[ ص: 71 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=55nindex.php?page=treesubj&link=29025_30387في مقعد صدق عند مليك مقتدر )
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=55في مقعد صدق عند مليك مقتدر ) فيه مسائل :
المسألة الأولى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=55في مقعد صدق ) كيف مخرجه ؟ نقول : يحتمل وجهين : أحدهما : أن يكون على صورة بدل ، كما يقول القائل : فلان في بلدة كذا في دار كذا ، وعلى هذا يكون " مقعد " من جملة الجنات موضعا مختارا له مزية على ما في الجنات من المواضع ، وعلى هذا قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=55عند مليك ) لأنا بينا في أحد الوجوه أن المراد من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=54في جنات ونهر ) في جنات عند نهر ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=55في مقعد صدق عند مليك مقتدر ) ويحتمل أن يقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=55عند مليك ) صفة مقعد صدق ، تقول درهم في ذمة مليء خير من دينار في ذمة معسر ، وقليل عند أمين أفضل من كثير عند خائن ، فيكون صفة ، وإلا لما حسن جعله مبتدأ . ثانيهما : أن يكون : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=55في مقعد صدق ) كالصفة لجنات ونهر ، أي في جنات ونهر موصوفين بأنهما في مقعد صدق ، تقول : وقفة في سبيل الله أفضل من كذا و (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=55عند مليك ) صفة بعد صفة .
المسألة الثانية : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=55في مقعد صدق ) يدل على لبث لا يدل عليه المجلس ، وذلك لأن قعد وجلس ليسا على ما يظن أنهما بمعنى واحد لا فرق بينهما ، بل بينهما فرق ولكن لا يظهر إلا للبارع ، والفرق هو أن القعود جلوس فيه مكث حقيقة واقتضاء ، ويدل عليه وجوه :
الأول : هو أن الزمن يسمى مقعدا ولا يسمى مجلسا لطول المكث حقيقة . ومنه سمي قواعد البيت . والقواعد من النساء قواعد ولا يقال لهن : جوالس لعدم دلالة الجلوس على المكث الطويل ، فذكر القواعد في الموضعين لكونه مستقرا بين الدوام والثبات على حالة واحدة . ويقال للمركوب من الإبل قعود لدوام اقتعاده اقتضاء ، وإن لم يكن حقيقة فهو لصونه عن الحمل واتخاذه للركوب كأنه وجد فيه نوع قعود دائم اقتضى ذلك ولم يرد للإجلاس . الثاني : النظر إلى تقاليب الحروف فإنك إذا نظرت إلى " ق ع د " وقلبتها تجد معنى المكث في الكل فإذا قدمت القاف رأيت قعد وقدع بمعنى ، ومنه تقادع الفراش بمعنى تهافت ، وإذا قدمت العين رأيت عقد وعدق بمعنى المكث في غاية الظهور ، وفي عدق لخفاء يقال : أعدق بيدك الدلو في البئر إذا أمره بطلبه بعد وقوعه فيها ، والعودقة خشبة عليها كلاب يخرج معه الدلو الواقع في البئر ، وإذا قدمت الدال رأيت دقع ودعق والمكث في الدقع ظاهر والدقعاء هي التراب الملتصق بالأرض ، والفقر المدقع هو الذي يلصق صاحبه بالتراب . وفي دعق أيضا إذ الدعق مكان تطؤه الدواب بحوافرها فيكون صلبا أجزاؤه متداخل بعضها ببعض لا يتحرك شيء منها عن موضعه . الوجه الثالث : الاستعمالات في القعود إذا اعتبرت ظهر ما ذكرنا قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=95لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر ) [ النساء : 95 ] والمراد الذي لا يكون بعده اتباع ، وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=121مقاعد للقتال ) [ آل عمران : 121 ] مع أنه تعالى قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=4إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص ) [ الصف : 4 ] فأشار إلى الثبات العظيم . وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=45إذا لقيتم فئة فاثبتوا ) [ الأنفال : 45 ] فالمقاعد إذن هي المواضع التي يكون فيها المقاتل بثبات ومكث ، وإطلاق مقعدة على العضو الذي عليه القعود أيضا يدل عليه ، إذا عرفت هذا الفرق بين الجلوس والقعود حصل لك فوائد منها ههنا فإنه يدل على دوام المكث وطول اللبث ، ومنها في قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=17عن اليمين وعن الشمال قعيد ) [ ق : 17 ] فإن القعيد بمعنى الجليس والنديم ، ثم إذا عرف هذا وقيل
[ ص: 72 ] للمفسرين الظاهرين فما الفائدة في اختيار لفظ القعيد بدل لفظ الجليس مع أن الجليس أشهر ؟ يكون جوابهم أن آخر الآيات من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=16حبل الوريد ) [ ق : 16 ] و (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=23لدي عتيد ) [ ق : 23 ] وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=59جبار عنيد ) [ هود : 59 ] يناسب القعيد لا الجليس ،
nindex.php?page=treesubj&link=28899وإعجاز القرآن ليس في السجع ، وإذا نظرت إلى ما ذكر تبين لك فائدة جليلة معنوية حكمية في وضع اللفظ المناسب ؛ لأن القعيد دل على أنهما لا يفارقانه ويداومان الجلوس معه ، وهذا هو المعجز وذلك لأن الشاعر يختار اللفظ الفاسد لضرورة الشعر والسجع ، ويجعل المعنى تبعا للفظ ، والله تعالى بين الحكمة على ما ينبغي ، وجاء باللفظ على أحسن ما ينبغي ، وفائدة أخرى في قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=11ياأيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا يفسح الله لكم وإذا قيل انشزوا فانشزوا ) [ المجادلة : 11 ] فإن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=11فافسحوا ) [ المجادلة : 11 ] إشارة إلى الحركة ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=11فانشزوا ) [ المجادلة : 11 ] إشارة إلى ترك الجلوس ، فذكر المجلس إشارة إلى أن ذلك موضع جلوس ، فلا يجب ملازمته وليس بمقعد حتى لا يفارقونه .
المسألة الثالثة : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=55في مقعد صدق ) وجهان : أحدهما : " مقعد صدق " ، أي صالح ، يقال : رجل صدق للصالح ، ورجل سوء للفاسد ، وقد ذكرناه في سورة : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=1إنا فتحنا ) [ الفتح : 1 ] في قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=12وظننتم ظن السوء ) [ الفتح : 12 ] ، وثانيهما : الصدق المراد منه ضد الكذب ، وعلى هذا ففيه وجهان . الأول : مقعد صدق من أخبر عنه وهو الله ورسوله . الثاني : مقعد ناله من صدق فقال : بأن الله واحد وأن
محمدا رسوله ، ويحتمل أن يقال المراد أنه مقعد لا يوجد فيه كذب ؛ لأن الله تعالى صادق ويستحيل عليه الكذب ، ومن وصل إليه امتنع عليه الكذب ؛ لأن مظنة الكذب الجهل ، والواصل إليه يعلم الأشياء كما هي ، ويستغني بفضل الله عن أن يكذب ليستفيد بكذبه شيئا ، فهو مقعد صدق ، وكلمة ( عند ) قد عرفت معناها ، والمراد منه قرب المنزلة والشأن لا قرب المعنى والمكان ، وقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=55مليك مقتدر ) لأن القربة من الملوك لذيذة كلما كان الملك أشد اقتدارا كان المتقرب منه أشد التذاذا وفيه إشارة إلى مخالفة معنى القرب منه من معنى القرب من الملوك ، فإن الملوك يقربون من يكون ممن يحبونه وممن يرهبونه ، مخافة أن يعصوا عليه وينحازوا إلى عدوه فيغلبونه ، والله تعالى قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=55مقتدر ) لا يقرب أحدا إلا بفضله .
والحمد لله وصلاته على سيدنا
محمد خير خلقه وآله وصحبه وسلامه .
[ ص: 71 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=55nindex.php?page=treesubj&link=29025_30387فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ )
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=55فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ ) فِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=55فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ ) كَيْفَ مَخْرَجُهُ ؟ نَقُولُ : يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ عَلَى صُورَةِ بَدَلٍ ، كَمَا يَقُولُ الْقَائِلُ : فُلَانٌ فِي بَلْدَةِ كَذَا فِي دَارِ كَذَا ، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ " مَقْعَدِ " مِنْ جُمْلَةِ الْجَنَّاتِ مَوْضِعًا مُخْتَارًا لَهُ مَزِيَّةٌ عَلَى مَا فِي الْجَنَّاتِ مِنَ الْمَوَاضِعِ ، وَعَلَى هَذَا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=55عِنْدَ مَلِيكٍ ) لِأَنَّا بَيَّنَّا فِي أَحَدِ الْوُجُوهِ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=54فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ ) فِي جَنَّاتٍ عِنْدَ نَهَرٍ ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=55فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ ) وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=55عِنْدَ مَلِيكٍ ) صِفَةُ مَقْعَدِ صِدْقٍ ، تَقُولُ دِرْهَمٌ فِي ذِمَّةِ مَلِيءٍ خَيْرٌ مِنْ دِينَارٍ فِي ذِمَّةِ مُعْسِرٍ ، وَقَلِيلٌ عِنْدَ أَمِينٍ أَفْضَلُ مِنْ كَثِيرٍ عِنْدَ خَائِنٍ ، فَيَكُونُ صِفَةً ، وَإِلَّا لَمَا حَسُنَ جَعْلُهُ مُبْتَدَأً . ثَانِيهِمَا : أَنْ يَكُونَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=55فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ ) كَالصِّفَةِ لِجَنَّاتٍ وَنَهَرٍ ، أَيْ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ مَوْصُوفَيْنِ بِأَنَّهُمَا فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ ، تَقُولُ : وَقْفَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَفْضَلُ مِنْ كَذَا وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=55عِنْدَ مَلِيكٍ ) صِفَةٌ بَعْدَ صِفَةٍ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=55فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ ) يَدُلُّ عَلَى لُبْثٍ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْمَجْلِسُ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ قَعَدَ وَجَلَسَ لَيْسَا عَلَى مَا يُظَنُّ أَنَّهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا ، بَلْ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ وَلَكِنْ لَا يَظْهَرُ إِلَّا لِلْبَارِعِ ، وَالْفَرْقُ هُوَ أَنَّ الْقُعُودَ جُلُوسٌ فِيهِ مُكْثٌ حَقِيقَةً وَاقْتِضَاءً ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ وُجُوهٌ :
الْأَوَّلُ : هُوَ أَنَّ الزَّمَنَ يُسَمَّى مَقْعَدًا وَلَا يُسَمَّى مَجْلِسًا لِطُولِ الْمُكْثِ حَقِيقَةً . وَمِنْهُ سُمِّيَ قَوَاعِدُ الْبَيْتِ . وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ قَوَاعِدُ وَلَا يُقَالُ لَهُنَّ : جَوَالِسُ لِعَدَمِ دَلَالَةِ الْجُلُوسِ عَلَى الْمُكْثِ الطَّوِيلِ ، فَذَكَرَ الْقَوَاعِدَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ لِكَوْنِهِ مُسْتَقِرًّا بَيْنَ الدَّوَامِ وَالثَّبَاتِ عَلَى حَالَةٍ وَاحِدَةٍ . وَيُقَالُ لِلْمَرْكُوبِ مِنَ الْإِبِلِ قَعُودٌ لِدَوَامِ اقْتِعَادِهِ اقْتِضَاءً ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَقِيقَةً فَهُو لِصَوْنِهِ عَنِ الْحَمْلِ وَاتِّخَاذِهِ لِلرُّكُوبِ كَأَنَّهُ وُجِدَ فِيهِ نَوْعُ قُعُودٍ دَائِمٍ اقْتَضَى ذَلِكَ وَلَمْ يُرَدْ لِلْإِجْلَاسِ . الثَّانِي : النَّظَرُ إِلَى تَقَالِيبِ الْحُرُوفِ فَإِنَّكَ إِذَا نَظَرْتَ إِلَى " ق ع د " وَقَلَبْتَهَا تَجِدُ مَعْنَى الْمُكْثِ فِي الْكُلِّ فَإِذَا قَدَّمْتَ الْقَافَ رَأَيْتَ قَعَدَ وَقَدَعَ بِمَعْنًى ، وَمِنْهُ تَقَادَعَ الْفَرَاشُ بِمَعْنَى تَهَافَتَ ، وَإِذَا قَدَّمْتَ الْعَيْنَ رَأَيْتَ عَقَدَ وَعَدَقَ بِمَعْنَى الْمُكْثِ فِي غَايَةِ الظُّهُورِ ، وَفِي عَدَقَ لِخَفَاءٍ يُقَالُ : أَعْدِقْ بِيَدِكَ الدَّلْوَ فِي الْبِئْرِ إِذَا أَمَرَهُ بِطَلَبِهِ بَعْدَ وُقُوعِهِ فِيهَا ، وَالْعَوْدَقَةُ خَشْبَةٌ عَلَيْهَا كُلَّابٌ يَخْرُجُ مَعَهُ الدَّلْوُ الْوَاقِعُ فِي الْبِئْرِ ، وَإِذَا قَدَّمْتَ الدَّالَ رَأَيْتَ دَقَعَ وَدَعَقَ وَالْمُكْثُ فِي الدَّقْعِ ظَاهِرٌ وَالدَّقْعَاءُ هِيَ التُّرَابُ الْمُلْتَصِقُ بِالْأَرْضِ ، وَالْفَقْرُ الْمُدْقَعُ هُوَ الَّذِي يُلْصَقُ صَاحِبُهُ بِالتُّرَابِ . وَفِي دَعَقَ أَيْضًا إِذِ الدَّعْقُ مَكَانٌ تَطَؤُهُ الدَّوَابُّ بِحَوَافِرِهَا فَيَكُونُ صَلْبًا أَجْزَاؤُهُ مُتَدَاخِلٌ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ لَا يَتَحَرَّكُ شَيْءٌ مِنْهَا عَنْ مَوْضِعِهِ . الْوَجْهُ الثَّالِثُ : الِاسْتِعْمَالَاتُ فِي الْقُعُودِ إِذَا اعْتُبِرَتْ ظَهَرَ مَا ذَكَرْنَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=95لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ ) [ النِّسَاءِ : 95 ] وَالْمُرَادُ الَّذِي لَا يَكُونُ بَعْدَهُ اتِّبَاعٌ ، وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=121مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ ) [ آلِ عِمْرَانَ : 121 ] مَعَ أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=4إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ ) [ الصَّفِّ : 4 ] فَأَشَارَ إِلَى الثَّبَاتِ الْعَظِيمِ . وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=45إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا ) [ الْأَنْفَالِ : 45 ] فَالْمَقَاعِدُ إِذَنْ هِيَ الْمَوَاضِعُ الَّتِي يَكُونُ فِيهَا الْمُقَاتِلُ بِثَبَاتٍ وَمُكْثٍ ، وَإِطْلَاقُ مَقْعَدَةٍ عَلَى الْعُضْوِ الَّذِي عَلَيْهِ الْقُعُودُ أَيْضًا يَدُلُّ عَلَيْهِ ، إِذَا عَرَفْتَ هَذَا الْفَرْقَ بَيْنَ الْجُلُوسِ وَالْقُعُودِ حَصَلَ لَكَ فَوَائِدُ مِنْهَا هَهُنَا فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى دَوَامِ الْمُكْثِ وَطُولِ اللُّبْثِ ، وَمِنْهَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=17عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ ) [ ق : 17 ] فَإِنَّ الْقَعِيدَ بِمَعْنَى الْجَلِيسِ وَالنَّدِيمِ ، ثُمَّ إِذَا عُرِفَ هَذَا وَقِيلَ
[ ص: 72 ] لِلْمُفَسِّرِينَ الظَّاهِرِينَ فَمَا الْفَائِدَةُ فِي اخْتِيَارِ لَفْظِ الْقَعِيدِ بَدَلَ لَفْظِ الْجَلِيسِ مَعَ أَنَّ الْجَلِيسَ أَشْهَرُ ؟ يَكُونُ جَوَابُهُمْ أَنَّ آخِرَ الْآيَاتِ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=16حَبْلِ الْوَرِيدِ ) [ ق : 16 ] وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=23لَدَيَّ عَتِيدٌ ) [ ق : 23 ] وَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=59جَبَّارٍ عَنِيدٍ ) [ هُودٍ : 59 ] يُنَاسِبُ الْقَعِيدَ لَا الْجَلِيسَ ،
nindex.php?page=treesubj&link=28899وَإِعْجَازُ الْقُرْآنِ لَيْسَ فِي السَّجْعِ ، وَإِذَا نَظَرْتَ إِلَى مَا ذُكِرَ تَبَيَّنَ لَكَ فَائِدَةٌ جَلِيلَةٌ مَعْنَوِيَّةٌ حِكْمِيَّةٌ فِي وَضْعِ اللَّفْظِ الْمُنَاسِبِ ؛ لِأَنَّ الْقَعِيدَ دَلَّ عَلَى أَنَّهُمَا لَا يُفَارِقَانِهِ وَيُدَاوِمَانِ الْجُلُوسَ مَعَهُ ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْجِزُ وَذَلِكَ لِأَنَّ الشَّاعِرَ يَخْتَارُ اللَّفْظَ الْفَاسِدَ لِضَرُورَةِ الشِّعْرِ وَالسَّجْعِ ، وَيَجْعَلُ الْمَعْنَى تَبَعًا لِلَّفْظِ ، وَاللَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ الْحِكْمَةَ عَلَى مَا يَنْبَغِي ، وَجَاءَ بِاللَّفْظِ عَلَى أَحْسَنِ مَا يَنْبَغِي ، وَفَائِدَةٌ أُخْرَى فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=11يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا ) [ الْمُجَادَلَةِ : 11 ] فَإِنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=11فَافْسَحُوا ) [ الْمُجَادَلَةِ : 11 ] إِشَارَةٌ إِلَى الْحَرَكَةِ ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=11فَانْشُزُوا ) [ الْمُجَادَلَةِ : 11 ] إِشَارَةٌ إِلَى تَرْكِ الْجُلُوسِ ، فَذَكَرَ الْمَجْلِسَ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ ذَلِكَ مَوْضِعُ جُلُوسٍ ، فَلَا يَجِبُ مُلَازَمَتُهُ وَلَيْسَ بِمَقْعَدٍ حَتَّى لَا يُفَارِقُونَهُ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=55فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ ) وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : " مَقْعَدِ صِدْقٍ " ، أَيْ صَالِحٍ ، يُقَالُ : رَجُلُ صِدْقٍ لِلصَّالِحِ ، وَرَجُلُ سَوْءٍ لِلْفَاسِدِ ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي سُورَةِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=1إِنَّا فَتَحْنَا ) [ الْفَتْحِ : 1 ] فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=12وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ ) [ الْفَتْحِ : 12 ] ، وَثَانِيهِمَا : الصِّدْقُ الْمُرَادُ مِنْهُ ضِدُّ الْكَذِبِ ، وَعَلَى هَذَا فَفِيهِ وَجْهَانِ . الْأَوَّلُ : مَقْعَدُ صِدْقِ مَنْ أَخْبَرَ عَنْهُ وَهُوَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ . الثَّانِي : مَقْعَدٌ نَالَهُ مَنْ صَدَقَ فَقَالَ : بِأَنَّ اللَّهَ وَاحِدٌ وَأَنَّ
مُحَمَّدًا رَسُولُهُ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ أَنَّهُ مَقْعَدٌ لَا يُوجَدُ فِيهِ كَذِبٌ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى صَادِقٌ وَيَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ الْكَذِبُ ، وَمَنْ وَصَلَ إِلَيْهِ امْتَنَعَ عَلَيْهِ الْكَذِبُ ؛ لِأَنَّ مَظَنَّةَ الْكَذِبِ الْجَهْلُ ، وَالْوَاصِلُ إِلَيْهِ يَعْلَمُ الْأَشْيَاءَ كَمَا هِيَ ، وَيَسْتَغْنِي بِفَضْلِ اللَّهِ عَنْ أَنْ يَكْذِبَ لِيَسْتَفِيدَ بِكَذِبِهِ شَيْئًا ، فَهُوَ مَقْعَدُ صِدْقٍ ، وَكَلِمَةُ ( عِنْدَ ) قَدْ عَرَفْتَ مَعْنَاهَا ، وَالْمُرَادُ مِنْهُ قُرْبُ الْمَنْزِلَةِ وَالشَّأْنِ لَا قُرْبُ الْمَعْنَى وَالْمَكَانِ ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=55مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ ) لِأَنَّ الْقُرْبَةَ مِنَ الْمُلُوكِ لَذِيذَةٌ كُلَّمَا كَانَ الْمَلِكُ أَشَدَّ اقْتِدَارًا كَانَ الْمُتَقَرِّبُ مِنْهُ أَشَدَّ الْتِذَاذًا وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى مُخَالَفَةِ مَعْنَى الْقُرْبِ مِنْهُ مِنْ مَعْنَى الْقُرْبِ مِنَ الْمُلُوكِ ، فَإِنَّ الْمُلُوكَ يُقَرِّبُونَ مَنْ يَكُونُ مِمَّنْ يُحِبُّونَهُ وَمِمَّنْ يَرْهَبُونَهُ ، مَخَافَةَ أَنْ يَعْصُوا عَلَيْهِ وَيَنْحَازُوا إِلَى عَدُوِّهِ فَيَغْلِبُونَهُ ، وَاللَّهُ تَعَالَى قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=55مُقْتَدِرٍ ) لَا يُقَرِّبُ أَحَدًا إِلَّا بِفَضْلِهِ .
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَصَلَاتُهُ عَلَى سَيِّدِنَا
مُحَمَّدٍ خَيْرِ خَلْقِهِ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَامُهُ .