[ ص: 230 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=22وخلق الله السموات والأرض بالحق ولتجزى كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=23أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=24وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=25وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات ما كان حجتهم إلا أن قالوا ائتوا بآبائنا إن كنتم صادقين nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=26قل الله يحييكم ثم يميتكم ثم يجمعكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ولكن أكثر الناس لا يعلمون )
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=22وخلق الله السماوات والأرض بالحق ولتجزى كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=23أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=24وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=25وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات ما كان حجتهم إلا أن قالوا ائتوا بآبائنا إن كنتم صادقين nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=26قل الله يحييكم ثم يميتكم ثم يجمعكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) .
اعلم أنه تعالى لما أفتى بأن
nindex.php?page=treesubj&link=30300المؤمن لا يساوي الكافر في درجات السعادات ، أتبعه بالدلالة الظاهرة على صحة هذه الفتوى ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=22وخلق الله السماوات والأرض بالحق ) ولو لم يوجد البحث لما كان ذلك بالحق ، بل كان بالباطل ، لأنه تعالى لما خلق الظالم ، وسلطه على المظلوم الضعيف ، ثم لا ينتقم للمظلوم من الظالم كان ظالما ، ولو كان ظالما لبطل أنه (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=22وخلق الله السماوات والأرض بالحق ) ، وتمام تقرير هذه الدلائل مذكور في أول سورة يونس ، قال القاضي : هذه الآية تدل على أن في مقدور الله ما لو حصل لكان ظلما ، وذلك لا يصح إلا على مذهب
المجبرة الذين يقولون : لو فعل كل شيء أراده لم يكن ظلما ، وعلى قول من يقول : إنه لا يوصف بالقدرة على الظلم ، وأجاب الأصحاب عنه بأن المراد فعل ما لو فعله غيره لكان ظلما كما أن المراد من الابتلاء والاختبار فعل ما لو فعله غيره لكان ابتلاء واختبارا .
وقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=22ولتجزى ) ، فيه وجهان :
الأول : أنه معطوف على قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=22بالحق ) فيكون التقدير : وخلق الله السماوات والأرض لأجل إظهار الحق ، ولتجزى كل نفس .
الثاني : أن يكون العطف على محذوف ، والتقدير : وخلق الله السماوات والأرض بالحق ليدل بهما على قدرته ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=22ولتجزى كل نفس ) والمعنى أن المقصود من خلق هذا العلم
nindex.php?page=treesubj&link=30364_19962إظهار العدل والرحمة ، وذلك لا يتم إلا إذا حصل البعث والقيامة وحصل التفاوت في الدرجات والدركات بين المحقين وبين المبطلين .
ثم عاد تعالى إلى شرح
nindex.php?page=treesubj&link=32510أحوال الكفار وقبائح طرائقهم ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=23أفرأيت من اتخذ إلهه هواه ) يعني :
nindex.php?page=treesubj&link=32512تركوا متابعة الهدى وأقبلوا على متابعة الهوى ، فكانوا يعبدون الهوى كما يعبد الرجل إلهه ، وقرئ ( آلهته هواه ) كلما مال طبعه إلى شيء اتبعه وذهب خلفه ، فكأنه اتخذ هواه آلهة شتى يعبد كل وقت واحدا منها .
[ ص: 231 ] ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=23وأضله الله على علم ) يعني على علم بأن جوهر روحه لا يقبل الصلاح ، ونظيره في جانب التعظيم قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=124الله أعلم حيث يجعل رسالته ) [ الأنعام : 124 ] ، وتحقيق الكلام فيه أن جواهر الأرواح البشرية مختلفة فمنها مشرقة نورانية علوية إلهية ، ومنها كدرة ظلمانية سفلية عظيمة الميل إلى الشهوات الجسمانية ، فهو تعالى يقابل كلا منهم بحسب ما يليق بجوهره وماهيته ، وهو المراد من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=23وأضله الله على علم ) في حق المردودين ، وبقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=124الله أعلم حيث يجعل رسالته ) في حق المقبولين .
ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=23وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة ) فقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=23وأضله الله على علم ) هو المذكور في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=6إن الذين كفروا ) إلى قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=6لا يؤمنون ) ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=23وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة ) هو المراد من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=7ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ) ، وكل ذلك قد مر تفسيره في سورة البقرة بالاستقصاء ، والتفاوت بين الآيتين أنه في هذه الآية قدم ذكر السمع على القلب ،
nindex.php?page=treesubj&link=34077وفي سورة البقرة قدم القلب على السمع ، والفرق أن الإنسان قد يسمع كلاما فيقع في قلبه منه أثر ، مثل أن جماعة من الكفار كانوا يلقون إلى الناس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - شاعر وكاهن وأنه يطلب الملك والرياسة ، فالسامعون إذا سمعوا ذلك أبغضوه ونفرت قلوبهم عنه ، وأما كفار
مكة فهم كانوا يبغضونه بقلوبهم بسبب الحسد الشديد فكانوا يستمعون إليه ، ولو سمعوا كلامه ما فهموا منه شيئا نافعا ، ففي الصورة الأولى كان الأثر يصعد من البدن إلى جوهر النفس ، وفي الصورة الثانية كان الأثر ينزل من جوهر النفس إلى قرار البدن ، فلما اختلف القسمان لا جرم أرشد الله تعالى إلى كلا هذين القسمين بهذين الترتيبين اللذين نبهنا عليهما ، ولما ذكر الله تعالى هذا الكلام قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=23فمن يهديه من بعد الله ) أي من بعد أن أضله الله ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=23أفلا تذكرون ) أيها الناس ، قال
الواحدي : وليس يبقى
للقدرية مع هذه الآية عذر ولا حيلة ، لأن الله تعالى صرح بمنعه إياهم عن الهدى حين أخبر أنه ختم على سمع هذا الكافر وقلبه وبصره ، وأقول : هذه المناظرة قد سبقت بالاستقصاء في أول سورة البقرة .
واعلم أنه تعالى حكى عنهم بعد ذلك شبهتهم في إنكار القيامة وفي إنكار الإله القادر ، أما شبهتهم في إنكار القيامة فهي قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=24وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا ) ، فإن قالوا : الحياة مقدمة على الموت في الدنيا
nindex.php?page=treesubj&link=32512فمنكرو القيامة كان يجب أن يقولوا : نحيا ونموت ، فما السبب في
nindex.php?page=treesubj&link=34077تقديم ذكر الموت على الحياة ؟ قلنا : فيه وجوه :
الأول : المراد بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=24نموت ) حال كونهم نطفا في أصلاب الآباء وأرحام الأمهات ، وبقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=24نحيا ) ما حصل بعد ذلك في الدنيا .
الثاني : نموت نحن ونحيا بسبب بقاء أولادنا .
الثالث : يموت بعض ويحيا بعض .
الرابع : وهو الذي خطر بالبال عند كتابة هذا الموضع أنه تعالى قدم ذكر الحياة فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=24وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا ) ، ثم قال بعده : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=24نموت ونحيا ) يعني أن تلك الحياة منها ما يطرأ عليها الموت وذلك في حق الذين ماتوا ، ومنها ما لم يطرأ الموت عليها وذلك في حق الأحياء الذين لم يموتوا بعد ، وأما شبهتهم في
nindex.php?page=treesubj&link=29706_32512إنكار الإله الفاعل المختار فهو قولهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=24وما يهلكنا إلا الدهر ) يعني : تولد الأشخاص إنما كان بسبب حركات الأفلاك الموجبة لامتزاجات الطبائع ، وإذا وقعت تلك الامتزاجات على وجه خاص حصلت الحياة ، وإذا وقعت على وجه آخر حصل الموت ، فالموجب للحياة والموت تأثيرات الطبائع وحركات الأفلاك ، ولا حاجة في هذا الباب إلى إثبات الفاعل المختار ، فهذه الطائفة جمعوا بين إنكار الإله وبين إنكار البعث والقيامة .
[ ص: 232 ] ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=24وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون ) ، والمعنى أن قبل النظر ومعرفة الدليل الاحتمالات بأسرها قائمة ، فالذي قالوه يحتمل وضده أيضا يحتمل ، وذلك هو أن يكون القول بالبعث والقيامة حقا ، وأن يكون القول بوجود الإله الحكيم حقا ، فإنهم لم يذكروا شبهة ضعيفة ولا قوية في أن هذا الاحتمال الثاني باطل ، ولكنه خطر ببالهم ذلك الاحتمال الأول فجزموا به وأصروا عليه من غير حجة ولا بينة ، فثبت أنه ليس علم ولا جزم ولا يقين في صحة القول الذي اختاروه بسبب الظن والحسبان وميل القلب إليه من غير موجب ، وهذه الآية من أقوى الدلائل على أن
nindex.php?page=treesubj&link=32512القول بغير حجة وبينة قول باطل فاسد ، وأن
nindex.php?page=treesubj&link=32512متابعة الظن والحسبان منكر عند الله تعالى .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=25وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات ما كان حجتهم إلا أن قالوا ائتوا بآبائنا إن كنتم صادقين ) ، وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قرئ حجتهم ، والرفع على تقديم خبر كان وتأخيره .
المسألة الثانية : سمى قولهم حجة لوجوه :
الأول : أنه في زعمهم حجة .
الثاني : أن يكون المراد من كان حجتهم هذا ، فليس البتة حجة كقوله : تحية بينهم ضرب وجيع [ أي ليس بينهم تحية لمنافاة الضرب للتحية ] .
الثالث : أنهم ذكروها في معرض الاحتجاج بها .
المسألة الثالثة : أن حجتهم على
nindex.php?page=treesubj&link=28760إنكار البعث أن قالوا : لو صح ذلك فائتوا بآبائنا الذين ماتوا ليشهدوا لنا بصحة البعث .
واعلم أن هذه الشبهة ضعيفة جدا ، لأنه ليس كل ما لا يحصل في الحال وجب أن يكون ممتنع الحصول ، فإن حصول كل واحد منا كان معدوما من الأزل إلى الوقت الذي حصلنا فيه ، ولو كان عدم الحصول في وقت معين يدل على امتناع الحصول لكان عدم حصولنا كذلك ، وذلك باطل بالاتفاق .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=26قل الله يحييكم ثم يميتكم ثم يجمعكم إلى يوم القيامة ) ، فإن قيل : هذا الكلام مذكور لأجل جواب من يقول : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=24ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر ) فهذا القائل كان منكرا لوجود الإله ولوجود يوم القيامة ، فكيف يجوز إبطال كلامه بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=26قل الله يحييكم ثم يميتكم ) ؟ وهل هذا إلا إثبات للشيء بنفسه وهو باطل ؟ .
قلنا : إنه تعالى ذكر الاستدلال بحدوث الحيوان والإنسان على وجود الفاعل الحكيم في القرآن مرارا وأطوارا ، فقوله ههنا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=26قل الله يحييكم ) إشارة إلى تلك الدلائل التي بينها وأوضحها مرارا ، وليس المقصود من ذكر هذا الكلام إثبات الإله بقول الإله ، بل المقصود منه التنبيه على ما هو الدليل الحق القاطع في نفس الأمر .
ولما ثبت أن
nindex.php?page=treesubj&link=33679الإحياء من الله تعالى ، وثبت أن الإعادة مثل الإحياء الأول ، وثبت أن القادر على الشيء قادر على مثله ، ثبت
nindex.php?page=treesubj&link=33679أنه تعالى قادر على الإعادة ، وثبت أن الإعادة ممكنة في نفسها ، وثبت أن القادر الحكيم أخبر عن وقت وقوعها فوجب القطع بكونها حقة .
وأما قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=26ثم يجمعكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ) فهو إشارة إلى ما تقدم ذكره في الآية المتقدمة ، وهو أن
nindex.php?page=treesubj&link=30364_30336كونه تعالى عادلا خالقا بالحق منزها عن الجور والظلم يقتضي صحة البعث والقيامة .
[ ص: 233 ] ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=26ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) أي لكن
nindex.php?page=treesubj&link=32410_28658أكثر الناس لا يعلمون دلالة حدوث الإنسان والحيوان والنبات على وجود الإله القادر الحكيم ، ولا يعلمون أيضا أنه تعالى لما كان قادرا على الإيجاد ابتداء وجب أن يكون قادرا على الإعادة ثانيا .
[ ص: 230 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=22وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=23أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=24وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=25وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=26قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ )
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=22وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=23أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=24وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=25وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=26قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ) .
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَفْتَى بِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30300الْمُؤْمِنَ لَا يُسَاوِي الْكَافِرَ فِي دَرَجَاتِ السَّعَادَاتِ ، أَتْبَعَهُ بِالدَّلَالَةِ الظَّاهِرَةِ عَلَى صِحَّةِ هَذِهِ الْفَتْوَى ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=22وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ) وَلَوْ لَمْ يُوجَدِ الْبَحْثُ لَمَا كَانَ ذَلِكَ بِالْحَقِّ ، بَلْ كَانَ بِالْبَاطِلِ ، لِأَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا خَلَقَ الظَّالِمَ ، وَسَلَّطَهُ عَلَى الْمَظْلُومِ الضَّعِيفِ ، ثُمَّ لَا يَنْتَقِمُ لِلْمَظْلُومِ مِنَ الظَّالِمِ كَانَ ظَالِمًا ، وَلَوْ كَانَ ظَالِمًا لَبَطَلَ أَنَّهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=22وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ) ، وَتَمَامُ تَقْرِيرِ هَذِهِ الدَّلَائِلِ مَذْكُورٌ فِي أَوَّلِ سُورَةِ يُونُسَ ، قَالَ الْقَاضِي : هَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ فِي مَقْدُورِ اللَّهِ مَا لَوْ حَصَلَ لَكَانَ ظُلْمًا ، وَذَلِكَ لَا يَصِحُّ إِلَّا عَلَى مَذْهَبِ
الْمُجْبِرَةِ الَّذِينَ يَقُولُونَ : لَوْ فَعَلَ كُلَّ شَيْءٍ أَرَادَهُ لَمْ يَكُنْ ظُلْمًا ، وَعَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ : إِنَّهُ لَا يُوصَفُ بِالْقُدْرَةِ عَلَى الظُّلْمِ ، وَأَجَابَ الْأَصْحَابُ عَنْهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ فِعْلُ مَا لَوْ فَعَلَهُ غَيْرُهُ لَكَانَ ظُلْمًا كَمَا أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الِابْتِلَاءِ وَالِاخْتِبَارِ فِعْلُ مَا لَوْ فَعَلَهُ غَيْرُهُ لَكَانَ ابْتِلَاءً وَاخْتِبَارًا .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=22وَلِتُجْزَى ) ، فِيهِ وَجْهَانِ :
الْأَوَّلُ : أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=22بِالْحَقِّ ) فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ : وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لِأَجْلِ إِظْهَارِ الْحَقِّ ، وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ .
الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ الْعَطْفُ عَلَى مَحْذُوفٍ ، وَالتَّقْدِيرُ : وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ لِيَدُلَّ بِهِمَا عَلَى قُدْرَتِهِ ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=22وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ ) وَالْمَعْنَى أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ خَلْقِ هَذَا الْعِلْمِ
nindex.php?page=treesubj&link=30364_19962إِظْهَارُ الْعَدْلِ وَالرَّحْمَةِ ، وَذَلِكَ لَا يَتِمُّ إِلَّا إِذَا حَصَلَ الْبَعْثُ وَالْقِيَامَةُ وَحَصَلَ التَّفَاوُتُ فِي الدَّرَجَاتِ وَالدَّرَكَاتِ بَيْنَ الْمُحِقِّينَ وَبَيْنَ الْمُبْطِلِينَ .
ثُمَّ عَادَ تَعَالَى إِلَى شَرْحِ
nindex.php?page=treesubj&link=32510أَحْوَالِ الْكُفَّارِ وَقَبَائِحِ طَرَائِقِهِمْ ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=23أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ ) يَعْنِي :
nindex.php?page=treesubj&link=32512تَرَكُوا مُتَابَعَةَ الْهُدَى وَأَقْبَلُوا عَلَى مُتَابَعَةِ الْهَوَى ، فَكَانُوا يَعْبُدُونَ الْهَوَى كَمَا يَعْبُدُ الرَّجُلُ إِلَهَهُ ، وَقُرِئَ ( آلِهَتَهُ هَوَاهُ ) كُلَّمَا مَالَ طَبْعُهُ إِلَى شَيْءٍ اتَّبَعَهُ وَذَهَبَ خَلْفَهُ ، فَكَأَنَّهُ اتَّخَذَ هَوَاهُ آلِهَةً شَتَّى يَعْبُدُ كُلَّ وَقْتٍ وَاحِدًا مِنْهَا .
[ ص: 231 ] ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=23وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ ) يَعْنِي عَلَى عِلْمٍ بِأَنَّ جَوْهَرَ رُوحِهِ لَا يَقْبَلُ الصَّلَاحَ ، وَنَظِيرُهُ فِي جَانِبِ التَّعْظِيمِ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=124اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ) [ الْأَنْعَامِ : 124 ] ، وَتَحْقِيقُ الْكَلَامِ فِيهِ أَنَّ جَوَاهِرَ الْأَرْوَاحِ الْبَشَرِيَّةِ مُخْتَلِفَةٌ فَمِنْهَا مُشْرِقَةٌ نُورَانِيَّةٌ عُلْوِيَّةٌ إِلَهِيَّةٌ ، وَمِنْهَا كَدِرَةٌ ظَلْمَانِيَّةٌ سُفْلِيَّةٌ عَظِيمَةُ الْمَيْلِ إِلَى الشَّهَوَاتِ الْجُسْمَانِيَّةِ ، فَهُوَ تَعَالَى يُقَابِلُ كُلًّا مِنْهُمْ بِحَسَبِ مَا يَلِيقُ بِجَوْهَرِهِ وَمَاهِيَّتِهِ ، وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=23وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ ) فِي حَقِّ الْمَرْدُودِينَ ، وَبُقُولِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=124اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ) فِي حَقِّ الْمَقْبُولِينَ .
ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=23وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً ) فَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=23وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ ) هُوَ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=6إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا ) إِلَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=6لَا يُؤْمِنُونَ ) ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=23وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً ) هُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=7خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ ) ، وَكُلُّ ذَلِكَ قَدْ مَرَّ تَفْسِيرُهُ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ بِالِاسْتِقْصَاءِ ، وَالتَّفَاوُتُ بَيْنَ الْآيَتَيْنِ أَنَّهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَدَّمَ ذِكْرَ السَّمْعِ عَلَى الْقَلْبِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=34077وَفِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ قَدَّمَ الْقَلْبَ عَلَى السَّمْعِ ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَسْمَعُ كَلَامًا فَيَقَعُ فِي قَلْبِهِ مِنْهُ أَثَرٌ ، مِثْلَ أَنَّ جَمَاعَةً مِنَ الْكُفَّارِ كَانُوا يُلْقُونَ إِلَى النَّاسِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَاعِرٌ وَكَاهِنٌ وَأَنَّهُ يَطْلُبُ الْمُلْكَ وَالرِّيَاسَةَ ، فَالسَّامِعُونَ إِذَا سَمِعُوا ذَلِكَ أَبْغَضُوهُ وَنَفَرَتْ قُلُوبُهُمْ عَنْهُ ، وَأَمَّا كُفَّارُ
مَكَّةَ فَهُمْ كَانُوا يُبْغِضُونَهُ بِقُلُوبِهِمْ بِسَبَبِ الْحَسَدِ الشَّدِيدِ فَكَانُوا يَسْتَمِعُونَ إِلَيْهِ ، وَلَوْ سَمِعُوا كَلَامَهُ مَا فَهِمُوا مِنْهُ شَيْئًا نَافِعًا ، فَفِي الصُّورَةِ الْأُولَى كَانَ الْأَثَرُ يَصْعَدُ مِنَ الْبَدَنِ إِلَى جَوْهَرِ النَّفْسِ ، وَفِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ كَانَ الْأَثَرُ يَنْزِلُ مِنْ جَوْهَرِ النَّفْسِ إِلَى قَرَارِ الْبَدَنِ ، فَلَمَّا اخْتَلَفَ الْقِسْمَانِ لَا جَرَمَ أَرْشَدَ اللَّهُ تَعَالَى إِلَى كِلَا هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ بِهَذَيْنَ التَّرْتِيبَيْنِ اللَّذَيْنِ نَبَّهْنَا عَلَيْهِمَا ، وَلَمَّا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا الْكَلَامَ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=23فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ ) أَيْ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَضَلَّهُ اللَّهُ ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=23أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ) أَيُّهَا النَّاسُ ، قَالَ
الْوَاحِدِيُّ : وَلَيْسَ يَبْقَى
لِلْقَدَرِيَّةِ مَعَ هَذِهِ الْآيَةِ عُذْرٌ وَلَا حِيلَةٌ ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى صَرَّحَ بِمَنْعِهِ إِيَّاهُمْ عَنِ الْهُدَى حِينَ أَخْبَرَ أَنَّهُ خَتَمَ عَلَى سَمْعِ هَذَا الْكَافِرِ وَقَلْبِهِ وَبَصَرِهِ ، وَأَقُولُ : هَذِهِ الْمُنَاظَرَةُ قَدْ سَبَقَتْ بِالِاسْتِقْصَاءِ فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ .
وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى حَكَى عَنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ شُبْهَتَهُمْ فِي إِنْكَارِ الْقِيَامَةِ وَفِي إِنْكَارِ الْإِلَهِ الْقَادِرِ ، أَمَّا شُبْهَتُهُمْ فِي إِنْكَارِ الْقِيَامَةِ فَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=24وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا ) ، فَإِنْ قَالُوا : الْحَيَاةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْمَوْتِ فِي الدُّنْيَا
nindex.php?page=treesubj&link=32512فَمُنْكِرُو الْقِيَامَةِ كَانَ يَجِبُ أَنْ يَقُولُوا : نَحْيَا وَنَمُوتُ ، فَمَا السَّبَبُ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=34077تَقْدِيمِ ذِكْرِ الْمَوْتِ عَلَى الْحَيَاةِ ؟ قُلْنَا : فِيهِ وُجُوهٌ :
الْأَوَّلُ : الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=24نَمُوتُ ) حَالَ كَوْنِهِمْ نُطَفًا فِي أَصْلَابِ الْآبَاءِ وَأَرْحَامِ الْأُمَّهَاتِ ، وَبِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=24نَحْيَا ) مَا حَصَلَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا .
الثَّانِي : نَمُوتُ نَحْنُ وَنَحْيَا بِسَبَبِ بَقَاءِ أَوْلَادِنَا .
الثَّالِثُ : يَمُوتُ بَعْضٌ وَيَحْيَا بَعْضٌ .
الرَّابِعُ : وَهُوَ الَّذِي خَطَرَ بِالْبَالِ عِنْدَ كِتَابَةِ هَذَا الْمَوْضِعِ أَنَّهُ تَعَالَى قَدَّمَ ذِكْرَ الْحَيَاةِ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=24وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا ) ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=24نَمُوتُ وَنَحْيَا ) يَعْنِي أَنَّ تِلْكَ الْحَيَاةَ مِنْهَا مَا يَطْرَأُ عَلَيْهَا الْمَوْتُ وَذَلِكَ فِي حَقِّ الَّذِينَ مَاتُوا ، وَمِنْهَا مَا لَمْ يَطْرَأِ الْمَوْتُ عَلَيْهَا وَذَلِكَ فِي حَقِّ الْأَحْيَاءِ الَّذِينَ لَمْ يَمُوتُوا بَعْدُ ، وَأَمَّا شُبْهَتُهُمْ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=29706_32512إِنْكَارِ الْإِلَهِ الْفَاعِلِ الْمُخْتَارِ فَهُوَ قَوْلُهُمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=24وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ ) يَعْنِي : تَوَلُّدُ الْأَشْخَاصِ إِنَّمَا كَانَ بِسَبَبِ حَرَكَاتِ الْأَفْلَاكِ الْمُوجِبَةِ لِامْتِزَاجَاتِ الطَّبَائِعِ ، وَإِذَا وَقَعَتْ تِلْكَ الِامْتِزَاجَاتُ عَلَى وَجْهٍ خَاصٍّ حَصَلَتِ الْحَيَاةُ ، وَإِذَا وَقَعَتْ عَلَى وَجْهٍ آخَرَ حَصَلَ الْمَوْتُ ، فَالْمُوجِبُ لِلْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ تَأْثِيرَاتُ الطَّبَائِعِ وَحَرَكَاتُ الْأَفْلَاكِ ، وَلَا حَاجَةَ فِي هَذَا الْبَابِ إِلَى إِثْبَاتِ الْفَاعِلِ الْمُخْتَارِ ، فَهَذِهِ الطَّائِفَةُ جَمَعُوا بَيْنَ إِنْكَارِ الْإِلَهِ وَبَيْنَ إِنْكَارِ الْبَعْثِ وَالْقِيَامَةِ .
[ ص: 232 ] ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=24وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ ) ، وَالْمَعْنَى أَنَّ قَبْلَ النَّظَرِ وَمَعْرِفَةِ الدَّلِيلِ الِاحْتِمَالَاتُ بِأَسْرِهَا قَائِمَةٌ ، فَالَّذِي قَالُوهُ يُحْتَمَلُ وَضِدُّهُ أَيْضًا يُحْتَمَلُ ، وَذَلِكَ هُوَ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ بِالْبَعْثِ وَالْقِيَامَةِ حَقًّا ، وَأَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ بِوُجُودِ الْإِلَهِ الْحَكِيمِ حَقًّا ، فَإِنَّهُمْ لَمْ يَذْكُرُوا شُبْهَةً ضَعِيفَةً وَلَا قَوِيَّةً فِي أَنَّ هَذَا الِاحْتِمَالَ الثَّانِيَ بَاطِلٌ ، وَلَكِنَّهُ خَطَرَ بِبَالِهِمْ ذَلِكَ الِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ فَجَزَمُوا بِهِ وَأَصَرُّوا عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ حُجَّةٍ وَلَا بَيِّنَةٍ ، فَثَبَتَ أَنَّهُ لَيْسَ عِلْمٌ وَلَا جَزْمٌ وَلَا يَقِينٌ فِي صِحَّةِ الْقَوْلِ الَّذِي اخْتَارُوهُ بِسَبَبِ الظَّنِّ وَالْحُسْبَانِ وَمَيْلِ الْقَلْبِ إِلَيْهِ مِنْ غَيْرِ مُوجِبٍ ، وَهَذِهِ الْآيَةُ مِنْ أَقْوَى الدَّلَائِلِ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=32512الْقَوْلَ بِغَيْرِ حُجَّةٍ وَبَيِّنَةٍ قَوْلٌ بَاطِلٌ فَاسِدٌ ، وَأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=32512مُتَابَعَةَ الظَّنِّ وَالْحُسْبَانِ مُنْكَرٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=25وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ) ، وَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : قُرِئَ حَجَّتُهُمْ ، وَالرَّفْعُ عَلَى تَقْدِيمِ خَبَرِ كَانَ وَتَأْخِيرِهِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : سَمَّى قَوْلَهُمْ حُجَّةً لِوُجُوهٍ :
الْأَوَّلُ : أَنَّهُ فِي زَعْمِهِمْ حُجَّةٌ .
الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ كَانَ حُجَّتَهُمْ هَذَا ، فَلَيْسَ الْبَتَّةَ حُجَّةٌ كَقَوْلِهِ : تَحِيَّةُ بَيْنِهِمْ ضَرْبٌ وَجِيعٌ [ أَيْ لَيْسَ بَيْنَهُمْ تَحِيَّةٌ لِمُنَافَاةِ الضَّرْبِ لِلتَّحِيَّةِ ] .
الثَّالِثُ : أَنَّهُمْ ذَكَرُوهَا فِي مَعْرِضِ الِاحْتِجَاجِ بِهَا .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : أَنَّ حُجَّتَهُمْ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=28760إِنْكَارِ الْبَعْثِ أَنْ قَالُوا : لَوْ صَحَّ ذَلِكَ فَائْتُوا بِآبَائِنَا الَّذِينَ مَاتُوا لِيَشْهَدُوا لَنَا بِصِحَّةِ الْبَعْثِ .
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الشُّبْهَةَ ضَعِيفَةٌ جِدًّا ، لِأَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مَا لَا يَحْصُلُ فِي الْحَالِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ مُمْتَنِعَ الْحُصُولِ ، فَإِنَّ حُصُولَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا كَانَ مَعْدُومًا مِنَ الْأَزَلِ إِلَى الْوَقْتِ الَّذِي حَصَلْنَا فِيهِ ، وَلَوْ كَانَ عَدَمُ الْحُصُولِ فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ يَدُلُّ عَلَى امْتِنَاعِ الْحُصُولِ لَكَانَ عَدَمُ حُصُولِنَا كَذَلِكَ ، وَذَلِكَ بَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=26قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ) ، فَإِنْ قِيلَ : هَذَا الْكَلَامُ مَذْكُورٌ لِأَجْلِ جَوَابِ مَنْ يَقُولُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=24مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ ) فَهَذَا الْقَائِلُ كَانَ مُنْكِرًا لِوُجُودِ الْإِلَهِ وَلِوُجُودِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، فَكَيْفَ يَجُوزُ إِبْطَالُ كَلَامِهِ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=26قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ) ؟ وَهَلْ هَذَا إِلَّا إِثْبَاتٌ لِلشَّيْءِ بِنَفْسِهِ وَهُوَ بَاطِلٌ ؟ .
قُلْنَا : إِنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ الِاسْتِدْلَالَ بِحُدُوثِ الْحَيَوَانِ وَالْإِنْسَانِ عَلَى وُجُودِ الْفَاعِلِ الْحَكِيمِ فِي الْقُرْآنِ مِرَارًا وَأَطْوَارًا ، فَقَوْلُهُ هَهُنَا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=26قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ) إِشَارَةٌ إِلَى تِلْكَ الدَّلَائِلِ الَّتِي بَيَّنَهَا وَأَوْضَحَهَا مِرَارًا ، وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْ ذِكْرِ هَذَا الْكَلَامِ إِثْبَاتَ الْإِلَهِ بِقَوْلِ الْإِلَهِ ، بَلِ الْمَقْصُودُ مِنْهُ التَّنْبِيهُ عَلَى مَا هُوَ الدَّلِيلُ الْحَقُّ الْقَاطِعُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ .
وَلَمَّا ثَبَتَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=33679الْإِحْيَاءَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ، وَثَبَتَ أَنَّ الْإِعَادَةَ مِثْلُ الْإِحْيَاءِ الْأَوَّلِ ، وَثَبَتَ أَنَّ الْقَادِرَ عَلَى الشَّيْءِ قَادِرٌ عَلَى مِثْلِهِ ، ثَبَتَ
nindex.php?page=treesubj&link=33679أَنَّهُ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى الْإِعَادَةِ ، وَثَبَتَ أَنَّ الْإِعَادَةَ مُمْكِنَةٌ فِي نَفْسِهَا ، وَثَبَتَ أَنَّ الْقَادِرَ الْحَكِيمَ أَخْبَرَ عَنْ وَقْتِ وُقُوعِهَا فَوَجَبَ الْقَطْعُ بِكَوْنِهَا حَقَّةً .
وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=26ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ ) فَهُوَ إِشَارَةٌ إِلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي الْآيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ ، وَهُوَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30364_30336كَوْنَهُ تَعَالَى عَادِلًا خَالِقًا بِالْحَقِّ مُنَزَّهًا عَنِ الْجَوْرِ وَالظُّلْمِ يَقْتَضِي صِحَّةَ الْبَعْثِ وَالْقِيَامَةِ .
[ ص: 233 ] ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=26وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ) أَيْ لَكِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=32410_28658أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ دَلَالَةَ حُدُوثِ الْإِنْسَانِ وَالْحَيَوَانِ وَالنَّبَاتِ عَلَى وُجُودِ الْإِلَهِ الْقَادِرِ الْحَكِيمِ ، وَلَا يَعْلَمُونَ أَيْضًا أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا كَانَ قَادِرًا عَلَى الْإِيجَادِ ابْتِدَاءً وَجَبَ أَنْ يَكُونَ قَادِرًا عَلَى الْإِعَادَةِ ثَانِيًا .