(
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=56فيهن قاصرات الطرف لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=57فبأي آلاء ربكما تكذبان ) .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=56فيهن قاصرات الطرف لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان ) وفيه مباحث :
الأول : في الترتيب وإنه في غاية الحسن لأنه في أول الأمر بين المسكن وهو الجنة ، ثم بين ما يتنزه به فإن من يدخل بستانا يتفرج أولا فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=48ذواتا أفنان ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=50فيهما عينان ) ثم ذكر ما يتناول من المأكول فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=52فيهما من كل فاكهة ) ثم ذكر موضع الراحة بعد التناول وهو الفراش ، ثم ذكر ما يكون في الفراش معه .
الثاني : (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=56فيهن ) الضمير عائد إلى ماذا ؟ نقول : فيه ثلاثة أوجه : أحدها : إلى الآلاء والنعم أي قاصرات الطرف . ثانيها : إلى الفراش أي في الفرش قاصرات وهما ضعيفان ، أما الأول فلأن اختصاص القاصرات بكونهن في الآلاء مع أن الجنتين في الآلاء والعينين فيهما والفواكه كذلك لا يبقى له فائدة ، وأما الثاني فلأن الفرش جعلها ظرفهم حيث قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=54متكئين على فرش ) [ الرحمن : 54 ] وأعاد الضمير إليها بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=54بطائنها ) ولم يقل : بطائنهن ، فقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=56فيهن ) يكون تفسيرا للضمير فيحتاج إلى بيان فائدة لأنه تعالى قال بعد هذا مرة أخرى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=70فيهن خيرات ) ولم يكن هناك ذكر الفرش فالأصح إذن هو الوجه الثالث : وهو أن الضمير عائد إلى الجنتين ، وجمع الضمير ههنا وثنى في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=50فيهما عينان ) و (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=52فيهما من كل فاكهة ) وذلك لأنا بينا أن الجنة لها اعتبارات ثلاثة . أحدها : اتصال أشجارها وعدم وقوع الفيافي والمهامة فيها والأراضي الغامرة ، ومن هذا الوجه كأنها جنة واحدة لا يفصلها فاصل . وثانيها : اشتمالها على النوعين كأنها جنتان . وثالثها : لسعتها وكثرة أشجارها وأماكنها وأنهارها ومساكنها كأنها جنات ، فهي من وجه جنة واحدة ومن وجه جنتان ومن وجه جنات . إذا ثبت هذا فنقول : اجتماع النسوان للمعاشرة مع الأزواج والمباشرة في الفراش في موضع واحد في الدنيا لا يمكن ، وذلك لضيق المكان ، أو عدم الإمكان أو دليل ذلة النسوان ، فإن الرجل الواحد لا يجمع بين النساء في بيت إلا إذا كن جواري غير ملتفت إليهن ، فأما إذا كانت كل واحدة كبيرة النفس كثيرة المال فلا يجمع بينهن ، واعلم أن الشهوة في الدنيا كما تزداد بالحسن الذي في الأزواج تزداد بسبب العظمة وأحوال الناس في
[ ص: 113 ] أكثر الأمر تدل عليه . إذا ثبت هذا فنقول :
nindex.php?page=treesubj&link=30397الحظايا في الجنة يجتمع فيهن حسن الصورة والجمال والعز والشرف والكمال ، فتكون الواحدة لها كذا وكذا من الجواري والغلمان فتزداد اللذة بسبب كمالها ، فإذن ينبغي أن يكون لكل واحدة ما يليق بها من المكان الواسع فتصير الجنة التي هي واحدة من حيث الاتصال كثيرة من حيث تفرق المساكن فيها فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=56فيهن ) وأما الدنيا فليس فيها تفرق المساكن دليلا للعظمة واللذة فقال (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=50فيهما ) وهذا من اللطائف . الثالث :
nindex.php?page=treesubj&link=30397قاصرات الطرف صفة لموصوف حذف ، وأقيمت الصفة مكانه ، والموصوف النساء أو الأزواج كأنه قال فيهن نساء قاصرات الطرف . وفيه لطيفة : فإنه تعالى لم يذكر النساء إلا بأوصافهن ولم يذكر اسم الجنس فيهن ، فقال تارة : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=22وحور عين ) [ الواقعة : 22 ] وتارة : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=37عربا أترابا ) [ الواقعة : 37 ] وتارة : (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=56قاصرات الطرف ) ولم يذكر نساء كذا وكذا لوجهين : أحدهما : الإشارة إلى تخدرهن وتسترهن ، فلم يذكرهن باسم الجنس لأن اسم الجنس يكشف من الحقيقة ما لا يكشفه الوصف فإنك إذا قلت المتحرك المريد الآكل الشارب لا تكون بينته بالأوصاف الكثيرة أكثر مما بينته بقولك : حيوان وإنسان . وثانيهما : إعظاما لهن ليزداد حسنهن في أعين الموعودين بالجنة فإن بنات الملوك لا يذكرن إلا بالأوصاف .
المسألة الرابعة : (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=56قاصرات الطرف ) من القصر وهو المنع أي المانعات أعينهن من النظر إلى الغير ، أو من القصور ، وهو كون أعينهن قاصرة لا طماح فيها للغير ، أقول والظاهر أنه من القصر إذ القصر مدح والقصور ليس كذلك ، ويحتمل أن يقال : هو من القصر بمعنى أنهن قصرن أبصارهن ، فأبصارهن مقصورة ، وهن قاصرات فيكون من إضافة الفاعل إلى المفعول والدليل عليه هو أن القصر مدح والقصور ليس كذلك ، وعلى هذا ففيه لطيفة وهي أنه تعالى قال من بعد هذه : (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=72حور مقصورات ) [ الرحمن : 72 ] فهن مقصورات وهن قاصرات ، وفيه وجهان : أحدهما : أن يقال : هن قاصرات أبصارهن كما يكون شغل العفائف ، وهن قاصرات أنفسهن في الخيام كما هو عادة المخدرات لأنفسهن في الخيام ولأبصارهن عن الطماح . وثانيهما : أن يكون ذلك بيانا لعظمتهن وعفافهن وذلك لأن المرأة التي لا يكون لها رادع من نفسها ولا يكون لها أولياء يكون فيها نوع هوان ، وإذا كان لها أولياء أعزة امتنعت عن الخروج والبروز ، وذلك يدل على عظمتهن ، وإذا كن في أنفسهن عند الخروج لا ينظرن يمنة ويسرة فهن في أنفسهن عفائف ، فجمع بين الإشارة إلى عظمتهن بقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=72مقصورات ) منعهن أولياؤهن وههنا وليهن الله تعالى ، وبين الإشارة إلى عفتهن بقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=56قاصرات الطرف ) ثم تمام اللطف أنه تعالى قدم ذكر ما يدل على العفة على ما يدل على العظمة وذكر في أعلى الجنتين قاصرات وفي أدناهما مقصورات ، والذي يدل على أن المقصورات يدل على العظمة أنهن يوصفن بالمخدرات لا بالمتخدرات ، إشارة إلى أنهن خدرهن خادر لهن غيرهن كالذي يضرب الخيام ويدلي الستر ، بخلاف من تتخذه لنفسها وتغلق بابها بيدها ، وسنذكر بيانه في تفسير الآية بعد .
المسألة الخامسة : (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=56قاصرات الطرف ) فيها دلالة عفتهن ، وعلى حسن المؤمنين في أعينهن ، فيحببن أزواجهن حبا يشغلهن عن النظر إلى غيرهم ، ويدل أيضا على الحياء لأن الطرف حركة الجفن ، والحورية لا تحرك جفنها ولا ترفع رأسها .
المسألة السادسة : (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=56لم يطمثهن ) فيه وجوه :
أحدها : لم يفرعهن .
ثانيها : لم يجامعهن .
ثالثها : لم يمسسهن ، وهو أقرب إلى حالهن وأليق بوصف كمالهن ، لكن لفظ الطمث غير ظاهر فيه ولو كان المراد منه
[ ص: 114 ] المس لذكر اللفظ الذي يستحسن ، وكيف وقد قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=237وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن ) [ البقرة : 237 ] وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=222فاعتزلوا ) [ البقرة : 222 ] ولم يصرح بلفظ موضوع للوطء .
فإن قيل : فما ذكرتم من الإشكال باق وهو أنه تعالى كنى عن الوطء في الدنيا باللمس كما في قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=43أو لامستم النساء ) [ النساء : 43 ] على الصحيح في تفسير الآية وسنذكره ، وإن كان على خلاف قول إمامنا
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رضي الله عنه وبالمس في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=237من قبل أن تمسوهن ) ولم يذكر المس في الآخرة بطريق الكناية ، نقول : إنما ذكر الجماع في الدنيا بالكناية لما أنه في الدنيا قضاء للشهوة وأنه يضعف البدن ويمنع من العبادة ، وهو في بعض الأوقات قبحه كقبح شرب الخمر ، وفي بعض الأوقات هو كالأكل الكثير . وفي الآخرة مجرد عن وجوه القبح ، وكيف لا والخمر في الجنة معدودة من اللذات وأكلها وشربها دائم إلى غير ذلك ، فالله تعالى ذكره في الدنيا بلفظ مجازي مستور في غاية الخفاء بالكناية إشارة إلى قبحه ، وفي الآخرة ذكره بأقرب الألفاظ إلى التصريح أو بلفظ صريح ، لأن الطمث أدل من الجماع والوقاع لأنهما من الجمع والوقوع إشارة إلى خلوه عن وجوه القبح .
المسألة السابعة : ما الفائدة في كلمة (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=56قبلهم ) ؟ قلنا لو قال : لم يطمثهن إنس ولا جان ، يكون نفيا لطمث المؤمن إياهن وليس كذلك .
المسألة الثامنة : ما الفائدة في ذكر الجان مع أن الجان لا يجامع ؟ نقول : ليس كذلك بل
nindex.php?page=treesubj&link=28796الجن لهم أولاد وذريات ، وإنما الخلاف في أنهم هل يواقعون الإنس أم لا ؟ والمشهور أنهم يواقعون وإلا لما كان في الجنة أحساب ولا أنساب ، فكأن مواقعة الإنس إياهن كمواقعة الجن من حيث الإشارة إلى نفيها .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=56فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=57فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ) .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=56فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ ) وَفِيهِ مَبَاحِثُ :
الْأَوَّلُ : فِي التَّرْتِيبِ وَإِنَّهُ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ لِأَنَّهُ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ بَيَّنَ الْمَسْكَنَ وَهُوَ الْجَنَّةُ ، ثُمَّ بَيَّنَ مَا يَتَنَزَّهُ بِهِ فَإِنَّ مَنْ يَدْخُلُ بُسْتَانًا يَتَفَرَّجُ أَوَّلًا فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=48ذَوَاتَا أَفْنَانٍ ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=50فِيهِمَا عَيْنَانِ ) ثُمَّ ذَكَرَ مَا يُتَنَاوَلُ مِنَ الْمَأْكُولِ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=52فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ ) ثُمَّ ذَكَرَ مَوْضِعَ الرَّاحَةِ بَعْدَ التَّنَاوُلِ وَهُوَ الْفِرَاشُ ، ثُمَّ ذَكَرَ مَا يَكُونُ فِي الْفِرَاشِ مَعَهُ .
الثَّانِي : (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=56فِيهِنَّ ) الضَّمِيرُ عَائِدٌ إِلَى مَاذَا ؟ نَقُولُ : فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ : أَحَدُهَا : إِلَى الْآلَاءِ وَالنِّعَمِ أَيْ قَاصِرَاتِ الطَّرْفِ . ثَانِيهَا : إِلَى الْفِرَاشِ أَيْ فِي الْفُرُشِ قَاصِرَاتٌ وَهُمَا ضَعِيفَانِ ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ اخْتِصَاصَ الْقَاصِرَاتِ بِكَوْنِهِنَّ فِي الْآلَاءِ مَعَ أَنَّ الْجَنَّتَيْنِ فِي الْآلَاءِ وَالْعَيْنَيْنِ فِيهِمَا وَالْفَوَاكِهُ كَذَلِكَ لَا يَبْقَى لَهُ فَائِدَةٌ ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْفُرُشَ جَعَلَهَا ظَرْفَهُمْ حَيْثُ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=54مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ ) [ الرَّحْمَنِ : 54 ] وَأَعَادَ الضَّمِيرَ إِلَيْهَا بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=54بَطَائِنُهَا ) وَلَمْ يَقُلْ : بَطَائِنُهُنَّ ، فَقَوْلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=56فِيهِنَّ ) يَكُونُ تَفْسِيرًا لِلضَّمِيرِ فَيَحْتَاجُ إِلَى بَيَانِ فَائِدَةٍ لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ بَعْدَ هَذَا مَرَّةً أُخْرَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=70فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ ) وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ ذِكْرُ الْفُرُشِ فَالْأَصَحُّ إِذَنْ هُوَ الْوَجْهُ الثَّالِثُ : وَهُوَ أَنَّ الضَّمِيرَ عَائِدٌ إِلَى الْجَنَّتَيْنِ ، وَجَمَعَ الضَّمِيرَ هَهُنَا وَثَنَّى فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=50فِيهِمَا عَيْنَانِ ) وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=52فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ ) وَذَلِكَ لِأَنَّا بَيَّنَّا أَنَّ الْجَنَّةَ لَهَا اعْتِبَارَاتٌ ثَلَاثَةٌ . أَحَدُهَا : اتِّصَالُ أَشْجَارِهَا وَعَدَمُ وُقُوعِ الْفَيَافِي وَالْمَهَامَةِ فِيهَا وَالْأَرَاضِي الْغَامِرَةِ ، وَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ كَأَنَّهَا جَنَّةٌ وَاحِدَةٌ لَا يَفْصِلُهَا فَاصِلٌ . وَثَانِيهَا : اشْتِمَالُهَا عَلَى النَّوْعَيْنِ كَأَنَّهَا جَنَّتَانِ . وَثَالِثُهَا : لِسِعَتِهَا وَكَثْرَةِ أَشْجَارِهَا وَأَمَاكِنِهَا وَأَنْهَارِهَا وَمَسَاكِنِهَا كَأَنَّهَا جَنَّاتٌ ، فَهِيَ مِنْ وَجْهٍ جَنَّةٌ وَاحِدَةٌ وَمِنْ وَجْهٍ جَنَّتَانِ وَمِنْ وَجْهٍ جَنَّاتٌ . إِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ : اجْتِمَاعُ النِّسْوَانِ لِلْمُعَاشَرَةِ مَعَ الْأَزْوَاجِ وَالْمُبَاشَرَةِ فِي الْفِرَاشِ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ فِي الدُّنْيَا لَا يُمْكِنُ ، وَذَلِكَ لِضِيقِ الْمَكَانِ ، أَوْ عَدَمِ الْإِمْكَانِ أَوْ دَلِيلِ ذِلَّةِ النِّسْوَانِ ، فَإِنَّ الرَّجُلَ الْوَاحِدَ لَا يَجْمَعُ بَيْنَ النِّسَاءِ فِي بَيْتٍ إِلَّا إِذَا كُنَّ جَوَارِيَ غَيْرَ مُلْتَفَتٍ إِلَيْهِنَّ ، فَأَمَّا إِذَا كَانَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ كَبِيرَةَ النَّفْسِ كَثِيرَةَ الْمَالِ فَلَا يَجْمَعُ بَيْنَهُنَّ ، وَاعْلَمْ أَنَّ الشَّهْوَةَ فِي الدُّنْيَا كَمَا تَزْدَادُ بِالْحُسْنِ الَّذِي فِي الْأَزْوَاجِ تَزْدَادُ بِسَبَبِ الْعَظَمَةِ وَأَحْوَالِ النَّاسِ فِي
[ ص: 113 ] أَكْثَرِ الْأَمْرِ تَدُلُّ عَلَيْهِ . إِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ :
nindex.php?page=treesubj&link=30397الْحَظَايَا فِي الْجَنَّةِ يَجْتَمِعُ فِيهِنَّ حُسْنُ الصُّورَةِ وَالْجَمَالِ وَالْعِزِّ وَالشَّرَفِ وَالْكَمَالِ ، فَتَكُونُ الْوَاحِدَةُ لَهَا كَذَا وَكَذَا مِنَ الْجَوَارِي وَالْغِلْمَانِ فَتَزْدَادُ اللَّذَّةُ بِسَبَبِ كَمَالِهَا ، فَإِذَنْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مَا يَلِيقُ بِهَا مِنَ الْمَكَانِ الْوَاسِعِ فَتَصِيرُ الْجَنَّةُ الَّتِي هِيَ وَاحِدَةٌ مِنْ حَيْثُ الِاتِّصَالُ كَثِيرَةً مِنْ حَيْثُ تَفَرُّقِ الْمَسَاكِنِ فِيهَا فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=56فِيهِنَّ ) وَأَمَّا الدُّنْيَا فَلَيْسَ فِيهَا تَفَرُّقُ الْمَسَاكِنِ دَلِيلًا لِلْعَظَمَةِ وَاللَّذَّةِ فَقَالَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=50فِيهِمَا ) وَهَذَا مِنَ اللَّطَائِفِ . الثَّالِثُ :
nindex.php?page=treesubj&link=30397قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ صِفَةٌ لِمَوْصُوفٍ حُذِفَ ، وَأُقِيمَتِ الصِّفَةُ مَكَانَهُ ، وَالْمَوْصُوفُ النِّسَاءُ أَوِ الْأَزْوَاجُ كَأَنَّهُ قَالَ فِيهِنَّ نِسَاءٌ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ . وَفِيهِ لَطِيفَةٌ : فَإِنَّهُ تَعَالَى لَمْ يَذْكُرِ النِّسَاءَ إِلَّا بِأَوْصَافِهِنَّ وَلَمْ يَذْكُرِ اسْمَ الْجِنْسِ فِيهِنَّ ، فَقَالَ تَارَةً : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=22وَحُورٌ عِينٌ ) [ الْوَاقِعَةِ : 22 ] وَتَارَةً : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=37عُرُبًا أَتْرَابًا ) [ الْوَاقِعَةِ : 37 ] وَتَارَةً : (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=56قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ ) وَلَمْ يَذْكُرْ نِسَاءَ كَذَا وَكَذَا لِوَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : الْإِشَارَةُ إِلَى تَخْدِرِهِنَّ وَتَسَتُّرِهِنَّ ، فَلَمْ يَذْكُرْهُنَّ بِاسْمِ الْجِنْسِ لِأَنَّ اسْمَ الْجِنْسِ يَكْشِفُ مِنَ الْحَقِيقَةِ مَا لَا يَكْشِفُهُ الْوَصْفُ فَإِنَّكَ إِذَا قُلْتَ الْمُتَحَرِّكُ الْمُرِيدُ الْآكِلُ الشَّارِبُ لَا تَكُونُ بَيِّنَتُهُ بِالْأَوْصَافِ الْكَثِيرَةِ أَكْثَرَ مِمَّا بَيِّنَتُهُ بِقَوْلِكَ : حَيَوَانٌ وَإِنْسَانٌ . وَثَانِيهِمَا : إِعْظَامًا لَهُنَّ لِيَزْدَادَ حُسْنُهُنَّ فِي أَعْيُنِ الْمَوْعُودِينَ بِالْجَنَّةِ فَإِنَّ بَنَاتِ الْمُلُوكِ لَا يُذْكَرْنَ إِلَّا بِالْأَوْصَافِ .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=56قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ ) مِنَ الْقَصْرِ وَهُوَ الْمَنْعُ أَيِ الْمَانِعَاتُ أَعْيُنَهُنَّ مِنَ النَّظَرِ إِلَى الْغَيْرِ ، أَوْ مِنَ الْقُصُورِ ، وَهُوَ كَوْنِ أَعْيُنِهِنَّ قَاصِرَةً لَا طَمَاحَ فِيهَا لِلْغَيْرِ ، أَقُولُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنَ الْقَصْرِ إِذِ الْقَصْرُ مَدْحٌ وَالْقُصُورُ لَيْسَ كَذَلِكَ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ : هُوَ مِنَ الْقَصْرِ بِمَعْنَى أَنَّهُنَّ قَصَرْنَ أَبْصَارَهُنَّ ، فَأَبْصَارُهُنَّ مَقْصُورَةٌ ، وَهُنَّ قَاصِرَاتٌ فَيَكُونُ مِنْ إِضَافَةِ الْفَاعِلِ إِلَى الْمَفْعُولِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ هُوَ أَنَّ الْقَصْرَ مَدْحٌ وَالْقُصُورَ لَيْسَ كَذَلِكَ ، وَعَلَى هَذَا فَفِيهِ لَطِيفَةٌ وَهِيَ أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ مِنْ بَعْدِ هَذِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=72حُورٌ مَقْصُورَاتٌ ) [ الرَّحْمَنِ : 72 ] فَهُنَّ مَقْصُورَاتٌ وَهُنَّ قَاصِرَاتٌ ، وَفِيهِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يُقَالَ : هُنَّ قَاصِرَاتٌ أَبْصَارَهُنَّ كَمَا يَكُونُ شُغْلُ الْعَفَائِفِ ، وَهُنَّ قَاصِرَاتُ أَنْفُسِهُنَّ فِي الْخِيَامِ كَمَا هُوَ عَادَةُ الْمُخَدَّرَاتِ لِأَنْفُسِهُنَّ فِي الْخِيَامِ وَلِأَبْصَارِهِنَّ عَنِ الطِّمَاحِ . وَثَانِيهِمَا : أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بَيَانًا لِعَظَمَتِهِنَّ وَعَفَافِهِنَّ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ الَّتِي لَا يَكُونُ لَهَا رَادِعٌ مِنْ نَفْسِهَا وَلَا يَكُونُ لَهَا أَوْلِيَاءُ يَكُونُ فِيهَا نَوْعُ هَوَانٍ ، وَإِذَا كَانَ لَهَا أَوْلِيَاءُ أَعِزَّةٌ امْتَنَعَتْ عَنِ الْخُرُوجِ وَالْبُرُوزِ ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى عَظَمَتِهِنَّ ، وَإِذَا كُنَّ فِي أَنْفُسِهِنَّ عِنْدَ الْخُرُوجِ لَا يَنْظُرْنَ يَمْنَةً وَيَسْرَةً فَهُنَّ فِي أَنْفُسِهِنَّ عَفَائِفُ ، فَجَمَعَ بَيْنَ الْإِشَارَةِ إِلَى عَظَمَتِهِنَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=72مَقْصُورَاتٌ ) مَنَعَهُنَّ أَوْلِيَاؤُهُنَّ وَهَهُنَا وَلِيُّهُنَّ اللَّهُ تَعَالَى ، وَبَيْنَ الْإِشَارَةِ إِلَى عِفَّتِهِنَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=56قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ ) ثُمَّ تَمَامُ اللُّطْفِ أَنَّهُ تَعَالَى قَدَّمَ ذِكْرَ مَا يَدُلُّ عَلَى الْعِفَّةِ عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَى الْعَظَمَةِ وَذَكَرَ فِي أَعْلَى الْجَنَّتَيْنِ قَاصِرَاتٍ وَفِي أَدْنَاهُمَا مَقْصُورَاتٍ ، وَالذَّيِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَقْصُورَاتِ يَدُلُّ عَلَى الْعَظَمَةِ أَنَّهُنَّ يُوصَفْنَ بِالْمُخَدَّرَاتِ لَا بِالْمُتَخَدِّرَاتِ ، إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُنَّ خَدَّرَهُنَّ خَادِرٌ لَهُنَّ غَيْرُهُنَّ كَالَّذِي يَضْرِبُ الْخِيَامَ وَيُدْلِي السِّتْرَ ، بِخِلَافِ مَنْ تَتَّخِذُهُ لِنَفْسِهَا وَتُغْلِقُ بَابَهَا بِيَدِهَا ، وَسَنَذْكُرُ بَيَانُهُ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ بَعْدُ .
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=56قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ ) فِيهَا دَلَالَةُ عِفَّتِهِنَّ ، وَعَلَى حُسْنِ الْمُؤْمِنِينَ فِي أَعْيُنِهِنَّ ، فَيُحْبِبْنَ أَزْوَاجَهُنَّ حُبًّا يَشْغَلُهُنَّ عَنِ النَّظَرِ إِلَى غَيْرِهِمْ ، وَيَدُلُّ أَيْضًا عَلَى الْحَيَاءِ لِأَنَّ الطَّرْفَ حَرَكَةُ الْجَفْنِ ، وَالْحُورِيَّةُ لَا تُحَرِّكُ جَفْنَهَا وَلَا تَرْفَعُ رَأْسَهَا .
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=56لَمْ يَطْمِثْهُنَّ ) فِيهِ وُجُوهٌ :
أَحَدُهَا : لَمْ يَفْرَعْهُنَّ .
ثَانِيهَا : لَمْ يُجَامِعْهُنَّ .
ثَالِثُهَا : لَمْ يَمْسَسْهُنَّ ، وَهُوَ أَقْرَبُ إِلَى حَالِهِنَّ وَأَلْيَقُ بِوَصْفِ كَمَالِهِنَّ ، لَكِنْ لَفْظُ الطَّمْثِ غَيْرُ ظَاهِرٍ فِيهِ وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ مِنْهُ
[ ص: 114 ] الْمَسَّ لَذَكَرَ اللَّفْظَ الَّذِي يُسْتَحْسَنُ ، وَكَيْفَ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=237وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ ) [ الْبَقَرَةِ : 237 ] وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=222فَاعْتَزِلُوا ) [ الْبَقَرَةِ : 222 ] وَلَمْ يُصَرِّحْ بِلَفْظٍ مَوْضُوعٍ لِلْوَطْءِ .
فَإِنْ قِيلَ : فَمَا ذَكَرْتُمْ مِنَ الْإِشْكَالِ بَاقٍ وَهُوَ أَنَّهُ تَعَالَى كَنَّى عَنِ الْوَطْءِ فِي الدُّنْيَا بِاللَّمْسِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=43أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ ) [ النِّسَاءِ : 43 ] عَلَى الصَّحِيحِ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ وَسَنَذْكُرُهُ ، وَإِنْ كَانَ عَلَى خِلَافِ قَوْلِ إِمَامِنَا
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَبِالْمَسِّ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=237مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ ) وَلَمْ يَذْكُرِ الْمَسَّ فِي الْآخِرَةِ بِطَرِيقِ الْكِنَايَةِ ، نَقُولُ : إِنَّمَا ذَكَرَ الْجِمَاعَ فِي الدُّنْيَا بِالْكِنَايَةِ لِمَا أَنَّهُ فِي الدُّنْيَا قَضَاءً لِلشِّهْوَةِ وَأَنَّهُ يُضْعِفُ الْبَدَنَ وَيَمْنَعُ مِنَ الْعِبَادَةِ ، وَهُوَ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ قُبْحُهُ كَقُبْحِ شُرْبِ الْخَمْرِ ، وَفِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ هُوَ كَالْأَكْلِ الْكَثِيرِ . وَفِي الْآخِرَةِ مُجَرَّدٌ عَنْ وُجُوهِ الْقُبْحِ ، وَكَيْفَ لَا وَالْخَمْرُ فِي الْجَنَّةِ مَعْدُودَةٌ مِنَ اللَّذَّاتِ وَأَكْلُهَا وَشُرْبُهَا دَائِمٌ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ ، فَاللَّهُ تَعَالَى ذَكَرَهُ فِي الدُّنْيَا بِلَفْظٍ مَجَازِيٍّ مَسْتُورٍ فِي غَايَةِ الْخَفَاءِ بِالْكِنَايَةِ إِشَارَةً إِلَى قُبْحِهِ ، وَفِي الْآخِرَةِ ذَكَرَهُ بِأَقْرَبِ الْأَلْفَاظِ إِلَى التَّصْرِيحِ أَوْ بِلَفْظٍ صَرِيحٍ ، لِأَنَّ الطَّمْثَ أَدَلُّ مِنَ الْجِمَاعِ وَالْوِقَاعِ لِأَنَّهُمَا مِنَ الْجَمْعِ وَالْوُقُوعِ إِشَارَةً إِلَى خُلُوِّهِ عَنْ وُجُوهِ الْقُبْحِ .
الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ : مَا الْفَائِدَةُ فِي كَلِمَةِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=56قَبْلَهُمْ ) ؟ قُلْنَا لَوْ قَالَ : لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ ، يَكُونُ نَفْيًا لِطَمْثِ الْمُؤْمِنِ إِيَّاهُنَّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ : مَا الْفَائِدَةُ فِي ذِكْرِ الْجَانِّ مَعَ أَنَّ الْجَانَّ لَا يُجَامِعُ ؟ نَقُولُ : لَيْسَ كَذَلِكَ بَلِ
nindex.php?page=treesubj&link=28796الْجِنُّ لَهُمْ أَوْلَادٌ وَذُرِّيَّاتٌ ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي أَنَّهُمْ هُلْ يُوَاقِعُونَ الْإِنْسَ أَمْ لَا ؟ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُمْ يُوَاقِعُونَ وَإِلَّا لَمَا كَانَ فِي الْجَنَّةِ أَحْسَابٌ وَلَا أَنْسَابٌ ، فَكَأَنَّ مُوَاقَعَةَ الْإِنْسِ إِيَّاهُنَّ كَمُوَاقَعَةِ الْجِنِّ مِنْ حَيْثُ الْإِشَارَةِ إِلَى نَفْيِهَا .