( وأنه هو أضحك وأبكى    ) 
ثم قال تعالى : ( وأنه هو أضحك وأبكى    ) وفيه مسائل : 
الأولى : على قولنا : إليه المنتهى المراد منه إثبات الوحدانية ، هذه الآيات مثبتات لمسائل يتوقف عليها الإسلام من جملتها قدرة الله تعالى  ، فإن من الفلاسفة من يعترف بأن الله المنتهى ، وأنه واحد لكن يقول : هو موجب لا قادر ، فقال تعالى : هو أوجد ضدين الضحك والبكاء في محل واحد والموت والحياة والذكورة والأنوثة في مادة واحدة ، وإن ذلك لا يكون إلا من قادر واعترف به كل عاقل ، وعلى قولنا : إن قوله تعالى : ( وأن إلى ربك المنتهى    ) بيان المعاد فهو إشارة إلى بيان أمره فهو كما يكون في بعضها ضاحكا فرحا ، وفي بعضها باكيا محزونا كذلك يفعل به في الآخرة . 
المسألة الثانية : ( أضحك وأبكى    ) لا مفعول لهما في هذا الموضع لأنهما مسوقتان لقدرة الله لا لبيان المقدور ، فلا حاجة إلى المفعول . يقول القائل : فلان بيده الأخذ والعطاء يعطي ويمنع ولا يريد ممنوعا ومعطى . 
المسألة الثالثة : اختار هذين الوصفين للذكر والأنثى ؛ لأنهما أمران لا يعللان فلا يقدر أحد من الطبيعيين أن يبدي في اختصاص الإنسان بالضحك والبكاء وجها وسببا ، وإذا لم يعلل بأمر ولا بد له من موجد فهو الله تعالى ، بخلاف الصحة والسقم فإنهم يقولون : سببهما اختلال المزاج وخروجه عن الاعتدال ، ويدلك على   [ ص: 18 ] هذا أنهم إذا ذكروا في الضحك أمرا له الضحك قالوا : قوة التعجب وهو في غاية البطلان ؛ لأن الإنسان ربما يبهت عند رؤية الأمور العجيبة ولا يضحك ، وقيل : قوة الفرح ، وليس كذلك لأن الإنسان يفرح كثيرا ولا يضحك ، والحزين الذي عند غاية الحزن يضحكه المضحك ، وكذلك الأمر في البكاء ، وإن قيل لأكثرهم علما بالأمور التي يدعيها الطبيعيون إن خروج الدمع من العين عند أمور مخصوصة لماذا ؟ لا يقدر على تعليل صحيح ، وعند الخواص كالتي في المغناطيس وغيرها ينقطع الطبيعي ، كما أن عند أوضاع الكواكب ينقطع هو والمهندس الذي لا يفوض أمره إلى قدرة الله تعالى وإرادته . 
				
						
						
