهة الركيكة فلا يبالى بها ولا يلتفت إليها .
والثاني : أن فرعون على غاية كمال حاله في الدنيا صار مقهورا باطلا ، فيكون الأمر في حق أعدائك هكذا ، فثبت أنه ليس المقصود من إعادة هذه القصة عين هذه القصة ، بل المقصود تقرير الجواب عن الشبهة المذكورة ، وعلى هذا
[ ص: 187 ] فلا يكون هذا تقريرا للقصة البتة ، وهذا من نفائس الأبحاث ، والله أعلم .
المسألة الثانية في تفسير الألفاظ : ذكر تعالى أنه أرسل
موسى بآياته ، وهي
nindex.php?page=treesubj&link=31942_30549المعجزات التي كانت مع موسى - عليه السلام - إلى فرعون وملئه ، أي قومه ، فقال
موسى : إني رسول رب العالمين ، فلما جاءهم بتلك الآيات إذا هم منها يضحكون ، قيل : إنه لما ألقى عصاه صار ثعبانا ثم أخذه فعاد عصا كما كان - ضحكوا ، ولما عرض عليهم اليد البيضاء ثم عادت كما كانت - ضحكوا ، فإن قيل : كيف جاز أن يجاب عن " لما " بـ "إذا " الذي يفيد المفاجأة ؟ قلنا : لأن فعل المفاجأة معها مقدر ؛ كأنه قيل : فلما جاءهم بآياتنا فاجئوا وقت ضحكهم .
ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=48وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها ) فإن قيل : ظاهر اللفظ يقتضي كون كل واحد منها أفضل من التالي ، وذلك محال ، قلنا : إذا أريد المبالغة في كون كل من تلك الأشياء بالغا إلى أقصى الدرجات في الفضيلة ، فقد يذكر هذا الكلام بمعنى أنه لا يبعد في أناس ينظرون إليها أن يقول هذا : إن هذا أفضل من الثاني ، وأن يقول الثاني : لا بل الثاني أفضل ، وأن يقول الثالث : لا بل الثالث أفضل ، وحينئذ يصير كل واحد من تلك الأشياء مقولا فيه : إنه أفضل من غيره .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=48وأخذناهم بالعذاب لعلهم يرجعون ) أي عن الكفر إلى الإيمان ، قالت
المعتزلة : هذا يدل على
nindex.php?page=treesubj&link=32412_29700أنه تعالى يريد الإيمان من الكل وأنه إنما أظهر تلك المعجزات القاهرة لإرادة أن يرجعوا من الكفر إلى الإيمان ، قال المفسرون :
nindex.php?page=treesubj&link=28910ومعنى قوله ( nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=48وأخذناهم بالعذاب ) أي بالأشياء التي سلطها عليها
nindex.php?page=treesubj&link=31911_31916_31918كالطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم والطمس .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=49وقالوا ياأيها الساحر ادع لنا ربك بما عهد عندك إننا لمهتدون ) فإن قيل : كيف سموه بالساحر مع قولهم (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=49إننا لمهتدون ) ؟ قلنا : فيه وجوه :
الأول : أنهم كانوا يقولون للعالم الماهر ساحر ، لأنهم كانوا يستعظمون السحر ، وكما يقال في زماننا في العامل العجيب الكامل إنه أتى بالسحر .
الثاني : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=49ياأيها الساحر ) في زعم الناس ومتعارف قوم فرعون كقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=6وقالوا ياأيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون ) [الحجر : 6] أي نزل عليه الذكر في اعتقاده وزعمه .
الثالث : أن قولهم (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=49إننا لمهتدون ) وقد كانوا عازمين على خلافه ، ألا ترى إلى قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=50فلما كشفنا عنهم العذاب إذا هم ينكثون ) فتسميتهم إياه بالسحر لا ينافي قولهم (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=49إننا لمهتدون ) ثم بين تعالى أنه لما كشف عنهم العذاب نكثوا ذلك العهد .
ولما حكى الله تعالى معاملة فرعون مع
موسى ، حكى أيضا معاملة فرعون معه فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=51ونادى فرعون في قومه ) والمعنى أنه أظهر هذا القول ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=51ياقوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي ) يعني الأنهار التي فصلوها من النيل ، ومعظمها أربعة :
نهر الملك ونهر طولون ونهر دمياط ونهر تنيس ، قيل : كانت تجري تحت قصره ، وحاصل الأمر أنه احتج بكثرة أمواله وقوة جاهه على فضيلة نفسه .
ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=52أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين ) وعنى بكونه مهينا كونه فقيرا ضعيف الحال ، وبقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=52ولا يكاد يبين ) حبسة كانت في لسانه ، واختلفوا في معنى " أم " ههنا ، فقال
أبو عبيدة : مجازها : بل أنا خير ، وعلى هذا فقد تم الكلام عند قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=51أفلا تبصرون ) ثم ابتدأ فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=52أم أنا خير ) بمعنى بل أنا خير ، وقال الباقون : " أم " هذه متصلة ؛ لأن المعنى (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=51أفلا تبصرون ) أم تبصرون ، إلا أنه وضع قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=52أنا خير ) موضع " تبصرون " ، لأنهم إذا قالوا له : أنت خير ، فهم عنده بصراء ، وقال آخرون : إن تمام الكلام عند قوله " أم " ، وقوله
[ ص: 188 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=52أنا خير ) ابتداء الكلام ، والتقدير : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=51أفلا تبصرون ) أم تبصرون ، لكنه اكتفى فيه بذكر " أم " كما تقول لغيرك : أتأكل أم . أي : أتأكل أم لا تأكل ، تقتصر على ذكر كلمة " أم " إيثارا للاختصار ، فكذا ههنا ، فإن قيل : أليس أن
موسى - عليه السلام - سأل الله تعالى أن يزيل الرتة عن لسانه بقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=27واحلل عقدة من لساني nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=28يفقهوا قولي ) [طه : 27] فأعطاه الله تعالى ذلك بقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=36قد أوتيت سؤلك ياموسى ) فكيف عابه فرعون بتلك الرتة ؟ والجواب عنه من وجهين :
الأول : أن فرعون أراد بقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=52ولا يكاد يبين ) حجته التي تدل على صدقه فيما يدعي ، ولم يرد أنه لا قدرة له على الكلام .
والثاني : أنه عابه بما كان عليه أولا ، وذلك أن
موسى كان عند فرعون زمانا طويلا وفي لسانه حبسة ، فنسبه فرعون إلى ما عهده عليه من الرتة لأنه لم يعلم أن الله تعالى أزال ذلك العيب عنه .
ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=53فلولا ألقي عليه أسورة من ذهب ) والمراد أن عادة القوم جرت بأنهم إذا جعلوا واحدا منهم رئيسا لهم سوروه بسوار من ذهب وطوقوه بطوق من ذهب ، فطلب فرعون من
موسى مثل هذه الحالة ، واختلف القراء في " أسورة " ، فبعضهم قرأ : " أسورة " ، وآخرون : " أساورة " ، فأسورة جمع سوار لأدنى العدد ، كقولك حمار وأحمرة وغراب وأغربة ، ومن قرأ " أساورة " فذاك لأن أساوير جمع أسوار ، وهو السوار ، فأساورة تكون الهاء عوضا عن الياء ، نحو بطريق وبطارقة وزنديق وزنادقة وفرزين وفرازنة ، فتكون أساورة جمع أسوار ، وحاصل الكلام يرجع إلى حرف واحد ، وهو أن
nindex.php?page=treesubj&link=31952فرعون كان يقول أنا أكثر مالا وجاها ، فوجب أن أكون أفضل منه ، فيمتنع كونه رسولا من الله ، لأن منصب النبوة يقتضي المخدومية ، والأخس لا يكون مخدوما للأشرف ، ثم المقدمة الفاسدة هي قوله : من كان أكثر مالا وجاها فهو أفضل ، وهي عين المقدمة التي تمسك بها كفار
قريش في قولهم (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=31لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ) ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=53أو جاء معه الملائكة مقترنين ) يجوز أن يكون المراد مقرنين به ، من قولك : قرنته به فاقترن ، وأن يكون من قولهم : اقترنوا بمعنى تقارنوا ، قال الزجاج : معناه يمشون معه فيدلون على صحة نبوته .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=54فاستخف قومه فأطاعوه ) أي طلب منهم الخفة في الإتيان بما كان يأمرهم به فأطاعوه (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=54إنهم كانوا قوما فاسقين ) حيث أطاعوا ذلك الجاهل الفاسق (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=55فلما آسفونا ) أغضبونا ، حكي أن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج غضب في شيء ، فقيل له : أتغضب يا
أبا خالد ؟ فقال : قد غضب الذي خلق الأحلام ، إن الله يقول : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=55فلما آسفونا ) أي أغضبونا .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=55انتقمنا منهم ) واعلم أن ذكر لفظ
nindex.php?page=treesubj&link=29682الأسف في حق الله تعالى محال ، وذكر لفظ الانتقام وكل واحد منهما من المتشابهات التي يجب أن يصار فيها إلى التأويل ، ومعنى
nindex.php?page=treesubj&link=29697الغضب في حق الله إرادة العقاب ، ومعنى الانتقام إرادة العقاب لجرم سابق .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=56فجعلناهم سلفا ومثلا )
nindex.php?page=treesubj&link=5516السلف كل شيء قدمته من عمل صالح أو قرض فهو سلف ، والسلف أيضا من تقدم من آبائك وأقاربك ، واحدهم سالف ، ومنه قول
طفيل يرثي قومه :
مضوا سلفا قصد السبيل عليهم وصرف المنايا بالرجال تقلب
فعلى هذا قال
الفراء والزجاج : يقول : جعلناهم متقدمين ليتعظ بهم الآخرون ، أي : جعلناهم سلفا لكفار أمة
محمد عليه السلام . وأكثر القراء قرءوا بالفتح ، وهو جمع سالف كما ذكرناه ، وقرأ
حمزة والكسائي : " سلفا "
[ ص: 189 ] بالضم ، وهو جمع سلف ، قال
الليث : يقال سلف - بضم اللام - يسلف سلوفا ، فهو سلف ، أي : متقدم ، وقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=56ومثلا للآخرين ) يريد عظة لمن بقي بعدهم وآية وعبرة ، قال
أبو علي الفارسي : المثل واحد يراد به الجمع ، ومن ثم عطف على سلف ، والدليل على وقوعه على أكثر من واحد قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=75ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء ومن رزقناه ) [النحل : 75] فأدخل تحت المثل شيئين ، والله أعلم .
[ ص: 186 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=46وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=47فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِآيَاتِنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَضْحَكُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=48وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=49وَقَالُوا يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=50فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=51وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=52أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=53فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=54فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=55فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ )
قَوْلُهُ تَعَالَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=46وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=46وَمَلَئِهِ فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=47فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِآيَاتِنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَضْحَكُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=48وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=49وَقَالُوا يَاأَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=50فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=51وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَاقَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=52أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=53فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=54فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=55فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ )
وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : اعْلَمْ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ إِعَادَةِ قِصَّةِ
مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَفِرْعَوْنَ فِي هَذَا الْمَقَامِ تَقْرِيرُ الْكَلَامِ الَّذِي تَقَدَّمَ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30549كُفَّارَ قُرَيْشٍ طَعَنُوا فِي نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِسَبَبِ كَوْنِهِ فَقِيرًا عَدِيمَ الْمَالِ وَالْجَاهِ ، فَبَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ
مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَعْدَ أَنْ أَوْرَدَ الْمُعْجِزَاتِ الْقَاهِرَةَ الْبَاهِرَةَ الَّتِي لَا يَشُكُّ فِي صِحَّتِهَا عَاقِلٌ أَوْرَدَ فِرْعَوْنُ عَلَيْهِ هَذِهِ الشُّبْهَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا كُفَّارُ
قُرَيْشٍ ، فَقَالَ : إِنِّي غَنِيٌّ كَثِيرُ الْمَالِ وَالْجَاهِ ، أَلَا تَرَوْنَ أَنَّهُ حَصَلَ لِي مُلْكُ
مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي ، وَأَمَّا
مُوسَى فَإِنَّهُ فَقِيرٌ مَهِينٌ وَلَيْسَ لَهُ بَيَانٌ وَلِسَانٌ ، وَالرَّجُلُ الْفَقِيرُ كَيْفَ يَكُونُ رَسُولًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِلَى الْمَلِكِ الْكَبِيرِ الْغَنِيِّ ، فَثَبَتَ أَنَّ هَذِهِ الشُّبْهَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا كُفَّارُ
مَكَّةَ ، وَهِيَ قَوْلُهُمْ (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=31لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ) [الزُّخْرُفِ : 31] وَقَدْ أَوْرَدَهَا بِعَيْنِهَا فِرْعَوْنُ عَلَى
مُوسَى ، ثُمَّ إِنَّا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ إِيرَادِ هَذِهِ الْقِصَّةِ - تَقْرِيرُ أَمْرَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّ الْكُفَّارَ وَالْجُهَّالَ أَبَدًا يَحْتَجُّونَ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ بِهَذِهِ الشُّبْهَةِ الرَّكِيكَةِ فَلَا يُبَالَى بِهَا وَلَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهَا .
وَالثَّانِي : أَنَّ فِرْعَوْنَ عَلَى غَايَةِ كَمَالِ حَالِهِ فِي الدُّنْيَا صَارَ مَقْهُورًا بَاطِلًا ، فَيَكُونُ الْأَمْرُ فِي حَقِّ أَعْدَائِكَ هَكَذَا ، فَثَبَتَ أَنَّهُ لَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْ إِعَادَةِ هَذِهِ الْقِصَّةِ عَيْنَ هَذِهِ الْقِصَّةِ ، بَلِ الْمَقْصُودُ تَقْرِيرُ الْجَوَابِ عَنِ الشُّبْهَةِ الْمَذْكُورَةِ ، وَعَلَى هَذَا
[ ص: 187 ] فَلَا يَكُونُ هَذَا تَقْرِيرًا لِلْقِصَّةِ الْبَتَّةَ ، وَهَذَا مِنْ نَفَائِسِ الْأَبْحَاثِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ فِي تَفْسِيرِ الْأَلْفَاظِ : ذَكَرَ تَعَالَى أَنَّهُ أَرْسَلَ
مُوسَى بِآيَاتِهِ ، وَهِيَ
nindex.php?page=treesubj&link=31942_30549الْمُعْجِزَاتُ الَّتِي كَانَتْ مَعَ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ ، أَيْ قَوْمِهِ ، فَقَالَ
مُوسَى : إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِتِلْكَ الْآيَاتِ إِذَا هُمْ مِنْهَا يَضْحَكُونَ ، قِيلَ : إِنَّهُ لَمَّا أَلْقَى عَصَاهُ صَارَ ثُعْبَانًا ثُمَّ أَخَذَهُ فَعَادَ عَصًا كَمَا كَانَ - ضَحِكُوا ، وَلَمَّا عَرَضَ عَلَيْهِمُ الْيَدَ الْبَيْضَاءَ ثُمَّ عَادَتْ كَمَا كَانَتْ - ضَحِكُوا ، فَإِنْ قِيلَ : كَيْفَ جَازَ أَنْ يُجَابَ عَنْ " لَمَّا " بِـ "إِذَا " الَّذِي يُفِيدُ الْمُفَاجَأَةَ ؟ قُلْنَا : لِأَنَّ فِعْلَ الْمُفَاجَأَةِ مَعَهَا مُقَدَّرٌ ؛ كَأَنَّهُ قِيلَ : فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِآيَاتِنَا فَاجَئُوا وَقْتَ ضَحِكِهِمْ .
ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=48وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا ) فَإِنْ قِيلَ : ظَاهِرُ اللَّفْظِ يَقْتَضِي كَوْنَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا أَفْضَلَ مِنَ التَّالِي ، وَذَلِكَ مُحَالٌ ، قُلْنَا : إِذَا أُرِيدَ الْمُبَالَغَةُ فِي كَوْنِ كُلٍّ مِنْ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ بَالِغًا إِلَى أَقْصَى الدَّرَجَاتِ فِي الْفَضِيلَةِ ، فَقَدْ يُذْكَرُ هَذَا الْكَلَامُ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَبْعُدُ فِي أُنَاسٍ يَنْظُرُونَ إِلَيْهَا أَنْ يَقُولَ هَذَا : إِنَّ هَذَا أَفْضَلُ مِنَ الثَّانِي ، وَأَنْ يَقُولَ الثَّانِي : لَا بَلِ الثَّانِي أَفْضَلُ ، وَأَنْ يَقُولَ الثَّالِثُ : لَا بَلِ الثَّالِثُ أَفْضَلُ ، وَحِينَئِذٍ يَصِيرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ مَقُولًا فِيهِ : إِنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=48وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) أَيْ عَنِ الْكُفْرِ إِلَى الْإِيمَانِ ، قَالَتِ
الْمُعْتَزِلَةُ : هَذَا يَدُلُّ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=32412_29700أَنَّهُ تَعَالَى يُرِيدُ الْإِيمَانَ مِنَ الْكُلِّ وَأَنَّهُ إِنَّمَا أَظْهَرَ تِلْكَ الْمُعْجِزَاتِ الْقَاهِرَةَ لِإِرَادَةِ أَنْ يَرْجِعُوا مِنَ الْكُفْرِ إِلَى الْإِيمَانِ ، قَالَ الْمُفَسِّرُونَ :
nindex.php?page=treesubj&link=28910وَمَعْنَى قَوْلِهِ ( nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=48وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ ) أَيْ بِالْأَشْيَاءِ الَّتِي سَلَّطَهَا عَلَيْهَا
nindex.php?page=treesubj&link=31911_31916_31918كَالطُّوفَانِ وَالْجَرَادِ وَالْقُمَّلِ وَالضَّفَادِعِ وَالدَّمِ وَالطَّمْسِ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=49وَقَالُوا يَاأَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ ) فَإِنْ قِيلَ : كَيْفَ سَمَّوْهُ بِالسَّاحِرِ مَعَ قَوْلِهِمْ (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=49إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ ) ؟ قُلْنَا : فِيهِ وُجُوهٌ :
الْأَوَّلُ : أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ لِلْعَالِمِ الْمَاهِرِ سَاحِرٌ ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَعْظِمُونَ السِّحْرَ ، وَكَمَا يُقَالُ فِي زَمَانِنَا فِي الْعَامِلِ الْعَجِيبِ الْكَامِلِ إِنَّهُ أَتَى بِالسِّحْرِ .
الثَّانِي : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=49يَاأَيُّهَا السَّاحِرُ ) فِي زَعْمِ النَّاسِ وَمُتَعَارَفِ قَوْمِ فِرْعَوْنَ كَقَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=6وَقَالُوا يَاأَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ ) [الْحِجْرِ : 6] أَيْ نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ فِي اعْتِقَادِهِ وَزَعْمِهِ .
الثَّالِثُ : أَنَّ قَوْلَهُمْ (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=49إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ ) وَقَدْ كَانُوا عَازِمِينَ عَلَى خِلَافِهِ ، أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=50فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ ) فَتَسْمِيَتُهُمْ إِيَّاهُ بِالسِّحْرِ لَا يُنَافِي قَوْلَهُمْ (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=49إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ ) ثُمَّ بَيَّنَ تَعَالَى أَنَّهُ لَمَّا كَشَفَ عَنْهُمُ الْعَذَابَ نَكَثُوا ذَلِكَ الْعَهْدَ .
وَلَمَّا حَكَى اللَّهُ تَعَالَى مُعَامَلَةَ فِرْعَوْنَ مَعَ
مُوسَى ، حَكَى أَيْضًا مُعَامَلَةَ فِرْعَوْنَ مَعَهُ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=51وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ ) وَالْمَعْنَى أَنَّهُ أَظْهَرَ هَذَا الْقَوْلَ ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=51يَاقَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي ) يَعْنِي الْأَنْهَارَ الَّتِي فَصَلُوهَا مِنَ النِّيلِ ، وَمُعْظَمُهَا أَرْبَعَةٌ :
نَهْرُ الْمَلِكِ وَنَهْرُ طُولُونَ وَنَهْرُ دِمْيَاطَ وَنَهْرُ تِنِّيسَ ، قِيلَ : كَانَتْ تَجْرِي تَحْتَ قَصْرِهِ ، وَحَاصِلُ الْأَمْرِ أَنَّهُ احْتَجَّ بِكَثْرَةِ أَمْوَالِهِ وَقُوَّةِ جَاهِهِ عَلَى فَضِيلَةِ نَفْسِهِ .
ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=52أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ ) وَعَنَى بِكَوْنِهِ مَهِينًا كَوْنَهُ فَقِيرًا ضَعِيفَ الْحَالِ ، وَبِقَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=52وَلَا يَكَادُ يُبِينُ ) حَبْسَةً كَانَتْ فِي لِسَانِهِ ، وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى " أَمْ " هَهُنَا ، فَقَالَ
أَبُو عُبَيْدَةَ : مَجَازُهَا : بَلْ أَنَا خَيْرٌ ، وَعَلَى هَذَا فَقَدَ تَمَّ الْكَلَامُ عِنْدَ قَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=51أَفَلَا تُبْصِرُونَ ) ثُمَّ ابْتَدَأَ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=52أَمْ أَنَا خَيْرٌ ) بِمَعْنَى بَلْ أَنَا خَيْرٌ ، وَقَالَ الْبَاقُونَ : " أَمْ " هَذِهِ مُتَّصِلَةٌ ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=51أَفَلَا تُبْصِرُونَ ) أَمْ تُبْصِرُونَ ، إِلَّا أَنَّهُ وَضَعَ قَوْلَهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=52أَنَا خَيْرٌ ) مَوْضِعَ " تُبْصِرُونَ " ، لِأَنَّهُمْ إِذَا قَالُوا لَهُ : أَنْتَ خَيْرٌ ، فَهُمْ عِنْدَهُ بُصَرَاءُ ، وَقَالَ آخَرُونَ : إِنَّ تَمَامَ الْكَلَامِ عِنْدَ قَوْلِهِ " أَمْ " ، وَقَوْلُهُ
[ ص: 188 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=52أَنَا خَيْرٌ ) ابْتِدَاءُ الْكَلَامِ ، وَالتَّقْدِيرُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=51أَفَلَا تُبْصِرُونَ ) أَمْ تُبْصِرُونَ ، لَكِنَّهُ اكْتَفَى فِيهِ بِذِكْرِ " أَمْ " كَمَا تَقُولُ لِغَيْرِكَ : أَتَأْكُلُ أَمْ . أَيْ : أَتَأْكُلُ أَمْ لَا تَأْكُلُ ، تَقْتَصِرُ عَلَى ذِكْرِ كَلِمَةِ " أَمْ " إِيثَارًا لِلِاخْتِصَارِ ، فَكَذَا هَهُنَا ، فَإِنْ قِيلَ : أَلَيْسَ أَنَّ
مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - سَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُزِيلَ الرَّتَّةَ عَنْ لِسَانِهِ بِقَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=27وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=28يَفْقَهُوا قَوْلِي ) [طه : 27] فَأَعْطَاهُ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=36قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَامُوسَى ) فَكَيْفَ عَابَهُ فِرْعَوْنُ بِتِلْكَ الرَّتَّةِ ؟ وَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ :
الْأَوَّلُ : أَنَّ فِرْعَوْنَ أَرَادَ بِقَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=52وَلَا يَكَادُ يُبِينُ ) حُجَّتَهُ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ فِيمَا يَدَّعِي ، وَلَمْ يُرِدْ أَنَّهُ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى الْكَلَامِ .
وَالثَّانِي : أَنَّهُ عَابَهُ بِمَا كَانَ عَلَيْهِ أَوَّلًا ، وَذَلِكَ أَنَّ
مُوسَى كَانَ عِنْدَ فِرْعَوْنَ زَمَانًا طَوِيلًا وَفِي لِسَانِهِ حَبْسَةٌ ، فَنَسَبَهُ فِرْعَوْنُ إِلَى مَا عَهِدَهُ عَلَيْهِ مِنَ الرَّتَّةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَزَالَ ذَلِكَ الْعَيْبَ عَنْهُ .
ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=53فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ ) وَالْمُرَادُ أَنَّ عَادَةَ الْقَوْمِ جَرَتْ بِأَنَّهُمْ إِذَا جَعَلُوا وَاحِدًا مِنْهُمْ رَئِيسًا لَهُمْ سَوَّرُوهُ بِسِوَارٍ مَنْ ذَهَبٍ وَطَوَّقُوهُ بِطَوْقٍ مِنْ ذَهَبٍ ، فَطَلَبَ فِرْعَوْنُ مِنْ
مُوسَى مِثْلَ هَذِهِ الْحَالَةِ ، وَاخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ فِي " أَسْوِرَةٌ " ، فَبَعْضُهُمْ قَرَأَ : " أَسْوِرَةٌ " ، وَآخَرُونَ : " أَسَاوِرَةٌ " ، فَأَسْوِرَةٌ جَمْعُ سِوَارٍ لِأَدْنَى الْعَدَدِ ، كَقَوْلِكَ حِمَارٌ وَأَحْمِرَةٌ وَغُرَابٌ وَأَغْرِبَةٌ ، وَمَنْ قَرَأَ " أَسَاوِرَةٌ " فَذَاكَ لِأَنَّ أَسَاوِيرَ جَمْعُ أَسْوَارٍ ، وَهُوَ السُّوَارُ ، فَأَسَاوِرَةٌ تَكُونُ الْهَاءُ عِوَضًا عَنِ الْيَاءِ ، نَحْوَ بِطْرِيقٍ وَبَطَارِقَةٍ وَزِنْدِيقٍ وَزَنَادِقَةٍ وَفِرْزِينٍ وَفَرَازِنَةٍ ، فَتَكُونُ أَسَاوِرَةٌ جَمْعَ أَسْوَارٍ ، وَحَاصِلُ الْكَلَامِ يَرْجِعُ إِلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ ، وَهُوَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=31952فِرْعَوْنَ كَانَ يَقُولُ أَنَا أَكْثَرُ مَالًا وَجَاهًا ، فَوَجَبَ أَنْ أَكُونَ أَفْضَلَ مِنْهُ ، فَيَمْتَنِعُ كَوْنُهُ رَسُولًا مِنَ اللَّهِ ، لِأَنَّ مَنْصِبَ النُّبُوَّةِ يَقْتَضِي الْمَخْدُومِيَّةَ ، وَالْأَخَسُّ لَا يَكُونُ مَخْدُومًا لِلْأَشْرَفِ ، ثُمَّ الْمُقَدِّمَةُ الْفَاسِدَةُ هِيَ قَوْلُهُ : مَنْ كَانَ أَكْثَرَ مَالًا وَجَاهًا فَهُوَ أَفْضَلُ ، وَهِيَ عَيْنُ الْمُقَدِّمَةِ الَّتِي تَمَسَّكَ بِهَا كُفَّارُ
قُرَيْشٍ فِي قَوْلِهِمْ (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=31لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ) ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=53أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ ) يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مُقْرِنِينَ بِهِ ، مِنْ قَوْلِكَ : قَرَنْتُهُ بِهِ فَاقْتَرَنَ ، وَأَنْ يَكُونَ مِنْ قَوْلِهِمُ : اقْتَرَنُوا بِمَعْنَى تَقَارَنُوا ، قَالَ الزَّجَّاجُ : مَعْنَاهُ يَمْشُونَ مَعَهُ فَيَدُلُّونَ عَلَى صِحَّةِ نُبُوَّتِهِ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=54فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ ) أَيْ طَلَبَ مِنْهُمُ الْخِفَّةَ فِي الْإِتْيَانِ بِمَا كَانَ يَأْمُرُهُمْ بِهِ فَأَطَاعُوهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=54إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ ) حَيْثُ أَطَاعُوا ذَلِكَ الْجَاهِلَ الْفَاسِقَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=55فَلَمَّا آسَفُونَا ) أَغْضَبُونَا ، حُكِيَ أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابْنَ جُرَيْجٍ غَضِبَ فِي شَيْءٍ ، فَقِيلَ لَهُ : أَتَغْضَبُ يَا
أَبَا خَالِدٍ ؟ فَقَالَ : قَدْ غَضِبَ الَّذِي خَلَقَ الْأَحْلَامَ ، إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=55فَلَمَّا آسَفُونَا ) أَيْ أَغْضَبُونَا .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=55انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ ) وَاعْلَمْ أَنَّ ذِكْرَ لَفْظِ
nindex.php?page=treesubj&link=29682الْأَسَفِ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى مُحَالٌ ، وَذِكْرُ لَفْظِ الِانْتِقَامِ وَكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنَ الْمُتَشَابِهَاتِ الَّتِي يَجِبُ أَنْ يُصَارَ فِيهَا إِلَى التَّأْوِيلِ ، وَمَعْنَى
nindex.php?page=treesubj&link=29697الْغَضَبِ فِي حَقِّ اللَّهِ إِرَادَةُ الْعِقَابِ ، وَمَعْنَى الِانْتِقَامِ إِرَادَةُ الْعِقَابِ لِجُرْمٍ سَابِقٍ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=56فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا )
nindex.php?page=treesubj&link=5516السَّلَفُ كُلُّ شَيْءٍ قَدَّمْتَهُ مِنْ عَمَلٍ صَالِحٍ أَوْ قَرْضٍ فَهُوَ سَلَفٌ ، وَالسَّلَفُ أَيْضًا مَنْ تَقَدَّمَ مِنْ آبَائِكَ وَأَقَارِبِكَ ، وَاحِدُهُمْ سَالِفٌ ، وَمِنْهُ قَوْلُ
طُفَيْلٍ يَرْثِي قَوْمَهُ :
مَضَوْا سَلَفًا قَصْدَ السَّبِيلِ عَلَيْهِمُ وَصَرْفُ الْمَنَايَا بِالرِّجَالِ تُقَلَّبُ
فَعَلَى هَذَا قَالَ
الْفَرَّاءُ وَالزَّجَّاجُ : يَقُولُ : جَعَلْنَاهُمْ مُتَقَدِّمِينَ لِيَتَّعِظَ بِهِمُ الْآخَرُونَ ، أَيْ : جَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا لِكُفَّارِ أُمَّةِ
مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ . وَأَكْثَرُ الْقُرَّاءِ قَرَءُوا بِالْفَتْحِ ، وَهُوَ جَمْعُ سَالِفٍ كَمَا ذَكَرْنَاهُ ، وَقَرَأَ
حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ : " سُلَفًا "
[ ص: 189 ] بِالضَّمِّ ، وَهُوَ جَمْعُ سَلَفٍ ، قَالَ
اللَّيْثُ : يُقَالُ سَلُفَ - بِضَمِّ اللَّامِ - يَسْلُفُ سُلُوفًا ، فَهُوَ سُلُفٌ ، أَيْ : مُتَقَدِّمٌ ، وَقَوْلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=56وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ ) يُرِيدُ عِظَةً لِمَنْ بَقِيَ بَعْدَهُمْ وَآيَةً وَعِبْرَةً ، قَالَ
أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ : الْمَثَلُ وَاحِدٌ يُرَادُ بِهِ الْجَمْعَ ، وَمِنْ ثَمَّ عُطِفَ عَلَى سَلَفٍ ، وَالدَّلِيلُ عَلَى وُقُوعِهِ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=75ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ ) [النَّحْلِ : 75] فَأَدْخَلَ تَحْتَ الْمَثَلِ شَيْئَيْنِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .