المسألة الرابعة : ما المعنى من الانشقاق ؟ نقول : حقيقته ذوبانها وخرابها ، كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=104يوم نطوي السماء ) [ الأنبياء : 104 ] إشارة إلى خرابها ويحتمل أن يقال : انشقت بالغمام كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=25ويوم تشقق السماء بالغمام ) وفيه وجوه منها أن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=25بالغمام ) أي مع الغمام فيكون مثل ما ذكرنا ههنا من الانفطار والخراب .
المسألة الخامسة : ما معنى قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=37nindex.php?page=treesubj&link=29026_30296فكانت وردة كالدهان ) ؟ نقول : المشهور أنها في الحال تكون حمراء ، يقال : فرس ورد إذا أثبت للفرس الحمرة ، وحجرة وردة أي حمراء اللون . وقد ذكرنا أن لهيب النار يرتفع في السماء فتذوب فتكون كالصفر الذائب حمراء ، ويحتمل وجها آخر وهو أن يقال : وردة للمرة من الورود كالركعة والسجدة والجلسة والقعدة من الركوع والسجود والجلوس والقعود ، وحينئذ الضمير في كانت كما في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=53إن كانت إلا صيحة واحدة ) [ يس : 53 ] أي الكائنة أو الداهية وأنث الضمير لتأنيث الظاهر وإن كان شيئا مذكرا ، فكذا ههنا قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=37فكانت وردة ) واحدة أي الحركة التي بها الانشقاق كانت وردة واحدة ، وتزلزل الكل وخرب دفعة ، والحركة معلومة بالانشقاق لأن المنشق يتحرك ، ويتزلزل ، وقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=37كالدهان ) فيه وجهان :
أحدهما : جمع دهن .
وثانيهما : أن الدهان هو الأديم الأحمر ، فإن قيل : الأديم الأحمر مناسب للوردة فيكون معناه كانت السماء كالأديم الأحمر ، ولكن ما المناسبة بين الوردة وبين الدهان ؟ نقول : الجواب عنه من وجوه :
الأول : المراد من الدهان ما هو المراد من قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=8يوم تكون السماء كالمهل ) [ المعارج : 8 ] وهو عكر الزيت وبينهما مناسبة ، فإن الورد يطلق على الأسد فيقال : أسد ورد ، فليس الورد هو الأحمر القاني .
والثاني : أن التشبيه بالدهن ليس في اللون بل في الذوبان .
والثالث : هو أن الدهن المذاب ينصب انصبابة واحدة ويذوب دفعة ، والحديد والرصاص لا يذوب غاية الذوبان ، فتكون حركة الدهن بعد الذوبان أسرع من حركة غيره ، فكأنه قال حركتها : تكون وردة واحدة كالدهان المصبوبة صبا لا كالرصاص الذي يذوب منه ألطفه وينتفع به ويبقى الباقي ، وكذلك الحديد والنحاس ، وجمع الدهان لعظمة السماء وكثرة ما يحصل من ذوبانها لاختلاف أجزائها ، فإن الكواكب تخالف غيرها .
[ ص: 104 ]
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : مَا الْمَعْنَى مِنَ الِانْشِقَاقِ ؟ نَقُولُ : حَقِيقَتُهُ ذَوَبَانُهَا وَخَرَابُهَا ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=104يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ ) [ الْأَنْبِيَاءِ : 104 ] إِشَارَةً إِلَى خَرَابِهَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ : انْشَقَّتْ بِالْغَمَامِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=25وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ ) وَفِيهِ وُجُوهٌ مِنْهَا أَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=25بِالْغَمَامِ ) أَيْ مَعَ الْغَمَامِ فَيَكُونُ مِثْلَ مَا ذَكَرْنَا هَهُنَا مِنَ الِانْفِطَارِ وَالْخَرَابِ .
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ : مَا مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=37nindex.php?page=treesubj&link=29026_30296فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ ) ؟ نَقُولُ : الْمَشْهُورُ أَنَّهَا فِي الْحَالِ تَكُونُ حَمْرَاءَ ، يُقَالُ : فَرَسٌ وَرْدٌ إِذَا أُثْبِتَ لِلْفَرَسِ الْحُمْرَةُ ، وَحُجْرَةٌ وَرْدَةٌ أَيْ حَمْرَاءُ اللَّوْنِ . وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ لَهِيبَ النَّارِ يَرْتَفِعُ فِي السَّمَاءِ فَتَذُوبُ فَتَكُونُ كَالصُّفْرِ الذَّائِبِ حَمْرَاءَ ، وَيَحْتَمِلُ وَجْهًا آخَرَ وَهُوَ أَنْ يُقَالَ : وَرْدَةٌ لِلْمَرَّةِ مِنَ الْوُرُودِ كَالرَّكْعَةِ وَالسَّجْدَةِ وَالْجَلْسَةِ وَالْقَعْدَةِ مِنَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالْجُلُوسِ وَالْقُعُودِ ، وَحِينَئِذٍ الضَّمِيرُ فِي كَانَتْ كَمَا فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=53إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً ) [ يس : 53 ] أَيِ الْكَائِنَةُ أَوِ الدَّاهِيَةُ وَأَنَّثَ الضَّمِيرَ لِتَأْنِيثِ الظَّاهِرِ وَإِنْ كَانَ شَيْئًا مُذَكَّرًا ، فَكَذَا هَهُنَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=37فَكَانَتْ وَرْدَةً ) وَاحِدَةً أَيِ الْحَرَكَةُ الَّتِي بِهَا الِانْشِقَاقُ كَانَتْ وَرْدَةً وَاحِدَةً ، وَتَزَلْزَلَ الْكُلُّ وَخَرِبَ دُفْعَةً ، وَالْحَرَكَةُ مَعْلُومَةٌ بِالِانْشِقَاقِ لِأَنَّ الْمُنْشَقَّ يَتَحَرَّكُ ، وَيَتَزَلْزَلُ ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=37كَالدِّهَانِ ) فِيهِ وَجْهَانِ :
أَحَدُهُمَا : جَمْعُ دُهْنٍ .
وَثَانِيهِمَا : أَنَّ الدِّهَانَ هُوَ الْأَدِيمُ الْأَحْمَرُ ، فَإِنْ قِيلَ : الْأَدِيمُ الْأَحْمَرُ مُنَاسِبٌ لِلْوَرْدَةِ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ كَانَتِ السَّمَاءُ كَالْأَدِيمِ الْأَحْمَرِ ، وَلَكِنْ مَا الْمُنَاسَبَةُ بَيْنَ الْوَرْدَةِ وَبَيْنَ الدِّهَانِ ؟ نَقُولُ : الْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وُجُوهٍ :
الْأَوَّلُ : الْمُرَادُ مِنَ الدِّهَانِ مَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=8يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ ) [ الْمَعَارِجِ : 8 ] وَهُوَ عَكَرُ الزَّيْتِ وَبَيْنَهُمَا مُنَاسَبَةٌ ، فَإِنَّ الْوَرْدَ يُطْلَقُ عَلَى الْأَسَدِ فَيُقَالُ : أَسَدٌ وَرْدٌ ، فَلَيْسَ الْوَرْدُ هُوَ الْأَحْمَرَ الْقَانِي .
وَالثَّانِي : أَنَّ التَّشْبِيهَ بِالدُّهْنِ لَيْسَ فِي اللَّوْنِ بَلْ فِي الذَّوَبَانِ .
وَالثَّالِثُ : هُوَ أَنَّ الدُّهْنَ الْمُذَابَ يَنْصَبُّ انْصِبَابَةً وَاحِدَةً وَيَذُوبُ دُفْعَةً ، وَالْحَدِيدُ وَالرَّصَاصُ لَا يَذُوبُ غَايَةَ الذَّوَبَانِ ، فَتَكُونُ حَرَكَةُ الدُّهْنِ بَعْدَ الذَّوَبَانِ أَسْرَعَ مِنْ حَرَكَةِ غَيْرِهِ ، فَكَأَنَّهُ قَالَ حَرَكَتُهَا : تَكُونُ وَرْدَةً وَاحِدَةً كَالدِّهَانِ الْمَصْبُوبَةِ صَبًّا لَا كَالرَّصَاصِ الَّذِي يَذُوبُ مِنْهُ أَلْطَفُهُ وَيُنْتَفَعُ بِهِ وَيَبْقَى الْبَاقِي ، وَكَذَلِكَ الْحَدِيدُ وَالنُّحَاسُ ، وَجَمَعَ الدِّهَانَ لِعَظَمَةِ السَّمَاءِ وَكَثْرَةِ مَا يَحْصُلُ مِنْ ذَوَبَانِهَا لِاخْتِلَافِ أَجْزَائِهَا ، فَإِنَّ الْكَوَاكِبَ تُخَالِفُ غَيْرَهَا .
[ ص: 104 ]