[ ص: 26 ] ( سورة القمر )
خمس وخمسون آية مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
(
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=1اقتربت الساعة وانشق القمر nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=2وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر )
بسم الله الرحمن الرحيم
(
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=1اقتربت الساعة وانشق القمر ) أول السورة مناسب لآخر ما قبلها ، وهو قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=57أزفت الآزفة ) [ النجم : 57 ] فكأنه أعاد ذلك مع الدليل ، وقال قلت : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=57أزفت الآزفة ) وهو حق ؛ إذ القمر انشق ، والمفسرون بأسرهم على أن المراد أن القمر انشق ، وحصل فيه الانشقاق ، ودلت الأخبار على حديث الانشقاق ، وفي الصحيح خبر مشهور رواه جمع من الصحابة ، وقالوا : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم آية الانشقاق بعينها معجزة ، فسأل ربه فشقه ومضى ، وقال بعض المفسرين : المراد سينشق ، وهو بعيد ولا معنى له ؛ لأن من منع ذلك وهو الفلسفي يمنعه في الماضي والمستقبل ، ومن يجوزه لا حاجة إلى التأويل ، وإنما ذهب إليه ذلك الذاهب ؛ لأن الانشقاق أمر هائل ، فلو وقع لعم وجه الأرض فكان ينبغي أن يبلغ حد التواتر ، نقول : النبي صلى الله عليه وسلم لما كان يتحدى بالقرآن ، وكانوا يقولون : إنا نأتي بأفصح ما يكون من الكلام ، وعجزوا عنه ، فكان القرآن معجزة باقية إلى قيام القيامة لا يتمسك بمعجزة أخرى فلم ينقله العلماء بحيث يبلغ حد التواتر . وأما المؤرخون فتركوه ؛ لأن التواريخ في أكثر الأمر يستعملها المنجم ، وهو لما وقع الأمر قالوا بأنه مثل خسوف القمر ، وظهور شيء في الجو على شكل نصف القمر في موضع آخر فتركوا حكايته في تواريخهم ، والقرآن أدل دليل وأقوى مثبت له ، وإمكانه لا يشك فيه ، وقد أخبر عنه الصادق ، فيجب اعتقاد وقوعه ، وحديث امتناع الخرق والالتئام حديث اللئام ، وقد ثبت جواز الخرق والتخريب على السماوات ، وذكرناه مرارا فلا نعيده .
وقوله تعالى :
(
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=2وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر ) تقديره : وبعد هذا إن يروا آية يقولوا سحر ، فإنهم رأوا آيات أرضية ، وآيات سماوية ، ولم يؤمنوا ، ولم يتركوا عنادهم ، فإن يروا ما يرون بعد هذا لا يؤمنون ، وفيه وجه آخر وهو أن يقال : المعنى أن عادتهم أنهم إن يروا آية يعرضوا ، فلما رأوا
nindex.php?page=treesubj&link=31013انشقاق القمر أعرضوا لتلك العادة ، وفيه مسائل :
الأولى : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=2آية ) ماذا ؟ نقول آية اقتراب الساعة ، فإن انشقاق القمر من آياته ، وقد ردوا وكذبوا ، فإن يروا غيرها أيضا يعرضوا ، أو آية الانشقاق فإنها معجزة ، أما كونها معجزة ففي غاية الظهور ، وأما كونها آية
[ ص: 27 ] الساعة ، فلأن منكر رب العالم ينكر انشقاق السماء وانفطارها وكذلك قوله : في كل جسم سماوي من الكواكب ، فإذا انشق بعضها ثبت خلاف ما يقول به ، وبان جواز خراب العالم ، وقال أكثر المفسرين : معناه أن من
nindex.php?page=treesubj&link=30184_31013علامات قيام الساعة انشقاق القمر عن قريب ، وهذا ضعيف حملهم على هذا القول ضيق المكان ، وخفاء الأمر على الأذهان ، وبيان ضعفه هو أن الله تعالى لو أخبر في كتابه أن القمر ينشق ، وهو علامة قيام الساعة ، لكان ذلك أمرا لا بد من وقوعه مثل خروج دابة الأرض ، وطلوع الشمس من المغرب ، فلا يكون معجزة النبي صلى الله عليه وسلم ، كما أن هذه الأشياء عجائب ، وليست بمعجزة للنبي ، لا يقال : الإخبار عنها قبل وقوعها معجزة ؛ لأنا نقول : فحينئذ يكون هذا من قبيل الإخبار عن الغيوب ، فلا يكون هو معجزة برأسه وذلك فاسد ، ولا يقال : بأن ذلك كان معجزة وعلامة ، فأخبر الله في الصحف والكتب السالفة أن ذلك يكون معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم وتكون الساعة قريبة حينئذ ، وذلك لأن بعثة النبي صلى الله عليه وسلم علامة كائنة حيث قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013238بعثت أنا والساعة كهاتين " ولهذا يحكى عن
سطيح أنه لما أخبر بوجود النبي صلى الله عليه وسلم قال عن أمور تكون ، فكان وجوده دليل أمور ، وأيضا القمر لما انشق كان انشقاقه عند استدلال النبي صلى الله عليه وسلم على المشركين ، وهم كانوا غافلين عما في الكتب ، وأما أصحاب الكتب فلم يفتقروا إلى بيان علامة الساعة ؛ لأنهم كانوا يقولون بها وبقربها ، فهي إذن آية دالة على جواز تخريب السماوات وهو العمدة الكبرى ؛ لأن السماوات إذا طويت وجوز ذلك ، فالأرض ومن عليها لا يستبعد فناؤهما ، إذا ثبت هذا فنقول : معنى (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=1اقتربت الساعة ) يحتمل أن يكون في العقول والأذهان ، يقول : من يسمع أمرا لا يقع هذا بعيد مستبعد ، وهذا وجه حسن ، وإن كان بعض ضعفاء الأذهان ينكره ، وذلك لأن حمله على قرب الوقوع زمانا لا إمكانا يمكن الكافر من مجادلة فاسدة ، فيقول : قال الله تعالى في زمان النبي صلى الله عليه وسلم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=1اقتربت ) .
ويقولون بأن من قبل أيضا في الكتب [السابقة] كان يقول : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=97واقترب الوعد ) [ الأنبياء : 97 ] ثم مضى مائة سنة ولم يقع ، ولا يبعد أن يمضي ألف آخر ولا يقع ، ولو صح إطلاق لفظ القرب زمانا على مثل هذا لا يبقى وثوق بالإخبارات ، وأيضا قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=1اقتربت ) لانتهاز الفرصة والإيمان قبل أن لا يصح الإيمان ، فللكافر أن يقول : إذا كان القرب بهذا المعنى فلا خوف منها ؛ لأنها لا تدركني ، ولا تدرك أولادي ، ولا أولاد أولادي ، وإذا كان إمكانها قريبا في العقول يكون ذلك ردا بالغا على المشركين والفلاسفة ، والله سبحانه وتعالى أول ما كلف الاعتراف بالوحدانية واليوم الآخر ، وقال : اعلموا أن
nindex.php?page=treesubj&link=30347الحشر كائن فخالف المشرك والفلسفي ، ولم يقنع بمجرد إنكار ما ورد الشرع ببيانه ، ولم يقل : لا يقع أو ليس بكائن ، بل قال : ذلك بعيد ، ولم يقنع بهذا أيضا ، بل قال ذلك غير ممكن ، ولم يقنع به أيضا ، بل قال فإن امتناعه ضروري ، فإن مذهبهم أن إعادة المعدوم وإحياء الموتى محال بالضرورة ، ولهذا قالوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=82أئذا متنا ) [ المؤمنون : 82 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=11أئذا كنا عظاما ) [ النازعات : 11 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=10أئذا ضللنا في الأرض ) [ السجدة : 10 ] بلفظ الاستفهام بمعنى الإنكار مع ظهور الأمر ، فلما استبعدوا لم يكتف الله ورسوله ببيان وقوعه ، بل قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=59إن الساعة لآتية لا ريب فيها ) [ الحج : 7 ] ولم يقتصر عليه بل قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=63وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا ) [ الأحزاب : 63 ] ولم يتركها حتى قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=1اقتربت الساعة ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=97واقترب الوعد الحق ) [ الأنبياء : 97 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=1اقترب للناس حسابهم ) [ الأنبياء : 1 ] اقترابا عقليا لا يجوز أن ينكر ما يقع في زمان طرفة عين ؛ لأنه على الله يسير ، كما أن تقليب الحدقة علينا يسير ، بل هو أقرب منه بكثير ، والذي يقويه قول العامة : إن زمان وجود العالم زمان مديد ، والباقي بالنسبة إلى الماضي شيء يسير ، فلهذا قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=1اقتربت الساعة ) .
[ ص: 28 ]
وأما قوله صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013749nindex.php?page=treesubj&link=30182بعثت أنا والساعة كهاتين " فمعناه لا نبي بعدي فإن زماني يمتد إلى قيام الساعة ، فزماني والساعة متلاصقان كهاتين ، ولا شك أن الزمان زمان النبي صلى الله عليه وسلم ، وما دامت أوامره نافذة فالزمان زمانه وإن كان ليس هو فيه ، كما أن المكان الذي تنفذ فيه أوامر الملك مكان الملك يقال له بلاد فلان ، فإن قيل : كيف يصح حمله على القرب بالمعقول مع أنه مقطوع به ؟ قلت : كما صح قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=63لعل الساعة تكون قريبا ) [ الأحزاب : 63 ] فإن لعل للترجي والأمر عند الله معلوم ، وفائدته أن قيام الساعة ممكن لا إمكانا بعيدا عن العادات كحمل الآدمي في زماننا حملا في غاية الثقل ، أو قطعه مسافة بعيدة في زمان يسير ، فإن ذلك ممكن إمكانا بعيدا ، وأما تقليب الحدقة فممكن إمكانا في غاية القرب .
المسألة الثانية : الجمع الذين تكون الواو ضميرهم في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=2يروا ) و (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=2يعرضوا ) غير مذكور فمن هم ؟ نقول : هم معلومون وهم الكفار ، تقديره : وهؤلاء
nindex.php?page=treesubj&link=30549الكفار إن يروا آية يعرضوا .
المسألة الثالثة : التنكير في الآية للتعظيم أي : إن يروا آية قوية أو عظيمة يعرضوا .
المسألة الرابعة : قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=2ويقولوا سحر مستمر ) ما الفائدة فيه ؟ نقول : فائدته بيان كون الآية خالية عن شوائب الشبه ، وأن الاعتراف لزمهم لأنهم لم يقدروا أن يقولوا : نحن نأتي بمثلها وبيان كونهم معرضين لا إعراض معذور ، فإن من يعرض إعراض مشغول بأمر مهم فلم ينظر في الآية لا يستقبح منه الإعراض مثل ما يستقبح لمن ينظر إلى آخرها ويعجز عن نسبتها إلى أحد ودعوى الإتيان بمثلها ، ثم يقول : هذا ليس بشيء هذا سحر ؛ لأن ما من آية إلا ويمكن المعاند أن يقول فيها هذا القول .
المسألة الخامسة : ما المستمر ؟ نقول : فيه وجوه :
أحدها : دائم فإن محمدا صلى الله عليه وسلم كان يأتي كل زمان بمعجزة قولية أو فعلية أرضية أو سماوية ، فقالوا : هذا (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=2سحر مستمر ) دائم لا يختلف بالنسبة إلى النبي عليه السلام بخلاف سحر السحرة ، فإن بعضهم يقدر على أمر وأمرين وثلاثة ، ويعجز عن غيرها وهو قادر على الكل .
وثانيها : مستمر أي : قوي من حبل مرير الفتل من المرة وهي الشدة .
وثالثها : من المرارة أي : سحر مر مستبشع .
ورابعها : مستمر أي : مار ذاهب ، فإن السحر لا بقاء له .
[ ص: 26 ] ( سُورَةُ الْقَمَرِ )
خَمْسٌ وَخَمْسُونَ آيَةً مَكِّيَّةً
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=1اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=2وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ )
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=1اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ ) أَوَّلُ السُّورَةِ مُنَاسِبٌ لِآخِرِ مَا قَبْلَهَا ، وَهُوَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=57أَزِفَتِ الْآزِفَةُ ) [ النَّجْمِ : 57 ] فَكَأَنَّهُ أَعَادَ ذَلِكَ مَعَ الدَّلِيلِ ، وَقَالَ قُلْتُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=57أَزِفَتِ الْآزِفَةُ ) وَهُوَ حَقٌّ ؛ إِذِ الْقَمَرُ انْشَقَّ ، وَالْمُفَسِّرُونَ بِأَسْرِهِمْ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْقَمَرَ انْشَقَّ ، وَحَصَلَ فِيهِ الِانْشِقَاقُ ، وَدَلَّتِ الْأَخْبَارُ عَلَى حَدِيثِ الِانْشِقَاقِ ، وَفِي الصَّحِيحِ خَبَرٌ مَشْهُورٌ رَوَاهُ جَمْعٌ مِنَ الصَّحَابَةِ ، وَقَالُوا : سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آيَةَ الِانْشِقَاقِ بِعَيْنِهَا مُعْجِزَةً ، فَسَأَلَ رَبَّهُ فَشَقَّهُ وَمَضَى ، وَقَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ : الْمُرَادُ سَيَنْشَقُّ ، وَهُوَ بَعِيدٌ وَلَا مَعْنَى لَهُ ؛ لِأَنَّ مَنْ مَنَعَ ذَلِكَ وَهُوَ الْفَلْسَفِيُّ يَمْنَعُهُ فِي الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ ، وَمَنْ يُجَوِّزُهُ لَا حَاجَةَ إِلَى التَّأْوِيلِ ، وَإِنَّمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ ذَلِكَ الذَّاهِبُ ؛ لِأَنَّ الِانْشِقَاقَ أَمْرٌ هَائِلٌ ، فَلَوْ وَقَعَ لَعَمَّ وَجْهَ الْأَرْضِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَبْلُغَ حَدَّ التَّوَاتُرِ ، نَقُولُ : النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا كَانَ يَتَحَدَّى بِالْقُرْآنِ ، وَكَانُوا يَقُولُونَ : إِنَّا نَأْتِي بِأَفْصَحِ مَا يَكُونُ مِنَ الْكَلَامِ ، وَعَجَزُوا عَنْهُ ، فَكَانَ الْقُرْآنُ مُعْجِزَةً بَاقِيَةً إِلَى قِيَامِ الْقِيَامَةِ لَا يَتَمَسَّكُ بِمُعْجِزَةٍ أُخْرَى فَلَمْ يَنْقُلْهُ الْعُلَمَاءُ بِحَيْثُ يَبْلُغُ حَدَّ التَّوَاتُرِ . وَأَمَّا الْمُؤَرِّخُونَ فَتَرَكُوهُ ؛ لِأَنَّ التَّوَارِيخَ فِي أَكْثَرِ الْأَمْرِ يَسْتَعْمِلُهَا الْمُنَجِّمُ ، وَهُوَ لَمَّا وَقَعَ الْأَمْرُ قَالُوا بِأَنَّهُ مِثْلُ خُسُوفِ الْقَمَرِ ، وَظُهُورِ شَيْءٍ فِي الْجَوِّ عَلَى شَكْلِ نِصْفِ الْقَمَرِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فَتَرَكُوا حِكَايَتَهُ فِي تَوَارِيخِهِمْ ، وَالْقُرْآنُ أَدَلُّ دَلِيلٍ وَأَقْوَى مُثْبِتٍ لَهُ ، وَإِمْكَانُهُ لَا يُشَكُّ فِيهِ ، وَقَدْ أَخْبَرَ عَنْهُ الصَّادِقُ ، فَيَجِبُ اعْتِقَادُ وُقُوعِهِ ، وَحَدِيثُ امْتِنَاعِ الْخَرْقِ وَالِالْتِئَامِ حَدِيثُ اللِّئَامِ ، وَقَدْ ثَبَتَ جَوَازُ الْخَرْقِ وَالتَّخْرِيبِ عَلَى السَّمَاوَاتِ ، وَذَكَرْنَاهُ مِرَارًا فَلَا نُعِيدُهُ .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى :
(
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=2وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ ) تَقْدِيرُهُ : وَبَعْدَ هَذَا إِنْ يَرَوْا آيَةً يَقُولُوا سِحْرٌ ، فَإِنَّهُمْ رَأَوْا آيَاتٍ أَرْضِيَّةً ، وَآيَاتٍ سَمَاوِيَّةً ، وَلَمْ يُؤْمِنُوا ، وَلَمْ يَتْرُكُوا عِنَادَهُمْ ، فَإِنْ يَرَوْا مَا يَرَوْنَ بَعْدَ هَذَا لَا يُؤْمِنُونَ ، وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنْ يُقَالَ : الْمَعْنَى أَنَّ عَادَتَهُمْ أَنَّهُمْ إِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا ، فَلَمَّا رَأَوُا
nindex.php?page=treesubj&link=31013انْشِقَاقَ الْقَمَرِ أَعْرَضُوا لِتِلْكَ الْعَادَةِ ، وَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْأُولَى : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=2آيَةً ) مَاذَا ؟ نَقُولُ آيَةُ اقْتِرَابِ السَّاعَةِ ، فَإِنَّ انْشِقَاقَ الْقَمَرِ مِنْ آيَاتِهِ ، وَقَدْ رَدُّوا وَكَذَّبُوا ، فَإِنْ يَرَوْا غَيْرَهَا أَيْضًا يُعْرِضُوا ، أَوْ آيَةُ الِانْشِقَاقِ فَإِنَّهَا مُعْجِزَةٌ ، أَمَّا كَوْنُهَا مُعْجِزَةً فَفِي غَايَةِ الظُّهُورِ ، وَأَمَّا كَوْنُهَا آيَةَ
[ ص: 27 ] السَّاعَةِ ، فَلِأَنَّ مُنْكِرَ رَبِّ الْعَالَمِ يُنْكِرُ انْشِقَاقَ السَّمَاءِ وَانْفِطَارِهَا وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ : فِي كُلِّ جِسْمٍ سَمَاوِيٍّ مِنَ الْكَوَاكِبِ ، فَإِذَا انْشَقَّ بَعْضُهَا ثَبَتَ خِلَافَ مَا يَقُولُ بِهِ ، وَبَانَ جَوَازُ خَرَابِ الْعَالَمِ ، وَقَالَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ : مَعْنَاهُ أَنَّ مِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=30184_31013عَلَامَاتِ قِيَامِ السَّاعَةِ انْشِقَاقُ الْقَمَرِ عَنْ قَرِيبٍ ، وَهَذَا ضَعِيفٌ حَمَلَهُمْ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ ضِيقُ الْمَكَانِ ، وَخَفَاءُ الْأَمْرِ عَلَى الْأَذْهَانِ ، وَبَيَانُ ضَعْفِهِ هُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَوْ أَخْبَرَ فِي كِتَابِهِ أَنَّ الْقَمَرَ يَنْشَقُّ ، وَهُوَ عَلَّامَةُ قِيَامِ السَّاعَةِ ، لَكَانَ ذَلِكَ أَمْرًا لَا بُدَّ مِنْ وُقُوعِهِ مِثْلَ خُرُوجِ دَابَّةِ الْأَرْضِ ، وَطُلُوعِ الشَّمْسِ مِنَ الْمَغْرِبِ ، فَلَا يَكُونُ مُعْجِزَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، كَمَا أَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ عَجَائِبُ ، وَلَيْسَتْ بِمُعْجِزَةٍ لِلنَّبِيِّ ، لَا يُقَالُ : الْإِخْبَارُ عَنْهَا قَبْلَ وُقُوعِهَا مُعْجِزَةٌ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ : فَحِينَئِذٍ يَكُونُ هَذَا مِنْ قَبِيلِ الْإِخْبَارِ عَنِ الْغُيُوبِ ، فَلَا يَكُونُ هُوَ مُعْجِزَةً بِرَأْسِهِ وَذَلِكَ فَاسِدٌ ، وَلَا يُقَالُ : بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ مُعْجِزَةً وَعَلَامَةً ، فَأَخْبَرَ اللَّهُ فِي الصُّحُفِ وَالْكُتُبِ السَّالِفَةِ أَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ مُعْجِزَةً لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَكُونُ السَّاعَةُ قَرِيبَةً حِينَئِذٍ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ بَعْثَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَامَةٌ كَائِنَةٌ حَيْثُ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013238بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ " وَلِهَذَا يُحْكَى عَنْ
سَطِيحٍ أَنَّهُ لَمَّا أُخْبِرَ بِوُجُودِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ عَنْ أُمُورٍ تَكُونُ ، فَكَانَ وُجُودُهُ دَلِيلَ أُمُورٍ ، وَأَيْضًا الْقَمَرُ لَمَّا انْشَقَّ كَانَ انْشِقَاقُهُ عِنْدَ اسْتِدْلَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ، وَهُمْ كَانُوا غَافِلِينَ عَمَّا فِي الْكُتُبِ ، وَأَمَّا أَصْحَابُ الْكُتُبِ فَلَمْ يَفْتَقِرُوا إِلَى بَيَانِ عَلَامَةِ السَّاعَةِ ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ بِهَا وَبِقُرْبِهَا ، فَهِيَ إِذَنْ آيَةٌ دَالَّةٌ عَلَى جَوَازِ تَخْرِيبِ السَّمَاوَاتِ وَهُوَ الْعُمْدَةُ الْكُبْرَى ؛ لِأَنَّ السَّمَاوَاتَ إِذَا طُوِيَتْ وَجُوِّزَ ذَلِكَ ، فَالْأَرْضُ وَمَنْ عَلَيْهَا لَا يُسْتَبْعَدُ فَنَاؤُهُمَا ، إِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ : مَعْنَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=1اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ ) يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِي الْعُقُولِ وَالْأَذْهَانِ ، يَقُولُ : مَنْ يَسْمَعْ أَمْرًا لَا يَقَعُ هَذَا بَعِيدٌ مُسْتَبْعَدٌ ، وَهَذَا وَجْهٌ حَسَنٌ ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُ ضُعَفَاءِ الْأَذْهَانِ يُنْكِرُهُ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ حَمْلَهُ عَلَى قُرْبِ الْوُقُوعِ زَمَانًا لَا إِمْكَانًا يُمَكِّنُ الْكَافِرَ مِنْ مُجَادَلَةٍ فَاسِدَةٍ ، فَيَقُولُ : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي زَمَانِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=1اقْتَرَبَتِ ) .
وَيَقُولُونَ بِأَنَّ مِنْ قَبْلُ أَيْضًا فِي الْكُتُبِ [السَّابِقَةِ] كَانَ يَقُولُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=97وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ ) [ الْأَنْبِيَاءِ : 97 ] ثُمَّ مَضَى مِائَةُ سَنَةٍ وَلَمْ يَقَعْ ، وَلَا يَبْعُدْ أَنْ يَمْضِيَ أَلْفٌ آخَرُ وَلَا يَقَعُ ، وَلَوْ صَحَّ إِطْلَاقُ لَفْظِ الْقُرْبِ زَمَانًا عَلَى مِثْلِ هَذَا لَا يَبْقَى وُثُوقٌ بِالْإِخْبَارَاتِ ، وَأَيْضًا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=1اقْتَرَبَتِ ) لِانْتِهَازِ الْفُرْصَةِ وَالْإِيمَانِ قَبْلَ أَنْ لَا يَصِحَّ الْإِيمَانُ ، فَلِلْكَافِرِ أَنْ يَقُولَ : إِذَا كَانَ الْقُرْبُ بِهَذَا الْمَعْنَى فَلَا خَوْفَ مِنْهَا ؛ لِأَنَّهَا لَا تُدْرِكُنِي ، وَلَا تُدْرِكُ أَوْلَادِي ، وَلَا أَوْلَادَ أَوْلَادِي ، وَإِذَا كَانَ إِمْكَانُهَا قَرِيبًا فِي الْعُقُولِ يَكُونُ ذَلِكَ رَدًّا بَالِغًا عَلَى الْمُشْرِكِينَ وَالْفَلَاسِفَةِ ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَوَّلَ مَا كَلَّفَ الِاعْتِرَافَ بِالْوَحْدَانِيَّةِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ، وَقَالَ : اعْلَمُوا أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30347الْحَشْرَ كَائِنٌ فَخَالَفَ الْمُشْرِكُ وَالْفَلْسَفِيُّ ، وَلَمْ يَقْنَعْ بِمُجَرَّدِ إِنْكَارِ مَا وَرَدَ الشَّرْعُ بِبَيَانِهِ ، وَلَمْ يَقُلْ : لَا يَقَعُ أَوْ لَيْسَ بِكَائِنٍ ، بَلْ قَالَ : ذَلِكَ بَعِيدٌ ، وَلَمْ يَقْنَعْ بِهَذَا أَيْضًا ، بَلْ قَالَ ذَلِكَ غَيْرُ مُمْكِنٍ ، وَلَمْ يَقْنَعْ بِهِ أَيْضًا ، بَلْ قَالَ فَإِنَّ امْتِنَاعَهُ ضَرُورِيٌّ ، فَإِنَّ مَذْهَبَهُمْ أَنَّ إِعَادَةَ الْمَعْدُومِ وَإِحْيَاءَ الْمَوْتَى مُحَالٌ بِالضَّرُورَةِ ، وَلِهَذَا قَالُوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=82أَئِذَا مِتْنَا ) [ الْمُؤْمِنُونَ : 82 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=11أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا ) [ النَّازِعَاتِ : 11 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=10أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ ) [ السَّجْدَةِ : 10 ] بِلَفْظِ الِاسْتِفْهَامِ بِمَعْنَى الْإِنْكَارِ مَعَ ظُهُورِ الْأَمْرِ ، فَلَمَّا اسْتَبْعَدُوا لَمْ يَكْتَفِ اللَّهُ وَرَسُولُهُ بِبَيَانِ وُقُوعِهِ ، بَلْ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=59إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا ) [ الْحَجِّ : 7 ] وَلَمْ يَقْتَصِرْ عَلَيْهِ بَلْ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=63وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا ) [ الْأَحْزَابِ : 63 ] وَلَمْ يَتْرُكْهَا حَتَّى قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=1اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=97وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ ) [ الْأَنْبِيَاءِ : 97 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=1اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ ) [ الْأَنْبِيَاءِ : 1 ] اقْتِرَابًا عَقْلِيًّا لَا يَجُوزُ أَنْ يُنْكَرَ مَا يَقَعُ فِي زَمَانٍ طَرْفَةَ عَيْنٍ ؛ لِأَنَّهُ عَلَى اللَّهِ يَسِيرُ ، كَمَا أَنَّ تَقْلِيبَ الْحَدَقَةِ عَلَيْنَا يَسِيرٌ ، بَلْ هُوَ أَقْرَبُ مِنْهُ بِكَثِيرٍ ، وَالَّذِي يُقَوِّيهِ قَوْلُ الْعَامَّةِ : إِنَّ زَمَانَ وُجُودِ الْعَالَمِ زَمَانٌ مَدِيدٌ ، وَالْبَاقِي بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَاضِي شَيْءٌ يَسِيرٌ ، فَلِهَذَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=1اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ ) .
[ ص: 28 ]
وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013749nindex.php?page=treesubj&link=30182بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ " فَمَعْنَاهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي فَإِنَّ زَمَانِي يَمْتَدُّ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ ، فَزَمَانِي وَالسَّاعَةُ مُتَلَاصِقَانِ كَهَاتَيْنِ ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الزَّمَانَ زَمَانُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَمَا دَامَتْ أَوَامِرُهُ نَافِذَةً فَالزَّمَانُ زَمَانُهُ وَإِنْ كَانَ لَيْسَ هُوَ فِيهِ ، كَمَا أَنَّ الْمَكَانَ الَّذِي تَنْفُذُ فِيهِ أَوَامِرُ الْمَلِكِ مَكَانُ الْمَلِكِ يُقَالُ لَهُ بِلَادُ فُلَانٍ ، فَإِنْ قِيلَ : كَيْفَ يَصِحُّ حَمْلُهُ عَلَى الْقُرْبِ بِالْمَعْقُولِ مَعَ أَنَّهُ مَقْطُوعٌ بِهِ ؟ قُلْتُ : كَمَا صَحَّ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=63لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا ) [ الْأَحْزَابِ : 63 ] فَإِنَّ لَعَلَّ لِلتَّرَجِّي وَالْأَمْرُ عِنْدَ اللَّهِ مَعْلُومٌ ، وَفَائِدَتُهُ أَنَّ قِيَامَ السَّاعَةِ مُمْكِنٌ لَا إِمْكَانًا بَعِيدًا عَنِ الْعَادَاتِ كَحَمْلِ الْآدَمِيِّ فِي زَمَانِنَا حِمْلًا فِي غَايَةِ الثِّقَلِ ، أَوْ قَطْعِهِ مَسَافَةً بَعِيدَةً فِي زَمَانٍ يَسِيرٍ ، فَإِنَّ ذَلِكَ مُمْكِنٌ إِمْكَانًا بَعِيدًا ، وَأَمَّا تَقْلِيبُ الْحَدَقَةِ فَمُمْكِنٌ إِمْكَانًا فِي غَايَةِ الْقُرْبِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : الْجَمْعُ الَّذِينَ تَكُونُ الْوَاوُ ضَمِيرَهُمْ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=2يَرَوْا ) وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=2يُعْرِضُوا ) غَيْرُ مَذْكُورٍ فَمَنْ هُمْ ؟ نَقُولُ : هُمْ مَعْلُومُونَ وَهُمُ الْكُفَّارُ ، تَقْدِيرُهُ : وَهَؤُلَاءِ
nindex.php?page=treesubj&link=30549الْكُفَّارُ إِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : التَّنْكِيرُ فِي الْآيَةِ لِلتَّعْظِيمِ أَيْ : إِنْ يَرَوْا آيَةً قَوِيَّةً أَوْ عَظِيمَةً يُعْرِضُوا .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=2وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ ) مَا الْفَائِدَةُ فِيهِ ؟ نَقُولُ : فَائِدَتُهُ بَيَانُ كَوْنِ الْآيَةِ خَالِيَةً عَنْ شَوَائِبَ الشَّبَهِ ، وَأَنَّ الِاعْتِرَافَ لَزِمَهُمْ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَقُولُوا : نَحْنُ نَأْتِي بِمِثْلِهَا وَبَيَانُ كَوْنِهِمْ مُعْرِضِينَ لَا إِعْرَاضَ مَعْذُورٍ ، فَإِنَّ مَنْ يُعْرِضُ إِعْرَاضَ مَشْغُولٍ بِأَمْرٍ مُهِمٍّ فَلَمْ يَنْظُرْ فِي الْآيَةِ لَا يُسْتَقْبَحُ مِنْهُ الْإِعْرَاضُ مِثْلَ مَا يُسْتَقْبَحُ لِمَنْ يَنْظُرُ إِلَى آخِرِهَا وَيَعْجَزُ عَنْ نِسْبَتِهَا إِلَى أَحَدٍ وَدَعْوَى الْإِتْيَانِ بِمِثْلِهَا ، ثُمَّ يَقُولُ : هَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ هَذَا سِحْرٌ ؛ لِأَنَّ مَا مِنْ آيَةٍ إِلَّا وَيُمْكِنُ الْمُعَانِدُ أَنْ يَقُولَ فِيهَا هَذَا الْقَوْلَ .
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ : مَا الْمُسْتَمِرُّ ؟ نَقُولُ : فِيهِ وُجُوهٌ :
أَحَدُهَا : دَائِمٌ فَإِنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْتِي كُلُّ زَمَانٍ بِمُعْجِزَةٍ قَوْلِيَّةٍ أَوْ فِعْلِيَّةٍ أَرْضِيَّةٍ أَوْ سَمَاوِيَّةٍ ، فَقَالُوا : هَذَا (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=2سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ ) دَائِمٌ لَا يَخْتَلِفُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِخِلَافِ سِحْرِ السَّحَرَةِ ، فَإِنَّ بَعْضَهُمْ يَقْدِرُ عَلَى أَمْرٍ وَأَمْرَيْنِ وَثَلَاثَةٍ ، وَيَعْجَزُ عَنْ غَيْرِهَا وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْكُلِّ .
وَثَانِيهَا : مُسْتَمِرٌّ أَيْ : قَوِيٌّ مِنْ حَبْلٍ مَرِيرِ الْفَتْلِ مِنَ الْمِرَّةِ وَهِيَ الشِّدَّةُ .
وَثَالِثُهَا : مِنَ الْمَرَارَةِ أَيْ : سِحْرٌ مُرٌّ مُسْتَبْشَعٌ .
وَرَابِعُهَا : مُسْتَمِرٌّ أَيْ : مَارٍّ ذَاهِبٍ ، فَإِنَّ السِّحْرَ لَا بَقَاءَ لَهُ .