[ ص: 207 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=10فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=11يغشى الناس هذا عذاب أليم nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=12ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=13أنى لهم الذكرى وقد جاءهم رسول مبين nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=14ثم تولوا عنه وقالوا معلم مجنون nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=15إنا كاشفوا العذاب قليلا إنكم عائدون nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=16يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون )
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=10فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=11يغشى الناس هذا عذاب أليم nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=12ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=13أنى لهم الذكرى وقد جاءهم رسول مبين nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=14ثم تولوا عنه وقالوا معلم مجنون nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=15إنا كاشفوا العذاب قليلا إنكم عائدون nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=16يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون ) .
اعلم أن المراد بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=10فارتقب ) انتظر ، ويقال ذلك في المكروه ، والمعنى : انتظر يا
محمد عذابهم ، فحذف مفعول الارتقاب لدلالة ما ذكر بعده عليه وهو قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=11هذا عذاب أليم ) ، ويجوز أيضا أن يكون (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=10يوم تأتي السماء ) مفعول الارتقاب ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=10بدخان ) فيه قولان :
القول الأول : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دعا على قومه
بمكة لما كذبوه فقال : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013698اللهم اجعل سنيهم كسني يوسف ) فارتفع المطر وأجدبت الأرض وأصابت
قريشا شدة المجاعة حتى أكلوا العظام والكلاب والجيف ، فكان الرجل لما به من الجوع يرى بينه وبين السماء كالدخان ، وهذا قول
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما في بعض الروايات
ومقاتل nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد واختيار
الفراء والزجاج ، وهو قول
ابن مسعود رضي الله عنه وكان ينكر أن يكون الدخان إلا هذا الذي أصابهم من شدة الجوع كالظلمة في أبصارهم حتى كانوا كأنهم يرون دخانا ، فالحاصل أن هذا الدخان هو الظلمة التي في أبصارهم من شدة الجوع ، وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=13436ابن قتيبة في
nindex.php?page=treesubj&link=28910_30254تفسير الدخان بهذه الحالة وجهين :
الأول : أن في سنة القحط يعظم يبس الأرض بسبب انقطاع المطر ، ويرتفع المطر ويرتفع الغبار الكثير ويظلم الهواء ، وذلك يشبه الدخان ولهذا يقال لسنة المجاعة : الغبراء .
الثاني : أن العرب يسمون الشر الغالب بالدخان فيقول : كان بيننا أمر ارتفع له دخان ، والسبب فيه أن الإنسان إذا اشتد خوفه أو ضعفه أظلمت عيناه فيرى الدنيا كالمملوءة من الدخان .
والقول الثاني في الدخان : أنه دخان يظهر في العالم وهو إحدى علامات القيامة ، قالوا : فإذا حصلت هذه الحالة حصل لأهل الإيمان منه حالة تشبه الزكام ، وحصل لأهل الكفر حالة يصير لأجلها رأسه كرأس الحنيذ ، وهذا القول هو المنقول عن
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب عليه السلام ، وهو قول مشهور
nindex.php?page=showalam&ids=11لابن عباس ، واحتج القائلون بهذا القول بوجوه :
الأول : أن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=10يوم تأتي السماء بدخان ) يقتضي وجود دخان تأتي به السماء ، وما ذكرتموه من الظلمة الحاصلة في العين بسبب شدة الجوع فذاك ليس بدخان أتت به السماء ، فكان حمل لفظ الآية على هذا الوجه عدولا عن الظاهر لا لدليل منفصل ، وإنه لا يجوز .
الثاني : أنه وصف ذلك الدخان بكونه مبينا ، والحالة التي ذكرتموها ليست كذلك لأنها عارضة تعرض لبعض الناس في أدمغتهم ، ومثل هذا لا يوصف بكونه دخانا مبينا .
والثالث : أنه وصف ذلك الدخان بأنه يغشى الناس ، وهذا إنما يصدق إذا وصل
[ ص: 208 ] ذلك الدخان إليهم واتصل بهم ، والحال التي ذكرتموها لا توصف بأنها تغشى الناس إلا على سبيل المجاز ، وقد ذكرنا أن العدول من الحقيقة إلى المجاز لا يجوز إلا لدليل منفصل .
الرابع : روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : (
nindex.php?page=treesubj&link=30254_30284أول الآيات الدخان ، ونزول عيسى ابن مريم عليهما السلام ، ونار تخرج من قعر عدن تسوق الناس إلى المحشر ، قال حذيفة : يا رسول الله ، وما الدخان ؟ فتلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الآية ، وقال : دخان يملأ ما بين المشرق والمغرب يمكث أربعين يوما وليلة ، أما المؤمن فيصيبه كهيئة الزكمة ، وأما الكافر فهو كالسكران يخرج من منخريه وأذنيه ودبره ) رواه صاحب “ الكشاف “ .
وروى القاضي عن
الحسن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013700باكروا بالأعمال ستا ، وذكر منها طلوع الشمس من مغربها والدجال والدخان والدابة ) ، أما القائلون بالقول الأول فلا شك أن ذلك يقتضي صرف اللفظ عن حقيقته إلى المجاز ، وذلك لا يجوز إلا عند قيام دليل يدل على أن حمله على حقيقته ممتنع ، والقوم لم يذكروا ذلك الدليل فكان المصير إلى ما ذكروه مشكلا جدا ، فإن قالوا : الدليل على أن المراد ما ذكرناه أنه تعالى حكى عنهم أنهم يقولون : (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=12ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون ) ، وهذا إذا حملناه على القحط الذي وقع
بمكة استقام ، فإنه نقل أن القحط لما اشتد
بمكة مشى إليه
أبو سفيان وناشده بالله والرحم وأوعده أنه إن دعا لهم وأزال الله عنهم تلك البلية أن يؤمنوا به ، فلما أزال الله تعالى عنهم ذلك رجعوا إلى شركهم ، أما إذا حملناه على أن المراد منه ظهور علامة من علامات القيامة لم يصح ذلك ، لأن عند ظهور علامات القيامة لا يمكنهم أن يقولوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=12ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون ) ، ولم يصح أيضا أن يقال لهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=15إنا كاشفوا العذاب قليلا إنكم عائدون ) ، والجواب : لم لا يجوز أن يكون ظهور هذه العلامة جاريا مجرى ظهور سائر علامات القيامة في أنه لا يوجب انقطاع التكليف فتحدث هذه الحالة ، ثم إن الناس يخافون جدا فيتضرعون ، فإذا زالت تلك الواقعة عادوا إلى الكفر والفسق ، وإذا كان هذا محتملا فقد سقط ما قالوه ، والله أعلم .
ولنرجع إلى التفسير فنقول : قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=10يوم تأتي السماء بدخان مبين ) أي ظاهر الحال لا يشك أحد في أنه دخان يغشى الناس أي يشملهم وهو في محل الجر صفة لقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=10بدخان ) ، وفي قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=11هذا عذاب أليم ) قولان :
الأول : أنه منصوب المحل بفعل مضمر وهو ( يقولون ) ، ويقولون منصوب على الحال أي قائلين ذلك .
الثاني : قال
الجرجاني صاحب “ النظم “ : هذا إشارة إليه وإخبار عن دنوه واقترابه كما يقال : هذا العدو فاستقبله ، والغرض منه التنبيه على القرب .
ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=12ربنا اكشف عنا العذاب ) فإن قلنا : التقدير : يقولون ( هذا عذاب أليم ربنا اكشف عنا العذاب ) فالمعنى ظاهر وإن لم يضمر القول هناك أضمرناه ههنا ، والعذاب على القول الأول هو القحط الشديد ، وعلى القول الثاني : المهلك . (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=12إنا مؤمنون ) أي
بمحمد وبالقرآن ، والمراد منه الوعد بالإيمان إن كشف عنهم العذاب .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=13أنى لهم الذكرى ) يعني كيف يتذكرون وكيف يتعظون بهذه الحالة وقد جاءهم ما هو أعظم وأدخل في وجوب الطاعة وهو ما ظهر على رسول الله من المعجزات القاهرة والبينات الباهرة ؟ (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=14ثم تولوا عنه )
[ ص: 209 ] ولم يلتفتوا إليه ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=14وقالوا معلم مجنون ) وذلك لأن كفار
مكة كان لهم في ظهور القرآن على
محمد عليه الصلاة والسلام قولان : منهم من كان يقول : إن
محمدا يتعلم هذه الكلمات من بعض الناس لقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=103إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي ) [ النحل : 103 ] ، وكقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=4وأعانه عليه قوم آخرون ) [ الفرقان : 4 ] ، ومنهم من كان يقول : إنه مجنون والجن يلقون عليه هذه الكلمات حال ما يعرض له الغشي .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=15إنا كاشفوا العذاب قليلا إنكم عائدون ) أي كما يكشف العذاب عنكم تعودون في الحال إلى ما كنتم عليه من الشرك ، والمقصود
nindex.php?page=treesubj&link=18085_19239التنبيه على أنهم لا يوفون بعهدهم ، وأنهم في حال العجز يتضرعون إلى الله تعالى ، فإذا زال الخوف عادوا إلى الكفر والتقليد لمذاهب الأسلاف .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=16يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون ) ، قال صاحب “ الكشاف “ : وقرئ نبطش بضم الطاء ، وقرأ
الحسن نبطش بضم النون كأنه تعالى يأمر الملائكة بأن يبطشوا بهم ، والبطش الأخذ بشدة ، وأكثر ما يكون بوقع الضرب المتتابع ثم صار بحيث يستعمل في إيصال الآلام المتتابعة ، وفي المراد بهذا اليوم قولان :
القول الأول : أنه يوم
بدر ، وهو قول
ابن مسعود وابن
عباس nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد ومقاتل nindex.php?page=showalam&ids=11873وأبي العالية رضي الله تعالى عنهم ، قالوا : إن كفار
مكة لما أزال الله تعالى عنهم القحط والجوع عادوا إلى التكذيب فانتقم الله منهم يوم
بدر .
والقول الثاني : أنه يوم القيامة ، روى
عكرمة عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال : قال
ابن مسعود : البطشة الكبرى يوم
بدر ، وأنا أقول : هي يوم القيامة ، وهذا القول أصح لأن يوم
بدر لا يبلغ هذا المبلغ الذي يوصف بهذا الوصف العظيم ، ولأن الانتقام التام إنما يحصل يوم القيامة لقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=17اليوم تجزى كل نفس بما كسبت ) [ غافر : 17 ] ، ولأن هذه البطشة لما وصفت بكونها كبرى على الإطلاق وجب أن تكون أعظم أنواع البطش ، وذلك ليس إلا في القيامة ، ولفظ الانتقام في حق الله تعالى من المتشابهات كالغضب والحياء والتعجب ، والمعنى معلوم والله أعلم .
[ ص: 207 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=10فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=11يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=12رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=13أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=14ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=15إِنَّا كَاشِفُوا الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=16يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ )
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=10فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=11يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=12رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=13أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=14ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=15إِنَّا كَاشِفُوا الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=16يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ ) .
اعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=10فَارْتَقِبْ ) انْتَظِرْ ، وَيُقَالُ ذَلِكَ فِي الْمَكْرُوهِ ، وَالْمَعْنَى : انْتَظِرْ يَا
مُحَمَّدُ عَذَابَهُمْ ، فَحُذِفَ مَفْعُولُ الِارْتِقَابِ لِدَلَالَةِ مَا ذُكِرَ بَعْدَهُ عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=11هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ ) ، وَيَجُوزُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=10يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ ) مَفْعُولَ الِارْتِقَابِ ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=10بِدُخَانٍ ) فِيهِ قَوْلَانِ :
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ : أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَعَا عَلَى قَوْمِهِ
بِمَكَّةَ لَمَّا كَذَّبُوهُ فَقَالَ : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013698اللَّهُمَّ اجْعَلْ سِنِيَّهِمْ كَسِنِيِّ يُوسُفَ ) فَارْتَفَعَ الْمَطَرُ وَأَجْدَبَتِ الْأَرْضُ وَأَصَابَتْ
قُرَيْشًا شِدَّةُ الْمَجَاعَةِ حَتَّى أَكَلُوا الْعِظَامَ وَالْكِلَابَ وَالْجِيَفَ ، فَكَانَ الرَّجُلُ لِمَا بِهِ مِنَ الْجُوعِ يَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّمَاءِ كَالدُّخَانِ ، وَهَذَا قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ
وَمُقَاتِلٍ nindex.php?page=showalam&ids=16879وَمُجَاهِدٍ وَاخْتِيَارُ
الْفَرَّاءِ وَالزَّجَّاجِ ، وَهُوَ قَوْلُ
ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَانَ يُنْكِرُ أَنْ يَكُونَ الدُّخَانُ إِلَّا هَذَا الَّذِي أَصَابَهُمْ مِنْ شِدَّةِ الْجُوعِ كَالظُّلْمَةِ فِي أَبْصَارِهِمْ حَتَّى كَانُوا كَأَنَّهُمْ يَرَوْنَ دُخَانًا ، فَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذَا الدُّخَانَ هُوَ الظُّلْمَةُ الَّتِي فِي أَبْصَارِهِمْ مِنْ شِدَّةِ الْجُوعِ ، وَذَكَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=13436ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=28910_30254تَفْسِيرِ الدُّخَانِ بِهَذِهِ الْحَالَةِ وَجْهَيْنِ :
الْأَوَّلُ : أَنَّ فِي سَنَةِ الْقَحْطِ يَعْظُمُ يُبْسُ الْأَرْضِ بِسَبَبِ انْقِطَاعِ الْمَطَرِ ، وَيَرْتَفِعُ الْمَطَرُ وَيَرْتَفِعُ الْغُبَارُ الْكَثِيرُ وَيُظْلِمُ الْهَوَاءُ ، وَذَلِكَ يُشْبِهُ الدُّخَانَ وَلِهَذَا يُقَالُ لِسَنَةِ الْمَجَاعَةِ : الْغَبْرَاءُ .
الثَّانِي : أَنَّ الْعَرَبَ يُسَمُّونَ الشَّرَّ الْغَالِبَ بِالدُّخَانِ فَيَقُولُ : كَانَ بَيْنَنَا أَمْرٌ ارْتَفَعَ لَهُ دُخَانٌ ، وَالسَّبَبُ فِيهِ أَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا اشْتَدَّ خَوْفُهُ أَوْ ضَعْفُهُ أَظْلَمَتْ عَيْنَاهُ فَيَرَى الدُّنْيَا كَالْمَمْلُوءَةِ مِنَ الدُّخَانِ .
وَالْقَوْلُ الثَّانِي فِي الدُّخَانِ : أَنَّهُ دُخَانٌ يَظْهَرُ فِي الْعَالَمِ وَهُوَ إِحْدَى عَلَامَاتِ الْقِيَامَةِ ، قَالُوا : فَإِذَا حَصَلَتْ هَذِهِ الْحَالَةُ حَصَلَ لِأَهْلِ الْإِيمَانِ مِنْهُ حَالَةٌ تُشْبِهُ الزُّكَامَ ، وَحَصَلَ لِأَهْلِ الْكُفْرِ حَالَةٌ يَصِيرُ لِأَجْلِهَا رَأْسُهُ كَرَأْسِ الْحَنِيذِ ، وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَهُوَ قَوْلٌ مَشْهُورٌ
nindex.php?page=showalam&ids=11لِابْنِ عَبَّاسٍ ، وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِهَذَا الْقَوْلِ بِوُجُوهٍ :
الْأَوَّلُ : أَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=10يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ ) يَقْتَضِي وُجُودَ دُخَانٍ تَأْتِي بِهِ السَّمَاءُ ، وَمَا ذَكَرْتُمُوهُ مِنَ الظُّلْمَةِ الْحَاصِلَةِ فِي الْعَيْنِ بِسَبَبِ شِدَّةِ الْجُوعِ فَذَاكَ لَيْسَ بِدُخَانٍ أَتَتْ بِهِ السَّمَاءُ ، فَكَانَ حَمْلُ لَفْظِ الْآيَةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ عُدُولًا عَنِ الظَّاهِرِ لَا لِدَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ ، وَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ .
الثَّانِي : أَنَّهُ وَصَفَ ذَلِكَ الدُّخَانَ بِكَوْنِهِ مُبِينًا ، وَالْحَالَةُ الَّتِي ذَكَرْتُمُوهَا لَيْسَتْ كَذَلِكَ لِأَنَّهَا عَارِضَةٌ تَعْرِضُ لِبَعْضِ النَّاسِ فِي أَدْمِغَتِهِمْ ، وَمِثْلُ هَذَا لَا يُوصَفُ بِكَوْنِهِ دُخَانًا مُبِينًا .
وَالثَّالِثُ : أَنَّهُ وَصَفَ ذَلِكَ الدُّخَانَ بِأَنَّهُ يَغْشَى النَّاسَ ، وَهَذَا إِنَّمَا يَصْدُقُ إِذَا وَصَلَ
[ ص: 208 ] ذَلِكَ الدُّخَانُ إِلَيْهِمْ وَاتَّصَلَ بِهِمْ ، وَالْحَالُ الَّتِي ذَكَرْتُمُوهَا لَا تُوصَفُ بِأَنَّهَا تَغْشَى النَّاسَ إِلَّا عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ ، وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْعُدُولَ مِنَ الْحَقِيقَةِ إِلَى الْمَجَازِ لَا يَجُوزُ إِلَّا لِدَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ .
الرَّابِعُ : رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ : (
nindex.php?page=treesubj&link=30254_30284أَوَّلُ الْآيَاتِ الدُّخَانُ ، وَنُزُولُ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ ، وَنَارٌ تَخْرُجُ مِنْ قَعْرِ عَدَنَ تَسُوقُ النَّاسَ إِلَى الْمَحْشَرِ ، قَالَ حُذَيْفَةُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَمَا الدُّخَانُ ؟ فَتَلَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْآيَةَ ، وَقَالَ : دُخَانٌ يَمْلَأُ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ يَمْكُثُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَلَيْلَةً ، أَمَّا الْمُؤْمِنُ فَيُصِيبُهُ كَهَيْئَةِ الزَّكْمَةِ ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَهُوَ كَالسَّكْرَانِ يَخْرُجُ مِنْ مَنْخَرَيْهِ وَأُذُنَيْهِ وَدُبُرِهِ ) رَوَاهُ صَاحِبُ “ الْكَشَّافِ “ .
وَرَوَى الْقَاضِي عَنِ
الْحَسَنِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013700بَاكِرُوا بِالْأَعْمَالِ سِتًّا ، وَذَكَرَ مِنْهَا طُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا وَالدَّجَّالَ وَالدُّخَانَ وَالدَّابَّةَ ) ، أَمَّا الْقَائِلُونَ بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ فَلَا شَكَّ أَنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي صَرْفَ اللَّفْظِ عَنْ حَقِيقَتِهِ إِلَى الْمَجَازِ ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ إِلَّا عِنْدَ قِيَامِ دَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ حَمْلَهُ عَلَى حَقِيقَتِهِ مُمْتَنِعٌ ، وَالْقَوْمُ لَمْ يَذْكُرُوا ذَلِكَ الدَّلِيلَ فَكَانَ الْمَصِيرُ إِلَى مَا ذَكَرُوهُ مُشْكِلًا جِدًّا ، فَإِنْ قَالُوا : الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّهُ تَعَالَى حَكَى عَنْهُمْ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=12رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ ) ، وَهَذَا إِذَا حَمَلْنَاهُ عَلَى الْقَحْطِ الَّذِي وَقَعَ
بِمَكَّةَ اسْتَقَامَ ، فَإِنَّهُ نُقِلَ أَنَّ الْقَحْطَ لَمَّا اشْتَدَّ
بِمَكَّةَ مَشَى إِلَيْهِ
أَبُو سُفْيَانَ وَنَاشَدَهُ بِاللَّهِ وَالرَّحِمِ وَأَوْعَدَهُ أَنَّهُ إِنْ دَعَا لَهُمْ وَأَزَالَ اللَّهُ عَنْهُمْ تِلْكَ الْبَلِيَّةَ أَنْ يُؤْمِنُوا بِهِ ، فَلَمَّا أَزَالَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ ذَلِكَ رَجَعُوا إِلَى شِرْكِهِمْ ، أَمَّا إِذَا حَمَلْنَاهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ ظُهُورُ عَلَامَةٍ مِنْ عَلَامَاتِ الْقِيَامَةِ لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ ، لِأَنَّ عِنْدَ ظُهُورِ عَلَامَاتِ الْقِيَامَةِ لَا يُمْكِنُهُمْ أَنْ يَقُولُوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=12رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ ) ، وَلَمْ يَصِحَّ أَيْضًا أَنْ يُقَالَ لَهُمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=15إِنَّا كَاشِفُوا الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ ) ، وَالْجَوَابُ : لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ظُهُورُ هَذِهِ الْعَلَامَةِ جَارِيًا مَجْرَى ظُهُورِ سَائِرِ عَلَامَاتِ الْقِيَامَةِ فِي أَنَّهُ لَا يُوجِبُ انْقِطَاعَ التَّكْلِيفِ فَتَحْدُثُ هَذِهِ الْحَالَةُ ، ثُمَّ إِنَّ النَّاسَ يَخَافُونَ جِدًّا فَيَتَضَرَّعُونَ ، فَإِذَا زَالَتْ تِلْكَ الْوَاقِعَةُ عَادُوا إِلَى الْكُفْرِ وَالْفِسْقِ ، وَإِذَا كَانَ هَذَا مُحْتَمَلًا فَقَدْ سَقَطَ مَا قَالُوهُ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَلْنَرْجِعْ إِلَى التَّفْسِيرِ فَنَقُولُ : قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=10يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ ) أَيْ ظَاهِرِ الْحَالِ لَا يَشُكُّ أَحَدٌ فِي أَنَّهُ دُخَانٌ يَغْشَى النَّاسَ أَيْ يَشْمَلُهُمْ وَهُوَ فِي مَحَلِّ الْجَرِّ صِفَةٌ لِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=10بِدُخَانٍ ) ، وَفِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=11هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ ) قَوْلَانِ :
الْأَوَّلُ : أَنَّهُ مَنْصُوبُ الْمَحَلِّ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ وَهُوَ ( يَقُولُونَ ) ، وَيَقُولُونَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ أَيْ قَائِلِينَ ذَلِكَ .
الثَّانِي : قَالَ
الْجُرْجَانِيُّ صَاحِبُ “ النَّظْمِ “ : هَذَا إِشَارَةٌ إِلَيْهِ وَإِخْبَارٌ عَنْ دُنُوِّهِ وَاقْتِرَابِهِ كَمَا يُقَالُ : هَذَا الْعَدُوُّ فَاسْتَقْبِلْهُ ، وَالْغَرَضُ مِنْهُ التَّنْبِيهُ عَلَى الْقُرْبِ .
ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=12رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ ) فَإِنْ قُلْنَا : التَّقْدِيرُ : يَقُولُونَ ( هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ ) فَالْمَعْنَى ظَاهِرٌ وَإِنْ لَمْ يُضْمَرِ الْقَوْلُ هُنَاكَ أَضْمَرْنَاهُ هَهُنَا ، وَالْعَذَابُ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ هُوَ الْقَحْطُ الشَّدِيدُ ، وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي : الْمُهْلِكُ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=12إِنَّا مُؤْمِنُونَ ) أَيْ
بِمُحَمَّدٍ وَبِالْقُرْآنِ ، وَالْمُرَادُ مِنْهُ الْوَعْدُ بِالْإِيمَانِ إِنْ كَشَفَ عَنْهُمُ الْعَذَابَ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=13أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى ) يَعْنِي كَيْفَ يَتَذَكَّرُونَ وَكَيْفَ يَتَّعِظُونَ بِهَذِهِ الْحَالَةِ وَقَدْ جَاءَهُمْ مَا هُوَ أَعْظَمُ وَأَدْخَلُ فِي وُجُوبِ الطَّاعَةِ وَهُوَ مَا ظَهَرَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ الْقَاهِرَةِ وَالْبَيِّنَاتِ الْبَاهِرَةِ ؟ (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=14ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ )
[ ص: 209 ] وَلَمْ يَلْتَفِتُوا إِلَيْهِ ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=14وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ ) وَذَلِكَ لِأَنَّ كُفَّارَ
مَكَّةَ كَانَ لَهُمْ فِي ظُهُورِ الْقُرْآنِ عَلَى
مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَوْلَانِ : مِنْهُمْ مَنْ كَانَ يَقُولُ : إِنَّ
مُحَمَّدًا يَتَعَلَّمُ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ مِنْ بَعْضِ النَّاسِ لِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=103إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ ) [ النَّحْلِ : 103 ] ، وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=4وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ ) [ الْفُرْقَانِ : 4 ] ، وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يَقُولُ : إِنَّهُ مَجْنُونٌ وَالْجِنُّ يُلْقُونَ عَلَيْهِ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ حَالَ مَا يَعْرِضُ لَهُ الْغَشْيُ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=15إِنَّا كَاشِفُوا الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ ) أَيْ كَمَا يَكْشِفُ الْعَذَابَ عَنْكُمْ تَعُودُونَ فِي الْحَالِ إِلَى مَا كُنْتُمْ عَلَيْهِ مِنَ الشِّرْكِ ، وَالْمَقْصُودُ
nindex.php?page=treesubj&link=18085_19239التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّهُمْ لَا يُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ ، وَأَنَّهُمْ فِي حَالِ الْعَجْزِ يَتَضَرَّعُونَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ، فَإِذَا زَالَ الْخَوْفُ عَادُوا إِلَى الْكُفْرِ وَالتَّقْلِيدِ لِمَذَاهِبِ الْأَسْلَافِ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=16يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ ) ، قَالَ صَاحِبُ “ الْكَشَّافِ “ : وَقُرِئَ نَبْطُشُ بِضَمِّ الطَّاءِ ، وَقَرَأَ
الْحَسَنُ نُبْطِشُ بِضَمِّ النُّونِ كَأَنَّهُ تَعَالَى يَأْمُرُ الْمَلَائِكَةَ بِأَنْ يَبْطِشُوا بِهِمْ ، وَالْبَطْشُ الْأَخْذُ بِشِدَّةٍ ، وَأَكْثَرُ مَا يَكُونُ بِوَقْعِ الضَّرْبِ الْمُتَتَابِعِ ثُمَّ صَارَ بِحَيْثُ يُسْتَعْمَلُ فِي إِيصَالِ الْآلَامِ الْمُتَتَابِعَةِ ، وَفِي الْمُرَادِ بِهَذَا الْيَوْمِ قَوْلَانِ :
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ : أَنَّهُ يَوْمُ
بَدْرٍ ، وَهُوَ قَوْلُ
ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ
عَبَّاسٍ nindex.php?page=showalam&ids=16879وَمُجَاهِدٍ وَمُقَاتِلٍ nindex.php?page=showalam&ids=11873وَأَبِي الْعَالِيَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ ، قَالُوا : إِنَّ كُفَّارَ
مَكَّةَ لَمَا أَزَالَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمُ الْقَحْطَ وَالْجُوعَ عَادُوا إِلَى التَّكْذِيبِ فَانْتَقَمَ اللَّهُ مِنْهُمْ يَوْمَ
بَدْرٍ .
وَالْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّهُ يَوْمُ الْقِيَامَةِ ، رَوَى
عِكْرِمَةُ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ : قَالَ
ابْنُ مَسْعُودٍ : الْبَطْشَةُ الْكُبْرَى يَوْمُ
بَدْرٍ ، وَأَنَا أَقُولُ : هِيَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ ، وَهَذَا الْقَوْلُ أَصَحُّ لِأَنَّ يَوْمَ
بَدْرٍ لَا يَبْلُغُ هَذَا الْمَبْلَغَ الَّذِي يُوصَفُ بِهَذَا الْوَصْفِ الْعَظِيمِ ، وَلِأَنَّ الِانْتِقَامَ التَّامَّ إِنَّمَا يَحْصُلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=17الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ ) [ غَافِرٍ : 17 ] ، وَلِأَنَّ هَذِهِ الْبَطْشَةَ لَمَّا وُصِفَتْ بِكَوْنِهَا كُبْرَى عَلَى الْإِطْلَاقِ وَجَبَ أَنْ تَكُونَ أَعْظَمَ أَنْوَاعِ الْبَطْشِ ، وَذَلِكَ لَيْسَ إِلَّا فِي الْقِيَامَةِ ، وَلَفْظُ الِانْتِقَامِ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى مِنَ الْمُتَشَابِهَاتِ كَالْغَضَبِ وَالْحَيَاءِ وَالتَّعَجُّبِ ، وَالْمَعْنَى مَعْلُومٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .