(
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=25لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=26إلا قيلا سلاما سلاما )
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=25لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=26إلا قيلا سلاما سلاما ) وفيه مسائل :
المسألة الأولى : ما الحكمة في تأخير ذكره عن الجزاء مع أنه من النعم العظيمة ؟ نقول : فيه لطائف :
الأولى : أن هذا من أتم النعم ، فجعلها من باب الزيادة التي منها الرؤية عند البعض ولا مقابل لها من الأعمال ، وإنما قلنا : إنها من أتم النعم ؛ لأنها نعمة سماع كلام الله تعالى على ما سنبين أن المراد من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=26سلاما ) هو ما قال في سورة يس : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=58سلام قولا من رب رحيم ) [ يس : 58 ] فلم يذكرها فيما جعله جزاء ، وهذا على قولنا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=11أولئك المقربون ) ليس فيه دلالة على الرؤية .
الثانية : أنه تعالى بدأ بأتم النعم وهي
nindex.php?page=treesubj&link=28725نعمة الرؤية ، وهي الرؤية بالنظر كما مر وختم بمثلها ، وهي نعمة المخاطبة . الثالثة : هي أنه تعالى لما ذكر النعم الفعلية وقابلها بأعمالهم حيث قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=24جزاء بما كانوا يعملون ) ذكر النعم القولية في مقابلة أذكارهم الحسنة ولم يذكروا اللذات العقلية التي في مقابلة أعمال قلوبهم من إخلاصهم واعتقادهم ؛ لأن العمل القلبي لم ير ولم يسمع ، فما يعطيهم الله تعالى من النعمة تكون نعمة لم ترها عين ولا سمعتها أذن ، وإليه الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم:
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013768nindex.php?page=treesubj&link=30387فيها ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر وقوله عليه السلام : ولا خطر إشارة إلى الزيادة ، والذي يدل على النعمة القولية في مقابلة قولهم الطيب قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=30إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا ) [ فصلت : 30 ] إلى قوله :
[ ص: 139 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=32نزلا من غفور رحيم ) [ فصلت : 32 ] .
المسألة الثانية : قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=25لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما ) نفي للمكروه لما أن اللغو كلام غير معتبر ؛ لأنه عند المعتبرين من الرجال مكروه ، ونفي المكروه لا يعد من النعم العظيمة التي مر ذكرها ، كيف وقد ذكرت أن تأخير هذه النعمة لكونها أتم ، ولو قال : إن فلانا في بلدة كذا محترم مكرم لا يضرب ولا يشتم فهو غير مكرم وهو مذموم ، والواغل مذموم وهو الذي يدخل على قوم يشربون ويأكلون فيأكل ويشرب معهم من غير دعاء ولا إذن فكأنه بالنسبة إليهم في عدم الاعتبار كلام غير معتبر وهو اللغو ، وكذلك ما يتصرف منه مثل الولوغ لا يقال إلا إذا كان الوالغ كلبا أو ما يشبهه من السباع ، وأما التأثيم فهو النسبة إلى الإثم ومعناه لا يذكر إلا باطلا ولا ينسبه أحد إلا إلى الباطل ، وأما التقديم فلأن اللغو أعم من التأثيم أي يجعله آثما كما تقول : إنه فاسق أو سارق ونحو ذلك ، وبالجملة فالمتكلم ينقسم إلى أن يلغو وإلى أن لا يلغو والذي لا يلغو يقصد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فيأخذ الناس بأقوالهم وهو لا يؤخذ عليه شيء ، فقال تعالى : لا يلغو أحد ولا يصدر منه لغو ولا ما يشبه اللغو فيقول له : الصادق لا يلغو ولا يأثم ولا شك في أن الباطل أقبح ما يشبهه فقال : لا يأثم أحد .
المسألة الثالثة : قال تعالى في سورة النبأ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=35لا يسمعون فيها لغوا ولا كذابا ) فهل بينهما فرق ؟ قلنا : نعم ، الكذاب كثير التكذيب ومعناه هناك أنهم لا يسمعون كذبا ولا أحدا يقول لآخر : كذبت وفائدته أنهم لا يعرفون كذبا من معين من الناس ولا من واحد منهم غير معين لتفاوت حالهم وحال الدنيا ، فإنا نعلم أن بعض الناس بأعيانهم كذابون فإن لم نعرف ذلك نقطع بأن في الناس كذابا ؛ لأن أحدهم يقول لصاحبه : كذبت فإن صدق فصاحبه كذاب ، وإن لم يصدق فهو كاذب فيعلم أن في الدنيا كذابا بعينه أو بغير عينه ولا كذلك في الآخرة فلا كذب فيها ، وقال ههنا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=25ولا تأثيما ) وهو أبلغ من التكذيب فإن من يقول في حق من لا يعرفه : إنه زان أو شارب الخمر مثلا فإنه يأثم وقد يكون صادقا ، فالذي ليس عن علم إثم فلا يقول أحد لأحد : قلت ما لا علم لك به ، فالكلام ههنا أبلغ ؛ لأنه قصر السورة على بيان أحوال الأقسام ؛ لأن المذكورين هنا هم السابقون وفي سورة النبأ هم المتقون ، وقد بينا أن السابق فوق المتقي .
المسألة الرابعة : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=26إلا قيلا ) استثناء متصل منقطع ، فنقول : فيه وجهان :
أحدهما : وهو الأظهر أنه منقطع ؛ لأن السلام ليس من جنس اللغو تقديره لكن يسمعون قيلا سلاما سلاما .
ثانيهما : أنه متصل ووجهه أن نقول : المجاز قد يكون في المعنى ، ومن جملته أنك تقول : ما لي ذنب إلا أني أحبك فلهذا تؤذيني ، فتستثني محبته من الذنب ولا تريد المنقطع ؛ لأنك لا تريد بهذا القول بيان أنك تحبه إنما تريد في تبرئتك عن الذنوب ووجهه هو أن بينهما غاية الخلاف وبينهما أمور متوسطة ، مثاله : الحار والبارد وبينهما الفاتر الذي هو أقرب إلى الحار من البارد وأقرب إلى البارد من الحار ، والمتوسط يطلق عليه اسم البارد عند النسبة إلى الحار فيقال : هذا بارد ويخبر عنه بالنسبة إلى البارد فيقال : إنه حار ، إذا ثبت هذا فنقول : قول القائل : ما لي ذنب إلا أني أحبك ، معناه لا تجد ما يقرب من الذنب إلا المحبة فإن عندي أمورا فوقها إذا نسبتها إلى الذنب تجد بينها غاية الخلاف ، فيكون ذلك كقوله : درجات الحب عندي طاعتك وفوقها إن أفضل جانب أقل أمر من أمورك على جانب الحفظ لروحي ، إشارة إلى المبالغة كما يقول القائل : ليس هذا بشيء ، مستحقرا بالنسبة إلى ما
[ ص: 140 ] فوقه ، فقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=25لا يسمعون فيها لغوا ) أي
nindex.php?page=treesubj&link=30387يسمعون فيها كلاما فائقا عظيم الفائدة كامل اللذة ، أدناها وأقربها إلى اللغو قول بعضهم لبعض : سلام عليك فلا يسمعون ما يقرب من اللغو إلا سلاما ، فما ظنك بالذي يبعد منه كما يبعد الماء البارد الصادق ، والماء الذي كسرت الشمس برودته وطلب منه ماء حار ، ليس عندي ماء حار إلا هذا أي ليس عندي ما يبعد من البارد الصادق البرودة ويقرب من الحار إلا هذا وفيه المبالغة الفائقة والبلاغة الرائقة وحينئذ يكون اللغو مجازا ، والاستثناء متصلا فإن قيل : إذا لم يكن بد من مجاز وحمل اللغو على ما يقرب منه بالنسبة إليه فليحمل إلا على لكن ؛ لأنهما مشتركان في إثبات خلاف ما تقدم ، نقول : المجاز في الأسماء أولى من المجاز في الحروف ؛ لأنها تقبل التغير في الدلالة وتتغير في الأحوال ، ولا كذلك الحروف ؛ لأن الحروف لا تصير مجازا إلا بالاقتران باسم ، والاسم يصير مجازا من غير الاقتران بحرف فإنك تقول : رأيت أسدا يرمي ويكون مجازا ولا اقتران له بحرف ، وكذلك إذا قلت لرجل : هذا أسد وتريد بأسد كامل الشجاعة ، ولأن عرض المتكلم في قوله : ما لي ذنب إلا أني أحبك ، لا يحصل بما ذكرت من المجاز ، ولأن العدول عن الأصل لا يكون له فائدة من المبالغة والبلاغة .
المسألة الخامسة : في قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=26قيلا ) قولان : أحدهما : أنه مصدر كالقول فيكون " قيلا " مصدرا ، كما أن القول مصدر لكن لا يظهر له في باب فعل يفعل إلا حرف . ثانيهما : أنه اسم والقول مصدر فهو كالسدل والستر بكسر السين اسم وبفتحها مصدر وهو الأظهر ، وعلى هذا نقول : الظاهر أنه اسم مأخوذ من فعل هو : قال وقيل لما لم يذكر فاعله ، وما قيل : إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن القيل والقال ، يكون معناه نهى عن المشاجرة وحكاية أمور جرت بين أقوام لا فائدة في ذكرها ، وليس فيها إلا مجرد الحكاية من غير وعظ ولا حكمة لقوله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=treesubj&link=19137_32612رحم الله عبدا قال خيرا فغنم أو سكت فسلم وعلى هذا فالقيل اسم لقول لم يعلم قائله ، والقال اسم للقول مأخوذ من قيل لما لم يذكر فاعله ، تقول : قال فلان كذا ، ثم قيل له كذا ، فقال كذا ، فيكون حاصل كلامه قيل وقال ، وعلى هذا فالقيل اسم لقول لم يعلم قائله ، والقال مأخوذ من قيل هو قال ، ولقائل أن يقول : هذا باطل لقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=88وقيله يارب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون ) [ الزخرف : 88 ] فإن الضمير للرسول صلى الله عليه وسلم أي يعلم الله قيل
محمد : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=88وقيله يارب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون ) ، كما قال
نوح عليه السلام : (
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=27إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ) [ نوح : 27 ] ، وعلى هذا فقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=89فاصفح عنهم وقل سلام ) [ الزخرف : 89 ] إرشاد له لئلا يدعو على قومه عند يأسه منهم كما دعا عليهم
نوح عنده ، وإذا كان القول مضافا إلى
محمد صلى الله عليه وسلم فلا يكون القيل اسما لقول لم يعلم قائله ؟ فنقول : الجواب عنه من وجهين :
أحدهما : أن قولنا : إنه اسم مأخوذ من قيل الموضوع لقول لم يعلم قائله في الأصل لا ينافي جواز استعماله في قول من علم بغير الموضوع .
وثانيهما : وهو الجواب الدقيق أن نقول : الهاء في : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=88وقيله ) ضمير كما في ربه وكالضمير المجهول عند الكوفيين وهو ضمير الشأن ، وعند البصريين قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=46فإنها لا تعمى الأبصار ) [ الحج : 46 ] والهاء غير عائد إلى مذكور ، غير أن الكوفيين جعلوه لغير معلوم والبصريين جعلوه ضمير القصة ، والظاهر في هذه المسألة قول الكوفيين ، وعلى هذا معنى عبارتهم : بلغ غاية علم الله تعالى قيل القائل منهم : يا رب إن هؤلاء ، إشارة إلى أن الاختصاص بذلك القول في كل أحد أنهم لا يؤمنون لعلمه أنهم قائلون بهذا وأنهم عالمون ، وأهل السماء علموا بأن
nindex.php?page=treesubj&link=29692_30250عند الله علم الساعة يعلمها فيعلم قول من يقول : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=88وقيله يارب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون ) من غير
[ ص: 141 ] تعيين قول لاشتراك الكل فيه ، ويؤيد هذا أن الضمير لو كان عائدا إلى معلوم فإما أن يكون إلى مذكور قبله ، ولا شيء فيما قبله يصح عود الضمير إليه ، وإما إلى معلوم غير مذكور وهو محمد صلى الله عليه وسلم لكن الخطاب بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=89فاصفح ) كان يقتضي أن يقول : وقيلك يا رب ؛ لأن
محمدا صلى الله عليه وسلم هو المخاطب أولا بكلام الله ، وقد قال قبله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=25ولئن سألتهم ) [ لقمان : 25 ] وقال من قبل : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=81قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين ) [ الزخرف : 81 ] وكان هو المخاطب أولا ، إذا تحقق هذا نقول : إذا تفكرت في استعمال لفظ القيل في القرآن ترى ما ذكرنا ملحوظا مراعى ، فقال ههنا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=26إلا قيلا سلاما سلاما ) لعدم اختصاص هذا القول بقائل دون قائل فيسمع هذا القول دائما من الملائكة والناس كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=23والملائكة يدخلون عليهم من كل باب nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=24سلام ) [ الرعد : 23 ] حيث كان المسلم منفردا ، وهو الله كأنه قال : سلام قولا منا ، وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=33ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا ) [ فصلت : 33 ] وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=6هي أشد وطئا وأقوم قيلا ) [ المزمل : 6 ] ؛ لأن الداعي معين وهم الرسل ومن اتبعهم من الأمة وكل من قام ليلا فإن قوله قويم ، ونهجه مستقيم ، وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=88وقيله يارب ) لأن كل أحد يقول : إنهم لا يؤمنون . أما هم فلاعترافهم ولإقرارهم وأما غيرهم فلكفرانهم بإسرافهم وإصرارهم ، ويؤيد ما ذكرنا أنه تعالى قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=25لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما ) والاستثناء المتصل يقرب إلى المعنى بالنسبة إلى غيره وهو قول لا يعرف قائله ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=26إلا قيلا ) وهو سلام عليك ، وأما قول من يعرف وهو الله فهو الأبعد عن اللغو غاية البعد وبينهما نهاية الخلاف فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=58سلام قولا ) .
المسألة السادسة : سلام ، فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه صفة وصف الله تعالى بها (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=26قيلا ) كما يوصف الشيء بالمصدر حيث يقال : رجل عدل ، وقوم صوم ، ومعناه إلا قيلا سالما عن العيوب .
وثانيها : هو مصدر تقديره : إلا أن يقولوا سلاما .
وثالثها : هو بدل من (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=26قيلا ) ، تقديره : إلا سلاما .
المسألة السابعة : تكرير السلام هل فيه فائدة ؟ نقول : فيه إشارة إلى تمام النعمة ، وذلك ؛ لأن أثر السلام في الدنيا لا يتم إلا بالتسليم ورد السلام ، فكما أن أحد المتلاقيين في الدنيا يقول للآخر : السلام عليك ، فيقول الآخر : وعليك السلام ، فكذلك في الآخرة يقولون : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=26سلاما سلاما ) ثم إنه تعالى لما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=58سلام قولا من رب رحيم ) لم يكن له رد ؛ لأن تسليم الله على عبده مؤمن له ، فأما الله تعالى فهو منزه عن أن يؤمنه أحد ، بل الرد إن كان فهو قول المؤمن : سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين .
المسألة الثامنة : ما الفرق بين قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=26سلاما سلاما ) بنصبهما ، وبين قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=69قالوا سلاما قال سلام ) ؟ قلنا : قد ذكرنا هناك أن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=47سلام عليك ) [مريم : 47 ] أتم وأبلغ من قولهم سلاما عليك ،
فإبراهيم عليه السلام أراد أن يتفضل عليهم بالذكر ويجيبهم بأحسن ما حيوا ، وأما هنا فلا يتفضل أحد من أهل الجنة على الآخر مثل التفضل في تلك الصورة إذ هم من جنس واحد ، وهم المؤمنون ولا ينسب أحد إلى أحد تقصيرا .
المسألة التاسعة : إذا كان قول القائل : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=47سلام عليك ) أتم وأبلغ فما بال القراءة المشهورة صارت بالنصب ، ومن قرأ ( سلام ) ليس مثل الذي قرأ بالنصب ، نقول ذلك من حيث اللفظ والمعنى ، أما اللفظ فلأنه يستثنى من المسموع وهو مفعول منصوب ، فالنصب بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=25لا يسمعون فيها لغوا ) وأما المعنى فلأنا بينا أن الاستثناء متصل ، وقولهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=58سلام ) أبعد من اللغو من قولهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=26سلاما ) فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=26إلا قيلا سلاما ) ليكون أقرب إلى اللغو من غيره ، وإن كان في نفسه بعيدا عنه .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=25لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=26إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا )
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=25لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=26إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا ) وَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : مَا الْحِكْمَةُ فِي تَأْخِيرِ ذِكْرِهِ عَنِ الْجَزَاءِ مَعَ أَنَّهُ مِنَ النِّعَمِ الْعَظِيمَةِ ؟ نَقُولُ : فِيهِ لَطَائِفُ :
الْأُولَى : أَنَّ هَذَا مِنْ أَتَمِّ النِّعَمِ ، فَجَعَلَهَا مِنْ بَابِ الزِّيَادَةِ الَّتِي مِنْهَا الرُّؤْيَةُ عِنْدَ الْبَعْضِ وَلَا مُقَابِلَ لَهَا مِنَ الْأَعْمَالِ ، وَإِنَّمَا قُلْنَا : إِنَّهَا مِنْ أَتَمِّ النِّعَمِ ؛ لِأَنَّهَا نِعْمَةُ سَمَاعِ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى مَا سَنُبَيِّنُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=26سَلَامًا ) هُوَ مَا قَالَ فِي سُورَةِ يس : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=58سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ ) [ يس : 58 ] فَلَمْ يَذْكُرْهَا فِيمَا جَعَلَهُ جَزَاءً ، وَهَذَا عَلَى قَوْلِنَا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=11أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ) لَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى الرُّؤْيَةِ .
الثَّانِيَةُ : أَنَّهُ تَعَالَى بَدَأَ بِأَتَمِّ النِّعَمِ وَهِيَ
nindex.php?page=treesubj&link=28725نِعْمَةُ الرُّؤْيَةِ ، وَهِيَ الرُّؤْيَةُ بِالنَّظَرِ كَمَا مَرَّ وَخَتَمَ بِمِثْلِهَا ، وَهِيَ نِعْمَةُ الْمُخَاطَبَةِ . الثَّالِثَةُ : هِيَ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ النِّعَمَ الْفِعْلِيَّةَ وَقَابَلَهَا بِأَعْمَالِهِمْ حَيْثُ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=24جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) ذَكَرَ النِّعَمَ الْقَوْلِيَّةَ فِي مُقَابَلَةِ أَذْكَارِهِمُ الْحَسَنَةِ وَلَمْ يَذْكُرُوا اللَّذَّاتِ الْعَقْلِيَّةَ الَّتِي فِي مُقَابَلَةِ أَعْمَالِ قُلُوبِهِمْ مِنْ إِخْلَاصِهِمْ وَاعْتِقَادِهِمْ ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ الْقَلْبِيَّ لَمْ يُرَ وَلَمْ يُسْمَعْ ، فَمَا يُعْطِيهِمُ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ النِّعْمَةِ تَكُونُ نِعْمَةً لَمْ تَرَهَا عَيْنٌ وَلَا سَمِعَتْهَا أُذُنٌ ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013768nindex.php?page=treesubj&link=30387فِيهَا مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ : وَلَا خَطَرَ إِشَارَةٌ إِلَى الزِّيَادَةِ ، وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى النِّعْمَةِ الْقَوْلِيَّةِ فِي مُقَابَلَةِ قَوْلِهِمُ الطَّيِّبِ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=30إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا ) [ فُصِّلَتْ : 30 ] إِلَى قَوْلِهِ :
[ ص: 139 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=32نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ ) [ فُصِّلَتْ : 32 ] .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=25لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا ) نَفْيٌ لِلْمَكْرُوهِ لِمَا أَنَّ اللَّغْوَ كَلَامٌ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ الْمُعْتَبَرَينَ مِنَ الرِّجَالِ مَكْرُوهٌ ، وَنَفْيُ الْمَكْرُوهِ لَا يُعَدُّ مِنَ النِّعَمِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي مَرَّ ذِكْرُهَا ، كَيْفَ وَقَدْ ذَكَرْتَ أَنَّ تَأْخِيرَ هَذِهِ النِّعْمَةِ لِكَوْنِهَا أَتَمَّ ، وَلَوْ قَالَ : إِنَّ فُلَانًا فِي بَلْدَةِ كَذَا مُحْتَرَمٌ مُكَرَّمٌ لَا يُضْرَبُ وَلَا يُشْتَمُ فَهُوَ غَيْرُ مُكَرَّمٍ وَهُوَ مَذْمُومٌ ، وَالْوَاغِلُ مَذْمُومٌ وَهُوَ الَّذِي يَدْخُلُ عَلَى قَوْمٍ يَشْرَبُونَ وَيَأْكُلُونَ فَيَأْكُلُ وَيَشْرَبُ مَعَهُمْ مِنْ غَيْرِ دُعَاءٍ وَلَا إِذْنٍ فَكَأَنَّهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِمْ فِي عَدَمِ الِاعْتِبَارِ كَلَامٌ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ وَهُوَ اللَّغْوُ ، وَكَذَلِكَ مَا يَتَصَرَّفُ مِنْهُ مِثْلُ الْوُلُوغِ لَا يُقَالُ إِلَّا إِذَا كَانَ الْوَالِغُ كَلْبًا أَوْ مَا يُشْبِهُهُ مِنَ السِّبَاعِ ، وَأَمَّا التَّأْثِيمُ فَهُوَ النِّسْبَةُ إِلَى الْإِثْمِ وَمَعْنَاهُ لَا يَذْكُرُ إِلَّا بَاطِلًا وَلَا يَنْسُبُهُ أَحَدٌ إِلَّا إِلَى الْبَاطِلِ ، وَأَمَّا التَّقْدِيمُ فَلِأَنَّ اللَّغْوَ أَعَمُّ مِنَ التَّأْثِيمِ أَيْ يَجْعَلُهُ آثِمًا كَمَا تَقُولُ : إِنَّهُ فَاسِقٌ أَوْ سَارِقٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ ، وَبِالْجُمْلَةِ فَالْمُتَكَلِّمُ يَنْقَسِمُ إِلَى أَنْ يَلْغُوَ وَإِلَى أَنْ لَا يَلْغُوَ وَالَّذِي لَا يَلْغُو يَقْصِدُ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ ، فَيَأْخُذُ النَّاسَ بِأَقْوَالِهِمْ وَهُوَ لَا يُؤْخَذُ عَلَيْهِ شَيْءٌ ، فَقَالَ تَعَالَى : لَا يَلْغُو أَحَدٌ وَلَا يَصْدُرُ مِنْهُ لَغْوٌ وَلَا مَا يُشْبِهُ اللَّغْوَ فَيَقُولُ لَهُ : الصَّادِقُ لَا يَلْغُو وَلَا يَأْثَمُ وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ الْبَاطِلَ أَقْبَحُ مَا يُشْبِهُهُ فَقَالَ : لَا يَأْثَمُ أَحَدٌ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : قَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ النَّبَأِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=35لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا ) فَهَلْ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ ؟ قُلْنَا : نَعَمْ ، الْكِذَّابُ كَثِيرُ التَّكْذِيبِ وَمَعْنَاهُ هُنَاكَ أَنَّهُمْ لَا يَسْمَعُونَ كَذِبًا وَلَا أَحَدًا يَقُولُ لِآخَرَ : كَذَبْتَ وَفَائِدَتُهُ أَنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ كَذِبًا مِنْ مُعَيَّنٍ مِنَ النَّاسِ وَلَا مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ غَيْرِ مُعَيَّنٍ لِتَفَاوُتِ حَالِهِمْ وَحَالِ الدُّنْيَا ، فَإِنَّا نَعْلَمُ أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ بِأَعْيَانِهِمْ كَذَّابُونَ فَإِنْ لَمْ نَعْرِفْ ذَلِكَ نَقْطَعْ بِأَنَّ فِي النَّاسِ كَذَّابًا ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ : كَذَبْتَ فَإِنْ صَدَقَ فَصَاحِبُهُ كَذَّابٌ ، وَإِنْ لَمْ يَصْدُقْ فَهُوَ كَاذِبٌ فَيَعْلَمُ أَنَّ فِي الدُّنْيَا كَذَّابًا بِعَيْنِهِ أَوْ بِغَيْرِ عَيْنِهِ وَلَا كَذَلِكَ فِي الْآخِرَةِ فَلَا كَذِبَ فِيهَا ، وَقَالَ هَهُنَا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=25وَلَا تَأْثِيمًا ) وَهُوَ أَبْلَغُ مِنَ التَّكْذِيبِ فَإِنَّ مَنْ يَقُولُ فِي حَقِّ مَنْ لَا يَعْرِفُهُ : إِنَّهُ زَانٍ أَوْ شَارِبٌ الْخَمْرَ مَثَلًا فَإِنَّهُ يَأْثَمُ وَقَدْ يَكُونُ صَادِقًا ، فَالَّذِي لَيْسَ عَنْ عِلْمٍ إِثْمٌ فَلَا يَقُولُ أَحَدٌ لِأَحَدٍ : قُلْتَ مَا لَا عِلْمَ لَكَ بِهِ ، فَالْكَلَامُ هَهُنَا أَبْلَغُ ؛ لِأَنَّهُ قَصَرَ السُّورَةَ عَلَى بَيَانِ أَحْوَالِ الْأَقْسَامِ ؛ لِأَنَّ الْمَذْكُورِينَ هُنَا هُمُ السَّابِقُونَ وَفِي سُورَةِ النَّبَأِ هُمُ الْمُتَّقُونَ ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ السَّابِقَ فَوْقَ الْمُتَّقِي .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=26إِلَّا قِيلًا ) اسْتِثْنَاءٌ مُتَّصِلٌ مُنْقَطِعٌ ، فَنَقُولُ : فِيهِ وَجْهَانِ :
أَحَدُهُمَا : وَهُوَ الْأَظْهَرُ أَنَّهُ مُنْقَطِعٌ ؛ لِأَنَّ السَّلَامَ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ اللَّغْوِ تَقْدِيرُهُ لَكِنْ يَسْمَعُونَ قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا .
ثَانِيهِمَا : أَنَّهُ مُتَّصِلٌ وَوَجْهُهُ أَنْ نَقُولَ : الْمَجَازُ قَدْ يَكُونُ فِي الْمَعْنَى ، وَمِنْ جُمْلَتِهِ أَنَّكَ تَقُولُ : مَا لِي ذَنْبٌ إِلَّا أَنِّي أُحِبُّكَ فَلِهَذَا تُؤْذِينِي ، فَتَسْتَثْنِي مَحَبَّتَهُ مِنَ الذَّنْبِ وَلَا تُرِيدُ الْمُنْقَطِعَ ؛ لِأَنَّكَ لَا تُرِيدُ بِهَذَا الْقَوْلِ بَيَانَ أَنَّكَ تُحِبُّهُ إِنَّمَا تُرِيدُ فِي تَبْرِئَتِكَ عَنِ الذُّنُوبِ وَوَجْهُهُ هُوَ أَنَّ بَيْنَهُمَا غَايَةَ الْخِلَافِ وَبَيْنَهُمَا أُمُورٌ مُتَوَسِّطَةٌ ، مِثَالُهُ : الْحَارُّ وَالْبَارِدُ وَبَيْنَهُمَا الْفَاتِرُ الَّذِي هُوَ أَقْرَبُ إِلَى الْحَارِّ مِنَ الْبَارِدِ وَأَقْرَبُ إِلَى الْبَارِدِ مِنَ الْحَارِّ ، وَالْمُتَوَسِّطُ يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْبَارِدِ عِنْدَ النِّسْبَةِ إِلَى الْحَارِّ فَيُقَالُ : هَذَا بَارِدٌ وَيُخْبَرُ عَنْهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْبَارِدِ فَيُقَالُ : إِنَّهُ حَارٌّ ، إِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ : قَوْلُ الْقَائِلِ : مَا لِي ذَنْبٌ إِلَّا أَنِّي أُحِبُّكَ ، مَعْنَاهُ لَا تَجِدُ مَا يُقَرِّبُ مِنَ الذَّنْبِ إِلَّا الْمَحَبَّةَ فَإِنَّ عِنْدِي أُمُورًا فَوْقَهَا إِذَا نَسَبْتَهَا إِلَى الذَّنْبِ تَجِدُ بَيْنَهَا غَايَةَ الْخِلَافِ ، فَيَكُونُ ذَلِكَ كَقَوْلِهِ : دَرَجَاتُ الْحُبِّ عِنْدِي طَاعَتُكَ وَفَوْقَهَا إِنَّ أَفْضَلَ جَانِبٍ أَقَلُّ أَمْرٍ مِنْ أُمُورِكَ عَلَى جَانِبِ الْحِفْظِ لِرُوحِي ، إِشَارَةً إِلَى الْمُبَالَغَةِ كَمَا يَقُولُ الْقَائِلُ : لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ ، مُسْتَحْقَرًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا
[ ص: 140 ] فَوْقَهُ ، فَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=25لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا ) أَيْ
nindex.php?page=treesubj&link=30387يَسْمَعُونَ فِيهَا كَلَامًا فَائِقًا عَظِيمَ الْفَائِدَةِ كَامِلَ اللَّذَّةِ ، أَدْنَاهَا وَأَقْرَبُهَا إِلَى اللَّغْوِ قَوْلُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ : سَلَامٌ عَلَيْكَ فَلَا يَسْمَعُونَ مَا يَقْرُبُ مِنَ اللَّغْوِ إِلَّا سَلَامًا ، فَمَا ظَنُّكَ بِالَّذِي يَبْعُدُ مِنْهُ كَمَا يَبْعُدُ الْمَاءُ الْبَارِدُ الصَّادِقُ ، وَالْمَاءُ الَّذِي كَسَرَتِ الشَّمْسُ بُرُودَتَهُ وَطُلِبَ مِنْهُ مَاءٌ حَارٌّ ، لَيْسَ عِنْدِي مَاءٌ حَارٌّ إِلَّا هَذَا أَيْ لَيْسَ عِنْدِي مَا يَبْعُدُ مِنَ الْبَارِدِ الصَّادِقِ الْبُرُودَةِ وَيَقْرُبُ مِنَ الْحَارِّ إِلَّا هَذَا وَفِيهِ الْمُبَالَغَةُ الْفَائِقَةُ وَالْبَلَاغَةُ الرَّائِقَةُ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ اللَّغْوُ مَجَازًا ، وَالِاسْتِثْنَاءُ مُتَّصِلًا فَإِنْ قِيلَ : إِذَا لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ مَجَازٍ وَحُمِلَ اللَّغْوُ عَلَى مَا يَقْرُبُ مِنْهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ فَلْيُحْمَلْ إِلَّا عَلَى لَكِنْ ؛ لِأَنَّهُمَا مُشْتَرِكَانِ فِي إِثْبَاتِ خِلَافِ مَا تَقَدَّمَ ، نَقُولُ : الْمَجَازُ فِي الْأَسْمَاءِ أَوْلَى مِنَ الْمَجَازِ فِي الْحُرُوفِ ؛ لِأَنَّهَا تَقْبَلُ التَّغَيُّرَ فِي الدَّلَالَةِ وَتَتَغَيَّرُ فِي الْأَحْوَالِ ، وَلَا كَذَلِكَ الْحُرُوفُ ؛ لِأَنَّ الْحُرُوفَ لَا تَصِيرُ مَجَازًا إِلَّا بِالِاقْتِرَانِ بِاسْمٍ ، وَالِاسْمُ يَصِيرُ مَجَازًا مِنْ غَيْرِ الِاقْتِرَانِ بِحَرْفٍ فَإِنَّكَ تَقُولُ : رَأَيْتُ أَسَدًا يَرْمِي وَيَكُونُ مَجَازًا وَلَا اقْتِرَانَ لَهُ بِحَرْفٍ ، وَكَذَلِكَ إِذَا قُلْتَ لِرَجُلٍ : هَذَا أَسَدٌ وَتُرِيدُ بِأَسَدٍ كَامِلَ الشَّجَاعَةِ ، وَلِأَنَّ عَرْضَ الْمُتَكَلِّمِ فِي قَوْلِهِ : مَا لِي ذَنْبٌ إِلَّا أَنِّي أُحِبُّكَ ، لَا يَحْصُلُ بِمَا ذَكَرْتَ مِنَ الْمَجَازِ ، وَلِأَنَّ الْعُدُولَ عَنِ الْأَصْلِ لَا يَكُونُ لَهُ فَائِدَةٌ مِنَ الْمُبَالَغَةِ وَالْبَلَاغَةِ .
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ : فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=26قِيلًا ) قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ مَصْدَرٌ كَالْقَوْلِ فَيَكُونُ " قِيلًا " مَصْدَرًا ، كَمَا أَنَّ الْقَوْلَ مَصْدَرٌ لَكِنْ لَا يَظْهَرُ لَهُ فِي بَابِ فَعَلَ يَفْعُلُ إِلَّا حَرْفٌ . ثَانِيهِمَا : أَنَّهُ اسْمٌ وَالْقَوْلُ مَصْدَرٌ فَهُوَ كَالسِّدْلِ وَالسِّتْرِ بِكَسْرِ السِّينِ اسْمٌ وَبِفَتْحِهَا مَصْدَرٌ وَهُوَ الْأَظْهَرُ ، وَعَلَى هَذَا نَقُولُ : الظَّاهِرُ أَنَّهُ اسْمٌ مَأْخُوذٌ مِنْ فِعْلٍ هُوَ : قَالَ وَقِيلَ لِمَا لَمْ يُذْكَرْ فَاعِلُهُ ، وَمَا قِيلَ : إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الْقِيلِ وَالْقَالِ ، يَكُونُ مَعْنَاهُ نَهَى عَنِ الْمُشَاجَرَةِ وَحِكَايَةِ أُمُورٍ جَرَتْ بَيْنَ أَقْوَامٍ لَا فَائِدَةَ فِي ذِكْرِهَا ، وَلَيْسَ فِيهَا إِلَّا مُجَرَّدُ الْحِكَايَةِ مِنْ غَيْرِ وَعْظٍ وَلَا حِكْمَةٍ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=treesubj&link=19137_32612رَحِمَ اللَّهُ عَبْدًا قَالَ خَيْرًا فَغَنِمَ أَوْ سَكَتَ فَسَلِمَ وَعَلَى هَذَا فَالْقِيلُ اسْمٌ لِقَوْلٍ لَمْ يُعْلَمْ قَائِلُهُ ، وَالْقَالُ اسْمٌ لِلْقَوْلِ مَأْخُوذٌ مِنْ قِيلَ لِمَا لَمْ يُذْكَرْ فَاعِلُهُ ، تَقُولُ : قَالَ فُلَانٌ كَذَا ، ثُمَّ قِيلَ لَهُ كَذَا ، فَقَالَ كَذَا ، فَيَكُونُ حَاصِلُ كَلَامِهِ قِيلَ وَقَالَ ، وَعَلَى هَذَا فَالْقِيلُ اسْمٌ لِقَوْلٍ لَمْ يُعْلَمْ قَائِلُهُ ، وَالْقَالُ مَأْخُوذٌ مِنْ قِيلَ هُوَ قَالَ ، وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ : هَذَا بَاطِلٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=88وَقِيلِهِ يَارَبِّ إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لَا يُؤْمِنُونَ ) [ الزُّخْرُفِ : 88 ] فَإِنَّ الضَّمِيرَ لِلرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْ يَعْلَمُ اللَّهُ قِيلَ
مُحَمَّدٍ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=88وَقِيلِهِ يَارَبِّ إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لَا يُؤْمِنُونَ ) ، كَمَا قَالَ
نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=27إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ ) [ نُوحٍ : 27 ] ، وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=89فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ ) [ الزُّخْرُفِ : 89 ] إِرْشَادٌ لَهُ لِئَلَّا يَدْعُوَ عَلَى قَوْمِهِ عِنْدَ يَأْسِهِ مِنْهُمْ كَمَا دَعَا عَلَيْهِمْ
نُوحٌ عِنْدَهُ ، وَإِذَا كَانَ الْقَوْلُ مُضَافًا إِلَى
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا يَكُونُ الْقِيلُ اسْمًا لِقَوْلٍ لَمْ يُعْلَمْ قَائِلُهُ ؟ فَنَقُولُ : الْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّ قَوْلَنَا : إِنَّهُ اسْمٌ مَأْخُوذٌ مِنْ قِيلَ الْمَوْضُوعِ لِقَوْلٍ لَمْ يُعْلَمْ قَائِلُهُ فِي الْأَصْلِ لَا يُنَافِي جَوَازَ اسْتِعْمَالِهِ فِي قَوْلِ مَنْ عُلِمَ بِغَيْرِ الْمَوْضُوعِ .
وَثَانِيهِمَا : وَهُوَ الْجَوَابُ الدَّقِيقُ أَنْ نَقُولَ : الْهَاءُ فِي : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=88وَقِيلِهِ ) ضَمِيرٌ كَمَا فِي رَبِّهِ وَكَالضَّمِيرِ الْمَجْهُولِ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ وَهُوَ ضَمِيرُ الشَّأْنِ ، وَعِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=46فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ ) [ الْحَجِّ : 46 ] وَالْهَاءُ غَيْرُ عَائِدٍ إِلَى مَذْكُورٍ ، غَيْرَ أَنَّ الْكُوفِيِّينَ جَعَلُوهُ لِغَيْرِ مَعْلُومٍ وَالْبَصْرِيِّينَ جَعَلُوهُ ضَمِيرَ الْقِصَّةِ ، وَالظَّاهِرُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَوْلُ الْكُوفِيِّينَ ، وَعَلَى هَذَا مَعْنَى عِبَارَتِهِمْ : بَلَغَ غَايَةَ عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى قِيلُ الْقَائِلِ مِنْهُمْ : يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلَاءِ ، إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الِاخْتِصَاصَ بِذَلِكَ الْقَوْلِ فِي كُلِّ أَحَدٍ أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ لِعِلْمِهِ أَنَّهُمْ قَائِلُونَ بِهَذَا وَأَنَّهُمْ عَالِمُونَ ، وَأَهْلُ السَّمَاءِ عَلِمُوا بِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29692_30250عِنْدَ اللَّهِ عِلْمَ السَّاعَةِ يَعْلَمُهَا فَيَعْلَمُ قَوْلَ مَنْ يَقُولُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=88وَقِيلِهِ يَارَبِّ إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لَا يُؤْمِنُونَ ) مِنْ غَيْرِ
[ ص: 141 ] تَعْيِينِ قَوْلٍ لِاشْتِرَاكِ الْكُلِّ فِيهِ ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا أَنَّ الضَّمِيرَ لَوْ كَانَ عَائِدًا إِلَى مَعْلُومٍ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ إِلَى مَذْكُورٍ قَبْلَهُ ، وَلَا شَيْءَ فِيمَا قَبْلَهُ يَصِحُّ عَوْدُ الضَّمِيرِ إِلَيْهِ ، وَإِمَّا إِلَى مَعْلُومٍ غَيْرِ مَذْكُورٍ وَهُوَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكِنَّ الْخِطَابَ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=89فَاصْفَحْ ) كَانَ يَقْتَضِي أَنْ يَقُولَ : وَقِيلِكَ يَا رَبِّ ؛ لِأَنَّ
مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْمُخَاطَبُ أَوَّلًا بِكَلَامِ اللَّهِ ، وَقَدْ قَالَ قَبْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=25وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ ) [ لُقْمَانَ : 25 ] وَقَالَ مِنْ قَبْلُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=81قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ ) [ الزُّخْرُفِ : 81 ] وَكَانَ هُوَ الْمُخَاطَبَ أَوَّلًا ، إِذَا تَحَقَّقَ هَذَا نَقُولُ : إِذَا تَفَكَّرْتَ فِي اسْتِعْمَالِ لَفْظِ الْقِيلِ فِي الْقُرْآنِ تَرَى مَا ذَكَرْنَا مَلْحُوظًا مُرَاعًى ، فَقَالَ هَهُنَا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=26إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا ) لِعَدَمِ اخْتِصَاصِ هَذَا الْقَوْلِ بِقَائِلٍ دُونَ قَائِلٍ فَيَسْمَعُ هَذَا الْقَوْلَ دَائِمًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=23وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=24سَلَامٌ ) [ الرَّعْدِ : 23 ] حَيْثُ كَانَ الْمُسَلِّمُ مُنْفَرِدًا ، وَهُوَ اللَّهُ كَأَنَّهُ قَالَ : سَلَامٌ قَوْلًا مِنَّا ، وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=33وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا ) [ فُصِّلَتْ : 33 ] وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=6هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا ) [ الْمُزَّمِّلِ : 6 ] ؛ لِأَنَّ الدَّاعِيَ مُعَيَّنٌ وَهُمُ الرُّسُلُ وَمَنِ اتَّبَعَهُمْ مِنَ الْأُمَّةِ وَكُلُّ مَنْ قَامَ لَيْلًا فَإِنَّ قَوْلَهُ قَوِيمٌ ، وَنَهْجَهُ مُسْتَقِيمٌ ، وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=88وَقِيلِهِ يَارَبِّ ) لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يَقُولُ : إِنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ . أَمَّا هُمْ فَلِاعْتِرَافِهِمْ وَلِإِقْرَارِهِمْ وَأَمَّا غَيْرُهُمْ فَلِكُفْرَانِهِمْ بِإِسْرَافِهِمْ وَإِصْرَارِهِمْ ، وَيُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=25لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا ) وَالِاسْتِثْنَاءُ الْمُتَّصِلُ يُقَرِّبُ إِلَى الْمَعْنَى بِالنِّسْبَةِ إِلَى غَيْرِهِ وَهُوَ قَوْلٌ لَا يُعْرَفُ قَائِلُهُ ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=26إِلَّا قِيلًا ) وَهُوَ سَلَامٌ عَلَيْكَ ، وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ يُعْرَفُ وَهُوَ اللَّهُ فَهُوَ الْأَبْعَدُ عَنِ اللَّغْوِ غَايَةَ الْبُعْدِ وَبَيْنَهُمَا نِهَايَةُ الْخِلَافِ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=58سَلَامٌ قَوْلًا ) .
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ : سَلَامٌ ، فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ :
أَحَدُهَا : أَنَّهُ صِفَةٌ وَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=26قِيلًا ) كَمَا يُوصَفُ الشَّيْءُ بِالْمَصْدَرِ حَيْثُ يُقَالُ : رَجُلٌ عَدْلٌ ، وَقَوْمٌ صَوْمٌ ، وَمَعْنَاهُ إِلَّا قِيلًا سَالِمًا عَنِ الْعُيُوبِ .
وَثَانِيهَا : هُوَ مَصْدَرٌ تَقْدِيرُهُ : إِلَّا أَنْ يَقُولُوا سَلَامًا .
وَثَالِثُهَا : هُوَ بَدَلٌ مِنْ (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=26قِيلًا ) ، تَقْدِيرُهُ : إِلَّا سَلَامًا .
الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ : تَكْرِيرُ السَّلَامِ هَلْ فِيهِ فَائِدَةٌ ؟ نَقُولُ : فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى تَمَامِ النِّعْمَةِ ، وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ أَثَرَ السَّلَامِ فِي الدُّنْيَا لَا يَتِمُّ إِلَّا بِالتَّسْلِيمِ وَرَدِّ السَّلَامِ ، فَكَمَا أَنَّ أَحَدَ الْمُتَلَاقِيَيْنِ فِي الدُّنْيَا يَقُولُ لِلْآخَرِ : السَّلَامُ عَلَيْكَ ، فَيَقُولُ الْآخَرُ : وَعَلَيْكَ السَّلَامُ ، فَكَذَلِكَ فِي الْآخِرَةِ يَقُولُونَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=26سَلَامًا سَلَامًا ) ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى لَمَّا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=58سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ ) لَمْ يَكُنْ لَهُ رَدٌّ ؛ لِأَنَّ تَسْلِيمَ اللَّهِ عَلَى عَبْدِهِ مُؤَمِّنٌ لَهُ ، فَأَمَّا اللَّهُ تَعَالَى فَهُوَ مُنَزَّهٌ عَنْ أَنْ يُؤَمِّنَهُ أَحَدٌ ، بَلِ الرَّدُّ إِنْ كَانَ فَهُوَ قَوْلُ الْمُؤَمَّنِ : سَلَامٌ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ : مَا الْفَرْقُ بَيْنَ قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=26سَلَامًا سَلَامًا ) بِنَصْبِهِمَا ، وَبَيْنَ قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=69قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ ) ؟ قُلْنَا : قَدْ ذَكَرْنَا هُنَاكَ أَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=47سَلَامٌ عَلَيْكَ ) [مَرْيَمَ : 47 ] أَتَمُّ وَأَبْلَغُ مِنْ قَوْلِهِمْ سَلَامًا عَلَيْكَ ،
فَإِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَرَادَ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْهِمْ بِالذِّكْرِ وَيُجِيبَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا حَيَّوْا ، وَأَمَّا هُنَا فَلَا يَتَفَضَّلُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ عَلَى الْآخَرِ مِثْلَ التَّفَضُّلِ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ إِذْ هُمْ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ ، وَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَلَا يَنْسُبُ أَحَدٌ إِلَى أَحَدٍ تَقْصِيرًا .
الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ : إِذَا كَانَ قَوْلُ الْقَائِلِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=47سَلَامٌ عَلَيْكَ ) أَتَمَّ وَأَبْلَغَ فَمَا بَالُ الْقِرَاءَةِ الْمَشْهُورَةِ صَارَتْ بِالنَّصْبِ ، وَمَنْ قَرَأَ ( سَلَامٌ ) لَيْسَ مِثْلَ الَّذِي قَرَأَ بِالنَّصْبِ ، نَقُولُ ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ وَالْمَعْنَى ، أَمَّا اللَّفْظُ فَلِأَنَّهُ يُسْتَثْنَى مِنَ الْمَسْمُوعِ وَهُوَ مَفْعُولٌ مَنْصُوبٌ ، فَالنَّصْبُ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=25لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا ) وَأَمَّا الْمَعْنَى فَلِأَنَّا بَيَّنَّا أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُتَّصِلٌ ، وَقَوْلُهُمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=58سَلَامٌ ) أَبْعَدُ مِنَ اللَّغْوِ مِنْ قَوْلِهِمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=26سَلَامًا ) فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=26إِلَّا قِيلًا سَلَامًا ) لِيَكُونَ أَقْرَبَ إِلَى اللَّغْوِ مِنْ غَيْرِهِ ، وَإِنْ كَانَ فِي نَفْسِهِ بَعِيدًا عَنْهُ .