(
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=14جزاء لمن كان كفر )
وقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=14nindex.php?page=treesubj&link=29025_30539_31832جزاء لمن كان كفر ) يحتمل وجوها :
أحدها : أن يكون نصبه بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=13وحملناه ) أي حملناه جزاء ، أي ليكون ذلك الحمل جزاء الصبر على كفرانهم .
وثانيها : أن يكون بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=14تجري بأعيننا ) لأن فيه معنى حفظنا ، أي : ما تركناه عن أعيننا وعوننا جزاء له .
ثالثها : أن يكون بفعل حاصل من مجموع ما ذكره كأنه قال : فتحنا أبواب السماء وفجرنا الأرض عيونا وحملناه ، وكل ذلك فعلناه جزاء له ، وإنما ذكرنا هذا ؛ لأن الجزاء ما كان يحصل إلا بحفظه وإنجائه لهم ، فوجب أن يكون " جزاء " منصوبا بكونه مفعولا له بهذه الأفعال ، ولنذكر ما فيه من اللطائف في مسائل :
المسألة الأولى : قال في السماء : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=11ففتحنا أبواب السماء ) لأن السماء ذات الرجع وما لها فطور ، ولم يقل : وشققنا السماء ، وقال في الأرض : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=12وفجرنا الأرض ) لأنها ذات الصدع .
[ ص: 36 ]
الثانية : لما جعل المطر كالماء الخارج من أبواب مفتوحة واسعة ، ولم يقل في الأرض وأجرينا من الأرض بحارا وأنهارا ، بل قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=12عيونا ) والخارج من العين دون الخارج من الباب ذكر في الأرض أنه تعالى فجرها كلها ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=12وفجرنا الأرض ) لتقابل كثرة عيون الأرض سعة أبواب السماء فيحصل بالكثرة هاهنا ما حصل بالسعة هاهنا .
الثالثة : ذكر عند الغضب سبب الإهلاك وهو فتح أبواب السماء وفجر الأرض بالعيون ، وأشار إلى الإهلاك بقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=12على أمر قد قدر ) أي : أمر الإهلاك ولم يصرح ، وعند الرحمة ذكر الإيحاء صريحا بقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=13وحملناه ) وأشار إلى طريق النجاة بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=13ذات ألواح ) وكذلك قال في موضع آخر : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=14فأخذهم الطوفان ) ولم يقل : فأهلكوا ، وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=15فأنجيناه وأصحاب السفينة ) فصرح بالإنجاء ولم يصرح بالإهلاك إشارة إلى سعة الرحمة وغاية الكرم ، أي : خلقنا سبب الهلاك ولو رجعوا لما ضرهم ذلك السبب كما قال صلى الله عليه وسلم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=42يابني اركب معنا ) [ هود : 42 ] وعند الإنجاء أنجاه وجعل للنجاة طريقا وهو اتخاذ السفينة ولو انكسرت لما ضره بل كان ينجيه ، فالمقصود عند الإنجاء هو النجاة ، فذكر المحل ، والمقصود عند الإهلاك إظهار البأس فذكر السبب صريحا .
الرابعة : قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=14تجري بأعيننا ) أبلغ من حفظنا ، يقول القائل : اجعل هذا نصب عينك ولا يقول : احفظه طلبا للمبالغة .
الخامسة : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=14بأعيننا ) يحتمل أن يكون المراد بحفظنا ، ولهذا يقال : الرؤية لسان العين .
السادسة : قال : كان ذلك جزاء على ما كفروا به لا على إيمانه وشكره فما جوزي به كان جزاء صبره على كفرهم ، وأما جزاء شكره لنا فباق ، وقرئ : " جزاء " بكسر الجيم أي : مجازاة كقتال ومقاتلة وقرئ : " لمن كان كفر " بفتح الكاف ، وأما : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=14كفر ) ففيه وجهان :
أحدهما : أن يكون كفر مثل شكر يعدى بالحرف وبغير حرف يقال : شكرته وشكرت له ، قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=152واشكروا لي ولا تكفرون ) [ البقرة : 152 ] وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=256فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله ) [ البقرة : 256 ] .
ثانيهما : أن يكون من الكفر لا من الكفران أي : جزاء لمن ستر أمره وأنكر شأنه ، ويحتمل أن يقال : كفر به وترك لظهور المراد .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=14جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ )
وَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=14nindex.php?page=treesubj&link=29025_30539_31832جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ ) يَحْتَمِلُ وُجُوهًا :
أَحَدُهَا : أَنْ يَكُونَ نَصْبُهُ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=13وَحَمَلْنَاهُ ) أَيْ حَمَلْنَاهُ جَزَاءً ، أَيْ لِيَكُونَ ذَلِكَ الْحَمْلُ جَزَاءَ الصَّبْرِ عَلَى كُفْرَانِهِمْ .
وَثَانِيهَا : أَنْ يَكُونَ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=14تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا ) لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى حِفْظِنَا ، أَيْ : مَا تَرَكْنَاهُ عَنْ أَعْيُنِنَا وَعَوْنِنَا جَزَاءً لَهُ .
ثَالِثُهَا : أَنْ يَكُونَ بِفِعْلٍ حَاصِلٍ مِنْ مَجْمُوعِ مَا ذَكَرَهُ كَأَنَّهُ قَالَ : فَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا وَحَمَلْنَاهُ ، وَكُلُّ ذَلِكَ فَعَلْنَاهُ جَزَاءً لَهُ ، وَإِنَّمَا ذَكَرْنَا هَذَا ؛ لِأَنَّ الْجَزَاءَ مَا كَانَ يَحْصُلُ إِلَّا بِحِفْظِهِ وَإِنْجَائِهِ لَهُمْ ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ " جَزَاءً " مَنْصُوبًا بِكَوْنِهِ مَفْعُولًا لَهُ بِهَذِهِ الْأَفْعَالِ ، وَلِنَذْكُرْ مَا فِيهِ مِنَ اللَّطَائِفِ فِي مَسَائِلَ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : قَالَ فِي السَّمَاءِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=11فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ ) لِأَنَّ السَّمَاءَ ذَاتُ الرَّجْعِ وَمَا لَهَا فُطُورٌ ، وَلَمْ يَقُلْ : وَشَقَقْنَا السَّمَاءَ ، وَقَالَ فِي الْأَرْضِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=12وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ ) لِأَنَّهَا ذَاتُ الصَّدْعِ .
[ ص: 36 ]
الثَّانِيَةُ : لَمَّا جُعِلَ الْمَطَرُ كَالْمَاءِ الْخَارِجِ مِنْ أَبْوَابٍ مَفْتُوحَةٍ وَاسِعَةٍ ، وَلَمْ يَقُلْ فِي الْأَرْضِ وَأَجْرَيْنَا مِنَ الْأَرْضِ بِحَارًا وَأَنْهَارًا ، بَلْ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=12عُيُونًا ) وَالْخَارِجُ مِنَ الْعَيْنِ دُونَ الْخَارِجِ مِنَ الْبَابِ ذَكَرَ فِي الْأَرْضِ أَنَّهُ تَعَالَى فَجَّرَهَا كُلَّهَا ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=12وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ ) لِتُقَابِلَ كَثْرَةُ عُيُونِ الْأَرْضِ سَعَةَ أَبْوَابِ السَّمَاءِ فَيَحْصُلُ بِالْكَثْرَةِ هَاهُنَا مَا حَصَلَ بِالسَّعَةِ هَاهُنَا .
الثَّالِثَةُ : ذَكَرَ عِنْدَ الْغَضَبِ سَبَبَ الْإِهْلَاكِ وَهُوَ فَتْحُ أَبْوَابِ السَّمَاءِ وَفَجَّرَ الْأَرْضَ بِالْعُيُونِ ، وَأَشَارَ إِلَى الْإِهْلَاكِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=12عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ ) أَيْ : أَمْرِ الْإِهْلَاكِ وَلَمْ يُصَرِّحْ ، وَعِنْدَ الرَّحْمَةِ ذَكَرَ الْإِيحَاءَ صَرِيحًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=13وَحَمَلْنَاهُ ) وَأَشَارَ إِلَى طَرِيقِ النَّجَاةِ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=13ذَاتِ أَلْوَاحٍ ) وَكَذَلِكَ قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=14فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ ) وَلَمْ يَقُلْ : فَأُهْلِكُوا ، وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=15فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ ) فَصَرَّحَ بِالْإِنْجَاءِ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِالْإِهْلَاكِ إِشَارَةً إِلَى سَعَةِ الرَّحْمَةِ وَغَايَةِ الْكَرَمِ ، أَيْ : خَلَقْنَا سَبَبَ الْهَلَاكِ وَلَوْ رَجَعُوا لَمَا ضَرَّهُمْ ذَلِكَ السَّبَبُ كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=42يَابُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا ) [ هُودٍ : 42 ] وَعِنْدَ الْإِنْجَاءِ أَنْجَاهُ وَجَعَلَ لِلنَّجَاةِ طَرِيقًا وَهُوَ اتِّخَاذُ السَّفِينَةِ وَلَوِ انْكَسَرَتْ لَمَا ضَرَّهُ بَلْ كَانَ يُنْجِيهِ ، فَالْمَقْصُودُ عِنْدَ الْإِنْجَاءِ هُوَ النَّجَاةُ ، فَذَكَرَ الْمَحَلَّ ، وَالْمَقْصُودُ عِنْدَ الْإِهْلَاكِ إِظْهَارُ الْبَأْسِ فَذَكَرَ السَّبَبَ صَرِيحًا .
الرَّابِعَةُ : قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=14تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا ) أَبْلَغُ مِنْ حِفْظِنَا ، يَقُولُ الْقَائِلُ : اجْعَلْ هَذَا نُصْبَ عَيْنِكَ وَلَا يَقُولُ : احْفَظْهُ طَلَبًا لِلْمُبَالَغَةِ .
الْخَامِسَةُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=14بِأَعْيُنِنَا ) يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِحِفْظِنَا ، وَلِهَذَا يُقَالُ : الرُّؤْيَةُ لِسَانُ الْعَيْنِ .
السَّادِسَةُ : قَالَ : كَانَ ذَلِكَ جَزَاءً عَلَى مَا كَفَرُوا بِهِ لَا عَلَى إِيمَانِهِ وَشُكْرِهِ فَمَا جُوزِيَ بِهِ كَانَ جَزَاءَ صَبْرِهِ عَلَى كُفْرِهِمْ ، وَأَمَّا جَزَاءُ شُكْرِهِ لَنَا فَبَاقٍ ، وَقُرِئَ : " جِزَاءً " بِكَسْرِ الْجِيمِ أَيْ : مُجَازَاةً كَقِتَالٍ وَمُقَاتَلَةٍ وَقُرِئَ : " لِمَنْ كَانَ كَفَرَ " بِفَتْحِ الْكَافِ ، وَأَمَّا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=14كُفِرَ ) فَفِيهِ وَجْهَانِ :
أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ كُفِرَ مِثْلَ شُكِرَ يُعَدَّى بِالْحَرْفِ وَبِغَيْرِ حَرْفٍ يُقَالُ : شَكَرْتُهُ وَشَكَرْتُ لَهُ ، قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=152وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ ) [ الْبَقَرَةِ : 152 ] وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=256فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ ) [ الْبَقَرَةِ : 256 ] .
ثَانِيهِمَا : أَنْ يَكُونَ مِنَ الْكُفْرِ لَا مِنَ الْكُفْرَانِ أَيْ : جَزَاءً لِمَنْ سُتِرَ أَمْرُهُ وَأُنْكِرَ شَأْنُهُ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ : كُفِرَ بِهِ وَتُرِكَ لِظُهُورِ الْمُرَادِ .