(
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=15ولقد تركناها آية فهل من مدكر )
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=15ولقد تركناها آية ) وفي العائد إليه الضمير وجهان .
أحدهما : عائد إلى مذكور وهو السفينة التي فيها ألواح ، وعلى هذا ففيه وجهان .
أحدهما :
nindex.php?page=treesubj&link=31827ترك الله عينها مدة حتى رؤيت وعلمت وكانت على الجودي بالجزيرة ، وقيل بأرض
الهند .
وثانيهما : ترك مثلها في الناس يذكر . وثاني الوجهين الأولين أنه عائد إلى معلوم أي : تركنا السفينة آية ، والأول أظهر وعلى هذا الوجه يحتمل أن يقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=15تركناها ) أي جعلناها آية ؛ لأنها بعد الفراغ منها صارت متروكة ومجعولة ، يقول القائل : تركت فلانا مثلة أي جعلته ، لما بينا أنه من فرغ من أمر تركه وجعله فذكر أحد الفعلين بدلا عن الآخر .
وقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=15nindex.php?page=treesubj&link=29025_18648فهل من مدكر ) إشارة إلى أن الأمر من جانب الرسل قد تم ولم يبق إلا جانب المرسل
[ ص: 37 ] إليهم بأن كانوا منذرين متفكرين يهتدون بفضل الله (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=15فهل من مدكر ) مهتد ، وهذا الكلام يصلح حثا ويصلح تخويفا وزجرا ، وفيه مسائل :
الأولى : قال هاهنا (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=15ولقد تركناها ) وقال في العنكبوت : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=15وجعلناها آية ) [ العنكبوت : 15 ] قلنا هما وإن كانا في المعنى واحدا على ما تقدم بيانه لكن لفظ الترك يدل على الجعل والفراغ بالأيام فكأنها هنا مذكورة بالتفصيل حيث بين الإمطار من السماء وتفجير الأرض وذكر السفينة بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=13ذات ألواح ودسر ) وذكر جريها فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=15تركناها ) إشارة إلى تمام الفعل المقدور وقال هناك : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=15وجعلناها ) إشارة إلى بعض ذلك ، فإن قيل : إن كان الأمر كذلك فكيف قال هاهنا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=13وحملناه ) ولم يقل : وأصحابه وقال هناك : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=15فأنجيناه وأصحاب السفينة ) [ العنكبوت : 15 ] ؟ نقول : النجاة هاهنا مذكورة على وجه أبلغ مما ذكره هناك ؛ لأنه قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=14تجري بأعيننا ) أي : حفظنا وحفظ السفينة حفظ لأصحابه وحفظ لأموالهم ودوابهم والحيوانات التي معهم فقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=15فأنجيناه وأصحاب السفينة ) لا يلزم منه إنجاء الأموال إلا ببيان آخر والحكاية في سورة هود أشد تفصيلا وأتم فلهذا قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=40قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين ) [ هود : 40 ] يعني المحمول ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=44واستوت على الجودي ) [ هود : 44 ] تصريحا بخلاص السفينة وإشارة إلى خلاص كل من فيها وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=15آية ) منصوبة على أنها مفعول ثان للترك ؛ لأنه بمعنى الجعل على ما تقدم بيانه وهو الظاهر ، ويحتمل أن يقال : حال فإنك تقول : تركتها وهي آية وهي إن لم تكن على وزن الفاعل والمفعول فهي في معناه كأنه قال : تركناها دالة ، ويحتمل أن يقال : نصبها على التمييز ؛ لأنها بعض وجوه الترك كقوله ضربته سوطا .
المسألة الثانية : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=15مدكر ) مفتعل من ذكر يذكر وأصله مذتكر ، لما كان مخرج الذال قريبا من مخرج التاء ، والحروف المتقاربة المخرج يصعب النطق بها على التوالي ولهذا إذا نظرت إلى
nindex.php?page=treesubj&link=28905_28907الذال مع التاء عند النطق تقرب الذال من أن تصير تاء والتاء تقرب من أن تصير دالا فجعل التاء دالا ثم أدغمت الدال فيها ومنهم من قرأ على الأصل مذتكر ، ومنهم من قلب التاء دالا وقرأ مذدكر ومن اللغويين من يقول في مدكر مذدكر فيقلب التاء ولا يدغم ولكل وجهة ، والمدكر المعتبر المتفكر ، وفي قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=15مدكر ) إما إشارة إلى ما في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=172ألست بربكم قالوا بلى ) [ الأعراف : 172 ] أي : هل من يتذكر تلك الحالة وإما إلى وضوح الأمر كأنه حصل للكل آيات الله ونسوها (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=15فهل من مدكر ) يتذكر شيئا منها .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=15وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ )
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=15وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً ) وَفِي الْعَائِدِ إِلَيْهِ الضَّمِيرُ وَجْهَانِ .
أَحَدُهُمَا : عَائِدٌ إِلَى مَذْكُورٍ وَهُوَ السَّفِينَةُ الَّتِي فِيهَا أَلْوَاحٌ ، وَعَلَى هَذَا فَفِيهِ وَجْهَانِ .
أَحَدُهُمَا :
nindex.php?page=treesubj&link=31827تَرَكَ اللَّهُ عَيْنَهَا مُدَّةً حَتَّى رُؤِيَتْ وَعُلِمَتْ وَكَانَتْ عَلَى الْجُودِيِّ بِالْجَزِيرَةِ ، وَقِيلَ بِأَرْضِ
الْهِنْدِ .
وَثَانِيهِمَا : تُرِكَ مَثَلُهَا فِي النَّاسِ يُذْكَرُ . وَثَانِي الْوَجْهَيْنِ الْأَوَّلِينَ أَنَّهُ عَائِدٌ إِلَى مَعْلُومٍ أَيْ : تَرَكْنَا السَّفِينَةَ آيَةً ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=15تَرَكْنَاهَا ) أَيْ جَعَلْنَاهَا آيَةً ؛ لِأَنَّهَا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا صَارَتْ مَتْرُوكَةً وَمَجْعُولَةً ، يَقُولُ الْقَائِلُ : تَرَكْتُ فُلَانًا مَثُلَةً أَيْ جَعَلْتُهُ ، لَمَّا بَيَّنَّا أَنَّهُ مِنْ فَرَغَ مِنْ أَمْرٍ تَرَكَهُ وَجَعَلَهُ فَذَكَرَ أَحَدَ الْفِعْلَيْنِ بَدَلًا عَنِ الْآخَرِ .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=15nindex.php?page=treesubj&link=29025_18648فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ) إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْأَمْرَ مِنْ جَانِبِ الرُّسُلِ قَدْ تَمَّ وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا جَانِبُ الْمُرْسَلِ
[ ص: 37 ] إِلَيْهِمْ بِأَنْ كَانُوا مُنْذَرِينَ مُتَفَكِّرِينَ يَهْتَدُونَ بِفَضْلِ اللَّهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=15فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ) مُهْتَدٍ ، وَهَذَا الْكَلَامُ يَصْلُحُ حَثًّا وَيَصْلُحُ تَخْوِيفًا وَزَجْرًا ، وَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْأُولَى : قَالَ هَاهُنَا (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=15وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا ) وَقَالَ فِي الْعَنْكَبُوتِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=15وَجَعَلْنَاهَا آيَةً ) [ الْعَنْكَبُوتِ : 15 ] قُلْنَا هُمَا وَإِنْ كَانَا فِي الْمَعْنَى وَاحِدًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ لَكِنَّ لَفْظَ التَّرْكِ يَدُلُّ عَلَى الْجَعْلِ وَالْفَرَاغِ بِالْأَيَّامِ فَكَأَنَّهَا هُنَا مَذْكُورَةٌ بِالتَّفْصِيلِ حَيْثُ بَيَّنَ الْإِمْطَارَ مِنَ السَّمَاءِ وَتَفْجِيرَ الْأَرْضِ وَذَكَرَ السَّفِينَةَ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=13ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ ) وَذَكَرَ جَرْيَهَا فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=15تَرَكْنَاهَا ) إِشَارَةً إِلَى تَمَامِ الْفِعْلِ الْمَقْدُورِ وَقَالَ هُنَاكَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=15وَجَعَلْنَاهَا ) إِشَارَةً إِلَى بَعْضِ ذَلِكَ ، فَإِنْ قِيلَ : إِنْ كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَكَيْفَ قَالَ هَاهُنَا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=13وَحَمَلْنَاهُ ) وَلَمْ يَقُلْ : وَأَصْحَابَهُ وَقَالَ هُنَاكَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=15فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ ) [ الْعَنْكَبُوتِ : 15 ] ؟ نَقُولُ : النَّجَاةُ هَاهُنَا مَذْكُورَةٌ عَلَى وَجْهٍ أَبْلَغَ مِمَّا ذَكَرَهُ هُنَاكَ ؛ لِأَنَّهُ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=14تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا ) أَيْ : حِفْظِنَا وَحِفْظُ السَّفِينَةِ حِفْظٌ لِأَصْحَابِهِ وَحِفْظٌ لِأَمْوَالِهِمْ وَدَوَابِّهِمْ وَالْحَيَوَانَاتِ الَّتِي مَعَهُمْ فَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=15فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ ) لَا يَلْزَمُ مِنْهُ إِنْجَاءُ الْأَمْوَالِ إِلَّا بِبَيَانٍ آخَرَ وَالْحِكَايَةُ فِي سُورَةِ هُودٍ أَشَدُّ تَفْصِيلًا وَأَتَمُّ فَلِهَذَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=40قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ ) [ هُودٍ : 40 ] يَعْنِي الْمَحْمُولَ ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=44وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ ) [ هُودٍ : 44 ] تَصْرِيحًا بِخَلَاصِ السَّفِينَةِ وَإِشَارَةً إِلَى خَلَاصِ كُلِّ مَنْ فِيهَا وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=15آيَةً ) مَنْصُوبَةٌ عَلَى أَنَّهَا مَفْعُولٌ ثَانٍ لِلتَّرْكِ ؛ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى الْجَعْلِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَهُوَ الظَّاهِرُ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ : حَالٌ فَإِنَّكَ تَقُولُ : تَرَكْتُهَا وَهِيَ آيَةٌ وَهِيَ إِنْ لَمْ تَكُنْ عَلَى وَزْنِ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ فَهِيَ فِي مَعْنَاهُ كَأَنَّهُ قَالَ : تَرَكْنَاهَا دَالَّةً ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ : نَصْبُهَا عَلَى التَّمْيِيزِ ؛ لِأَنَّهَا بَعْضُ وُجُوهِ التِّرْكِ كَقَوْلِهِ ضَرَبْتُهُ سَوْطًا .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=15مُدَّكِرٍ ) مُفْتَعِلٌ مِنْ ذَكَرَ يَذْكُرُ وَأَصْلُهُ مُذْتَكِرٌ ، لَمَّا كَانَ مَخْرَجُ الذَّالِ قَرِيبًا مِنْ مَخْرَجِ التَّاءِ ، وَالْحُرُوفُ الْمُتَقَارِبَةُ الْمَخْرَجِ يَصْعُبُ النُّطْقُ بِهَا عَلَى التَّوَالِي وَلِهَذَا إِذَا نَظَرْتَ إِلَى
nindex.php?page=treesubj&link=28905_28907الذَّالِ مَعَ التَّاءِ عِنْدَ النُّطْقِ تَقْرُبُ الذَّالُ مِنْ أَنْ تَصِيرَ تَاءً وَالتَّاءُ تَقْرُبُ مِنْ أَنْ تَصِيرَ دَالًا فَجُعِلَ التَّاءُ دَالًا ثُمَّ أُدْغِمَتِ الدَّالُ فِيهَا وَمِنْهُمْ مَنْ قَرَأَ عَلَى الْأَصْلِ مُذْتَكِرٌ ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَلَبَ التَّاءَ دَالًا وَقَرَأَ مُذْدَكِرٌ وَمِنَ اللُّغَوِيِّينَ مَنْ يَقُولُ فِي مُدَّكِرٍ مُذْدَكِرٌ فَيَقْلِبُ التَّاءَ وَلَا يُدْغِمُ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ ، وَالْمُدَّكِرُ الْمُعْتَبِرُ الْمُتَفَكِّرُ ، وَفِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=15مُدَّكِرٍ ) إِمَّا إِشَارَةٌ إِلَى مَا فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=172أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى ) [ الْأَعْرَافِ : 172 ] أَيْ : هَلْ مَنْ يَتَذَكَّرُ تِلْكَ الْحَالَةَ وَإِمَّا إِلَى وُضُوحِ الْأَمْرِ كَأَنَّهُ حَصَلَ لِلْكُلِّ آيَاتُ اللَّهِ وَنَسُوهَا (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=15فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ) يَتَذَكَّرُ شَيْئًا مِنْهَا .