(
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=32إن ربك واسع المغفرة هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى )
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=32إن ربك واسع المغفرة ) وذلك على قولنا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=32الذين يجتنبون ) ابتداء الكلام في غاية الظهور ؛ لأن
nindex.php?page=treesubj&link=19799المحسن مجزى وذنبه مغفور ، ومجتنب الكبائر كذلك ذنبه الصغير مغفور ،
nindex.php?page=treesubj&link=19709_19715_19705والمقدم على الكبائر إذا تاب مغفور الذنب ، فلم يبق ممن لم تصل إليهم مغفرة إلا الذين أساءوا وأصروا عليها ، فالمغفرة واسعة وفيه معنى آخر لطيف ، وهو أنه تعالى لما أخرج المسيء عن المغفرة بين أن ذلك ليس لضيق فيها ، بل ذلك بمشيئة الله تعالى ، ولو أراد الله مغفرة كل من أحسن وأساء لفعل ، وما كان يضيق عنهم مغفرته ، والمغفرة من الستر ، وهو لا يكون إلا على قبيح ، وكل من خلقه الله إذا نظرت في فعله ونسبته إلى نعم الله تجده مقصرا مسيئا ، فإن من جازى المنعم بنعم لا تحصى مع استغنائه الظاهر وعظمته الواضحة بدرهم أو أقل منه يحتاج إلى ستر ما فعله .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=32هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى ) وفي المناسبة وجوه :
أحدها : هو تقرير لما مر من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=30هو أعلم بمن ضل ) كأن العامل من الكفار يقول : نحن نعمل أمورا في جوف الليل المظلم ، وفي البيت الخالي ، فكيف يعلمه الله تعالى ؟ فقال :
nindex.php?page=treesubj&link=28781ليس عملكم أخفى من أحوالكم وأنتم أجنة في بطون أمهاتكم ، والله عالم بتلك الأحوال .
ثانيها : هو إشارة إلى الضال والمهتدي حصلا على ما هما عليه بتقدير الله ، فإن الحق علم أحوالهم وهم في بطون الأمهات ، فكتب على البعض أنه ضال ، والبعض أنه مهتد .
ثالثها : تأكيد وبيان للجزاء ، وذلك لأنه لما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=31ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ) قال الكافرون : هذا الجزاء لا يتحقق إلا بالحشر ، وجمع الأجزاء بعد تفرقها وإعادة ما كان لزيد من الأجزاء في بدنه من غير اختلاط غير ممكن ، فقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=32هو أعلم بكم إذ أنشأكم ) فيجمعها بقدرته على وفق علمه كما أنشأكم ، وفيه مسائل :
المسألة الأولى : العامل في : " إذ " يحتمل أن يكون ما يدل عليه : " أعلم " أي علمكم وقت الإنشاء ، ويحتمل أن يكون اذكروا فيكون تقريرا لكونه عالما ، ويكون تقديره : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=32هو أعلم بكم ) وقد تم الكلام ، ثم يقول : إن كنتم في شك من علمه بكم فاذكروا حال إنشائكم من التراب .
المسألة الثانية : ذكرنا مرارا أن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=32من الأرض ) من الناس من قال :
آدم فإنه من تراب ، وقررنا أن كل أحد أصله من التراب ، فإنه يصير غذاء ، ثم يصير نطفة .
المسألة الثالثة : لو قال قائل : لا بد من صرف (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=32إذ أنشأكم من الأرض ) إلى
آدم ؛ لأن (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=32وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم )
[ ص: 10 ] عائد إلى غيره ، فإنه لم يكن جنينا ، ولو قلت بأن قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=32إذ أنشأكم ) عائد إلى جميع الناس ، فينبغي أن يكون جميع الناس أجنة في بطون الأمهات ، وهو قول الفلاسفة ؟ نقول ليس كذلك ، لأنا نقول : الخطاب مع الموجودين حالة الخطاب ، وقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=32هو أعلم بكم ) خطاب مع كل من بعد الإنزال على قول ، ومع من حضر وقت الإنزال على قول ، ولا شك أن كل هؤلاء من الأرض وهم كانوا أجنة .
المسألة الرابعة :
nindex.php?page=treesubj&link=28661_32688الأجنة هم الذين في بطون الأمهات ، وبعد الخروج لا يسمى إلا ولدا أو سقطا ، فما فائدة قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=32في بطون أمهاتكم ) ؟ نقول : التنبيه على
nindex.php?page=treesubj&link=28781_33679_29625كمال العلم والقدرة ، فإن بطن الأم في غاية الظلمة ، ومن علم بحال الجنين فيها لا يخفى عليه ما ظهر من حال العباد .
المسألة الخامسة : لقائل أن يقول : إذا قلنا إن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=32هو أعلم بكم ) تقرير لكونه عالما بمن ضل ، فقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=32فلا تزكوا أنفسكم ) تعلقه به ظاهر ، وأما إن قلنا : إنه تأكيد وبيان للجزاء ، فإنه يعلم الأجزاء فيعيدها إلى أبدان أشخاصها ، فكيف يتعلق به (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=32فلا تزكوا أنفسكم ) ؟ نقول : معناه حينئذ فلا تبرئوا أنفسكم من العذاب ، ولا تقولوا تفرقت الأجزاء فلا يقع العذاب ؛ لأن العالم بكم عند الإنشاء عالم بكم عند الإعادة ، وعلى هذا قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=32أعلم بمن اتقى ) أي يعلم أجزاءه فيعيدها إليه ، ويثيبه بما أقدم عليه .
المسألة السادسة : الخطاب مع من ؟ فيه ثلاثة احتمالات ؛ الأول : مع الكفار ، وهذا على قولنا إنهم قالوا : كيف يعلمه الله ، فرد عليهم قولهم . الثاني : كل من كان زمان الخطاب وبعده من المؤمنين والكفار . الثالث هو مع المؤمنين ، وتقريره : هو أن الله تعالى لما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=29فأعرض عن من تولى عن ذكرنا ) [ النجم : 29 ] قال لنبيه صلى الله عليه وسلم : قد علم كونك ومن معك على الحق ، وكون المشركين على الباطل ، فأعرض عنهم . ولا تقولوا : نحن على الحق وأنتم على الضلال ؛ لأنهم يقابلونكم بمثل ذلك ، وفوض الأمر إلى الله تعالى ، فهو أعلم بمن اتقى ومن طغى ، وعلى هذا فقول من قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=29فأعرض ) منسوخ أظهر ، وهو كقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=24وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين ) [ سبأ : 24 ] والله أعلم بجملة الأمور ، ويحتمل أن يقال : على هذا الوجه الثالث إنه إرشاد للمؤمنين ، فخاطبهم الله وقال : هو أعلم بكم أيها المؤمنون ، علم ما لكم من أول خلقكم إلى آخر يومكم ،
nindex.php?page=treesubj&link=18867_32502_32503فلا تزكوا أنفسكم رياء وخيلاء ، ولا تقولوا لآخر : أنا خير منك وأنا أزكى منك وأتقى ، فإن الأمر عند الله ، ووجه آخر وهو إشارة إلى وجوب الخوف من العاقبة ، أي لا تقطعوا بخلاصكم أيها المؤمنون ، فإن
nindex.php?page=treesubj&link=30454_28781_28789_30501الله يعلم عاقبة من يكون على التقى ، وهذا يؤيد قول من يقول : أنا مؤمن إن شاء الله للصرف إلى العاقبة .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=32إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى )
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=32إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ ) وَذَلِكَ عَلَى قَوْلِنَا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=32الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ ) ابْتِدَاءُ الْكَلَامِ فِي غَايَةِ الظُّهُورِ ؛ لِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=19799الْمُحْسِنَ مُجْزَى وَذَنْبُهُ مَغْفُورٌ ، وَمُجْتَنِبَ الْكَبَائِرِ كَذَلِكَ ذَنَبُهُ الصَّغِيرُ مَغْفُورٌ ،
nindex.php?page=treesubj&link=19709_19715_19705وَالْمُقْدِمُ عَلَى الْكَبَائِرِ إِذَا تَابَ مَغْفُورُ الذَّنْبِ ، فَلَمْ يَبْقَ مِمَّنْ لَمْ تَصِلُ إِلَيْهِمْ مَغْفِرَةٌ إِلَّا الَّذِينَ أَسَاءُوا وَأَصَرُّوا عَلَيْهَا ، فَالْمَغْفِرَةُ وَاسِعَةٌ وَفِيهِ مَعْنًى آخَرُ لَطِيفٌ ، وَهُوَ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَخْرَجَ الْمُسِيءَ عَنِ الْمَغْفِرَةِ بَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ لِضِيقٍ فِيهَا ، بَلْ ذَلِكَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَلَوْ أَرَادَ اللَّهُ مَغْفِرَةَ كُلِّ مَنْ أَحْسَنَ وَأَسَاءَ لَفَعَلَ ، وَمَا كَانَ يَضِيقُ عَنْهُمْ مَغْفِرَتُهُ ، وَالْمَغْفِرَةُ مِنَ السَّتْرِ ، وَهُوَ لَا يَكُونُ إِلَّا عَلَى قَبِيحٍ ، وَكُلُّ مَنْ خَلَقَهُ اللَّهُ إِذَا نَظَرْتَ فِي فِعْلِهِ وَنِسْبَتِهِ إِلَى نِعَمِ اللَّهِ تَجِدُهُ مُقَصِّرًا مُسِيئًا ، فَإِنَّ مَنْ جَازَى الْمُنْعِمَ بِنِعَمٍ لَا تُحْصَى مَعَ اسْتِغْنَائِهِ الظَّاهِرِ وَعَظَمَتِهِ الْوَاضِحَةِ بِدِرْهَمٍ أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ يَحْتَاجُ إِلَى سَتْرِ مَا فَعَلَهُ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=32هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى ) وَفِي الْمُنَاسَبَةِ وُجُوهٌ :
أَحَدُهَا : هُوَ تَقْرِيرٌ لِمَا مَرَّ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=30هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ ) كَأَنَّ الْعَامِلَ مِنَ الْكُفَّارِ يَقُولُ : نَحْنُ نَعْمَلُ أُمُورًا فِي جَوْفِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ ، وَفِي الْبَيْتِ الْخَالِي ، فَكَيْفَ يَعْلَمُهُ اللَّهُ تَعَالَى ؟ فَقَالَ :
nindex.php?page=treesubj&link=28781لَيْسَ عَمَلُكُمْ أَخْفَى مِنْ أَحْوَالِكُمْ وَأَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ ، وَاللَّهُ عَالِمٌ بِتِلْكَ الْأَحْوَالِ .
ثَانِيهَا : هُوَ إِشَارَةٌ إِلَى الضَّالِّ وَالْمُهْتَدِي حَصَلَا عَلَى مَا هُمَا عَلَيْهِ بِتَقْدِيرِ اللَّهِ ، فَإِنَّ الْحَقَّ عَلِمَ أَحْوَالَهُمْ وَهُمْ فِي بُطُونِ الْأُمَّهَاتِ ، فَكَتَبَ عَلَى الْبَعْضِ أَنَّهُ ضَالٌّ ، وَالْبَعْضِ أَنَّهُ مُهْتَدٍ .
ثَالِثُهَا : تَأْكِيدٌ وَبَيَانٌ لِلْجَزَاءِ ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=31لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا ) قَالَ الْكَافِرُونَ : هَذَا الْجَزَاءُ لَا يَتَحَقَّقُ إِلَّا بِالْحَشْرِ ، وَجَمْعُ الْأَجْزَاءِ بَعْدَ تَفَرُّقِهَا وَإِعَادَةُ مَا كَانَ لِزَيْدٍ مِنَ الْأَجْزَاءِ فِي بَدَنِهِ مِنْ غَيْرِ اخْتِلَاطٍ غَيْرِ مُمْكِنٍ ، فَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=32هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ ) فَيَجْمَعُهَا بِقُدْرَتِهِ عَلَى وَفْقِ عِلْمِهِ كَمَا أَنْشَأَكُمْ ، وَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : الْعَامِلُ فِي : " إِذْ " يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ : " أَعْلَمُ " أَيْ عَلِمَكُمْ وَقْتَ الْإِنْشَاءِ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ اذْكُرُوا فَيَكُونُ تَقْرِيرًا لِكَوْنِهِ عَالِمًا ، وَيَكُونُ تَقْدِيرُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=32هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ ) وَقَدْ تَمَّ الْكَلَامُ ، ثُمَّ يَقُولُ : إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ عِلْمِهِ بِكُمْ فَاذْكُرُوا حَالَ إِنْشَائِكُمْ مِنَ التُّرَابِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : ذَكَرْنَا مِرَارًا أَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=32مِنَ الْأَرْضِ ) مِنَ النَّاسِ مَنْ قَالَ :
آدَمُ فَإِنَّهُ مِنْ تُرَابٍ ، وَقَرَّرْنَا أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ أَصْلُهُ مِنَ التُّرَابِ ، فَإِنَّهُ يَصِيرُ غِذَاءً ، ثُمَّ يَصِيرُ نُطْفَةً .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : لَوْ قَالَ قَائِلٌ : لَا بُدَّ مِنْ صَرْفِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=32إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ ) إِلَى
آدَمَ ؛ لِأَنَّ (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=32وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ )
[ ص: 10 ] عَائِدٌ إِلَى غَيْرِهِ ، فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ جَنِينًا ، وَلَوْ قُلْتَ بِأَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=32إِذْ أَنْشَأَكُمْ ) عَائِدٌ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ النَّاسِ أَجِنَّةً فِي بُطُونِ الْأُمَّهَاتِ ، وَهُوَ قَوْلُ الْفَلَاسِفَةِ ؟ نَقُولُ لَيْسَ كَذَلِكَ ، لِأَنَّا نَقُولُ : الْخِطَابُ مَعَ الْمَوْجُودِينَ حَالَةَ الْخِطَابِ ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=32هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ ) خِطَابٌ مَعَ كُلِّ مَنْ بَعْدَ الْإِنْزَالِ عَلَى قَوْلٍ ، وَمَعَ مَنْ حَضَرَ وَقْتَ الْإِنْزَالِ عَلَى قَوْلٍ ، وَلَا شَكَّ أَنَّ كُلَّ هَؤُلَاءِ مِنَ الْأَرْضِ وَهُمْ كَانُوا أَجِنَّةً .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ :
nindex.php?page=treesubj&link=28661_32688الْأَجِنَّةُ هُمُ الَّذِينَ فِي بُطُونِ الْأُمَّهَاتِ ، وَبَعْدَ الْخُرُوجِ لَا يُسَمَّى إِلَّا وَلَدًا أَوْ سَقْطًا ، فَمَا فَائِدَةُ قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=32فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ ) ؟ نَقُولُ : التَّنْبِيهُ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=28781_33679_29625كَمَالِ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ ، فَإِنَّ بَطْنَ الْأُمِّ فِي غَايَةِ الظُّلْمَةِ ، وَمَنْ عَلِمَ بِحَالِ الْجَنِينِ فِيهَا لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مَا ظَهَرَ مِنْ حَالِ الْعِبَادِ .
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ : لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ : إِذَا قُلْنَا إِنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=32هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ ) تَقْرِيرٌ لِكَوْنِهِ عَالِمًا بِمَنْ ضَلَّ ، فَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=32فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ ) تَعَلُّقُهُ بِهِ ظَاهِرٌ ، وَأَمَّا إِنْ قُلْنَا : إِنَّهُ تَأْكِيدٌ وَبَيَانٌ لِلْجَزَاءِ ، فَإِنَّهُ يَعْلَمُ الْأَجْزَاءَ فَيُعِيدُهَا إِلَى أَبْدَانِ أَشْخَاصِهَا ، فَكَيْفَ يَتَعَلَّقُ بِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=32فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ ) ؟ نَقُولُ : مَعْنَاهُ حِينَئِذٍ فَلَا تُبْرِئُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ الْعَذَابِ ، وَلَا تَقُولُوا تَفَرَّقَتِ الْأَجْزَاءُ فَلَا يَقَعُ الْعَذَابُ ؛ لِأَنَّ الْعَالِمَ بِكُمْ عِنْدَ الْإِنْشَاءِ عَالِمٌ بِكُمْ عِنْدَ الْإِعَادَةِ ، وَعَلَى هَذَا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=32أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى ) أَيْ يَعْلَمُ أَجْزَاءَهُ فَيُعِيدُهَا إِلَيْهِ ، وَيُثِيبُهُ بِمَا أَقْدَمَ عَلَيْهِ .
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ : الْخِطَابُ مَعَ مَنْ ؟ فِيهِ ثَلَاثَةُ احْتِمَالَاتٍ ؛ الْأَوَّلُ : مَعَ الْكُفَّارِ ، وَهَذَا عَلَى قَوْلِنَا إِنَّهُمْ قَالُوا : كَيْفَ يَعْلَمُهُ اللَّهُ ، فَرُدَّ عَلَيْهِمْ قَوْلُهُمُ . الثَّانِي : كُلُّ مَنْ كَانَ زَمَانَ الْخِطَابِ وَبَعْدَهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْكُفَّارِ . الثَّالِثُ هُوَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ ، وَتَقْرِيرُهُ : هُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=29فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا ) [ النَّجْمِ : 29 ] قَالَ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قَدْ عُلِمَ كَوْنُكَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْحَقِّ ، وَكَوْنُ الْمُشْرِكِينَ عَلَى الْبَاطِلِ ، فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ . وَلَا تَقُولُوا : نَحْنُ عَلَى الْحَقِّ وَأَنْتُمْ عَلَى الضَّلَالِ ؛ لِأَنَّهُمْ يُقَابِلُونَكُمْ بِمِثْلِ ذَلِكَ ، وَفَوِّضِ الْأَمْرَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ، فَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى وَمَنْ طَغَى ، وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُ مَنْ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=29فَأَعْرِضْ ) مَنْسُوخٌ أَظْهَرُ ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=24وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ) [ سَبَأٍ : 24 ] وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِجُمْلَةِ الْأُمُورِ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ : عَلَى هَذَا الْوَجْهِ الثَّالِثِ إِنَّهُ إِرْشَادٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ، فَخَاطَبَهُمُ اللَّهُ وَقَالَ : هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ ، عَلِمَ مَا لَكَمَ مِنْ أَوَّلِ خَلْقِكُمْ إِلَى آخِرِ يَوْمِكُمْ ،
nindex.php?page=treesubj&link=18867_32502_32503فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ رِيَاءً وَخُيَلَاءَ ، وَلَا تَقُولُوا لِآخَرَ : أَنَا خَيْرٌ مِنْكَ وَأَنَا أَزْكَى مِنْكَ وَأَتْقَى ، فَإِنَّ الْأَمْرَ عِنْدَ اللَّهِ ، وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ إِشَارَةٌ إِلَى وُجُوبِ الْخَوْفِ مِنَ الْعَاقِبَةِ ، أَيْ لَا تَقْطَعُوا بِخَلَاصِكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ ، فَإِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30454_28781_28789_30501اللَّهَ يَعْلَمُ عَاقِبَةَ مَنْ يَكُونُ عَلَى التُّقَى ، وَهَذَا يُؤَيِّدُ قَوْلَ مَنْ يَقُولُ : أَنَا مُؤْمِنٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لِلصَّرْفِ إِلَى الْعَاقِبَةِ .