(
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=81قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=82سبحان رب السموات والأرض رب العرش عما يصفون nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=83فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=84وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله وهو الحكيم العليم nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=85وتبارك الذي له ملك السموات والأرض وما بينهما وعنده علم الساعة وإليه ترجعون nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=86ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة إلا من شهد بالحق وهم يعلمون nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=87ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله فأنى يؤفكون nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=88وقيله يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=89فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون )
[ ص: 196 ]
قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=81قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=82سبحان رب السماوات والأرض رب العرش عما يصفون nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=83فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=84وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله وهو الحكيم العليم nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=85وتبارك الذي له ملك السماوات والأرض وما بينهما وعنده علم الساعة وإليه ترجعون nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=86ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة إلا من شهد بالحق وهم يعلمون nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=87ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله فأنى يؤفكون nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=88وقيله يارب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=89فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون ، وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قرأ
حمزة والكسائي ( ولد ) بضم الواو وإسكان اللام والباقون بفتحها ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=81فأنا أول العابدين ) ، قرأ
نافع ( فأنا ) بفتحة طويلة على النون والباقون بلا تطويل .
المسألة الثانية : اعلم أن الناس ظنوا أن قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=81قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين ) لو أجريناه على ظاهره فإنه يقتضي
nindex.php?page=treesubj&link=29705_32408وقوع الشك في إثبات ولد لله تعالى ، وذلك محال ، فلا جرم افتقروا إلى تأويل الآية ، وعندي أنه ليس الأمر كذلك وليس في ظاهر اللفظ ما يوجب العدول عن الظاهر ، وتقريره أن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=81إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين ) قضية شرطية ، والقضية الشرطية مركبة من قضيتين خبريتين أدخل على إحداهما حرف الشرط وعلى الأخرى حرف الجزاء ; فحصل بمجموعهما قضية واحدة ، ومثاله هذه الآية ، فإن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=81إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين ) قضية مركبة من قضيتين : إحداهما : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=81إن كان للرحمن ولد ) ، والثانية : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=81فأنا أول العابدين ) ، ثم أدخل حرف الشرط - وهو لفظة إن - على القضية الأولى ، وحرف الجزاء - وهو الفاء - على القضية الثانية ; فحصل من مجموعهما قضية واحدة ، وهي القضية الشرطية ، إذا عرفت هذا فنقول :
nindex.php?page=treesubj&link=20614_20618القضية الشرطية لا تفيد إلا كون الشرط مستلزما للجزاء ، وليس فيها إشعار بكون الشرط حقا أو باطلا أو بكون الجزاء حقا أو باطلا ، بل نقول : القضية الشرطية الحقة قد تكون مركبة من قضيتين حقيقيتين أو من قضيتين باطلتين ، أو من شرط باطل وجزاء حق ، أو من شرط حق وجزاء باطل ، فأما القسم الرابع : وهو أن تكون القضية الشرطية الحقة مركبة من شرط حق وجزاء باطل فهذا محال .
ولنبين أمثال هذه الأقسام الأربعة : فإذا قلنا : إن كان الإنسان حيوانا فالإنسان جسم ، فهذه شرطية حقة ، وهي مركبة من قضيتين حقيقيتين ، إحداهما : قولنا : الإنسان حيوان ، والثانية : قولنا : الإنسان جسم ، وإذا قلنا : إن كانت الخمسة زوجا كانت منقسمة بمتساويين ، فهذه شرطية حقة لكنها مركبة من قولنا : الخمسة زوج ، ومن قولنا : الخمسة منقسمة بمتساويين ، وهما باطلان ، وكونهما باطلين لا يمنع من أن يكون استلزام أحدهما للآخر حقا ، وقد ذكرنا أن القضية الشرطية لا تفيد إلا مجرد الاستلزام : وإذا قلنا : إن كان الإنسان حجرا فهو جسم ، فهذا جسم ، فهذا أيضا حق لكنها مركبة من شرط باطل ، وهو قولنا : الإنسان حجر ، ومن جزء حق وهو قولنا : الإنسان
[ ص: 197 ] جسم ، وإنما جاز هذا لأن الباطل قد يكون بحيث يلزم من فرض وقوعه وقوع حق ، فإذا فرضنا كون الإنسان حجرا وجب كونه جسما ، فهذا شرط باطل يستلزم جزاء حقا .
وأما القسم الرابع : وهو تركيب قضية شرطية حقة من شرط حق وجزاء باطل فهذا محال ، لأن هذا التركيب يلزم منه كون الحق مستلزما للباطل ، وذلك محال ، بخلاف القسم الثالث فإنه يلزم منه كون الباطل مستلزما للحق وذلك ليس بمحال ، إذا عرفت هذا الأصل فلنرجع إلى الآية فنقول : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=81إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين ) قضية شرطية حقة من شرط باطل ومن جزاء باطل لأن قولنا : ( كان للرحمن ولد ) باطل ، وقولنا : ( أنا أول العابدين ) لذلك الولد باطل أيضا ، إلا أنا بينا أن كون كل واحد منهما باطلا لا يمنع من أن يكون استلزام أحدهما للآخر حقا كما ضربنا من المثال في قولنا : إن كانت الخمسة زوجا كانت منقسمة بمتساويين ، فثبت أن هذا الكلام لا امتناع في إجرائه على ظاهره ، ويكون المراد منه أنه إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين لذلك الولد ، فإن السلطان إذا كان له ولد فكما يجب على عبده أن يخدمه فكذلك يجب عليه أن يخدم ولده ، وقد بينا أن هذا التركيب لا يدل على الاعتراف بإثبات ولد أم لا .
ومما يقرب من هذا الباب قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=22لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا ) [ الأنبياء : 22 ] ، فهذا الكلام قضية شرطية ، والشرط هو قولنا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=22فيهما آلهة ) ، والجزاء هو قولنا : ( فسدتا ) ، فالشرط في نفسه باطل ، والجزاء أيضا باطل ; لأن الحق أنه ليس فيهما آلهة ، وكلمة “ لو “ تفيد انتفاء الشيء بانتفاء غيره لأنهما ما فسدتا ، ثم مع كون الشرط باطلا وكون الجزاء باطلا كان استلزام ذلك الشرط لهذا الجزاء حقا فكذا ههنا ، فإن قالوا : الفرق أن ههنا ذكر الله تعالى هذه الشرطية بصيغة “ لو “ فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=22لو كان فيهما آلهة ) ، وكلمة لو تفيد انتفاء الشيء لانتفاء غيره ، وأما في الآية التي نحن في تفسيرها إنما ذكر الله تعالى كلمة “ إن “ وهذه الكلمة لا تفيد انتفاء الشيء لانتفاء غيره ، بل هذه الكلمة تفيد الشك في أنه هل حصل الشرط أم لا ؟ وحصول هذا الشك للرسول غير ممكن ، قلنا : الفرق الذي ذكرتم صحيح إلا أن مقصودنا بيان أنه لا يلزم من كون الشرطية صادقة كون جزأيها صادقتين أو كاذبتين على ما قررناه ، أما قوله : إن لفظة “ إن “ تفيد حصول الشرط هل حصل أم لا ؟ قلنا : هذا ممنوع ، فإن حرف “ إن “ حرف الشرط ، وحرف الشرط لا يفيد إلا كون الشرط مستلزما للجزاء ، وأما بيان أن ذلك الشرط معلوم الوقوع أو مشكوك الوقوع فاللفظ لا دلالة فيه عليه البتة ، فظهر من المباحث التي لخصناها أن الكلام ههنا ممكن الإجراء على ظاهره من جميع الوجوه ، وأنه لا حاجة فيه البتة إلى التأويل ، والمعنى أنه تعالى قال : ( قل ) يا
محمد ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=81إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين ) لذلك الولد ، وأنا أول الخادمين له ، والمقصود من هذا الكلام بيان أني لا أنكر ولده لأجل العناد والمنازعة ، فإن بتقدير أن يقوم الدليل على ثبوت هذا الولد كنت مقرا به معترفا بوجوب خدمته إلا أنه لم يوجد هذا الولد ، ولم يقم الدليل على ثبوته البتة ، فكيف أقول به ؟ بل الدليل القاطع قائم على عدمه فكيف أقول به ؟ وكيف أعترف بوجوده ؟ وهذا الكلام ظاهر كامل لا حاجة به البتة إلى التأويل والعدول عن الظاهر ، فهذا ما عندي في هذا الموضع . ونقل عن السدي من المفسرين أنه كان يقول : حمل هذه الآية على ظاهرها ممكن ولا حاجة إلى التأويل ، والتقرير الذي ذكرناه يدل على أن الذي قاله هو الحق ، أما القائلون بأنه لا بد من التأويل فقد ذكروا وجوها :
الأول : قال
الواحدي : كثرت الوجوه في تفسير هذه الآية ، والأقوى أن يقال : المعنى إن كان للرحمن ولد في زعمكم (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=81فأنا أول العابدين ) أي الموحدين لله
[ ص: 198 ] المكذبين لقولكم بإضافة الولد إليه ، ولقائل أن يقول : إما أن يكون تقدير الكلام : إن يثبت للرحمن ولد في نفس الأمر فأنا أول المنكرين له ، أو يكون التقدير : إن يثبت لكم ادعاء للرحمن ولدا فأنا أول المنكرين له ، والأول باطل لأن ثبوت الشيء في نفسه لا يقتضي كون الرسول منكرا له ، لأن قوله : إن كان الشيء ثابتا في نفسه فأنا أول المنكرين يقتضي إصراره على الكذب والجهل ، وذلك لا يليق بالرسول ، والثاني أيضا باطل لأنهم سواء أثبتوا لله ولدا أو لم يثبتوه له فالرسول منكر لذلك الولد ، فلم يكن لزعمهم تأثير في كون الرسول منكرا لذلك الولد ، فلم يصلح جعل زعمهم إثبات الولد مؤثرا في كون الرسول منكرا للولد .
الوجه الثاني : قالوا : معناه
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=81إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين الآنفين من أن يكون له ولد من عبد يعبد إذا اشتدت أنفته فهو عبد وعابد ، وقرأ بعضهم ( عبدين ) .
واعلم أن السؤال المذكور قائم ههنا لأنه إن كان المراد : إن كان للرحمن ولد في نفس الأمر فأنا أول الآنفين من الإقرار به ، فهذا يقتضي الإصرار على الجهل والكذب ، وإن كان المراد إن كان للرحمن ولد في زعمكم واعتقادكم فأنا أول الآنفين ، فهذا التعليق فاسد لأن هذه الأنفة حاصلة سواء حصل ذلك الزعم والاعتقاد أو لم يحصل ، وإذا كان الأمر كذلك لم يكن هذا التعليق جائزا .
والوجه الثالث : قال بعضهم : إن كلمة “ إن “ ههنا هي النافية ، والتقدير : ما كان للرحمن ولد فأنا أول الموحدين من أهل مكة أن لا ولد له .
واعلم أن التزام هذه الوجوه البعيدة إنما يكون للضرورة ، وقد بينا أنه لا ضرورة البتة فلم يجز المصير إليها ، والله أعلم .
ثم قال سبحانه وتعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=82سبحان رب السماوات والأرض رب العرش عما يصفون ) ، والمعنى أن
nindex.php?page=treesubj&link=29619_29620_28781إله العالم يجب أن يكون واجب الوجود لذاته ، وكل ما كان كذلك فهو فرد مطلق لا يقبل التجزؤ بوجه من الوجوه ، والولد عبارة عن أن ينفصل عن الشيء جزء من أجزائه ، فيتولد عن ذلك الجزء شخص مثله ، وهذا إنما يعقل فيما تكون ذاته قابلة للتجزؤ والتبعيض ، وإذا كان محالا في حق إله العالم امتنع إثبات الولد له ، ولما ذكر هذا البرهان القاطع قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=83فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون ) ، والمقصود منه التهديد ، يعني قد ذكرت الحجة القاطعة على فساد ما ذكروا ، وهم لم يلتفتوا إليها لأجل كونهم مستغرقين في طلب المال والجاه والرياسة ; فاتركهم في ذلك الباطل واللعب حتى يصلوا إلى ذلك اليوم الذي وعدوا فيه بما وعدوا ، والمقصود منه التهديد .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=84وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله ) ، وفيه أبحاث :
البحث الأول : قال
أبو علي : نظرت فيما يرتفع به إله فوجدت ارتفاعه يصح بأن يكون خبر مبتدأ محذوف ، والتقدير : وهو الذي في السماء هو إله .
والبحث الثاني : هذه الآية
nindex.php?page=treesubj&link=28728_29640_28729_28730من أدل الدلائل على أنه تعالى غير مستقر في السماء ، لأنه تعالى بين بهذه الآية أن نسبته إلى السماء بالإلهية كنسبته إلى الأرض ، فلما كان إلها للأرض مع أنه غير مستقر فيها فكذلك يجب أن يكون إلها للسماء مع أنه لا يكون مستقرا فيها ، فإن قيل : وأي تعلق لهذا الكلام بنفي الولد عن الله
[ ص: 199 ] تعالى ؟ قلنا : تعلقه به أنه تعالى خلق
عيسى بمحض كن فيكون من غير واسطة النطفة والأب ، فكأنه قيل : إن هذا القدر لا يوجب كون
عيسى ولدا لله سبحانه ، لأن هذا المعنى حاصل في تخليق السماوات والأرض وما بينهما مع انتفاء حصول الولدية هناك .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=84وهو الحكيم العليم ) وقد ذكرنا في سورة الأنعام أن كونه تعالى حكيما عليما ينافي حصول الولد له .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=81قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=82سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=83فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=84وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=85وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=86وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=87وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=88وَقِيلِهِ يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لَا يُؤْمِنُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=89فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ )
[ ص: 196 ]
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=81قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=82سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=83فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=84وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=85وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=86وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=87وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=88وَقِيلِهِ يَارَبِّ إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لَا يُؤْمِنُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=89فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ، وَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : قَرَأَ
حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ ( وُلْدٌ ) بِضَمِّ الْوَاوِ وَإِسْكَانِ اللَّامِ وَالْبَاقُونَ بِفَتْحِهَا ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=81فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ ) ، قَرَأَ
نَافِعٌ ( فَأَنَا ) بِفَتْحَةٍ طَوِيلَةٍ عَلَى النُّونِ وَالْبَاقُونَ بِلَا تَطْوِيلٍ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : اعْلَمْ أَنَّ النَّاسَ ظَنُّوا أَنَّ قَوْلَهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=81قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ ) لَوْ أَجْرَيْنَاهُ عَلَى ظَاهِرِهِ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي
nindex.php?page=treesubj&link=29705_32408وُقُوعَ الشَّكِّ فِي إِثْبَاتِ وَلَدٍ لِلَّهِ تَعَالَى ، وَذَلِكَ مُحَالٌ ، فَلَا جَرَمَ افْتَقَرُوا إِلَى تَأْوِيلِ الْآيَةِ ، وَعِنْدِي أَنَّهُ لَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ وَلَيْسَ فِي ظَاهِرِ اللَّفْظِ مَا يُوجِبُ الْعُدُولَ عَنِ الظَّاهِرِ ، وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=81إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ ) قَضِيَّةٌ شَرْطِيَّةٌ ، وَالْقَضِيَّةُ الشَّرْطِيَّةُ مُرَكَّبَةٌ مِنْ قَضِيَّتَيْنِ خَبَرِيَّتَيْنِ أَدْخَلَ عَلَى إِحْدَاهُمَا حَرْفَ الشَّرْطِ وَعَلَى الْأُخْرَى حَرْفَ الْجَزَاءِ ; فَحَصَلَ بِمَجْمُوعِهِمَا قَضِيَّةٌ وَاحِدَةٌ ، وَمِثَالُهُ هَذِهِ الْآيَةُ ، فَإِنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=81إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ ) قَضِيَّةٌ مُرَكَّبَةٌ مِنْ قَضِيَّتَيْنِ : إِحْدَاهُمَا : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=81إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ ) ، وَالثَّانِيَةُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=81فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ ) ، ثُمَّ أَدْخَلَ حَرْفَ الشَّرْطِ - وَهُوَ لَفْظَةُ إِنَّ - عَلَى الْقَضِيَّةِ الْأُولَى ، وَحَرْفَ الْجَزَاءِ - وَهُوَ الْفَاءُ - عَلَى الْقَضِيَّةِ الثَّانِيَةِ ; فَحَصَلَ مِنْ مَجْمُوعِهِمَا قَضِيَّةٌ وَاحِدَةٌ ، وَهِيَ الْقَضِيَّةُ الشَّرْطِيَّةُ ، إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ :
nindex.php?page=treesubj&link=20614_20618الْقَضِيَّةُ الشَّرْطِيَّةُ لَا تُفِيدُ إِلَّا كَوْنَ الشَّرْطِ مُسْتَلْزِمًا لِلْجَزَاءِ ، وَلَيْسَ فِيهَا إِشْعَارٌ بِكَوْنِ الشَّرْطِ حَقًّا أَوْ بَاطِلًا أَوْ بِكَوْنِ الْجَزَاءِ حَقًّا أَوْ بَاطِلًا ، بَلْ نَقُولُ : الْقَضِيَّةُ الشَّرْطِيَّةُ الْحَقَّةُ قَدْ تَكُونُ مُرَكَّبَةً مِنْ قَضِيَّتَيْنِ حَقِيقِيَّتَيْنِ أَوْ مِنْ قَضِيَّتَيْنِ بَاطِلَتَيْنِ ، أَوْ مِنْ شَرْطٍ بَاطِلٍ وَجَزَاءٍ حَقٍّ ، أَوْ مِنْ شَرْطٍ حَقٍّ وَجَزَاءٍ بَاطِلٍ ، فَأَمَّا الْقِسْمُ الرَّابِعُ : وَهُوَ أَنْ تَكُونَ الْقَضِيَّةُ الشَّرْطِيَّةُ الْحَقَّةُ مُرَكَّبَةً مِنْ شَرْطٍ حَقٍّ وَجَزَاءٍ بَاطِلٍ فَهَذَا مُحَالٌ .
وَلْنُبَيِّنْ أَمْثَالَ هَذِهِ الْأَقْسَامِ الْأَرْبَعَةِ : فَإِذَا قُلْنَا : إِنْ كَانَ الْإِنْسَانُ حَيَوَانًا فَالْإِنْسَانُ جِسْمٌ ، فَهَذِهِ شَرْطِيَّةٌ حَقَّةٌ ، وَهِيَ مُرَكَّبَةٌ مِنْ قَضِيَّتَيْنِ حَقِيقِيَّتَيْنِ ، إِحْدَاهُمَا : قَوْلُنَا : الْإِنْسَانُ حَيَوَانٌ ، وَالثَّانِيَةُ : قَوْلُنَا : الْإِنْسَانُ جِسْمٌ ، وَإِذَا قُلْنَا : إِنْ كَانَتِ الْخَمْسَةُ زَوْجًا كَانَتْ مُنْقَسِمَةً بِمُتَسَاوِيَيْنِ ، فَهَذِهِ شَرْطِيَّةٌ حَقَّةٌ لَكِنَّهَا مُرَكَّبَةٌ مِنْ قَوْلِنَا : الْخَمْسَةُ زَوْجٌ ، وَمِنْ قَوْلِنَا : الْخَمْسَةُ مُنْقَسِمَةٌ بِمُتَسَاوِيَيْنِ ، وَهُمَا بَاطِلَانِ ، وَكَوْنُهُمَا بَاطِلَيْنِ لَا يَمْنَعُ مِنْ أَنْ يَكُونَ اسْتِلْزَامُ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ حَقًّا ، وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْقَضِيَّةَ الشَّرْطِيَّةَ لَا تُفِيدُ إِلَّا مُجَرَّدَ الِاسْتِلْزَامِ : وَإِذَا قُلْنَا : إِنْ كَانَ الْإِنْسَانُ حَجَرًا فَهُوَ جِسْمٌ ، فَهَذَا جِسْمٌ ، فَهَذَا أَيْضًا حَقٌّ لَكِنَّهَا مُرَكَّبَةٌ مِنْ شَرْطٍ بَاطِلٍ ، وَهُوَ قَوْلُنَا : الْإِنْسَانُ حَجَرٌ ، وَمِنْ جُزْءٍ حَقٍّ وَهُوَ قَوْلُنَا : الْإِنْسَانُ
[ ص: 197 ] جِسْمٌ ، وَإِنَّمَا جَازَ هَذَا لِأَنَّ الْبَاطِلَ قَدْ يَكُونُ بِحَيْثُ يَلْزَمُ مِنْ فَرْضِ وُقُوعِهِ وُقُوعُ حَقٍّ ، فَإِذَا فَرَضْنَا كَوْنَ الْإِنْسَانِ حَجَرًا وَجَبَ كَوْنُهُ جِسْمًا ، فَهَذَا شَرْطٌ بَاطِلٌ يَسْتَلْزِمُ جَزَاءً حَقًّا .
وَأَمَّا الْقِسْمُ الرَّابِعُ : وَهُوَ تَرْكِيبُ قَضِيَّةٍ شَرْطِيَّةٍ حَقَّةٍ مِنْ شَرْطٍ حَقٍّ وَجَزَاءٍ بَاطِلٍ فَهَذَا مُحَالٌ ، لِأَنَّ هَذَا التَّرْكِيبَ يَلْزَمُ مِنْهُ كَوْنُ الْحَقِّ مُسْتَلْزِمًا لِلْبَاطِلِ ، وَذَلِكَ مُحَالٌ ، بِخِلَافِ الْقِسْمِ الثَّالِثِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ كَوْنُ الْبَاطِلِ مُسْتَلْزِمًا لِلْحَقِّ وَذَلِكَ لَيْسَ بِمُحَالٍ ، إِذَا عَرَفْتَ هَذَا الْأَصْلَ فَلْنَرْجِعْ إِلَى الْآيَةِ فَنَقُولُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=81إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ ) قَضِيَّةٌ شَرْطِيَّةٌ حَقَّةٌ مِنْ شَرْطٍ بَاطِلٍ وَمِنْ جَزَاءٍ بَاطِلٍ لِأَنَّ قَوْلَنَا : ( كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ ) بَاطِلٌ ، وَقَوْلَنَا : ( أَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ ) لِذَلِكَ الْوَلَدِ بَاطِلٌ أَيْضًا ، إِلَّا أَنَّا بَيَّنَّا أَنَّ كَوْنَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَاطِلًا لَا يَمْنَعُ مِنْ أَنْ يَكُونَ اسْتِلْزَامُ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ حَقًّا كَمَا ضَرَبْنَا مِنَ الْمِثَالِ فِي قَوْلِنَا : إِنْ كَانَتِ الْخَمْسَةُ زَوْجًا كَانَتْ مُنْقَسِمَةً بِمُتَسَاوِيَيْنِ ، فَثَبَتَ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ لَا امْتِنَاعَ فِي إِجْرَائِهِ عَلَى ظَاهِرِهِ ، وَيَكُونُ الْمُرَادُ مِنْهُ أَنَّهُ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ لِذَلِكَ الْوَلَدِ ، فَإِنَّ السُّلْطَانَ إِذَا كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَكَمَا يَجِبُ عَلَى عَبْدِهِ أَنْ يَخْدِمَهُ فَكَذَلِكَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَخْدِمَ وَلَدَهُ ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ هَذَا التَّرْكِيبَ لَا يَدُلُّ عَلَى الِاعْتِرَافِ بِإِثْبَاتِ وَلَدٍ أَمْ لَا .
وَمِمَّا يَقْرُبُ مِنْ هَذَا الْبَابِ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=22لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا ) [ الْأَنْبِيَاءِ : 22 ] ، فَهَذَا الْكَلَامُ قَضِيَّةٌ شَرْطِيَّةٌ ، وَالشَّرْطُ هُوَ قَوْلُنَا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=22فِيهِمَا آلِهَةٌ ) ، وَالْجَزَاءُ هُوَ قَوْلُنَا : ( فَسَدَتَا ) ، فَالشَّرْطُ فِي نَفْسِهِ بَاطِلٌ ، وَالْجَزَاءُ أَيْضًا بَاطِلٌ ; لِأَنَّ الْحَقَّ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِمَا آلِهَةٌ ، وَكَلِمَةُ “ لَوْ “ تُفِيدُ انْتِفَاءَ الشَّيْءِ بِانْتِفَاءِ غَيْرِهِ لِأَنَّهُمَا مَا فَسَدَتَا ، ثُمَّ مَعَ كَوْنِ الشَّرْطِ بَاطِلًا وَكَوْنِ الْجَزَاءِ بَاطِلًا كَانَ اسْتِلْزَامُ ذَلِكَ الشَّرْطِ لِهَذَا الْجَزَاءِ حَقًّا فَكَذَا هَهُنَا ، فَإِنْ قَالُوا : الْفَرْقُ أَنَّ هَهُنَا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الشَّرْطِيَّةَ بِصِيغَةِ “ لَوْ “ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=22لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ ) ، وَكَلِمَةُ لَوْ تُفِيدُ انْتِفَاءَ الشَّيْءِ لِانْتِفَاءِ غَيْرِهِ ، وَأَمَّا فِي الْآيَةِ الَّتِي نَحْنُ فِي تَفْسِيرِهَا إِنَّمَا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى كَلِمَةَ “ إِنْ “ وَهَذِهِ الْكَلِمَةُ لَا تُفِيدُ انْتِفَاءَ الشَّيْءِ لِانْتِفَاءِ غَيْرِهِ ، بَلْ هَذِهِ الْكَلِمَةُ تُفِيدُ الشَّكَّ فِي أَنَّهُ هَلْ حَصَلَ الشَّرْطُ أَمْ لَا ؟ وَحُصُولُ هَذَا الشَّكِّ لِلرَّسُولِ غَيْرُ مُمْكِنٍ ، قُلْنَا : الْفَرْقُ الَّذِي ذَكَرْتُمْ صَحِيحٌ إِلَّا أَنَّ مَقْصُودَنَا بَيَانُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الشَّرْطِيَّةِ صَادِقَةً كَوْنُ جُزْأَيْهَا صَادِقَتَيْنِ أَوْ كَاذِبَتَيْنِ عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ ، أَمَّا قَوْلُهُ : إِنَّ لَفْظَةَ “ إِنْ “ تُفِيدُ حُصُولَ الشَّرْطِ هَلْ حَصَلَ أَمْ لَا ؟ قُلْنَا : هَذَا مَمْنُوعٌ ، فَإِنَّ حَرْفَ “ إِنْ “ حَرْفُ الشَّرْطِ ، وَحَرْفُ الشَّرْطِ لَا يُفِيدُ إِلَّا كَوْنَ الشَّرْطِ مُسْتَلْزِمًا لِلْجَزَاءِ ، وَأَمَّا بَيَانُ أَنَّ ذَلِكَ الشَّرْطَ مَعْلُومُ الْوُقُوعِ أَوْ مَشْكُوكُ الْوُقُوعِ فَاللَّفْظُ لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَيْهِ الْبَتَّةَ ، فَظَهَرَ مِنَ الْمَبَاحِثِ الَّتِي لَخَّصْنَاهَا أَنَّ الْكَلَامَ هَهُنَا مُمْكِنُ الْإِجْرَاءِ عَلَى ظَاهِرِهِ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ ، وَأَنَّهُ لَا حَاجَةَ فِيهِ الْبَتَّةَ إِلَى التَّأْوِيلِ ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ : ( قُلُ ) يَا
مُحَمَّدُ ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=81إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ ) لِذَلِكَ الْوَلَدِ ، وَأَنَا أَوَّلُ الْخَادِمِينَ لَهُ ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ بَيَانُ أَنِّي لَا أُنْكِرُ وَلَدَهُ لِأَجْلِ الْعِنَادِ وَالْمُنَازَعَةِ ، فَإِنَّ بِتَقْدِيرِ أَنْ يَقُومَ الدَّلِيلُ عَلَى ثُبُوتِ هَذَا الْوَلَدِ كُنْتُ مُقِرًّا بِهِ مُعْتَرِفًا بِوُجُوبِ خِدْمَتِهِ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ هَذَا الْوَلَدُ ، وَلَمْ يَقُمِ الدَّلِيلُ عَلَى ثُبُوتِهِ الْبَتَّةَ ، فَكَيْفَ أَقُولُ بِهِ ؟ بَلِ الدَّلِيلُ الْقَاطِعُ قَائِمٌ عَلَى عَدَمِهِ فَكَيْفَ أَقُولُ بِهِ ؟ وَكَيْفَ أَعْتَرِفُ بِوُجُودِهِ ؟ وَهَذَا الْكَلَامُ ظَاهِرٌ كَامِلٌ لَا حَاجَةَ بِهِ الْبَتَّةَ إِلَى التَّأْوِيلِ وَالْعُدُولِ عَنِ الظَّاهِرِ ، فَهَذَا مَا عِنْدِي فِي هَذَا الْمَوْضِعِ . وَنُقِلَ عَنِ السُّدِّيِّ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ : حَمْلُ هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى ظَاهِرِهَا مُمْكِنٌ وَلَا حَاجَةَ إِلَى التَّأْوِيلِ ، وَالتَّقْرِيرُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الَّذِي قَالَهُ هُوَ الْحَقُّ ، أَمَّا الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنَ التَّأْوِيلِ فَقَدْ ذَكَرُوا وُجُوهًا :
الْأَوَّلُ : قَالَ
الْوَاحِدِيُّ : كَثُرَتِ الْوُجُوهُ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ ، وَالْأَقْوَى أَنْ يُقَالَ : الْمَعْنَى إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فِي زَعْمِكُمْ (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=81فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ ) أَيِ الْمُوَحِّدِينَ لِلَّهِ
[ ص: 198 ] الْمُكَذِّبِينَ لِقَوْلِكُمْ بِإِضَافَةِ الْوَلَدِ إِلَيْهِ ، وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ : إِمَّا أَنْ يَكُونَ تَقْدِيرُ الْكَلَامِ : إِنْ يَثْبُتْ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَأَنَا أَوَّلُ الْمُنْكِرِينَ لَهُ ، أَوْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ : إِنْ يَثْبُتْ لَكُمُ ادِّعَاءُ لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا فَأَنَا أَوَّلُ الْمُنْكِرِينَ لَهُ ، وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ لِأَنَّ ثُبُوتَ الشَّيْءِ فِي نَفْسِهِ لَا يَقْتَضِي كَوْنَ الرَّسُولِ مُنْكِرًا لَهُ ، لِأَنَّ قَوْلَهُ : إِنْ كَانَ الشَّيْءُ ثَابِتًا فِي نَفْسِهِ فَأَنَا أَوَّلُ الْمُنْكِرِينَ يَقْتَضِي إِصْرَارَهُ عَلَى الْكَذِبِ وَالْجَهْلِ ، وَذَلِكَ لَا يَلِيقُ بِالرَّسُولِ ، وَالثَّانِي أَيْضًا بَاطِلٌ لِأَنَّهُمْ سَوَاءٌ أَثْبَتُوا لِلَّهِ وَلَدًا أَوْ لَمْ يُثْبِتُوهُ لَهُ فَالرَّسُولُ مُنْكِرٌ لِذَلِكَ الْوَلَدِ ، فَلَمْ يَكُنْ لِزَعْمِهِمْ تَأْثِيرٌ فِي كَوْنِ الرَّسُولِ مُنْكِرًا لِذَلِكَ الْوَلَدِ ، فَلَمْ يَصْلُحْ جَعْلُ زَعْمِهِمْ إِثْبَاتَ الْوَلَدِ مُؤَثِّرًا فِي كَوْنِ الرَّسُولِ مُنْكِرًا لِلْوَلَدِ .
الْوَجْهُ الثَّانِي : قَالُوا : مَعْنَاهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=81إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ الْآنِفِينَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ مِنْ عَبِدَ يَعْبَدُ إِذَا اشْتَدَّتْ أَنَفَتُهُ فَهُوَ عَبِدٌ وَعَابِدٌ ، وَقَرَأَ بَعْضُهُمْ ( عَبِدِينَ ) .
وَاعْلَمْ أَنَّ السُّؤَالَ الْمَذْكُورَ قَائِمٌ هَهُنَا لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ الْمُرَادُ : إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَأَنَا أَوَّلُ الْآنِفِينَ مِنَ الْإِقْرَارِ بِهِ ، فَهَذَا يَقْتَضِي الْإِصْرَارَ عَلَى الْجَهْلِ وَالْكَذِبِ ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فِي زَعْمِكُمْ وَاعْتِقَادِكُمْ فَأَنَا أَوَّلُ الْآنِفِينَ ، فَهَذَا التَّعْلِيقُ فَاسِدٌ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَنَفَةَ حَاصِلَةٌ سَوَاءٌ حَصَلَ ذَلِكَ الزَّعْمُ وَالِاعْتِقَادُ أَوْ لَمْ يَحْصُلْ ، وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ هَذَا التَّعْلِيقُ جَائِزًا .
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ : قَالَ بَعْضُهُمْ : إِنَّ كَلِمَةَ “ إِنْ “ هَهُنَا هِيَ النَّافِيَةُ ، وَالتَّقْدِيرُ : مَا كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْمُوَحِّدِينَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ أَنْ لَا وَلَدَ لَهُ .
وَاعْلَمْ أَنَّ الْتِزَامَ هَذِهِ الْوُجُوهِ الْبَعِيدَةِ إِنَّمَا يَكُونُ لِلضَّرُورَةِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ الْبَتَّةَ فَلَمْ يَجُزِ الْمَصِيرُ إِلَيْهَا ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
ثُمَّ قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=82سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ ) ، وَالْمَعْنَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29619_29620_28781إِلَهَ الْعَالَمِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ وَاجِبَ الْوُجُودِ لِذَاتِهِ ، وَكُلُّ مَا كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ فَرْدٌ مُطْلَقٌ لَا يَقْبَلُ التَّجَزُّؤَ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ ، وَالْوَلَدُ عِبَارَةٌ عَنْ أَنْ يَنْفَصِلَ عَنِ الشَّيْءِ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَائِهِ ، فَيَتَوَلَّدُ عَنْ ذَلِكَ الْجُزْءِ شَخْصٌ مِثْلُهُ ، وَهَذَا إِنَّمَا يُعْقَلُ فِيمَا تَكُونُ ذَاتُهُ قَابِلَةً لِلتَّجَزُّؤِ وَالتَّبْعِيضِ ، وَإِذَا كَانَ مُحَالًا فِي حَقِّ إِلَهِ الْعَالَمِ امْتَنَعَ إِثْبَاتُ الْوَلَدِ لَهُ ، وَلَمَّا ذَكَرَ هَذَا الْبُرْهَانَ الْقَاطِعَ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=83فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ ) ، وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ التَّهْدِيدُ ، يَعْنِي قَدْ ذَكَرْتُ الْحُجَّةَ الْقَاطِعَةَ عَلَى فَسَادِ مَا ذَكَرُوا ، وَهُمْ لَمْ يَلْتَفِتُوا إِلَيْهَا لِأَجْلِ كَوْنِهِمْ مُسْتَغْرِقِينَ فِي طَلَبِ الْمَالِ وَالْجَاهِ وَالرِّيَاسَةِ ; فَاتْرُكْهُمْ فِي ذَلِكَ الْبَاطِلِ وَاللَّعِبِ حَتَّى يَصِلُوا إِلَى ذَلِكَ الْيَوْمِ الَّذِي وُعِدُوا فِيهِ بِمَا وُعِدُوا ، وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ التَّهْدِيدُ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=84وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ ) ، وَفِيهِ أَبْحَاثٌ :
الْبَحْثُ الْأَوَّلُ : قَالَ
أَبُو عَلِيٍّ : نَظَرْتُ فِيمَا يَرْتَفِعُ بِهِ إِلَهٌ فَوَجَدْتُ ارْتِفَاعَهُ يَصِحُّ بِأَنْ يَكُونَ خَبَرَ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ ، وَالتَّقْدِيرُ : وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ هُوَ إِلَهٌ .
وَالْبَحْثُ الثَّانِي : هَذِهِ الْآيَةُ
nindex.php?page=treesubj&link=28728_29640_28729_28730مِنْ أَدَلِّ الدَّلَائِلِ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ فِي السَّمَاءِ ، لِأَنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ بِهَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ نِسْبَتَهُ إِلَى السَّمَاءِ بِالْإِلَهِيَّةِ كَنِسْبَتِهِ إِلَى الْأَرْضِ ، فَلَمَّا كَانَ إِلَهًا لِلْأَرْضِ مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ فِيهَا فَكَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ إِلَهًا لِلسَّمَاءِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُسْتَقِرًّا فِيهَا ، فَإِنْ قِيلَ : وَأَيُّ تَعَلُّقِ لِهَذَا الْكَلَامِ بِنَفْيِ الْوَلَدِ عَنِ اللَّهِ
[ ص: 199 ] تَعَالَى ؟ قُلْنَا : تَعَلُّقُهُ بِهِ أَنَّهُ تَعَالَى خَلَقَ
عِيسَى بِمَحْضِ كُنْ فَيَكُونُ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةِ النُّطْفَةِ وَالْأَبِ ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ : إِنَّ هَذَا الْقَدْرَ لَا يُوجِبُ كَوْنَ
عِيسَى وَلَدًا لِلَّهِ سُبْحَانَهُ ، لِأَنَّ هَذَا الْمَعْنَى حَاصِلٌ فِي تَخْلِيقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا مَعَ انْتِفَاءِ حُصُولِ الْوَلَدِيَّةِ هُنَاكَ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=84وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ ) وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ أَنَّ كَوْنَهُ تَعَالَى حَكِيمًا عَلِيمًا يُنَافِي حُصُولَ الْوَلَدِ لَهُ .