(
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=32الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم )
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=32الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم ) الذين يحتمل أن يكون بدلا عن الذين أحسنوا وهو الظاهر ، وكأنه تعالى قال : ليجزي الذين أساءوا ويجزي الذين أحسنوا ، ويتبين به أن
nindex.php?page=treesubj&link=28855المحسن ليس ينفع الله بإحسانه شيئا ، وهو الذي لا يسيء ولا يرتكب القبيح الذي هو سيئة في نفسه عند ربه ، فالذين أحسنوا هم الذين اجتنبوا ولهم الحسنى ، وبهذا يتبين
nindex.php?page=treesubj&link=30487_30483المسيء والمحسن ؛ لأن من لا يجتنب كبائر الإثم يكون مسيئا والذي يجتنبها يكون محسنا ، وعلى هذا ففيه لطيفة وهو أن المحسن لما كان هو من يجتنب الآثام فالذي يأتي بالنوافل يكون فوق المحسن ، لكن الله تعالى وعد المحسن بالزيادة ، فالذي فوقه يكون له زيادات فوقها وهم الذين لهم جزاء الضعف ، ويحتمل أن يكون ابتداء كلام تقديره الذين يجتنبون كبائر الإثم يغفر الله لهم ، والذي يدل عليه قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=32إن ربك واسع المغفرة ) [ النجم : 32 ] وعلى هذا تكون هذه الآية مع ما قبلها مبينة لحال المسيء والمحسن وحال من لم يحسن ولم يسئ وهم الذين لم يرتكبوا سيئة وإن لم تصدر منهم الحسنات ، وهم كالصبيان الذين لم يوجد فيهم شرائط التكليف ولهم الغفران وهو دون الحسنى ، ويظهر هذا بقوله تعالى بعده : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=32هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة ) [ النجم : 32 ] أي يعلم الحالة التي لا إحسان فيها ولا إساءة ، كما علم من أساء وضل ومن أحسن واهتدى ، وفيه مسائل :
المسألة الأولى : إذا كان بدلا عن الذين أحسنوا فلم خالف ما بعده بالمضي والاستقبال حيث قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=31الذين أحسنوا ) وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=32الذين يجتنبون ) ولم يقل اجتنبوا ؟ نقول : هو كما يقول القائل الذين سألوني أعطيتهم ، الذين يترددون إلي سائلين أي الذين عادتهم التردد والسؤال سألوني وأعطيتهم فكذلك هاهنا قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=32الذين يجتنبون ) أي الذين عادتهم ودأبهم الاجتناب لا الذين اجتنبوا مرة وقدموا عليها أخرى ، فإن قيل : في كثير من المواضع قال في الكبائر : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=37والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون ) [ الشورى : 37 ] وقال في عباد الطاغوت : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=17والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وأنابوا إلى الله ) [ الزمر : 17 ] فما الفرق ؟ نقول :
nindex.php?page=treesubj&link=28667_29437عبادة الطاغوت راجعة إلى الاعتقاد والاعتقاد إذا وجد دام ظاهرا فمن اجتنبها اعتقد بطلانها فيستمر ، وأما مثل الشرب والزنا أمر يختلف أحوال الناس فيه فيتركه زمانا ويعود إليه ؛ ولهذا يستبرأ الفاسق إذا تاب ولا يستبرأ الكافر إذا أسلم ، فقال في الآثام : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=32الذين يجتنبون ) دائما ، ويثابرون على الترك أبدا ، وفي عبادة الأصنام : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=17اجتنبوا ) بصيغة الماضي ليكون أدل على الحصول ؛ ولأن كبائر الإثم لها عدد أنواع فينبغي أن يجتنب عن نوع ويجتنب عن آخر ويجتنب عن ثالث ، ففيه تكرر وتجدد فاستعمل فيه صيغة الاستقبال ، وعبادة الصنم أمر واحد متحد ، فترك فيه ذلك الاستعمال وأتى بصيغة الماضي الدالة على وقوع الاجتناب لها دفعة .
المسألة الثانية :
nindex.php?page=treesubj&link=27522الكبائر جمع كبيرة وهي صفة فما الموصوف ؟ نقول : هي صفة الفعلة كأنه يقول : الفعلات الكبائر من الإثم ، فإن قيل : فما بال اختصاص الكبيرة بالذنوب في الاستعمال ، ولو قال قائل : الفعلة الكبيرة الحسنة لا يمنعه مانع ؟ نقول : الحسنة لا تكون كبيرة ؛ لأنها إذا قوبلت بما يجب أن يوجد من العبد في
[ ص: 8 ] مقابلة نعم الله تعالى تكون في غاية الصغر ، ولولا أن الله يقبلها لكانت هباء لكن السيئة من العبد الذي أنعم الله عليه بأنواع النعم كبيرة ، ولولا فضل الله لكان الاشتغال بالأكل والشرب والإعراض عن عبادته سيئة ، ولكن الله غفر بعض السيئات وخفف بعضها .
المسألة الثالثة : إذا ذكر الكبائر فما
nindex.php?page=treesubj&link=30518الفواحش بعدها ؟ نقول : الكبائر إشارة إلى ما فيها من مقدار السيئة ، والفواحش إشارة إلى ما فيها من وصف القبح كأنه قال : عظيمة المقادير قبيحة الصور ، والفاحش في اللغة مختص بالقبيح الخارج قبحه عن حد الخفاء ، وتركيب الحروف في التقاليب يدل عليه ، فإنك إذا قلبتها وقلت : حشف كان فيه معنى الرداءة الخارجة عن الحد ، ويقال : فحشت الناقة إذا وقفت على هيئة مخصوصة للبول ، فالفحش يلازمه القبح ، ولهذا لم يقل : الفواحش من الإثم وقال في الكبائر : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=32كبائر الإثم ) لأن الكبائر إن لم يميزها بالإضافة إلى الإثم لما حصل المقصود بخلاف الفواحش .
المسألة الرابعة : كثرت الأقاويل في
nindex.php?page=treesubj&link=30522_30518_27522_21480_21482_21483الكبائر والفواحش ، فقيل : الكبائر ما أوعد الله عليه بالنار صريحا وظاهرا ، والفواحش ما أوجب عليه حدا في الدنيا ، وقيل : الكبائر ما يكفر مستحله ، وقيل : الكبائر ما لا يغفر الله لفاعله إلا بعد التوبة ، وهو على مذهب
المعتزلة ، وكل هذه التعريفات تعريف الشيء بما هو مثله في الخفاء أو فوقه ، وقد ذكرنا أن الكبائر هي التي مقدارها عظيم ، والفواحش هي التي قبحها واضح ، فالكبيرة صفة عائدة إلى المقدار ، والفاحشة صفة عائدة إلى الكيفية ، كما يقال مثلا : في الأبرص علته بياض لطخة كبيرة ظاهرة اللون ، فالكبيرة لبيان الكمية والظهور لبيان الكيفية .
وعلى هذا فنقول على ما قلنا : إن الأصل في كل معصية أن تكون كبيرة ؛ لأن نعم الله كثيرة
nindex.php?page=treesubj&link=32409_29485_19052ومخالفة المنعم سيئة عظيمة ، غير أن
nindex.php?page=treesubj&link=29693_29694_29700الله تعالى حط عن عباده الخطأ والنسيان ؛ لأنهما لا يدلان على ترك التعظيم ، إما لعمومه في العباد أو لكثرة وجوده منهم كالكذبة والغيبة مرة أو مرتين والنظرة والقبائح التي فيها شبهة ، فإن المجتنب عنها قليل في جميع الأعصار ؛ ولهذا قال أصحابنا : إن استماع الغناء الذي مع الأوتار يفسق به ، وإن استمعه من أهل بلدة لا يعتقدون أمر ذلك لا يفسق فعادت الصغيرة إلى ما ذكرنا من أن العقلاء إن لم يعدوه تاركا للتعظيم لا يكون مرتكبا للكبيرة ، وعلى هذا تختلف الأمور باختلاف الأوقات والأشخاص ، فالعالم المتقي إذا كان يتبع النساء أو يكثر من اللعب يكون مرتكبا للكبيرة ، والدلال والباعة والمتفرغ الذي لا شغل له لا يكون كذلك ، وكذلك اللعب وقت الصلاة ، واللعب في غير ذلك الوقت ، وعلى هذا كل ذنب كبيرة إلا ما علم المكلف أو ظن خروجه بفضل الله وعفوه عن الكبائر .
المسألة الخامسة : في
nindex.php?page=treesubj&link=30518_30522_30529_21481اللمم وفيه أقوال : أحدها : ما يقصده المؤمن ولا يحققه وهو على هذا القول من لم يلم إذا جمع فكأنه جمع عزمه وأجمع عليه . وثانيها : ما يأتي به المؤمن ويندم في الحال وهو من اللمم الذي هو مس من الجنون كأنه مسه وفارقه ويؤيد هذا قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=135والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ) . ثالثها : اللمم الصغير من الذنب من ألم إذا نزل نزولا من غير لبث طويل ، ويقال : ألم بالطعام إذا قلل من أكله ، وعلى هذا فقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=32إلا اللمم ) يحتمل وجوها :
أحدها : أن يكون ذلك استثناء من الفواحش وحينئذ فيه وجهان :
أحدهما : استثناء منقطع ؛ لأن
nindex.php?page=treesubj&link=21480_21481اللمم ليس من الفواحش .
وثانيهما : غير منقطع لما بينا أن كل معصية إذا نظرت إلى جانب الله تعالى وما يجب أن يكون عليه فهي كبيرة وفاحشة ، ولهذا قال الله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=28وإذا فعلوا فاحشة ) [ الأعراف : 28 ] غير أن الله تعالى استثنى منها أمورا يقال : الفواحش كل معصية
[ ص: 9 ] إلا ما استثناه الله تعالى منها ووعدنا بالعفو عنه .
ثانيها : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=32إلا ) بمعنى " غير " وتقديره " والفواحش غير اللمم " ، وهذا للوصف إن كان للتمييز كما يقال : الرجال غير أولي الإربة فاللمم عين الفاحشة ، وإن كان لغيره كما يقال : الرجال غير النساء جاءوني لتأكيد وبيان " فلا " .
وثالثها : هو استثناء من الفعل الذي يدل عليه قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=32الذين يجتنبون ) لأن ذلك يدل على أنهم لا يقربونه فكأنه قال : لا يقربونه إلا مقاربة من غير مواقعة وهو اللمم .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=32الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ )
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=32الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ ) الَّذِينَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا عَنِ الَّذِينَ أَحْسَنُوا وَهُوَ الظَّاهِرُ ، وَكَأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ : لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا ، وَيَتَبَيَّنَ بِهِ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28855الْمُحْسِنَ لَيْسَ يَنْفَعُ اللَّهَ بِإِحْسَانِهِ شَيْئًا ، وَهُوَ الَّذِي لَا يُسِيءُ وَلَا يَرْتَكِبُ الْقَبِيحَ الَّذِي هُوَ سَيِّئَةٌ فِي نَفْسِهِ عِنْدَ رَبِّهِ ، فَالَّذِينَ أَحْسَنُوا هُمُ الَّذِينَ اجْتَنَبُوا وَلَهُمُ الْحُسْنَى ، وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ
nindex.php?page=treesubj&link=30487_30483الْمُسِيءُ وَالْمُحْسِنُ ؛ لِأَنَّ مَنْ لَا يَجْتَنِبُ كَبَائِرَ الْإِثْمِ يَكُونُ مُسِيئًا وَالَّذِي يَجْتَنِبُهَا يَكُونُ مُحْسِنًا ، وَعَلَى هَذَا فَفِيهِ لَطِيفَةٌ وَهُوَ أَنَّ الْمُحْسِنَ لَمَّا كَانَ هُوَ مَنْ يَجْتَنِبُ الْآثَامَ فَالَّذِي يَأْتِي بِالنَّوَافِلِ يَكُونُ فَوْقَ الْمُحْسِنِ ، لَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَعَدَ الْمُحْسِنَ بِالزِّيَادَةِ ، فَالَّذِي فَوْقَهُ يَكُونُ لَهُ زِيَادَاتٌ فَوْقَهَا وَهُمُ الَّذِينَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءَ كَلَامٍ تَقْدِيرُهُ الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ يَغْفِرُ اللَّهُ لَهُمْ ، وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=32إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ ) [ النَّجْمِ : 32 ] وَعَلَى هَذَا تَكُونُ هَذِهِ الْآيَةُ مَعَ مَا قَبْلَهَا مُبَيِّنَةً لِحَالِ الْمُسِيءِ وَالْمُحْسِنِ وَحَالِ مَنْ لَمْ يُحْسِنْ وَلَمْ يُسِئْ وَهُمُ الَّذِينَ لَمْ يَرْتَكِبُوا سَيِّئَةً وَإِنْ لَمْ تَصْدُرْ مِنْهُمُ الْحَسَنَاتُ ، وَهُمْ كَالصِّبْيَانِ الَّذِينَ لَمْ يُوجَدُ فِيهِمْ شَرَائِطُ التَّكْلِيفِ وَلَهُمُ الْغُفْرَانُ وَهُوَ دُونَ الْحُسْنَى ، وَيَظْهَرُ هَذَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى بَعْدَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=32هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ ) [ النَّجْمِ : 32 ] أَيْ يَعْلَمُ الْحَالَةَ الَّتِي لَا إِحْسَانَ فِيهَا وَلَا إِسَاءَةَ ، كَمَا عَلِمَ مَنْ أَسَاءَ وَضَلَّ وَمَنْ أَحْسَنَ وَاهْتَدَى ، وَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : إِذَا كَانَ بَدَلًا عَنِ الَّذِينَ أَحْسَنُوا فَلِمَ خَالَفَ مَا بَعْدَهُ بِالْمُضِيِّ وَالِاسْتِقْبَالِ حَيْثُ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=31الَّذِينَ أَحْسَنُوا ) وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=32الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ ) وَلَمْ يَقُلِ اجْتَنَبُوا ؟ نَقُولُ : هُوَ كَمَا يَقُولُ الْقَائِلُ الَّذِينَ سَأَلُونِي أَعْطَيْتُهُمْ ، الَّذِينَ يَتَرَدَّدُونَ إِلَيَّ سَائِلِينَ أَيِ الَّذِينَ عَادَتُهُمُ التَّرَدُّدُ وَالسُّؤَالُ سَأَلُونِي وَأَعْطَيْتُهُمْ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=32الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ ) أَيِ الَّذِينَ عَادَتُهُمْ وَدَأْبُهُمُ الِاجْتِنَابُ لَا الَّذِينَ اجْتَنَبُوا مَرَّةً وَقَدِمُوا عَلَيْهَا أُخْرَى ، فَإِنْ قِيلَ : فِي كَثِيرٍ مِنَ الْمَوَاضِعِ قَالَ فِي الْكَبَائِرِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=37وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ ) [ الشُّورَى : 37 ] وَقَالَ فِي عُبَّادِ الطَّاغُوتِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=17وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ ) [ الزُّمَرِ : 17 ] فَمَا الْفَرْقُ ؟ نَقُولُ :
nindex.php?page=treesubj&link=28667_29437عِبَادَةُ الطَّاغُوتِ رَاجِعَةٌ إِلَى الِاعْتِقَادِ وَالِاعْتِقَادُ إِذَا وُجِدَ دَامَ ظَاهِرًا فَمَنِ اجْتَنَبَهَا اعْتَقَدَ بُطْلَانَهَا فَيَسْتَمِرُّ ، وَأَمَّا مَثَلُ الشُّرْبِ وَالزِّنَا أَمْرٌ يَخْتَلِفُ أَحْوَالُ النَّاسِ فِيهِ فَيَتْرُكُهُ زَمَانًا وَيَعُودُ إِلَيْهِ ؛ وَلِهَذَا يُسْتَبْرَأُ الْفَاسِقُ إِذَا تَابَ وَلَا يُسْتَبْرَأُ الْكَافِرُ إِذَا أَسْلَمَ ، فَقَالَ فِي الْآثَامِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=32الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ ) دَائِمًا ، وَيُثَابِرُونَ عَلَى التَّرْكِ أَبَدًا ، وَفِي عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=17اجْتَنَبُوا ) بِصِيغَةِ الْمَاضِي لِيَكُونَ أَدَلَّ عَلَى الْحُصُولِ ؛ وَلِأَنَّ كَبَائِرَ الْإِثْمِ لَهَا عَدَدُ أَنْوَاعٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجْتَنِبَ عَنْ نَوْعٍ وَيَجْتَنِبَ عَنْ آخَرَ وَيَجْتَنِبَ عَنْ ثَالِثٍ ، فَفِيهِ تَكَرُّرٌ وَتَجَدُّدٌ فَاسْتُعْمِلَ فِيهِ صِيغَةُ الِاسْتِقْبَالِ ، وَعِبَادَةُ الصَّنَمِ أَمْرٌ وَاحِدٌ مُتَّحِدٌ ، فَتَرَكَ فِيهِ ذَلِكَ الِاسْتِعْمَالَ وَأَتَى بِصِيغَةٍ الْمَاضِي الدَّالَّةِ عَلَى وُقُوعِ الِاجْتِنَابِ لَهَا دُفْعَةً .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ :
nindex.php?page=treesubj&link=27522الْكَبَائِرُ جَمْعُ كَبِيرَةٍ وَهِيَ صِفَةٌ فَمَا الْمَوْصُوفُ ؟ نَقُولُ : هِيَ صِفَةُ الْفِعْلَةِ كَأَنَّهُ يَقُولُ : الْفِعْلَاتُ الْكَبَائِرُ مِنَ الْإِثْمِ ، فَإِنْ قِيلَ : فَمَا بَالُ اخْتِصَاصِ الْكَبِيرَةِ بِالذُّنُوبِ فِي الِاسْتِعْمَالِ ، وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ : الْفِعْلَةُ الْكَبِيرَةُ الْحَسَنَةُ لَا يَمْنَعُهُ مَانِعٌ ؟ نَقُولُ : الْحَسَنَةُ لَا تَكُونُ كَبِيرَةً ؛ لِأَنَّهَا إِذَا قُوبِلَتْ بِمَا يَجِبُ أَنْ يُوجَدَ مِنَ الْعَبْدِ فِي
[ ص: 8 ] مُقَابَلَةِ نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى تَكُونُ فِي غَايَةِ الصِّغَرِ ، وَلَوْلَا أَنَّ اللَّهَ يَقْبَلُهَا لَكَانَتْ هَبَاءً لَكِنَّ السَّيِّئَةَ مِنَ الْعَبْدِ الَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِأَنْوَاعِ النِّعَمِ كَبِيرَةٌ ، وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ لَكَانَ الِاشْتِغَالُ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْإِعْرَاضِ عَنْ عِبَادَتِهِ سَيِّئَةً ، وَلَكِنَّ اللَّهَ غَفَرَ بَعْضَ السَّيِّئَاتِ وَخَفَّفَ بَعْضَهَا .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : إِذَا ذُكِرَ الْكَبَائِرُ فَمَا
nindex.php?page=treesubj&link=30518الْفَوَاحِشُ بَعْدَهَا ؟ نَقُولُ : الْكَبَائِرُ إِشَارَةٌ إِلَى مَا فِيهَا مِنْ مِقْدَارِ السَّيِّئَةِ ، وَالْفَوَاحِشُ إِشَارَةٌ إِلَى مَا فِيهَا مِنْ وَصْفِ الْقُبْحِ كَأَنَّهُ قَالَ : عَظِيمَةُ الْمَقَادِيرِ قَبِيحَةُ الصُّوَرِ ، وَالْفَاحِشُ فِي اللُّغَةِ مُخْتَصٌّ بِالْقَبِيحِ الْخَارِجِ قُبْحُهُ عَنْ حَدِّ الْخَفَاءِ ، وَتَرْكِيبُ الْحُرُوفِ فِي التَّقَالِيبِ يَدُلُّ عَلَيْهِ ، فَإِنَّكَ إِذَا قَلَبْتَهَا وَقُلْتَ : حَشَفَ كَانَ فِيهِ مَعْنَى الرَّدَاءَةِ الْخَارِجَةِ عَنِ الْحَدِّ ، وَيُقَالُ : فَحَشَتِ النَّاقَةُ إِذَا وَقَفَتْ عَلَى هَيْئَةٍ مَخْصُوصَةٍ لِلْبَوْلِ ، فَالْفُحْشُ يُلَازِمُهُ الْقُبْحُ ، وَلِهَذَا لَمْ يَقُلِ : الْفَوَاحِشُ مِنَ الْإِثْمِ وَقَالَ فِي الْكَبَائِرِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=32كَبَائِرَ الْإِثْمِ ) لِأَنَّ الْكَبَائِرَ إِنْ لَمْ يُمَيِّزْهَا بِالْإِضَافَةِ إِلَى الْإِثْمِ لَمَا حَصَلَ الْمَقْصُودُ بِخِلَافِ الْفَوَاحِشِ .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : كَثُرَتِ الْأَقَاوِيلُ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=30522_30518_27522_21480_21482_21483الْكَبَائِرِ وَالْفَوَاحِشِ ، فَقِيلَ : الْكَبَائِرُ مَا أَوْعَدَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِالنَّارِ صَرِيحًا وَظَاهِرًا ، وَالْفَوَاحِشُ مَا أَوْجَبَ عَلَيْهِ حَدًّا فِي الدُّنْيَا ، وَقِيلَ : الْكَبَائِرُ مَا يَكْفُرُ مُسْتَحِلُّهُ ، وَقِيلَ : الْكَبَائِرُ مَا لَا يَغْفِرُ اللَّهُ لِفَاعِلِهِ إِلَّا بَعْدَ التَّوْبَةِ ، وَهُوَ عَلَى مَذْهَبِ
الْمُعْتَزِلَةِ ، وَكُلُّ هَذِهِ التَّعْرِيفَاتِ تَعْرِيفُ الشَّيْءِ بِمَا هُوَ مِثْلُهُ فِي الْخَفَاءِ أَوْ فَوْقَهُ ، وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْكَبَائِرَ هِيَ الَّتِي مِقْدَارُهَا عَظِيمٌ ، وَالْفَوَاحِشَ هِيَ الَّتِي قُبْحُهَا وَاضِحٌ ، فَالْكَبِيرَةُ صِفَةٌ عَائِدَةٌ إِلَى الْمِقْدَارِ ، وَالْفَاحِشَةُ صِفَةٌ عَائِدَةٌ إِلَى الْكَيْفِيَّةِ ، كَمَا يُقَالُ مَثَلًا : فِي الْأَبْرَصِ عَلَتْهُ بَيَاضُ لَطْخَةٍ كَبِيرَةٍ ظَاهِرَةِ اللَّوْنِ ، فَالْكَبِيرَةُ لِبَيَانِ الْكِمِّيَّةِ وَالظُّهُورُ لِبَيَانِ الْكَيْفِيَّةِ .
وَعَلَى هَذَا فَنَقُولُ عَلَى مَا قُلْنَا : إِنَّ الْأَصْلَ فِي كُلِّ مَعْصِيَةٍ أَنْ تَكُونَ كَبِيرَةً ؛ لِأَنَّ نِعَمَ اللَّهِ كَثِيرَةٌ
nindex.php?page=treesubj&link=32409_29485_19052وَمُخَالَفَةَ الْمُنْعِمِ سَيِّئَةٌ عَظِيمَةٌ ، غَيْرَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29693_29694_29700اللَّهَ تَعَالَى حَطَّ عَنْ عِبَادِهِ الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَدُلَّانِ عَلَى تَرْكِ التَّعْظِيمِ ، إِمَّا لِعُمُومِهِ فِي الْعِبَادِ أَوْ لِكَثْرَةِ وَجُودِهِ مِنْهُمْ كَالْكَذِبَةِ وَالْغِيبَةِ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ وَالنَّظْرَةِ وَالْقَبَائِحِ الَّتِي فِيهَا شُبْهَةٌ ، فَإِنَّ الْمُجْتَنِبَ عَنْهَا قَلِيلٌ فِي جَمِيعِ الْأَعْصَارِ ؛ وَلِهَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا : إِنَّ اسْتِمَاعَ الْغِنَاءِ الَّذِي مَعَ الْأَوْتَارِ يُفَسَّقُ بِهِ ، وَإِنِ اسْتَمَعَهُ مِنْ أَهْلِ بَلْدَةٍ لَا يَعْتَقِدُونَ أَمْرَ ذَلِكَ لَا يُفَسَّقُ فَعَادَتِ الصَّغِيرَةُ إِلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ الْعُقَلَاءَ إِنْ لَمْ يُعِدُّوهُ تَارِكًا لِلتَّعْظِيمِ لَا يَكُونُ مُرْتَكِبًا لِلْكَبِيرَةِ ، وَعَلَى هَذَا تَخْتَلِفُ الْأُمُورُ بِاخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ وَالْأَشْخَاصِ ، فَالْعَالِمُ الْمُتَّقِي إِذَا كَانَ يَتْبَعُ النِّسَاءَ أَوْ يُكْثِرُ مِنَ اللَّعِبِ يَكُونُ مُرْتَكِبًا لِلْكَبِيرَةِ ، وَالدَّلَّالُ وَالْبَاعَةُ وَالْمُتَفَرِّغُ الَّذِي لَا شُغْلَ لَهُ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ ، وَكَذَلِكَ اللَّعِبُ وَقْتَ الصَّلَاةِ ، وَاللَّعِبُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْوَقْتِ ، وَعَلَى هَذَا كُلُّ ذَنْبٍ كَبِيرَةٌ إِلَّا مَا عَلِمَ الْمُكَلَّفُ أَوْ ظَنَّ خُرُوجَهُ بِفَضْلِ اللَّهِ وَعَفْوِهِ عَنِ الْكَبَائِرِ .
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ : فِي
nindex.php?page=treesubj&link=30518_30522_30529_21481اللَّمَمِ وَفِيهِ أَقْوَالٌ : أَحَدُهَا : مَا يَقْصِدُهُ الْمُؤْمِنُ وَلَا يُحَقِّقُهُ وَهُوَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ مِنْ لَمَّ يَلُمُّ إِذَا جَمَعَ فَكَأَنَّهُ جَمَعَ عَزْمَهُ وَأَجْمَعَ عَلَيْهِ . وَثَانِيهَا : مَا يَأْتِي بِهِ الْمُؤْمِنُ وَيَنْدَمُ فِي الْحَالِ وَهُوَ مِنَ اللَّمَمِ الَّذِي هُوَ مَسٌّ مِنَ الْجُنُونِ كَأَنَّهُ مَسَّهُ وَفَارَقَهُ وَيُؤَيِّدُ هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=135وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ ) . ثَالِثُهَا : اللَّمَمُ الصَّغِيرُ مِنَ الذَّنْبِ مِنْ أَلَمَّ إِذَا نَزَلَ نُزُولًا مِنْ غَيْرِ لُبْثٍ طَوِيلٍ ، وَيُقَالُ : أَلَمَّ بِالطَّعَامِ إِذَا قَلَّلَ مِنْ أَكْلِهِ ، وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=32إِلَّا اللَّمَمَ ) يَحْتَمِلُ وُجُوهًا :
أَحَدُهَا : أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ اسْتِثْنَاءً مِنَ الْفَوَاحِشِ وَحِينَئِذٍ فِيهِ وَجْهَانِ :
أَحَدُهُمَا : اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ ؛ لِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=21480_21481اللَّمَمَ لَيْسَ مِنَ الْفَوَاحِشِ .
وَثَانِيهِمَا : غَيْرُ مُنْقَطِعٍ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ كُلَّ مَعْصِيَةٍ إِذَا نُظِرَتْ إِلَى جَانِبِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ فَهِيَ كَبِيرَةٌ وَفَاحِشَةٌ ، وَلِهَذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=28وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً ) [ الْأَعْرَافِ : 28 ] غَيْرَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى اسْتَثْنَى مِنْهَا أُمُورًا يُقَالُ : الْفَوَاحِشُ كُلُّ مَعْصِيَةٍ
[ ص: 9 ] إِلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهَا وَوَعَدَنَا بِالْعَفْوِ عَنْهُ .
ثَانِيهَا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=32إِلَّا ) بِمَعْنَى " غَيْرَ " وَتَقْدِيرُهُ " وَالْفَوَاحِشَ غَيْرَ اللَّمَمِ " ، وَهَذَا لِلْوَصْفِ إِنْ كَانَ لِلتَّمْيِيزِ كَمَا يُقَالُ : الرِّجَالُ غَيْرُ أُولِي الْإِرْبَةِ فَاللَّمَمُ عَيْنُ الْفَاحِشَةِ ، وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِهِ كَمَا يُقَالُ : الرِّجَالُ غَيْرُ النِّسَاءِ جَاءُونِي لِتَأْكِيدٍ وَبَيَانٍ " فَلَا " .
وَثَالِثُهَا : هُوَ اسْتِثْنَاءٌ مِنَ الْفِعْلِ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=32الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ ) لِأَنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ لَا يَقْرَبُونَهُ فَكَأَنَّهُ قَالَ : لَا يَقْرَبُونَهُ إِلَّا مُقَارَبَةً مِنْ غَيْرِ مُوَاقَعَةٍ وَهُوَ اللَّمَمُ .