(
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=33nindex.php?page=treesubj&link=29026_33679يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=34فبأي آلاء ربكما تكذبان )
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=33يامعشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=34فبأي آلاء ربكما تكذبان ) وفيه مسائل :
المسألة الأولى : في وجه الترتيب وحسنه ، وذلك لأنه تعالى لما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=31سنفرغ لكم أيها الثقلان ) وبينا أنه لم يكن له شغل فكأن قائلا قال : فلم كان التأخير إذا لم يكن شغل هناك مانع ؟ فقال : المستعجل يستعجل إما لخوف فوات الأمر بالتأخير ، وإما لحاجة في الحال ، وإما لمجرد الاختيار والإرادة على وجه التأخير ، وبين عدم الحاجة من قبل بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=26كل من عليها فان nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=27ويبقى وجه ربك ) لأن ما يبقى بعد فناء الكل لا يحتاج إلى شيء ، فبين عدم الخوف من الفوات ، وقال : لا يفوتون ولا يقدرون على الخروج من السماوات والأرض ، ولو أمكن خروجهم عنهما لما خرجوا عن ملك الله تعالى ، فهو آخذهم أين كانوا وكيف كانوا .
المسألة الثانية : المعشر الجماعة العظيمة ، وتحقيقه هو أن المعشر العدد الكامل الكثير الذي لا عدد بعده ، إلا بالابتداء فيه حيث يعيد الآحاد ويقول : أحد عشر واثنا عشر وعشرون وثلاثون ، أي ثلاث عشرات فالمعشر كأنه محل العشر الذي هو الكثرة الكاملة .
المسألة الثالثة : هذا الخطاب في الدنيا أو في الآخرة ؟ نقول : الظاهر فيه أنه في الآخرة ، فإن الجن والإنس يريدون الفرار من العذاب فيجدون سبعة صفوف من الملائكة محيطين بأقطار السماوات والأرض ، والأولى ما ذكرنا أنه عام بمعنى لا مهرب ولا مخرج لكم عن ملك الله تعالى ، وأينما توليتم فثم ملك الله ، وأينما تكونوا أتاكم حكم الله .
[ ص: 100 ] المسألة الرابعة : ما الحكمة في تقديم الجن على الإنس ههنا وتقديم الإنس على الجن في قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=88قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ) [ الإسراء : 88 ] ؟ نقول : النفوذ من أقطار السماوات والأرض بالجن أليق إن أمكن ، والإتيان بمثل القرآن بالإنس أليق إن أمكن ، فقدم في كل موضع من يظن به القدرة على ذلك .
المسألة الخامسة : ما معنى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=33لا تنفذون إلا بسلطان ) ؟ نقول : ذلك يحتمل وجوها :
أحدها : أن يكون بيانا بخلاف ما تقدم ، أي ما تنفذون ولا تنفذون إلا بقوة وليس لكم قوة على ذلك .
ثانيها : أن يكون على تقدير وقوع الأمر الأول ، وبيان أن ذلك لا ينفعكم ، وتقديره ما تنفذوا وإن نفذتم ما تنفذون إلا ومعكم سلطان الله ، كما يقول : خرج القوم بأهلهم أي معهم . ثالثها : أن المراد من النفوذ ما هو المقصود منه ؟ وذلك لأن نفوذهم إشارة إلى طلب خلاصهم فقال : لا تنفذون من أقطار السماوات ، ولا تتخلصون من العذاب ولا تجدون ما تطلبون من النفوذ وهو الخلاص من العذاب إلا بسلطان من الله يجيركم وإلا فلا مجير لكم ، كما تقول : لا ينفعك البكاء إلا إذا صدقت وتريد به أن الصدق وحده ينفعك ، لا أنك إن صدقت فينفعك البكاء . رابعها : أن هذا إشارة إلى تقرير التوحيد ، ووجهه هو كأنه تعالى قال : يا أيها الغافل لا يمكنك أن تخرج بذهنك عن أقطار السماوات والأرض فإذا أنت أبدا تشاهد دليلا من دلائل الوحدانية ، ثم هب أنك تنفذ من أقطار السماوات والأرض ، فاعلم أنك لا تنفذ إلا بسلطان تجده خارج السماوات والأرض قاطع دال على وحدانيته تعالى والسلطان هو القوة الكاملة .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=33nindex.php?page=treesubj&link=29026_33679يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=34فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ )
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=33يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=34فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ) وَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : فِي وَجْهِ التَّرْتِيبِ وَحُسْنِهِ ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=31سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ ) وَبَيَّنَّا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ شُغْلٌ فَكَأَنَّ قَائِلًا قَالَ : فَلِمَ كَانَ التَّأْخِيرُ إِذَا لَمْ يَكُنْ شُغْلٌ هُنَاكَ مَانِعٌ ؟ فَقَالَ : الْمُسْتَعْجِلُ يَسْتَعْجِلُ إِمَّا لِخَوْفِ فَوَاتِ الْأَمْرِ بِالتَّأْخِيرِ ، وَإِمَّا لِحَاجَةٍ فِي الْحَالِ ، وَإِمَّا لِمُجَرَّدِ الِاخْتِيَارِ وَالْإِرَادَةِ عَلَى وَجْهِ التَّأْخِيرِ ، وَبَيَّنَ عَدَمَ الْحَاجَةِ مِنْ قَبْلُ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=26كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=27وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ) لِأَنَّ مَا يَبْقَى بَعْدَ فَنَاءِ الْكُلِّ لَا يَحْتَاجُ إِلَى شَيْءٍ ، فَبَيَّنَ عَدَمَ الْخَوْفِ مِنَ الْفَوَاتِ ، وَقَالَ : لَا يَفُوتُونَ وَلَا يَقْدِرُونَ عَلَى الْخُرُوجِ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ، وَلَوْ أَمْكَنَ خُرُوجُهُمْ عَنْهُمَا لَمَا خَرَجُوا عَنْ مُلْكِ اللَّهِ تَعَالَى ، فَهُوَ آخِذُهُمْ أَيْنَ كَانُوا وَكَيْفَ كَانُوا .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : الْمَعْشَرُ الْجَمَاعَةُ الْعَظِيمَةُ ، وَتَحْقِيقُهُ هُوَ أَنَّ الْمَعْشَرَ الْعَدَدُ الْكَامِلُ الْكَثِيرُ الَّذِي لَا عَدَدَ بَعْدَهُ ، إِلَّا بِالِابْتِدَاءِ فِيهِ حَيْثُ يُعِيدُ الْآحَادَ وَيَقُولُ : أَحَدَ عَشَرَ وَاثْنَا عَشَرَ وَعِشْرُونَ وَثَلَاثُونَ ، أَيْ ثَلَاثُ عَشَرَاتٍ فَالْمَعْشَرُ كَأَنَّهُ مَحَلُّ الْعَشْرِ الَّذِي هُوَ الْكَثْرَةُ الْكَامِلَةُ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : هَذَا الْخِطَابُ فِي الدُّنْيَا أَوْ فِي الْآخِرَةِ ؟ نَقُولُ : الظَّاهِرُ فِيهِ أَنَّهُ فِي الْآخِرَةِ ، فَإِنَّ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ يُرِيدُونَ الْفِرَارَ مِنَ الْعَذَابِ فَيَجِدُونَ سَبْعَةَ صُفُوفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُحِيطِينَ بِأَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ، وَالْأَوْلَى مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ عَامٌّ بِمَعْنَى لَا مَهْرَبَ وَلَا مَخْرَجَ لَكُمْ عَنْ مُلْكِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَأَيْنَمَا تَوَلَّيْتُمْ فَثَمَّ مُلْكُ اللَّهِ ، وَأَيْنَمَا تَكُونُوا أَتَاكُمْ حُكْمُ اللَّهِ .
[ ص: 100 ] الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : مَا الْحِكْمَةُ فِي تَقْدِيمِ الْجِنِّ عَلَى الْإِنْسِ هَهُنَا وَتَقْدِيمِ الْإِنْسِ عَلَى الْجِنِّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=88قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ ) [ الْإِسْرَاءِ : 88 ] ؟ نَقُولُ : النُّفُوذُ مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بِالْجِنِّ أَلْيَقُ إِنْ أَمْكَنَ ، وَالْإِتْيَانُ بِمِثْلِ الْقُرْآنِ بِالْإِنْسِ أَلْيَقُ إِنْ أَمْكَنَ ، فَقَدَّمَ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ مَنْ يُظَنُّ بِهِ الْقُدْرَةُ عَلَى ذَلِكَ .
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ : مَا مَعْنَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=33لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ ) ؟ نَقُولُ : ذَلِكَ يَحْتِمُلُ وُجُوهًا :
أَحَدُهَا : أَنْ يَكُونَ بَيَانًا بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ ، أَيْ مَا تَنْفُذُونَ وَلَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِقُوَّةٍ وَلَيْسَ لَكُمْ قُوَّةٌ عَلَى ذَلِكَ .
ثَانِيهَا : أَنْ يَكُونَ عَلَى تَقْدِيرِ وُقُوعِ الْأَمْرِ الْأَوَّلِ ، وَبَيَانِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَنْفَعُكُمْ ، وَتَقْدِيرُهُ مَا تَنْفُذُوا وَإِنْ نَفَذْتُمْ مَا تَنْفُذُونَ إِلَّا وَمَعَكُمْ سُلْطَانُ اللَّهِ ، كَمَا يَقُولُ : خَرَجَ الْقَوْمُ بِأَهْلِهِمْ أَيْ مَعَهُمْ . ثَالِثُهَا : أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ النُّفُوذِ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ ؟ وَذَلِكَ لِأَنَّ نُفُوذَهُمْ إِشَارَةٌ إِلَى طَلَبِ خَلَاصِهِمْ فَقَالَ : لَا تَنْفُذُونَ مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ ، وَلَا تَتَخَلَّصُونَ مِنَ الْعَذَابِ وَلَا تَجِدُونَ مَا تَطْلُبُونَ مِنَ النُّفُوذِ وَهُوَ الْخَلَاصُ مِنَ الْعَذَابِ إِلَّا بِسُلْطَانٍ مِنَ اللَّهِ يُجِيرُكُمْ وَإِلَّا فَلَا مُجِيرَ لَكُمْ ، كَمَا تَقُولُ : لَا يَنْفَعُكَ الْبُكَاءُ إِلَّا إِذَا صَدَقْتَ وَتُرِيدُ بِهِ أَنَّ الصِّدْقَ وَحْدَهُ يَنْفَعُكَ ، لَا أَنَّكَ إِنْ صَدَقْتَ فَيَنْفَعُكَ الْبُكَاءُ . رَابِعُهَا : أَنَّ هَذَا إِشَارَةٌ إِلَى تَقْرِيرِ التَّوْحِيدِ ، وَوَجْهُهُ هُوَ كَأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ : يَا أَيُّهَا الْغَافِلُ لَا يُمْكِنُكَ أَنْ تَخْرُجَ بِذِهْنِكَ عَنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَإِذَا أَنْتَ أَبَدًا تُشَاهِدُ دَلِيلًا مِنْ دَلَائِلِ الْوَحْدَانِيَّةِ ، ثُمَّ هَبْ أَنَّكَ تَنْفُذُ مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ، فَاعْلَمْ أَنَّكَ لَا تَنْفُذُ إِلَّا بِسُلْطَانٍ تَجِدُهُ خَارِجَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قَاطِعٍ دَالٍّ عَلَى وَحْدَانِيَّتِهِ تَعَالَى وَالسُّلْطَانُ هُوَ الْقُوَّةُ الْكَامِلَةُ .