(
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=10فدعا ربه أني مغلوب فانتصر nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=11ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر )
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=10nindex.php?page=treesubj&link=29025_31831فدعا ربه أني مغلوب فانتصر ) ترتيبا في غاية الحسن ؛ لأنهم لما زجروه وانزجر هو عن دعائهم دعا ربه أني مغلوب وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قرئ " إني " بكسر الهمزة على أنه دعاء ، فكأنه قال : إني مغلوب ، وبالفتح على معنى بأني .
المسألة الثانية : ما معنى مغلوب ؟ نقول : فيه وجوه :
الأول : غلبني الكفار فانتصر لي منهم .
الثاني : غلبتني نفسي وحملتني على الدعاء عليهم فانتصر لي من نفسي ، وهذا الوجه نقله ابن عطية وهو ضعيف .
الثالث : وجه مركب من الوجهين وهو أحسن منهما ، وهو أن يقال : إن النبي صلى الله عليه وسلم لا يدعو على قومه ما دام في نفسه احتمال وحلم ، واحتمال نفسه يمتد ما دام الإيمان منهم محتملا ، ثم إن بأسه يحصل والاحتمال يفر بعد اليأس بمدة ، بدليل قوله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=3لعلك باخع نفسك ) [ الشعراء : 3 ] ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=8فلا تذهب نفسك عليهم حسرات ) [ فاطر : 8 ] وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=27ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون ) [ المؤمنون : 27 ] فقال
نوح : يا إلهي إن نفسي غلبتني وقد أمرتني بالدعاء عليهم فأهلكهم . فيكون معناه [إني] مغلوب بحكم البشرية أي غلبت وعيل صبري فانتصر لي منهم لا من نفسي .
المسألة الثالثة : " فانتصر " معناه انتصر لي أو لنفسك فإنهم كفروا بك وفيه وجوه :
أحدها : فانتصر لي مناسب لقوله مغلوب .
ثانيها : فانتصر لك ولدينك فإني غلبت وعجزت عن الانتصار لدينك .
ثالثها : فانتصر للحق ولا يكون فيه ذكره ولا ذكر ربه ، وهذا يقوله قوي النفس بكون الحق معه ، يقول القائل : اللهم أهلك الكاذب منا ، وانصر المحق منا .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=11ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر ) عقيب دعائه ، وفيه مسائل :
المسألة الأولى :
nindex.php?page=treesubj&link=31756_31763المراد من الفتح والأبواب والسماء حقائقها أو هو مجاز ؟ نقول : فيه قولان أحدهما : حقائقها وللسماء أبواب تفتح وتغلق ولا استبعاد فيه . وثانيهما : هو على طريق الاستعارة ، فإن الظاهر أن الماء كان من السحاب ، وعلى هذا فهو كما يقول القائل في المطر الوابل جرت ميازيب السماء ، وفتح أفواه القرب أي : كأنه ذلك ، فالمطر في الطوفان كان بحيث يقول القائل : فتحت أبواب السماء ، ولا شك أن المطر من فوق كان في غاية الهطلان .
المسألة الثانية : قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=11ففتحنا ) بيان أن الله انتصر منهم وانتقم بماء لا بجند أنزله ، كما قال
[ ص: 34 ] تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=28وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء وما كنا منزلين nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=29إن كانت إلا صيحة واحدة ) [ يس : 28 ، 29 ] بيانا لكمال القدرة ، ومن العجيب أنهم كانوا يطلبون المطر سنين فأهلكهم بمطلوبهم .
المسألة الثالثة :
nindex.php?page=treesubj&link=34077_28914الباء في قوله : ( nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=11بماء منهمر ) ما وجهه ، وكيف موقعه ؟ نقول : فيه وجهان :
أحدهما : كما هي في قول القائل : فتحت الباب بالمفتاح وتقديره هو أن يجعل كأن الماء جاء وفتح الباب ، وعلى هذا تفسير قول من يقول : يفتح الله لك بخير ، أي يقدر خيرا يأتي ويفتح الباب ، وعلى هذا ففيه لطيفة وهي من بدائع المعاني ، وهي أن يجعل المقصود مقدما في الوجود ، ويقول : كأن مقصودك جاء إلى باب مغلق ففتحه وجاءك ، وكذلك قول القائل : لعل الله يفتح برزق ، أي يقدر رزقا يأتي إلى الباب الذي كالمغلق فيدفعه ويفتحه ، فيكون الله قد فتحه بالرزق .
ثانيهما : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=11ففتحنا أبواب السماء ) مقرونة (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=11بماء منهمر ) والانهمار الانسكاب والانصباب صبا شديدا ، والتحقيق فيه أن المطر يخرج من السماء التي هي السحاب خروج مترشح من ظرفه ، وفي ذلك اليوم كان يخرج خروج مرسل خارج من باب .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=10فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=11فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ )
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=10nindex.php?page=treesubj&link=29025_31831فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ ) تَرْتِيبًا فِي غَايَةِ الْحُسْنِ ؛ لِأَنَّهُمْ لَمَّا زَجَرُوهُ وَانْزَجَرَ هُوَ عَنْ دُعَائِهِمْ دَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ وَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : قُرِئَ " إِنِّي " بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ عَلَى أَنَّهُ دُعَاءٌ ، فَكَأَنَّهُ قَالَ : إِنِّي مَغْلُوبٌ ، وَبِالْفَتْحِ عَلَى مَعْنَى بِأَنِّي .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : مَا مَعْنَى مَغْلُوبٌ ؟ نَقُولُ : فِيهِ وُجُوهٌ :
الْأَوَّلُ : غَلَبَنِي الْكُفَّارُ فَانْتَصِرْ لِي مِنْهُمْ .
الثَّانِي : غَلَبَتْنِي نَفْسِي وَحَمَلَتْنِي عَلَى الدُّعَاءِ عَلَيْهِمْ فَانْتَصِرْ لِي مِنْ نَفْسِي ، وَهَذَا الْوَجْهُ نَقَلَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ .
الثَّالِثُ : وَجْهٌ مُرَكَّبٌ مِنَ الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ أَحْسَنُ مِنْهُمَا ، وَهُوَ أَنْ يُقَالَ : إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَدْعُو عَلَى قَوْمِهِ مَا دَامَ فِي نَفْسِهِ احْتِمَالٌ وَحِلْمٌ ، وَاحْتِمَالُ نَفْسِهِ يَمْتَدُّ مَا دَامَ الْإِيمَانُ مِنْهُمْ مُحْتَمَلًا ، ثُمَّ إِنَّ بَأْسَهُ يَحْصُلُ وَالِاحْتِمَالَ يَفِرُّ بَعْدَ الْيَأْسِ بِمُدَّةٍ ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=3لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ ) [ الشُّعَرَاءِ : 3 ] ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=8فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ ) [ فَاطِرٍ : 8 ] وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=27وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ ) [ الْمُؤْمِنُونَ : 27 ] فَقَالَ
نُوحٌ : يَا إِلَهِي إِنَّ نَفْسِي غَلَبَتْنِي وَقَدْ أَمَرَتْنِي بِالدُّعَاءِ عَلَيْهِمْ فَأَهْلِكْهُمْ . فَيَكُونُ مَعْنَاهُ [إِنِّي] مَغْلُوبٌ بِحُكْمِ الْبَشَرِيَّةِ أَيْ غُلِبْتُ وَعِيلَ صَبْرِي فَانْتَصِرْ لِي مِنْهُمْ لَا مِنْ نَفْسِي .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : " فَانْتَصِرْ " مَعْنَاهُ انْتَصِرْ لِي أَوْ لِنَفْسِكَ فَإِنَّهُمْ كَفَرُوا بِكَ وَفِيهِ وُجُوهٌ :
أَحَدُهَا : فَانْتَصِرْ لِي مُنَاسِبٌ لِقَوْلِهِ مَغْلُوبٌ .
ثَانِيهَا : فَانْتَصِرْ لَكَ وَلِدِينِكَ فَإِنِّي غُلِبْتُ وَعَجَزْتُ عَنِ الِانْتِصَارِ لِدِينِكَ .
ثَالِثُهَا : فَانْتَصِرْ لِلْحَقِّ وَلَا يَكُونُ فِيهِ ذِكْرُهُ وَلَا ذِكْرُ رَبِّهِ ، وَهَذَا يَقُولُهُ قَوِيُّ النَّفْسِ بِكَوْنِ الْحَقِّ مَعَهُ ، يَقُولُ الْقَائِلُ : اللَّهُمَّ أَهْلِكِ الْكَاذِبَ مِنَّا ، وَانْصُرِ الْمُحِقَّ مِنَّا .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=11فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ ) عَقِيبَ دُعَائِهِ ، وَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى :
nindex.php?page=treesubj&link=31756_31763الْمُرَادُ مِنَ الْفَتْحِ وَالْأَبْوَابِ وَالسَّمَاءِ حَقَائِقُهَا أَوْ هُوَ مَجَازٌ ؟ نَقُولُ : فِيهِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا : حَقَائِقُهَا وَلِلسَّمَاءِ أَبْوَابٌ تُفْتَحُ وَتُغْلَقُ وَلَا اسْتِبْعَادَ فِيهِ . وَثَانِيهِمَا : هُوَ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِعَارَةِ ، فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمَاءَ كَانَ مِنَ السَّحَابِ ، وَعَلَى هَذَا فَهُوَ كَمَا يَقُولُ الْقَائِلُ فِي الْمَطَرِ الْوَابِلِ جَرَتْ مَيَازِيبُ السَّمَاءِ ، وَفُتِحَ أَفْوَاهُ الْقِرَبِ أَيْ : كَأَنَّهُ ذَلِكَ ، فَالْمَطَرُ فِي الطُّوفَانِ كَانَ بِحَيْثُ يَقُولُ الْقَائِلَ : فُتِحَتْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمَطَرَ مِنْ فَوْقُ كَانَ فِي غَايَةِ الْهَطَلَانِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=11فَفَتَحْنَا ) بَيَانُ أَنَّ اللَّهَ انْتَصَرَ مِنْهُمْ وَانْتَقَمَ بِمَاءٍ لَا بِجُنْدٍ أَنْزَلَهُ ، كَمَا قَالَ
[ ص: 34 ] تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=28وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=29إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً ) [ يس : 28 ، 29 ] بَيَانًا لِكَمَالِ الْقُدْرَةِ ، وَمِنَ الْعَجِيبِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَطْلُبُونَ الْمَطَرَ سِنِينَ فَأَهْلَكَهُمْ بِمَطْلُوبِهِمْ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ :
nindex.php?page=treesubj&link=34077_28914الْبَاءُ فِي قَوْلِهِ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=11بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ ) مَا وَجْهُهُ ، وَكَيْفَ مَوْقِعُهُ ؟ نَقُولُ : فِيهِ وَجْهَانِ :
أَحَدُهُمَا : كَمَا هِيَ فِي قَوْلِ الْقَائِلِ : فَتَحْتُ الْبَابَ بِالْمِفْتَاحِ وَتَقْدِيرُهُ هُوَ أَنْ يَجْعَلَ كَأَنَّ الْمَاءَ جَاءَ وَفَتَحَ الْبَابَ ، وَعَلَى هَذَا تَفْسِيرُ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ : يَفْتَحُ اللَّهُ لَكِ بِخَيْرٍ ، أَيْ يُقَدِّرُ خَيْرًا يَأْتِي وَيَفْتَحُ الْبَابَ ، وَعَلَى هَذَا فَفِيهِ لَطِيفَةٌ وَهِيَ مِنْ بَدَائِعِ الْمَعَانِي ، وَهِيَ أَنْ يُجْعَلَ الْمَقْصُودُ مُقَدَّمًا فِي الْوُجُودِ ، وَيَقُولُ : كَأَنَّ مَقْصُودَكَ جَاءَ إِلَى بَابٍ مُغْلَقٍ فَفَتَحَهُ وَجَاءَكَ ، وَكَذَلِكَ قَوْلُ الْقَائِلِ : لَعَلَّ اللَّهَ يَفْتَحُ بِرِزْقٍ ، أَيْ يُقَدِّرُ رِزْقًا يَأْتِي إِلَى الْبَابِ الَّذِي كَالْمُغْلَقِ فَيَدْفَعُهُ وَيَفْتَحُهُ ، فَيَكُونُ اللَّهُ قَدْ فَتَحَهُ بِالرِّزْقِ .
ثَانِيهُمَا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=11فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ ) مَقْرُونَةٌ (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=11بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ ) وَالِانْهِمَارُ الِانْسِكَابُ وَالِانْصِبَابُ صَبًّا شَدِيدًا ، وَالتَّحْقِيقُ فِيهِ أَنَّ الْمَطَرَ يَخْرُجُ مِنَ السَّمَاءِ الَّتِي هِيَ السَّحَابُ خُرُوجَ مُتَرَشِّحٍ مِنْ ظَرْفِهِ ، وَفِي ذَلِكَ الْيَوْمِ كَانَ يَخْرُجُ خُرُوجَ مُرْسَلٍ خَارِجٍ مِنْ بَابٍ .