(
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=71أفرأيتم النار التي تورون nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=72أأنتم أنشأتم شجرتها أم نحن المنشئون nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=73نحن جعلناها تذكرة ومتاعا للمقوين nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=74فسبح باسم ربك العظيم ) .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=71أفرأيتم النار التي تورون ) أي تقدحون (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=72أأنتم أنشأتم شجرتها أم نحن المنشئون ) وفي
nindex.php?page=treesubj&link=28659_32438_33679شجرة النار وجوه :
أحدها : أنها الشجرة التي توري النار منها بالزند والزندة كالمرخ .
وثانيها : الشجرة التي تصلح لإيقاد النار كالحطب فإنها لو لم تكن لم يسهل إيقاد النار ؛ لأن النار لا تتعلق بكل شيء كما تتعلق بالحطب .
وثالثها : أصول شعلها ووقود شجرتها ولولا كونها ذات شعل لما صلحت لإنضاج الأشياء والباقي ظاهر .
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=73نحن جعلناها تذكرة ومتاعا للمقوين ) في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=73تذكرة ) وجهان :
أحدهما : تذكرة لنار القيامة فيجب على العاقل أن يخشى الله تعالى وعذابه إذا رأى النار الموقدة .
وثانيهما : تذكرة بصحة البعث ؛ لأن من قدر على إيداع النار في الشجر الأخضر لا يعجز عن إيداع الحرارة الغريزية في بدن الميت وقد ذكرناه في تفسير قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=80الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا ) [ يس : 80 ] والمقوي : هو الذي
[ ص: 161 ] أوقده فقواه وزاده وفيه لطيفة : وهو أنه تعالى قدم كونها تذكرة على كونها متاعا ليعلم أن الفائدة الأخروية أتم وبالذكر أهم .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=74فسبح باسم ربك العظيم ) وفيه مسائل :
المسألة الأولى : في وجه تعلقه بما قبله ؟ نقول : لما ذكر الله تعالى حال المكذبين بالحشر والوحدانية ذكر الدليل عليهما بالخلق والرزق ولم يفدهم الإيمان ، قال لنبيه صلى الله عليه وسلم إن وظيفتك أن تكمل في نفسك وهو علمك بربك وعملك لربك : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=74nindex.php?page=treesubj&link=29027_33143فسبح باسم ربك ) وقد ذكرنا ذلك في قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=130وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس ) [ طه : 130 ] في موضع آخر .
المسألة الثانية : التسبيح التنزيه عما لا يليق به فما فائدة ذكر الاسم ولم يقل : فسبح بربك العظيم ؟ فنقول الجواب عنه من وجهين :
أحدهما : هو المشهور وهو أن الاسم مقحم ، وعلى هذا الجواب فنقول : فيه فائدة زيادة التعظيم ؛ لأن من عظم عظيما وبالغ في تعظيمه لم يذكر اسمه إلا وعظمه ، فلا يذكر اسمه في موضع وضيع ولا على وجه الاتفاق كيفما اتفق ، وذلك لأن من يعظم شخصا عند حضوره ربما لا يعظمه عند غيبته فيذكره باسم علمه ، فإن كان بمحضر منه لا يقول ذلك ، فإذا عظم عنده لا يذكره في حضوره وغيبته إلا بأوصاف العظمة ، فإن قيل : فعلى هذا فما فائدة الباء وكيف صار ذلك ، ولم يقل : فسبح اسم ربك العظيم ، أو الرب العظيم ، نقول : قد تقدم مرارا أن
nindex.php?page=treesubj&link=34080_34077الفعل إذا كان تعلقه بالمفعول ظاهرا غاية الظهور لا يتعدى إليه بحرف فلا يقال : ضربت بزيد بمعنى ضربت زيدا ، وإذا كان في غاية الخفاء لا يتعدى إليه إلا بحرف فلا يقال : ذهبت زيدا بمعنى ذهبت بزيد ، وإذا كان بينهما جاز الوجهان فنقول : سبحته وسبحت به وشكرته وشكرت له ، إذا ثبت هذا فنقول : لما علق التسبيح بالاسم وكان الاسم مقحما كان التسبيح في الحقيقة متعلقا بغيره وهو الرب وكان التعلق خفيا من وجه فجاز إدخال الباء ، فإن قيل : إذا جاز الإسقاط والإثبات فما الفرق بين هذا الموضع وبين قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=1سبح اسم ربك الأعلى ) ؟ فنقول : ههنا تقديم الدليل على العظمة أن يقال : الباء في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=74باسم ) غير زائدة ، وتقريره من وجهين :
أحدهما : أنه لما ذكر الأمور وقال : نحن أم أنتم ، فاعترف الكل بأن الأمور من الله ، وإذا طولبوا بالوحدانية قالوا : نحن لا نشرك في المعنى وإنما نتخذ أصناما آلهة في الاسم ونسميها آلهة ، والذي خلقها وخلق السماوات هو الله فنحن ننزهه في الحقيقة فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=74فسبح باسم ربك ) وكما أنك أيها العاقل اعترفت بعدم اشتراكهما في الحقيقة اعترف بعدم اشتراكهما في الاسم ، ولا تقل لغيره إله ، فإن الاسم يتبع المعنى والحقيقة ، وعلى هذا فالخطاب لا يكون مع النبي صلى الله عليه وسلم بل يكون كما يقول الواعظ : يا مسكين أفنيت عمرك وما أصلحت عملك ، ولا يريد أحدا بعينه ، وتقديره يا أيها المسكين السامع .
وثانيهما : أن يكون المراد بذكر ربك ، أي إذا قلت : وتولوا ، فسبح ربك بذكر اسمه بين قومك واشتغل بالتبليغ ، والمعنى اذكره باللسان والقلب وبين وصفه لهم وإن لم يقبلوا فإنك مقبل على شغلك الذي هو التبليغ ، ولو قال : فسبح ربك ، ما أفاد الذكر لهم ، وكان ينبئ عن التسبيح بالقلب ، ولما قال : فسبح باسم ربك ، والاسم هو الذي يذكر لفظا ، دل على أنه مأمور بالذكر اللساني وليس له أن يقتصر على الذكر القلبي ، ويحتمل أن يقال : فسبح مبتدئا باسم ربك العظيم فلا تكون الباء زائدة .
المسألة الثالثة :
nindex.php?page=treesubj&link=33142كيف يسبح ربنا؟ نقول : إما معنى ، فبأن يعتقد فيه أنه واحد منزه عن الشريك وقادر
[ ص: 162 ] بريء عن العجز فلا يعجز عن الحشر ، وإما لفظا فبأن يقال : سبحان الله وسبحان الله العظيم ، وسبحانه عما يشركون أو ما يقوم مقامه من الكلام الدال على تنزيهه عن الشريك والعجز فإنك إذا سبحته واعتقدت أنه واحد منزه عن كل ما لا يجوز في حقيقته ، لزم أن لا يكون جسما ؛ لأن الجسم فيه أشياء كثيرة وهو واحد حقيقي لا كثرة لذاته ، ولا يكون عرضا ولا في مكان ، وكل ما لا يجوز له ينتفي عنه بالتوحيد ولا يكون على شيء ، ولا في شيء ، ولا عن شيء ، وإذا قلت : هو قادر ثبت له العلم والإرادة والحياة وغيرها من الصفات وسنذكر ذلك في تفسير سورة الإخلاص إن شاء الله تعالى .
المسألة الرابعة : ما الفرق بين العظيم وبين الأعلى ، وهل في ذكر (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=74العظيم ) هنا بدل (
nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=1الأعلى ) وذكر (
nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=1الأعلى ) في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=1سبح اسم ربك الأعلى ) بدل العظيم فائدة ؟ نقول : أما الفرق بين
nindex.php?page=treesubj&link=33677_33143العظيم والأعلى فهو أن العظيم يدل على القرب ، والأعلى يدل على البعد ، بيانه هو أن ما عظم من الأشياء المدركة بالحس قريب من كل ممكن ؛ لأنه لو بعد عنه لخلا عنه موضعه ، فلو كان فيه أجزاء أخر لكان أعظم مما هو عليه فالعظيم بالنسبة إلى الكل هو الذي يقرب من الكل ، وأما الصغير إذا قرب من جهة فقد بعد عن أخرى ، وأما العلي فهو البعيد عن كل شيء ؛ لأن ما قرب من شيء من جهة فوق يكون أبعد منه وكان أعلى ، فالعلي المطلق بالنسبة إلى كل شيء هو الذي في غاية البعد عن كل شيء ، إذا عرفت هذا فالأشياء المدركة تسبح الله ، وإذا علمنا من الله معنى سلبيا ، فصح أن نقول : هو أعلى من أن يحيط به إدراكنا ، وإذا علمنا منه وصفا ثبوتيا من علم وقدرة يزيد تعظيمه أكثر مما وصل إليه علمنا ، فنقول : هو أعظم وأعلى من أن يحيط به علمنا ، وقولنا : أعظم معناه عظيم لا عظيم مثله ، ففيه مفهوم سلبي ومفهوم ثبوتي ، وقوله : أعلى ، معناه هو علي ولا علي مثله ، والعلي إشارة إلى مفهوم سلبي والأعلى مثله بسبب آخر ، فالأعلى مستعمل على حقيقته لفظا ومعنى ، والأعظم مستعمل على حقيقته لفظا ، وفيه معنى سلبي ، وكأن الأصل في العظيم مفهوم ثبوتي لا سلب فيه فالأعلى أحسن استعمالا من الأعظم ، هذا هو الفرق .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=71أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=72أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=73نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=74فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ ) .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=71أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ ) أَيْ تَقْدَحُونَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=72أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ ) وَفِي
nindex.php?page=treesubj&link=28659_32438_33679شَجَرَةِ النَّارِ وَجُوهٌ :
أَحَدُهَا : أَنَّهَا الشَّجَرَةُ الَّتِي تُورِي النَّارَ مِنْهَا بِالزَّنْدِ وَالزَّنْدَةِ كَالْمَرْخِ .
وَثَانِيهَا : الشَّجَرَةُ الَّتِي تَصْلُحُ لِإِيقَادِ النَّارِ كَالْحَطَبِ فَإِنَّهَا لَوْ لَمْ تَكُنْ لَمْ يَسْهُلْ إِيقَادُ النَّارِ ؛ لَأَنَّ النَّارَ لَا تَتَعَلَّقُ بِكُلِّ شَيْءٍ كَمَا تَتَعَلَّقُ بِالْحَطَبِ .
وَثَالِثُهَا : أُصُولُ شَعْلِهَا وَوَقُودُ شَجَرَتِهَا وَلَوْلَا كَوْنُهَا ذَاتَ شَعْلٍ لَمَا صَلَحَتْ لِإِنْضَاجِ الْأَشْيَاءِ وَالْبَاقِي ظَاهِرٌ .
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=73نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ ) فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=73تَذْكِرَةً ) وَجْهَانِ :
أَحَدُهُمَا : تَذْكِرَةً لِنَارِ الْقِيَامَةِ فَيَجِبُ عَلَى الْعَاقِلِ أَنْ يَخْشَى اللَّهَ تَعَالَى وَعَذَابَهُ إِذَا رَأَى النَّارَ الْمُوقَدَةَ .
وَثَانِيهِمَا : تَذْكِرَةً بِصِحَّةِ الْبَعْثِ ؛ لِأَنَّ مَنْ قَدَرَ عَلَى إِيدَاعِ النَّارِ فِي الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ لَا يَعْجِزُ عَنْ إِيدَاعِ الْحَرَارَةِ الْغَرِيزِيَّةِ فِي بَدَنِ الْمَيِّتِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=80الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا ) [ يس : 80 ] وَالْمُقْوِي : هُوَ الَّذِي
[ ص: 161 ] أَوْقَدَهُ فَقَوَّاهُ وَزَادَهُ وَفِيهِ لَطِيفَةٌ : وَهُوَ أَنَّهُ تَعَالَى قَدَّمَ كَوْنَهَا تَذْكِرَةً عَلَى كَوْنِهَا مَتَاعًا لِيُعْلَمَ أَنَّ الْفَائِدَةَ الْأُخْرَوِيَّةَ أَتَمُّ وَبِالذِّكْرِ أَهَمُّ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=74فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ ) وَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : فِي وَجْهِ تَعَلُّقِهِ بِمَا قَبْلَهُ ؟ نَقُولُ : لَمَّا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى حَالَ الْمُكَذِّبِينَ بِالْحَشْرِ وَالْوَحْدَانِيَّةِ ذَكَرَ الدَّلِيلَ عَلَيْهِمَا بِالْخَلْقِ وَالرِّزْقِ وَلَمْ يُفِدْهُمُ الْإِيمَانُ ، قَالَ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ وَظِيفَتَكَ أَنْ تَكْمُلَ فِي نَفْسِكَ وَهُوَ عِلْمُكَ بِرَبِّكَ وَعَمَلُكَ لِرَبِّكَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=74nindex.php?page=treesubj&link=29027_33143فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ ) وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=130وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ ) [ طه : 130 ] فِي مَوْضِعٍ آخَرَ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : التَّسْبِيحُ التَّنْزِيهُ عَمَّا لَا يَلِيقُ بِهِ فَمَا فَائِدَةُ ذِكْرِ الِاسْمِ وَلَمْ يَقُلْ : فَسَبِّحْ بِرَبِّكَ الْعَظِيمِ ؟ فَنَقُولُ الْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : هُوَ الْمَشْهُورُ وَهُوَ أَنَّ الِاسْمَ مُقْحَمٌ ، وَعَلَى هَذَا الْجَوَابِ فَنَقُولُ : فِيهِ فَائِدَةٌ زِيَادَةُ التَّعْظِيمِ ؛ لِأَنَّ مَنْ عَظَّمَ عَظِيمًا وَبَالَغَ فِي تَعْظِيمِهِ لَمْ يَذْكُرِ اسْمَهُ إِلَّا وَعَظَّمَهُ ، فَلَا يَذْكُرُ اسْمَهُ فِي مَوْضِعٍ وَضِيعٍ وَلَا عَلَى وَجْهِ الِاتِّفَاقِ كَيْفَمَا اتَّفَقَ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ مَنْ يُعَظِّمُ شَخْصًا عِنْدَ حُضُورِهِ رُبَّمَا لَا يُعَظِّمُهُ عِنْدَ غَيْبَتِهِ فَيَذْكُرُهُ بِاسْمِ عَلَمِهِ ، فَإِنْ كَانَ بِمَحْضَرٍ مِنْهُ لَا يَقُولُ ذَلِكَ ، فَإِذَا عَظُمَ عِنْدَهُ لَا يَذْكُرُهُ فِي حُضُورِهِ وَغَيْبَتِهِ إِلَّا بِأَوْصَافِ الْعَظَمَةِ ، فَإِنْ قِيلَ : فَعَلَى هَذَا فَمَا فَائِدَةُ الْبَاءِ وَكَيْفَ صَارَ ذَلِكَ ، وَلَمْ يَقُلْ : فَسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْعَظِيمِ ، أَوِ الرَّبَّ الْعَظِيمَ ، نَقُولُ : قَدْ تَقَدَّمَ مِرَارًا أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=34080_34077الْفِعْلَ إِذَا كَانَ تَعَلُّقُهُ بِالْمَفْعُولِ ظَاهِرًا غَايَةَ الظُّهُورِ لَا يَتَعَدَّى إِلَيْهِ بِحَرْفٍ فَلَا يُقَالُ : ضَرَبْتُ بِزَيْدٍ بِمَعْنَى ضَرَبْتُ زَيْدًا ، وَإِذَا كَانَ فِي غَايَةِ الْخَفَاءِ لَا يَتَعَدَّى إِلَيْهِ إِلَّا بِحَرْفٍ فَلَا يُقَالُ : ذَهَبْتُ زَيْدًا بِمَعْنَى ذَهَبْتُ بِزَيْدٍ ، وَإِذَا كَانَ بَيْنَهُمَا جَازَ الْوَجْهَانِ فَنَقُولُ : سَبَّحْتُهُ وَسَبَّحْتُ بِهِ وَشَكَرْتُهُ وَشَكَرْتُ لَهُ ، إِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ : لَمَّا عَلَّقَ التَّسْبِيحَ بِالِاسْمِ وَكَانَ الِاسْمُ مُقْحَمًا كَانَ التَّسْبِيحُ فِي الْحَقِيقَةِ مُتَعَلِّقًا بِغَيْرِهِ وَهُوَ الرَّبُّ وَكَانَ التَّعَلُّقُ خَفِيًّا مِنْ وَجْهٍ فَجَازَ إِدْخَالُ الْبَاءِ ، فَإِنْ قِيلَ : إِذَا جَازَ الْإِسْقَاطُ وَالْإِثْبَاتُ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا الْمَوْضِعِ وَبَيْنَ قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=1سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ) ؟ فَنَقُولُ : هَهُنَا تَقْدِيمُ الدَّلِيلِ عَلَى الْعَظَمَةِ أَنْ يُقَالَ : الْبَاءُ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=74بِاسْمِ ) غَيْرُ زَائِدَةٍ ، وَتَقْرِيرُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ الْأُمُورَ وَقَالَ : نَحْنُ أَمْ أَنْتُمْ ، فَاعْتَرَفَ الْكُلُّ بِأَنَّ الْأُمُورَ مِنَ اللَّهِ ، وَإِذَا طُولِبُوا بِالْوَحْدَانِيَّةِ قَالُوا : نَحْنُ لَا نُشْرِكُ فِي الْمَعْنَى وَإِنَّمَا نَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً فِي الِاسْمِ وَنُسَمِّيهَا آلِهَةً ، وَالَّذِي خَلَقَهَا وَخَلَقَ السَّمَاوَاتِ هُوَ اللَّهُ فَنَحْنُ نُنَزِّهُهُ فِي الْحَقِيقَةِ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=74فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ ) وَكَمَا أَنَّكَ أَيُّهَا الْعَاقِلُ اعْتَرَفْتَ بِعَدَمِ اشْتِرَاكِهِمَا فِي الْحَقِيقَةِ اعْتَرِفْ بِعَدَمِ اشْتِرَاكِهِمَا فِي الِاسْمِ ، وَلَا تَقُلْ لِغَيْرِهِ إِلَهٌ ، فَإِنَّ الِاسْمَ يَتْبَعُ الْمَعْنَى وَالْحَقِيقَةَ ، وَعَلَى هَذَا فَالْخِطَابُ لَا يَكُونُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ يَكُونُ كَمَا يَقُولُ الْوَاعِظُ : يَا مِسْكِينُ أَفْنَيْتَ عُمُرَكَ وَمَا أَصْلَحْتَ عَمَلَكَ ، وَلَا يُرِيدُ أَحَدًا بِعَيْنِهِ ، وَتَقْدِيرُهُ يَا أَيُّهَا الْمِسْكِينُ السَّامِعُ .
وَثَانِيهِمَا : أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِذِكْرِ رَبِّكَ ، أَيْ إِذَا قُلْتَ : وَتَوَلَّوْا ، فَسَبِّحْ رَبَّكَ بِذِكْرِ اسْمِهِ بَيْنَ قَوْمِكَ وَاشْتَغِلْ بِالتَّبْلِيغِ ، وَالْمَعْنَى اذْكُرْهُ بِاللِّسَانِ وَالْقَلْبِ وَبَيِّنْ وَصْفَهُ لَهُمْ وَإِنْ لَمْ يَقْبَلُوا فَإِنَّكَ مُقْبِلٌ عَلَى شُغْلِكَ الَّذِي هُوَ التَّبْلِيغُ ، وَلَوْ قَالَ : فَسَبِّحْ رَبَّكَ ، مَا أَفَادَ الذِّكْرَ لَهُمْ ، وَكَانَ يُنْبِئُ عَنِ التَّسْبِيحِ بِالْقَلْبِ ، وَلَمَّا قَالَ : فَسَبِّحْ بَاسْمِ رَبِّكَ ، وَالِاسْمُ هُوَ الَّذِي يُذْكَرُ لَفْظًا ، دَلَّ عَلَى أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالذِّكْرِ اللِّسَانِيِّ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى الذِّكْرِ الْقَلْبِيِّ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ : فَسَبِّحْ مُبْتَدِئًا بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ فَلَا تَكُونُ الْبَاءُ زَائِدَةً .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ :
nindex.php?page=treesubj&link=33142كَيْفَ يُسَبَّحُ رَبُّنَا؟ نَقُولُ : إِمَّا مَعْنًى ، فَبِأَنْ يُعْتَقَدَ فِيهِ أَنَّهُ وَاحِدٌ مُنَزَّهٌ عَنِ الشَّرِيكِ وَقَادِرٌ
[ ص: 162 ] بَرِيءٌ عَنِ الْعَجْزِ فَلَا يَعْجِزُ عَنِ الْحَشْرِ ، وَإِمَّا لَفْظًا فَبِأَنْ يُقَالَ : سُبْحَانَ اللَّهِ وَسُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ ، وَسُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ مِنَ الْكَلَامِ الدَّالِّ عَلَى تَنْزِيهِهِ عَنِ الشَّرِيكِ وَالْعَجْزِ فَإِنَّكَ إِذَا سَبَّحْتَهُ وَاعْتَقَدْتَ أَنَّهُ وَاحِدٌ مُنَزَّهٌ عَنْ كُلِّ مَا لَا يَجُوزُ فِي حَقِيقَتِهِ ، لَزِمَ أَنْ لَا يَكُونَ جِسْمًا ؛ لِأَنَّ الْجِسْمَ فِيهِ أَشْيَاءُ كَثِيرَةٌ وَهُوَ وَاحِدٌ حَقِيقِيٌّ لَا كَثْرَةَ لِذَاتِهِ ، وَلَا يَكُونُ عَرَضًا وَلَا فِي مَكَانٍ ، وَكُلُّ مَا لَا يَجُوزُ لَهُ يَنْتَفِي عَنْهُ بِالتَّوْحِيدِ وَلَا يَكُونُ عَلَى شَيْءٍ ، وَلَا فِي شَيْءٍ ، وَلَا عَنْ شَيْءٍ ، وَإِذَا قُلْتَ : هُوَ قَادِرٌ ثَبَتَ لَهُ الْعِلْمُ وَالْإِرَادَةُ وَالْحَيَاةُ وَغَيْرُهَا مِنَ الصِّفَاتِ وَسَنَذْكُرُ ذَلِكَ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْعَظِيمِ وَبَيْنَ الْأَعْلَى ، وَهَلْ فِي ذِكْرِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=74الْعَظِيمِ ) هُنَا بَدَلَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=1الْأَعْلَى ) وَذِكْرِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=1الْأَعْلَى ) فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=1سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ) بَدَلَ الْعَظِيمِ فَائِدَةٌ ؟ نَقُولُ : أَمَّا الْفَرْقُ بَيْنَ
nindex.php?page=treesubj&link=33677_33143الْعَظِيمِ وَالْأَعْلَى فَهُوَ أَنَّ الْعَظِيمَ يَدُلُّ عَلَى الْقُرْبِ ، وَالْأَعْلَى يَدُلُّ عَلَى الْبُعْدِ ، بَيَانُهُ هُوَ أَنَّ مَا عَظُمَ مِنَ الْأَشْيَاءِ الْمُدْرَكَةِ بِالْحِسِّ قَرِيبٌ مِنْ كُلِّ مُمْكِنٍ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ بَعُدَ عَنْهُ لَخَلَا عَنْهُ مَوْضِعُهُ ، فَلَوْ كَانَ فِيهِ أَجْزَاءٌ أُخَرُ لَكَانَ أَعْظَمَ مِمَّا هُوَ عَلَيْهِ فَالْعَظِيمُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْكُلِّ هُوَ الَّذِي يَقْرُبُ مِنَ الْكُلِّ ، وَأَمَّا الصَّغِيرُ إِذَا قَرُبَ مِنْ جِهَةٍ فَقَدْ بَعُدَ عَنْ أُخْرَى ، وَأَمَّا الْعَلِيُّ فَهُوَ الْبَعِيدُ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ ؛ لِأَنَّ مَا قَرُبَ مِنْ شَيْءٍ مِنْ جِهَةِ فَوْقُ يَكُونُ أَبْعَدَ مِنْهُ وَكَانَ أَعْلَى ، فَالْعَلِيُّ الْمُطْلَقُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى كُلِّ شَيْءٍ هُوَ الَّذِي فِي غَايَةِ الْبُعْدِ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ ، إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَالْأَشْيَاءُ الْمُدْرِكَةُ تُسَبِّحُ اللَّهَ ، وَإِذَا عَلِمْنَا مِنَ اللَّهِ مَعْنًى سَلْبِيًّا ، فَصَحَّ أَنْ نَقُولَ : هُوَ أَعْلَى مِنْ أَنْ يُحِيطَ بِهِ إِدْرَاكُنَا ، وَإِذَا عَلِمْنَا مِنْهُ وَصْفًا ثُبُوتِيًّا مِنْ عِلْمٍ وَقُدْرَةٍ يُزِيدُ تَعْظِيمَهُ أَكْثَرَ مِمَّا وَصَلَ إِلَيْهِ عِلْمُنَا ، فَنَقُولُ : هُوَ أَعْظَمُ وَأَعْلَى مِنْ أَنْ يُحِيطَ بِهِ عِلْمُنَا ، وَقَوْلُنَا : أَعْظَمُ مَعْنَاهُ عَظِيمٌ لَا عَظِيمَ مِثْلُهُ ، فَفِيهِ مَفْهُومٌ سَلْبِيٌّ وَمَفْهُومٌ ثُبُوتِيٌّ ، وَقَوْلُهُ : أَعْلَى ، مَعْنَاهُ هُوَ عَلِيٌّ وَلَا عَلِيَّ مِثْلُهُ ، وَالْعَلِيُّ إِشَارَةٌ إِلَى مَفْهُومٍ سَلْبِيٍّ وَالْأَعْلَى مِثْلُهُ بِسَبَبٍ آخَرَ ، فَالْأَعْلَى مُسْتَعْمَلٌ عَلَى حَقِيقَتِهِ لَفْظًا وَمَعْنًى ، وَالْأَعْظَمُ مُسْتَعْمَلٌ عَلَى حَقِيقَتِهِ لَفْظًا ، وَفِيهِ مَعْنًى سَلْبِيٌّ ، وَكَأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعَظِيمِ مَفْهُومٌ ثُبُوتِيٌّ لَا سَلْبَ فِيهِ فَالْأَعْلَى أَحْسَنُ اسْتِعْمَالًا مِنَ الْأَعْظَمِ ، هَذَا هُوَ الْفَرْقُ .