المسألة الثانية : النجم ماذا ؟ نقول : فيه وجهان :
أحدهما : النبات الذي لا ساق له .
والثاني : نجم السماء والأول أظهر لأنه ذكره مع الشجر في مقابلة الشمس والقمر ذكر أرضين في مقابلة سماوين ، ولأن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=6يسجدان ) يدل على أن المراد ليس نجم السماء لأن من فسر به قال : يسجد بالغروب ، وعلى هذا فالشمس والقمر أيضا كذلك يغربان ، فلا يبقى للاختصاص فائدة ، وأما إذا قلنا : هما أرضان فنقول : (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=6يسجدان ) بمعنى ظلالهما تسجد فيختص السجود بهما دون الشمس والقمر ، وفي سجودهما وجوه :
أحدها : ما ذكرنا من سجود الظلال .
ثانيها : خضوعهما لله تعالى وخروجهما من الأرض ودوامهما وثباتهما عليها بإذن الله تعالى ، فسخر
nindex.php?page=treesubj&link=32441الشمس والقمر بحركة مستديرة والنجم بحركة مستقيمة إلى فوق ، فشبه النبات في مكانها بالسجود لأن الساجد يثبت .
ثالثها : حقيقة السجود توجد منهما وإن لم تكن مرئية كما يسبح كل منهما وإن لم يفقه كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=44ولكن لا تفقهون تسبيحهم ) [ الإسراء : 44 ] .
رابعها : السجود وضع الجبهة أو مقاديم الرأس على الأرض ، والنجم والشجر في الحقيقة رءوسهما على الأرض وأرجلهما في الهواء ، لأن الرأس من الحيوان ما به شربه واغتذاؤه ، وللنجم والشجر اغتذاؤهما وشربهما بأجذالهما ولأن الرأس لا تبقى بدونه الحياة والشجر والنجم لا يبقى شيء منهما ثابتا غضا عند وقوع الخلل في أصولهما ، ويبقى عند قطع فروعهما وأعاليهما ، وإنما يقال : للفروع رءوس الأشجار ، لأن الرأس في الإنسان هو ما يلي جهة فوق فقيل لأعالي الشجر رءوس ، إذا علمت هذا فالنجم والشجر رءوسهما على الأرض دائما ، فهو سجودهما بالشبه لا بطريق الحقيقة .
المسألة الثالثة : في تقديم النجم على الشجر موازنة لفظية للشمس والقمر وأمر معنوي ، وهو أن النجم في معنى السجود أدخل لما أنه ينبسط على الأرض كالساجد حقيقة ، كما أن الشمس في الحسبان أدخل ، لأن حساب سيرها أيسر عند المقومين من حساب سير القمر ، إذ ليس عند المقومين أصعب من تقويم القمر في حساب الزيج .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : النَّجْمُ مَاذَا ؟ نَقُولُ : فِيهِ وَجْهَانِ :
أَحَدُهُمَا : النَّبَاتُ الَّذِي لَا سَاقَ لَهُ .
وَالثَّانِي : نَجْمُ السَّمَاءِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ لِأَنَّهُ ذَكَرَهُ مَعَ الشَّجَرِ فِي مُقَابَلَةِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ ذَكَرَ أَرْضَيْنِ فِي مُقَابَلَةِ سَمَاوَيْنِ ، وَلِأَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=6يَسْجُدَانِ ) يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ لَيْسَ نَجْمَ السَّمَاءِ لِأَنَّ مَنْ فَسَّرَ بِهِ قَالَ : يَسْجُدُ بِالْغُرُوبِ ، وَعَلَى هَذَا فَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ أَيْضًا كَذَلِكَ يَغْرُبَانِ ، فَلَا يَبْقَى لِلِاخْتِصَاصِ فَائِدَةٌ ، وَأَمَّا إِذَا قُلْنَا : هُمَا أَرْضَانِ فَنَقُولُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=6يَسْجُدَانِ ) بِمَعْنَى ظِلَالِهِمَا تَسْجُدُ فَيَخْتَصُّ السُّجُودُ بِهِمَا دُونَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ ، وَفِي سُجُودِهِمَا وُجُوهٌ :
أَحَدُهَا : مَا ذَكَرْنَا مِنْ سُجُودِ الظِّلَالِ .
ثَانِيهَا : خُضُوعُهُمَا لِلَّهِ تَعَالَى وَخُرُوجُهُمَا مِنَ الْأَرْضِ وَدَوَامُهُمَا وَثَبَاتُهُمَا عَلَيْهَا بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى ، فَسَخَّرَ
nindex.php?page=treesubj&link=32441الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ بِحَرَكَةٍ مُسْتَدِيرَةٍ وَالنَّجْمَ بِحَرَكَةٍ مُسْتَقِيمَةٍ إِلَى فَوْقُ ، فَشَبَّهَ النَّبَاتَ فِي مَكَانِهَا بِالسُّجُودِ لِأَنَّ السَّاجِدَ يَثْبُتُ .
ثَالِثُهَا : حَقِيقَةُ السُّجُودِ تُوجَدُ مِنْهُمَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَرْئِيَّةً كَمَا يُسَبِّحُ كُلٌّ مِنْهُمَا وَإِنْ لَمْ يُفْقَهْ كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=44وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ) [ الْإِسْرَاءِ : 44 ] .
رَابِعُهَا : السُّجُودُ وَضْعُ الْجَبْهَةِ أَوْ مَقَادِيمِ الرَّأْسِ عَلَى الْأَرْضِ ، وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ فِي الْحَقِيقَةِ رُءُوسُهُمَا عَلَى الْأَرْضِ وَأَرْجُلُهُمَا فِي الْهَوَاءِ ، لِأَنَّ الرَّأْسَ مِنَ الْحَيَوَانِ مَا بِهِ شُرْبُهُ وَاغْتِذَاؤُهُ ، وَلِلنَّجْمِ وَالشَّجَرِ اغْتَذَاؤُهُمَا وَشُرْبُهُمَا بِأَجْذَالِهِمَا وَلِأَنَّ الرَّأْسَ لَا تَبْقَى بِدُونِهِ الْحَيَاةُ وَالشَّجَرُ وَالنَّجْمُ لَا يَبْقَى شَيْءٌ مِنْهُمَا ثَابِتًا غَضًّا عِنْدَ وُقُوعِ الْخَلَلِ فِي أُصُولِهِمَا ، وَيَبْقَى عِنْدَ قَطْعِ فُرُوعِهِمَا وَأَعَالِيهِمَا ، وَإِنَّمَا يُقَالُ : لِلْفُرُوعِ رُءُوسُ الْأَشْجَارِ ، لِأَنَّ الرَّأْسَ فِي الْإِنْسَانِ هُوَ مَا يَلِي جِهَةَ فَوْقُ فَقِيلَ لِأَعَالِي الشَّجَرِ رُءُوسٌ ، إِذَا عَلِمْتَ هَذَا فَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ رُءُوسُهُمَا عَلَى الْأَرْضِ دَائِمًا ، فَهُوَ سُجُودُهُمَا بِالشَّبَهِ لَا بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : فِي تَقْدِيمِ النَّجْمِ عَلَى الشَّجَرِ مُوَازَنَةٌ لَفْظِيَّةٌ لِلشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَأَمْرٌ مَعْنَوِيٌّ ، وَهُوَ أَنَّ النَّجْمَ فِي مَعْنَى السُّجُودِ أَدْخَلُ لِمَا أَنَّهُ يَنْبَسِطُ عَلَى الْأَرْضِ كَالسَّاجِدِ حَقِيقَةً ، كَمَا أَنَّ الشَّمْسَ فِي الْحُسْبَانِ أَدْخَلُ ، لِأَنَّ حِسَابَ سَيْرِهَا أَيْسَرُ عِنْدَ الْمُقَوِّمِينَ مِنْ حِسَابِ سَيْرِ الْقَمَرِ ، إِذْ لَيْسَ عِنْدَ الْمُقَوِّمِينَ أَصْعَبُ مِنْ تَقْوِيمِ الْقَمَرِ فِي حِسَابِ الزِّيجِ .