(
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=41وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=42في سموم وحميم nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=43وظل من يحموم ) .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=41وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=42في سموم وحميم nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=43وظل من يحموم ) .
وفيه مسائل :
المسألة الأولى : ما الحكمة في ذكر السموم والحميم وترك ذكر
nindex.php?page=treesubj&link=30437_30434_30539_30525النار وأهوالها ؟ نقول : فيه إشارة بالأدنى إلى الأعلى فقال : هواؤهم الذي يهب عليهم سموم ، وماؤهم الذي يستغيثون به حميم ، مع أن الهواء والماء أبرد الأشياء ، وهما أي السموم والحميم من أضر الأشياء بخلاف الهواء والماء في الدنيا فإنهما من أنفع
[ ص: 147 ] الأشياء فما ظنك بنارهم التي هي عندنا أيضا أحر ، ولو قال : هم في نار ، كنا نظن أن نارهم كنارنا لأنا ما رأينا شيئا أحر من التي رأيناها ، ولا أحر من السموم ، ولا أبرد من الزلال ، فقال : أبرد الأشياء لهم أحرها فكيف حالهم مع أحرها ، فإن قيل : ما السموم ؟ نقول : المشهور هي ريح حارة تهب فتمرض أو تقتل غالبا ، والأولى أن يقال : هي هواء متعفن يتحرك من جانب إلى جانب فإذا استنشق الإنسان منه يفسد قلبه بسبب العفونة ويقتل الإنسان ، وأصله من السم كسم الحية والعقرب وغيرهما ، ويحتمل أن يكون هذا السم من السم ، وهو خرم الإبرة ، كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=40حتى يلج الجمل في سم الخياط ) [ الأعراف : 40 ] ؛ لأن سم الأفعى ينفذ في المسام فيفسدها ، وقيل : إن السموم مختصة بما يهب ليلا ، وعلى هذا فقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=42سموم ) إشارة إلى ظلمة ما هم فيه غير أنه بعيد جدا ؛ لأن السموم قد ترى بالنهار بسبب كثافتها .
المسألة الثانية : الحميم هو الماء الحار وهو فعيل بمعنى فاعل من حمم الماء بكسر الميم ، أو بمعنى مفعول من حم الماء إذا سخنه ، وقد ذكرناه مرارا غير أن ههنا لطيفة لغوية : وهي أن فعولا لما تكرر منه الشيء والريح لما كانت كثيرة الهبوب تهب شيئا بعد شيء خص السموم بالفعول ، والماء الحار لما كان لا يفهم منه الورود شيئا بعد شيء لم يقل فيه : حموم ، فإن قيل : ما اليحموم ؟ نقول : فيه وجوه :
أولها : أنه اسم من
nindex.php?page=treesubj&link=30428_30437_30434أسماء جهنم .
ثانيها : أنه الدخان .
ثالثها : أنه الظلمة ، وأصله من الحمم وهو الفحم فكأنه لسواده فحم فسموه باسم مشتق منه ، وزيادة الحرف فيه لزيادة ذلك المعنى فيه ، وربما تكون الزيادة فيه جاءت لمعنيين : الزيادة في سواده والزيادة في حرارته ، وفي الأمور الثلاثة إشارة إلى دونهم في العذاب دائما ؛ لأنهم إن تعرضوا لمهب الهواء أصابهم الهواء الذي هو السموم ، وإن استكنوا كما يفعله الذي يدفع عن نفسه السموم بالاستكنان في الكن يكونوا في ظل من يحموم ، وإن أرادوا الرد عن أنفسهم السموم بالاستكنان في مكان من حميم فلا انفكاك لهم من عذاب الحميم ، ويحتمل أن يقال : فيه ترتيب وهو أن السموم يضربه فيعطش وتلتهب نار السموم في أحشائه فيشرب الماء فيقطع أمعاءه ويريد الاستظلال بظل فيكون ذلك الظل ظل اليحموم ، فإن قيل : كيف وجه استعمال ( من ) في قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=43من يحموم ) ؟ فنقول : إن قلنا إنه اسم جهنم فهو لابتداء الغاية كما تقول : جاءني نسيم من الجنة ، وإن قلنا : إنه دخان فهو كما في قولنا : خاتم من فضة ، وإن قلنا : إنه الظلمة فكذلك ، فإن قيل : كيف يصح تفسيره بجهنم مع أنه اسم منصرف منكر فكيف وضع لمكان معرف ، ولو كان اسما لها ؟ قلنا : استعماله بالألف واللام كالجحيم ، أو كان غير منصرف كأسماء جهنم يكون مثله على ثلاثة مواضع كلها يحموم .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=41وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=42فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=43وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ ) .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=41وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=42فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=43وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ ) .
وَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : مَا الْحِكْمَةُ فِي ذِكْرِ السَّمُومِ وَالْحَمِيمِ وَتَرْكِ ذِكْرِ
nindex.php?page=treesubj&link=30437_30434_30539_30525النَّارِ وَأَهْوَالِهَا ؟ نَقُولُ : فِيهِ إِشَارَةٌ بِالْأَدْنَى إِلَى الْأَعْلَى فَقَالَ : هَوَاؤُهُمُ الَّذِي يَهُبُّ عَلَيْهِمْ سَمُومٌ ، وَمَاؤُهُمُ الَّذِي يَسْتَغِيثُونَ بِهِ حَمِيمٌ ، مَعَ أَنَّ الْهَوَاءَ وَالْمَاءَ أَبْرَدُ الْأَشْيَاءِ ، وَهُمَا أَيِ السُّمُومُ وَالْحَمِيمُ مِنْ أَضَرِّ الْأَشْيَاءِ بِخِلَافِ الْهَوَاءِ وَالْمَاءِ فِي الدُّنْيَا فَإِنَّهُمَا مِنْ أَنْفَعِ
[ ص: 147 ] الْأَشْيَاءِ فَمَا ظَنُّكَ بِنَارِهِمُ الَّتِي هِيَ عِنْدَنَا أَيْضًا أَحَرُّ ، وَلَوْ قَالَ : هُمْ فِي نَارٍ ، كُنَّا نَظُنُّ أَنَّ نَارَهُمْ كَنَارِنَا لِأَنَّا مَا رَأَيْنَا شَيْئًا أَحَرَّ مِنَ الَّتِي رَأَيْنَاهَا ، وَلَا أَحَرَّ مِنَ السَّمُومِ ، وَلَا أَبْرَدَ مِنَ الزُّلَالِ ، فَقَالَ : أَبْرَدُ الْأَشْيَاءِ لَهُمْ أَحَرُّهَا فَكَيْفَ حَالُهُمْ مَعَ أَحَرِّهَا ، فَإِنْ قِيلَ : مَا السَّمُومُ ؟ نَقُولُ : الْمَشْهُورُ هِيَ رِيحٌ حَارَّةٌ تَهُبُّ فَتُمْرِضُ أَوْ تَقْتُلُ غَالِبًا ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ : هِيَ هَوَاءٌ مُتَعَفِّنٌ يَتَحَرَّكُ مِنْ جَانِبٍ إِلَى جَانِبٍ فَإِذَا اسْتَنْشَقَ الْإِنْسَانُ مِنْهُ يَفْسُدُ قَلْبُهُ بِسَبَبِ الْعُفُونَةِ وَيُقْتَلُ الْإِنْسَانُ ، وَأَصْلُهُ مِنَ السُّمِّ كَسُمِّ الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ وَغَيْرِهِمَا ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا السُّمُّ مِنَ السَّمِّ ، وَهُوَ خُرْمُ الْإِبْرَةِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=40حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ ) [ الْأَعْرَافِ : 40 ] ؛ لِأَنَّ سُمَّ الْأَفْعَى يَنْفُذُ فِي الْمَسَامِّ فَيُفْسِدُهَا ، وَقِيلَ : إِنَّ السَّمُومَ مُخْتَصَّةٌ بِمَا يَهُبُّ لَيْلًا ، وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=42سَمُومٍ ) إِشَارَةٌ إِلَى ظُلْمَةِ مَا هُمْ فِيهِ غَيْرَ أَنَّهُ بَعِيدٌ جِدًّا ؛ لِأَنَّ السَّمُومَ قَدْ تُرَى بِالنَّهَارِ بِسَبَبِ كَثَافَتِهَا .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : الْحَمِيمُ هُوَ الْمَاءُ الْحَارُّ وَهُوَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ مِنْ حَمِمَ الْمَاءُ بِكَسْرِ الْمِيمِ ، أَوْ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ مِنْ حَمَّ الْمَاءَ إِذَا سَخَّنَهُ ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ مِرَارًا غَيْرَ أَنَّ هَهُنَا لَطِيفَةً لُغَوِيَّةً : وَهِيَ أَنَّ فَعُولًا لَمَّا تَكَرَّرَ مِنْهُ الشَّيْءُ وَالرِّيحَ لَمَّا كَانَتْ كَثِيرَةَ الْهُبُوبِ تَهُبُّ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ خُصَّ السَّمُومُ بِالْفَعُولِ ، وَالْمَاءُ الْحَارُّ لَمَّا كَانَ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ الْوُرُودُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ لَمْ يُقَلْ فِيهِ : حَمُومٌ ، فَإِنْ قِيلَ : مَا الْيَحْمُومُ ؟ نَقُولُ : فِيهِ وُجُوهٌ :
أَوَّلُهَا : أَنَّهُ اسْمٌ مِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=30428_30437_30434أَسْمَاءِ جَهَنَّمَ .
ثَانِيهَا : أَنَّهُ الدُّخَانُ .
ثَالِثُهَا : أَنَّهُ الظُّلْمَةُ ، وَأَصْلُهُ مِنَ الْحُمَمِ وَهُوَ الْفَحْمُ فَكَأَنَّهُ لِسَوَادِهِ فَحْمٌ فَسَمَّوْهُ بِاسْمٍ مُشْتَقٍّ مِنْهُ ، وَزِيَادَةُ الْحَرْفِ فِيهِ لِزِيَادَةِ ذَلِكَ الْمَعْنَى فِيهِ ، وَرُبَّمَا تَكُونُ الزِّيَادَةُ فِيهِ جَاءَتْ لِمَعْنَيَيْنِ : الزِّيَادَةُ فِي سَوَادِهِ وَالزِّيَادَةُ فِي حَرَارَتِهِ ، وَفِي الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ إِشَارَةٌ إِلَى دُونِهِمْ فِي الْعَذَابِ دَائِمًا ؛ لِأَنَّهُمْ إِنْ تَعَرَّضُوا لِمَهَبِّ الْهَوَاءِ أَصَابَهُمُ الْهَوَاءُ الَّذِي هُوَ السَّمُومُ ، وَإِنِ اسْتَكَنُّوا كَمَا يَفْعَلُهُ الَّذِي يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ السَّمُومَ بِالِاسْتِكْنَانِ فِي الْكِنِّ يَكُونُوا فِي ظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ ، وَإِنْ أَرَادُوا الرَّدَّ عَنْ أَنْفُسِهِمُ السَّمُومَ بِالِاسْتِكْنَانِ فِي مَكَانٍ مِنْ حَمِيمٍ فَلَا انْفِكَاكَ لَهُمْ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ : فِيهِ تَرْتِيبٌ وَهُوَ أَنَّ السَّمُومَ يَضْرِبُهُ فَيَعْطَشُ وَتَلْتَهِبُ نَارُ السَّمُومِ فِي أَحْشَائِهِ فَيَشْرَبُ الْمَاءَ فَيُقَطِّعُ أَمْعَاءَهُ وَيُرِيدُ الِاسْتِظْلَالَ بِظِلٍّ فَيَكُونُ ذَلِكَ الظِّلُّ ظِلَّ الْيَحْمُومِ ، فَإِنْ قِيلَ : كَيْفَ وَجْهُ اسْتِعْمَالِ ( مِنْ ) فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=43مِنْ يَحْمُومٍ ) ؟ فَنَقُولُ : إِنْ قُلْنَا إِنَّهُ اسْمُ جَهَنَّمَ فَهُوَ لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ كَمَا تَقُولُ : جَاءَنِي نَسِيمٌ مِنَ الْجَنَّةِ ، وَإِنْ قُلْنَا : إِنَّهُ دُخَانٌ فَهُوَ كَمَا فِي قَوْلِنَا : خَاتَمٌ مِنْ فِضَّةٍ ، وَإِنْ قُلْنَا : إِنَّهُ الظُّلْمَةُ فَكَذَلِكَ ، فَإِنْ قِيلَ : كَيْفَ يَصِحُّ تَفْسِيرُهُ بِجَهَنَّمَ مَعَ أَنَّهُ اسْمٌ مُنْصَرِفٌ مُنَكَّرٌ فَكَيْفَ وُضِعَ لِمَكَانٍ مُعَرَّفٍ ، وَلَوْ كَانَ اسْمًا لَهَا ؟ قُلْنَا : اسْتِعْمَالُهُ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ كَالْجَحِيمِ ، أَوْ كَانَ غَيْرَ مُنْصَرِفٍ كَأَسْمَاءِ جَهَنَّمَ يَكُونُ مِثْلَهُ عَلَى ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ كُلُّهَا يَحْمُومٌ .