(
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=24جزاء بما كانوا يعملون ) .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=24nindex.php?page=treesubj&link=29027_30531_29468جزاء بما كانوا يعملون ) .
وفي نصبه وجهان :
أحدهما : أنه مفعول له وهو ظاهر تقديره : فعل بهم هذا ليقع جزاء وليجزون بأعمالهم ، وعلى هذا فيه لطيفة : وهي أن نقول : المعنى أن هذا كله جزاء عملكم وأما الزيادة فلا يدركها أحد منكم ،
وثانيهما : أنه مصدر ؛ لأن الدليل على أن كل ما يفعله الله فهو جزاء فكأنه قال : تجزون جزاء ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=24بما كانوا ) قد ذكرنا فائدته في سورة الطور وهي أنه تعالى قال في حق المؤمنين : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=108فينبئهم بما كانوا يعملون ) وفي حق الكافرين : (
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=7إنما تجزون ما كنتم تعملون ) [ التحريم : 7 ] إشارة إلى أن العذاب عين جزاء ما فعلوا فلا زيادة عليهم ، والثواب (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=24جزاء بما كانوا يعملون ) فلا يعطيهم الله عين عملهم ، بل يعطيهم بسبب عملهم ما يعطيهم ، والكافر يعطيه عين ما فعل ، فيكون فيه معنى قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=160من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها ) [ الأنعام : 160 ] وفيه مسائل :
المسألة الأولى : أصولية ذكرها الإمام
فخر الدين رحمه الله في مواضع كثيرة ، ونحن نذكر بعضها
[ ص: 137 ] فالأولى : قالت
المعتزلة : هذا يدل على أن يقال : الثواب على الله واجب ؛ لأن الجزاء لا يجوز المطالبة به ، وقد أجاب عنه الإمام
فخر الدين رحمه الله بأجوبة كثيرة ، وأظن به أنه لم يذكر ما أقوله فيه وهو ما ذكروه . ولو صح لما كان في الوعد بهذه الأشياء فائدة ، وذلك لأن العقل إذا حكم بأن ترك الجزاء قبيح وعلم بالعقل أن القبيح من الله لا يوجد ، علم أن الله يعطي هذه الأشياء لأنها أجزية ، وإيصال الجزاء واجب ، وأما إذا قلنا بمذهبنا تكون الآيات مفيدة مبشرة ؛ لأن البشارة لا تكون إلا بالخير عن أمر غير معلوم ، لا يقال : الجزاء كان واجبا على الله وأما الخبر بهذه الأشياء فلا يذكرها مبشرا ، لأنا نقول : إذا وجب نفس الجزاء
nindex.php?page=treesubj&link=29703فما أعطانا الله تعالى من النعم في الدنيا جزاء فثواب الآخرة لا يكون إلا تفضلا منه ، غاية ما في الباب أنه تعالى كمل النعمة بقوله : هذا جزاؤكم ، أي جعلته لكم جزاء ، ولم يكن متعينا ولا واجبا ، كما أن الكريم إذا أعطى من جاء بشيء يسير شيئا كثيرا ، فيظن أنه يودعه إيداعا أو يأمره بحمله إلى موضع ، فيقول له : هذا لك فيفرح ، ثم إنه يقول : هذا إنعام عظيم يوجب علي خدمة كثيرة ، فيقول له هذا جزاء ما أتيت به ، ولا أطلب منك على هذا خدمة ، فإن أتيت بخدمة فلها ثواب جديد ، فيكون هذا غاية الفضل ، وعند هذا نقول : هذا كله إذا كان الآتي غير العبد ، وأما إذا فعل العبد ما أوجب عليه سيده لا يستحق عليه أجرا ، ولا سيما إذا أتى بما أمر به على نوع اختلال ، فما ظنك بحالنا مع الله عز وجل ، مع أن السيد لا يملك من عبده إلا البنية ، والله تعالى يملك منا أنفسنا وأجسامنا ، ثم إنك إذا تفكرت في مذهب أهل السنة تجدهم قد حققوا معنى العبودية غاية التحقيق ، واعترفوا أنهم عبيد لا يملكون شيئا ولا يجب للعبد على السيد دين ،
والمعتزلة لم يحققوا العبودية ، وجعلوا بينهم وبين الله معاملة توجب مطالبة ، ونرجو أن يحقق الله تعالى معنا المالكية غاية التحقيق ، ويدفع حاجاتنا الأصلية ويطهر أعمالنا ، كما أن السيد يدفع حاجة عبده بإطعامه وكسوته ، ويطهر صومه بزكاة فطره ، وإذا جنى جناية لم يمكن المجني عليه منه ، بل يختار فداءه ويخلص رقبته من الجناية ، كذلك يدفع الله حاجاتنا في الآخرة ، وأهم الحاجات أن يرحمنا ويعفو عنا ، ويتغمدنا بالمغفرة والرضوان ، حيث منع غيره عن تملك رقابنا باختيار الفداء عنا ، وأرجو أن لا يفعل مع إخواننا المعتزلة ما يفعله المتعاملان في المحاسبة بالنقير والقطمير ، والمطالبة بما يفضل لأحدهما من القليل والكثير .
المسألة الثانية : قالوا : لو كان في الآخرة رؤية لكانت جزاء ، وقد حصر الله الجزاء فيما ذكر والجواب عنه : أن نقول : لم قلتم : إنها لو كانت تكون جزاء ، بل تكون فضلا منه فوق الجزاء ، وهب أنها تكون جزاء ، ولكن لم قلتم : إن ذكر الجزاء حصر وإنه ليس كذلك ؛ لأن من قال لغيره : أعطيتك كذا جزاء على عمل لا ينافي قوله : وأعطيتك شيئا آخر فوقه أيضا جزاء عليه ، وهب أنه حصر ، لكن لم قلتم : إن القربة لا تدل على الرؤية ، فإن قيل : قال في حق الملائكة : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=172ولا الملائكة المقربون ) ، ولم يلزم من قربهم الرؤية ، نقول : أجبنا أن قربهم مثل قرب من يكون عند الملك لقضاء الأشغال ، فيكون عليه التكليف والوقوف بين يديه بالباب تخرج أوامره عليه ، كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=6ويفعلون ما يؤمرون ) [ التحريم : 6 ] وقرب المؤمن قرب المنعم من الملك ، وهو الذي لا يكون إلا للمكالمة والمجالسة في الدنيا ، لكن المقرب المكلف ليس كلما يروح إلى باب الملك يدخل عليه وأما المنعم لا يذهب إليه إلا ويدخل عليه فظهر الفرق .
والذي يدل على أن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=11أولئك المقربون ) فيه إشارة إلى الرؤية هو أن الله تعالى في سورة المطففين ذكر الأبرار والفجار ، ثم إنه تعالى قال في حق الفجار : (
nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=15إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ) .
[ ص: 138 ] [ المطففين : 15 ] ، وقال في الأبرار : (
nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=28يشرب بها المقربون ) [ المطففين : 28 ] ولم يذكر في مقابلة " المحجوبون " ما يدل على مخالفة حال الأبرار حال الفجار في الحجاب والقرب ؛ لأن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=18لفي عليين ) [ المطففين : 18 ] وإن كان دليلا على القرب وعلو المنزلة لكنه في مقابلة قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=7لفي سجين ) [ المطففين : 7 ] فقوله تعالى في حقهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=28يشرب بها المقربون ) مع قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=21وسقاهم ربهم شرابا طهورا ) [ الإنسان : 21 ] يدل على أن المراد منه القرب الذي يكون لجلساء الملك عند الملك ، وقوله في حق الملائكة في تلك السورة : (
nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=21يشهده المقربون ) [ المطففين : 21 ] يدل على أن المراد منه القرب الذي يكون للكتاب والحساب عند الملك لما أنه في الدنيا يحسد أحدهما الآخر ، فإن الكاتب إن كان قربه من الملك بسبب الخدمة لا يختار قرب الكتاب والحساب ، بل قرب النديم ، ثم إنه بين ذلك النوع من القرب وبين القرب الذي بسبب الكتابة ما يحمله على أن يختار غيره ، وفي سورة المطففين قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=15لمحجوبون ) يدل على أن
nindex.php?page=treesubj&link=19996_28725المقربين غير محجوبين عن النظر إلى الله تعالى ، وينبغي أن لا ينظر إلى الله قولنا : جلساء الملك في ظاهر النظر الذي يقتضي في نظر القوم الجهة وإلى القرب الذي يفهم العامي منه المكان إلا بنظر العلماء الأخبار الحكماء الأخيار .
المسألة الثالثة : قالوا : قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=24بما كانوا يعملون ) يدل على أن العمل عملهم وحاصل بفعلهم ، نقول : لا نزاع في أن العمل في الحقيقة اللغوية وضع للفعل والمجنون للذي لا عقل له والعاقل للذي بلغ الكمال فيه ، وذلك ليس إلا بوضع اللغة لما يدرك بالحس ، وكل أحد يرى الحركة من الجسمين فيقول : تحرك وسكن على سبيل الحقيقة ، كما يقول : تدور الرحا ويصعد الحجر ، وإنما الكلام في القدرة التي بها الفعل في المحل المرئي ، وذلك خارج عن وضع اللغة .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=24جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=24nindex.php?page=treesubj&link=29027_30531_29468جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) .
وَفِي نَصْبِهِ وَجْهَانِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ مَفْعُولٌ لَهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ تَقْدِيرُهُ : فَعَلَ بِهِمْ هَذَا لِيَقَعَ جَزَاءً وَلِيُجْزَوْنَ بِأَعْمَالِهِمْ ، وَعَلَى هَذَا فِيهِ لَطِيفَةٌ : وَهِيَ أَنْ نَقُولَ : الْمَعْنَى أَنَّ هَذَا كُلَّهُ جَزَاءُ عَمَلِكُمْ وَأَمَّا الزِّيَادَةُ فَلَا يُدْرِكُهَا أَحَدٌ مِنْكُمْ ،
وَثَانِيهِمَا : أَنَّهُ مَصْدَرٌ ؛ لِأَنَّ الدَّلِيلَ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا يَفْعَلُهُ اللَّهُ فَهُوَ جَزَاءٌ فَكَأَنَّهُ قَالَ : تُجْزَوْنَ جَزَاءً ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=24بِمَا كَانُوا ) قَدْ ذَكَرْنَا فَائِدَتَهُ فِي سُورَةِ الطُّورِ وَهِيَ أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ فِي حَقِّ الْمُؤْمِنِينَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=108فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) وَفِي حَقِّ الْكَافِرِينَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=7إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) [ التَّحْرِيمِ : 7 ] إِشَارَةً إِلَى أَنَّ الْعَذَابَ عَيْنُ جَزَاءِ مَا فَعَلُوا فَلَا زِيَادَةَ عَلَيْهِمْ ، وَالثَّوَابَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=24جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) فَلَا يُعْطِيهِمُ اللَّهُ عَيْنَ عَمَلِهِمْ ، بَلْ يُعْطِيهِمْ بِسَبَبِ عَمَلِهِمْ مَا يُعْطِيهِمْ ، وَالْكَافِرُ يُعْطِيهِ عَيْنَ مَا فَعَلَ ، فَيَكُونُ فِيهِ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=160مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا ) [ الْأَنْعَامِ : 160 ] وَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : أُصُولِيَّةٌ ذَكَرَهَا الْإِمَامُ
فَخْرُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ ، وَنَحْنُ نَذْكُرُ بَعْضَهَا
[ ص: 137 ] فَالْأُولَى : قَالَتِ
الْمُعْتَزِلَةُ : هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنْ يُقَالَ : الثَّوَابُ عَلَى اللَّهِ وَاجِبٌ ؛ لِأَنَّ الْجَزَاءَ لَا يَجُوزُ الْمُطَالَبَةُ بِهِ ، وَقَدْ أَجَابَ عَنْهُ الْإِمَامُ
فَخْرُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ بِأَجْوِبَةٍ كَثِيرَةٍ ، وَأَظُنُّ بِهِ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ مَا أَقُولُهُ فِيهِ وَهُوَ مَا ذَكَرُوهُ . وَلَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ فِي الْوَعْدِ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَائِدَةٌ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعَقْلَ إِذَا حَكَمَ بِأَنَّ تَرْكَ الْجَزَاءِ قَبِيحٌ وَعُلِمَ بِالْعَقْلِ أَنَّ الْقَبِيحَ مِنَ اللَّهِ لَا يُوجَدُ ، عُلِمَ أَنَّ اللَّهَ يُعْطِي هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لِأَنَّهَا أَجْزِيَةٌ ، وَإِيصَالُ الْجَزَاءِ وَاجِبٌ ، وَأَمَّا إِذَا قُلْنَا بِمَذْهَبِنَا تَكُونُ الْآيَاتُ مُفِيدَةً مُبَشِّرَةً ؛ لِأَنَّ الْبِشَارَةَ لَا تَكُونُ إِلَّا بِالْخَيْرِ عَنْ أَمْرٍ غَيْرِ مَعْلُومٍ ، لَا يُقَالُ : الْجَزَاءُ كَانَ وَاجِبًا عَلَى اللَّهِ وَأَمَّا الْخَبَرُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَلَا يَذْكُرُهَا مُبَشِّرًا ، لِأَنَّا نَقُولُ : إِذَا وَجَبَ نَفْسُ الْجَزَاءِ
nindex.php?page=treesubj&link=29703فَمَا أَعْطَانَا اللَّهُ تَعَالَى مِنَ النِّعَمِ فِي الدُّنْيَا جَزَاءً فَثَوَابُ الْآخِرَةِ لَا يَكُونُ إِلَّا تَفَضُّلًا مِنْهُ ، غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّهُ تَعَالَى كَمَّلَ النِّعْمَةَ بِقَوْلِهِ : هَذَا جَزَاؤُكُمْ ، أَيْ جَعَلْتُهُ لَكُمْ جَزَاءً ، وَلَمْ يَكُنْ مُتَعَيِّنًا وَلَا وَاجِبًا ، كَمَا أَنَّ الْكَرِيمَ إِذَا أَعْطَى مَنْ جَاءَ بِشَيْءٍ يَسِيرٍ شَيْئًا كَثِيرًا ، فَيَظُنُّ أَنَّهُ يُودِعُهُ إِيدَاعًا أَوْ يَأْمُرُهُ بِحَمْلِهِ إِلَى مَوْضِعٍ ، فَيَقُولُ لَهُ : هَذَا لَكَ فَيَفْرَحُ ، ثُمَّ إِنَّهُ يَقُولُ : هَذَا إِنْعَامٌ عَظِيمٌ يُوجِبُ عَلَيَّ خِدْمَةً كَثِيرَةً ، فَيَقُولُ لَهُ هَذَا جَزَاءُ مَا أَتَيْتَ بِهِ ، وَلَا أَطْلُبُ مِنْكَ عَلَى هَذَا خِدْمَةً ، فَإِنْ أَتَيْتَ بِخِدْمَةٍ فَلَهَا ثَوَابٌ جَدِيدٌ ، فَيَكُونُ هَذَا غَايَةَ الْفَضْلِ ، وَعِنْدَ هَذَا نَقُولُ : هَذَا كُلُّهُ إِذَا كَانَ الْآتِي غَيْرَ الْعَبْدِ ، وَأَمَّا إِذَا فَعَلَ الْعَبْدُ مَا أَوْجَبَ عَلَيْهِ سَيِّدُهُ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ أَجْرًا ، وَلَا سِيَّمَا إِذَا أَتَى بِمَا أَمَرَ بِهِ عَلَى نَوْعِ اخْتِلَالٍ ، فَمَا ظَنُّكَ بِحَالِنَا مَعَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، مَعَ أَنَّ السَّيِّدَ لَا يَمْلِكُ مِنْ عَبْدِهِ إِلَّا الْبِنْيَةَ ، وَاللَّهُ تَعَالَى يَمْلِكُ مِنَّا أَنْفُسَنَا وَأَجْسَامَنَا ، ثُمَّ إِنَّكَ إِذَا تَفَكَّرْتَ فِي مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ تَجِدُهُمْ قَدْ حَقَّقُوا مَعْنَى الْعُبُودِيَّةِ غَايَةَ التَّحْقِيقِ ، وَاعْتَرَفُوا أَنَّهُمْ عَبِيدٌ لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَجِبُ لِلْعَبْدِ عَلَى السَّيِّدِ دَيْنٌ ،
وَالْمُعْتَزِلَةُ لَمْ يُحَقِّقُوا الْعُبُودِيَّةَ ، وَجَعَلُوا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللَّهِ مُعَامَلَةً تُوجِبُ مُطَالَبَةً ، وَنَرْجُو أَنْ يُحَقِّقَ اللَّهُ تَعَالَى مَعَنَا الْمَالِكِيَّةَ غَايَةَ التَّحْقِيقِ ، وَيَدْفَعَ حَاجَاتِنَا الْأَصْلِيَّةَ وَيُطَهِّرَ أَعْمَالَنَا ، كَمَا أَنَّ السَّيِّدَ يَدْفَعُ حَاجَةَ عَبْدِهِ بِإِطْعَامِهِ وَكُسْوَتِهِ ، وَيُطَهِّرُ صَوْمَهُ بِزَكَاةِ فِطْرِهِ ، وَإِذَا جَنَى جِنَايَةً لَمْ يُمَكِّنِ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ مِنْهُ ، بَلْ يَخْتَارُ فِدَاءَهُ وَيُخَلِّصُ رَقَبَتَهُ مِنَ الْجِنَايَةِ ، كَذَلِكَ يَدْفَعُ اللَّهُ حَاجَاتِنَا فِي الْآخِرَةِ ، وَأَهَمُّ الْحَاجَاتِ أَنْ يَرْحَمَنَا وَيَعْفُوَ عَنَّا ، وَيَتَغَمَّدَنَا بِالْمَغْفِرَةِ وَالرِّضْوَانِ ، حَيْثُ مَنَعَ غَيْرَهُ عَنْ تَمَلُّكِ رِقَابِنَا بِاخْتِيَارِ الْفِدَاءِ عَنَّا ، وَأَرْجُو أَنْ لَا يَفْعَلَ مَعَ إِخْوَانِنَا الْمُعْتَزِلَةِ مَا يَفْعَلُهُ الْمُتَعَامِلَانِ فِي الْمُحَاسَبَةِ بِالنَّقِيرِ وَالْقِطْمِيرِ ، وَالْمُطَالَبَةِ بِمَا يَفْضُلُ لِأَحَدِهِمَا مِنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : قَالُوا : لَوْ كَانَ فِي الْآخِرَةِ رُؤْيَةٌ لَكَانَتْ جَزَاءً ، وَقَدْ حَصَرَ اللَّهُ الْجَزَاءَ فِيمَا ذَكَرَ وَالْجَوَابُ عَنْهُ : أَنْ نَقُولَ : لِمَ قُلْتُمْ : إِنَّهَا لَوْ كَانَتْ تَكُونُ جَزَاءً ، بَلْ تَكُونُ فَضْلًا مِنْهُ فَوْقَ الْجَزَاءِ ، وَهَبْ أَنَّهَا تَكُونُ جَزَاءً ، وَلَكِنْ لِمَ قُلْتُمْ : إِنَّ ذِكْرَ الْجَزَاءِ حَصْرٌ وَإِنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ مَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ : أَعْطَيْتُكَ كَذَا جَزَاءً عَلَى عَمَلٍ لَا يُنَافِي قَوْلَهُ : وَأَعْطَيْتُكَ شَيْئًا آخَرَ فَوْقَهُ أَيْضًا جَزَاءً عَلَيْهِ ، وَهَبْ أَنَّهُ حَصْرٌ ، لَكِنْ لِمَ قُلْتُمْ : إِنَّ الْقُرْبَةَ لَا تَدُلُّ عَلَى الرُّؤْيَةِ ، فَإِنْ قِيلَ : قَالَ فِي حَقِّ الْمَلَائِكَةِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=172وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ ) ، وَلَمْ يَلْزَمْ مِنْ قُرْبِهِمُ الرُّؤْيَةُ ، نَقُولُ : أَجَبْنَا أَنَّ قُرْبَهُمْ مِثْلُ قُرْبِ مَنْ يَكُونُ عِنْدَ الْمَلِكِ لِقَضَاءِ الْأَشْغَالِ ، فَيَكُونُ عَلَيْهِ التَّكْلِيفُ وَالْوُقُوفُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِالْبَابِ تَخْرُجُ أَوَامِرُهُ عَلَيْهِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=6وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ) [ التَّحْرِيمِ : 6 ] وَقُرْبُ الْمُؤْمِنِ قُرْبُ الْمُنَعَّمِ مِنَ الْمَلِكِ ، وَهُوَ الَّذِي لَا يَكُونُ إِلَّا لِلْمُكَالَمَةِ وَالْمُجَالَسَةِ فِي الدُّنْيَا ، لَكِنَّ الْمُقَرَّبَ الْمُكَلَّفَ لَيْسَ كُلَّمَا يَرُوحُ إِلَى بَابِ الْمَلِكِ يَدْخُلُ عَلَيْهِ وَأَمَّا الْمُنَعَّمُ لَا يَذْهَبُ إِلَيْهِ إِلَّا وَيَدْخُلُ عَلَيْهِ فَظَهَرَ الْفَرْقُ .
وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=11أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ) فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى الرُّؤْيَةِ هُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْمُطَفِّفِينَ ذَكَرَ الْأَبْرَارَ وَالْفُجَّارَ ، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى قَالَ فِي حَقِّ الْفُجَّارِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=15إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ) .
[ ص: 138 ] [ الْمُطَفِّفِينَ : 15 ] ، وَقَالَ فِي الْأَبْرَارِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=28يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ ) [ الْمُطَفِّفِينَ : 28 ] وَلَمْ يَذْكُرْ فِي مُقَابَلَةِ " الْمَحْجُوبُونَ " مَا يَدُلُّ عَلَى مُخَالَفَةِ حَالِ الْأَبْرَارِ حَالَ الْفُجَّارِ فِي الْحِجَابِ وَالْقُرْبِ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=18لَفِي عِلِّيِّينَ ) [ الْمُطَفِّفِينَ : 18 ] وَإِنْ كَانَ دَلِيلًا عَلَى الْقُرْبِ وَعُلُوِّ الْمَنْزِلَةِ لَكِنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=7لَفِي سِجِّينٍ ) [ الْمُطَفِّفِينَ : 7 ] فَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي حَقِّهِمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=28يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ ) مَعَ قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=21وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا ) [ الْإِنْسَانِ : 21 ] يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ الْقُرْبُ الَّذِي يَكُونُ لِجُلَسَاءِ الْمَلِكِ عِنْدَ الْمَلِكِ ، وَقَوْلُهُ فِي حَقِّ الْمَلَائِكَةِ فِي تِلْكَ السُّورَةِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=21يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ ) [ الْمُطَفِّفِينَ : 21 ] يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ الْقُرْبُ الَّذِي يَكُونُ لِلْكِتَابِ وَالْحِسَابِ عِنْدَ الْمَلِكِ لِمَا أَنَّهُ فِي الدُّنْيَا يَحْسُدُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ ، فَإِنَّ الْكَاتِبَ إِنْ كَانَ قُرْبُهُ مِنَ الْمَلِكِ بِسَبَبِ الْخِدْمَةِ لَا يَخْتَارُ قُرْبَ الْكِتَابِ وَالْحِسَابِ ، بَلْ قُرْبَ النَّدِيمِ ، ثُمَّ إِنَّهُ بَيْنَ ذَلِكَ النَّوْعِ مِنَ الْقُرْبِ وَبَيْنَ الْقُرْبِ الَّذِي بِسَبَبِ الْكِتَابَةِ مَا يَحْمِلُهُ عَلَى أَنْ يَخْتَارَ غَيْرَهُ ، وَفِي سُورَةِ الْمُطَفِّفِينَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=15لَمَحْجُوبُونَ ) يَدُلُّ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=19996_28725الْمُقَرَّبِينَ غَيْرُ مَحْجُوبِينَ عَنِ النَّظَرِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُنْظَرَ إِلَى اللَّهِ قَوْلُنَا : جُلَسَاءُ الْمَلِكِ فِي ظَاهِرِ النَّظَرِ الَّذِي يَقْتَضِي فِي نَظَرِ الْقَوْمِ الْجِهَةَ وَإِلَى الْقُرْبِ الَّذِي يَفْهَمُ الْعَامِّيُّ مِنْهُ الْمَكَانَ إِلَّا بِنَظَرِ الْعُلَمَاءِ الْأَخْبَارِ الْحُكَمَاءِ الْأَخْيَارِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : قَالُوا : قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=24بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَمَلَ عَمَلُهُمْ وَحَاصِلٌ بِفِعْلِهِمْ ، نَقُولُ : لَا نِزَاعَ فِي أَنَّ الْعَمَلَ فِي الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ وُضِعَ لِلْفِعْلِ وَالْمَجْنُونَ لِلَّذِي لَا عَقْلَ لَهُ وَالْعَاقِلَ لِلَّذِي بَلَغَ الْكَمَالَ فِيهِ ، وَذَلِكَ لَيْسَ إِلَّا بِوَضْعِ اللُّغَةِ لِمَا يُدْرَكُ بِالْحِسِّ ، وَكُلُّ أَحَدٍ يَرَى الْحَرَكَةَ مِنَ الْجِسْمَيْنِ فَيَقُولُ : تَحَرَّكَ وَسَكَنَ عَلَى سَبِيلِ الْحَقِيقَةِ ، كَمَا يَقُولُ : تَدُورُ الرَّحَا وَيَصْعَدُ الْحَجَرُ ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي الْقُدْرَةِ الَّتِي بِهَا الْفِعْلُ فِي الْمَحَلِّ الْمَرْئِيِّ ، وَذَلِكَ خَارِجٌ عَنْ وَضْعِ اللُّغَةِ .