(
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=92وأما إن كان من المكذبين الضالين nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=93فنزل من حميم nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=94وتصلية جحيم nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=95إن هذا لهو حق اليقين nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=96فسبح باسم ربك العظيم ) .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=92وأما إن كان من المكذبين الضالين nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=93فنزل من حميم nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=94وتصلية جحيم ) وفيه مسألتان :
المسألة الأولى : قال ههنا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=92من المكذبين الضالين ) وقال من قبل : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=51ثم إنكم أيها الضالون المكذبون ) [ الواقعة : 51 ] وقد بينا فائدة التقديم والتأخير هناك .
المسألة الثانية : ذكر الأزواج الثلاثة في أول السورة بعبارة وأعادهم بعبارة أخرى فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=8أصحاب الميمنة ) ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=27أصحاب اليمين ) وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=9وأصحاب المشأمة ) [ الواقعة : 9 ] ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=41وأصحاب الشمال ) [ الواقعة : 41 ] وأعادهم ههنا ، وفي المواضع الثلاثة ذكر أصحاب اليمين بلفظ واحد أو بلفظين مرتين ، أحدهما غير الآخر ، وذكر السابقين في أول السورة بلفظ السابقين ، وفي آخر السورة بلفظ المقربين ، وذكر أصحاب النار في الأول بلفظ (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=9أصحاب المشأمة ) ثم بلفظ (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=41أصحاب الشمال ) ثم بلفظ (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=92المكذبين ) فما الحكمة فيه ؟ نقول : أما السابق فله حالتان : إحداهما في الأولى ، والأخرى في الآخرة ، فذكره في المرة الأولى بما له في الحالة الأولى ، وفي الثانية بما له في الحالة الآخرة ، وليس له حالة هي واسطة بين الوقوف للعرض وبين الحساب ، بل هو ينقل من الدنيا إلى أعلى عليين ، ثم ذكر أصحاب اليمين بلفظين متقاربين ؛ لأن حالهم قريبة من حال السابقين ، وذكر الكفار بألفاظ ثلاثة كأنهم في الدنيا ضحكوا عليهم بأنهم أصحاب موضع شؤم ، فوصفوهم بموضع الشؤم ، فإن المشأمة مفعلة وهي الموضع ، ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=41nindex.php?page=treesubj&link=30437_30356_30351أصحاب الشمال )
[ ص: 177 ] فإنهم في الآخرة يؤتون كتابهم بشمالهم ، ويقفون في موضع هو شمال ، لأجل كونهم من أهل النار ، ثم إنه تعالى لما ذكر حالهم في أول الحشر بكونهم من أصحاب الشمال ذكر ما يكون لهم من السموم والحميم ، ثم لم يقتصر عليه ، ثم ذكر السبب فيه ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=45إنهم كانوا قبل ذلك مترفين nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=46وكانوا يصرون ) [ الواقعة : 46 ] فذكر سبب العقاب لما بينا مرارا أن العادل يذكر للعقاب سببا ، والمتفضل لا يذكر للإنعام والتفضل سببا ، فذكرهم في الآخرة ما عملوه في الدنيا ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=92وأما إن كان من المكذبين ) ليكون
nindex.php?page=treesubj&link=30542ترتيب العقاب على تكذيب الكتاب فظهر العدل ، وغير ذلك ظاهر .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=95إن هذا لهو حق اليقين nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=96فسبح باسم ربك العظيم ) وفيه مسألتان :
المسألة الأولى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=95هذا ) إشارة إلى ماذا ؟ نقول : فيه وجوه :
أحدها : القرآن .
ثانيها : ما ذكره في السورة .
ثالثها : جزاء الأزواج الثلاثة .
المسألة الثانية : كيف أضاف الحق إلى اليقين مع أنهما بمعنى واحد ؟ نقول : فيه وجوه :
أحدها : هذه الإضافة ، كما أضاف الجانب إلى الغربي في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=44وما كنت بجانب الغربي ) [ القصص : 44 ] وأضاف الدار إلى الآخرة في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=109ولدار الآخرة ) [ يوسف : 109 ] غير أن المقدر هنا غير ظاهر ، فإن شرط ذلك أن يكون بحيث يوصف باليقين ، ويضاف إليه الحق ، وما يوصف باليقين بعد إضافة الحق إليه .
وثانيها : أنه من الإضافة التي بمعنى من ، كما يقال : باب من ساج ، وباب ساج ، وخاتم من فضة ، وخاتم فضة ، فكأنه قال : لهو الحق من اليقين .
ثالثها : وهو أقرب منها ما ذكره
ابن عطية أن ذلك نوع تأكيد يقال : هذا من حق الحق ، وصواب الصواب ، أي غايته ونهايته التي لا وصول فوقه ، والذي وقع في تقرير هذا أن الإنسان أظهر ما عنده الأنوار المدركة بالحس ، وتلك الأنوار أكثرها مشوبة بغيرها ، فإذا وصل الطالب إلى أوله يقول : وجدت أمر كذا ، ثم إنه مع صحة إطلاق اللفظ عليه لا يتميز عن غيره ، فيتوسط الطالب ويأخذ مطلوبه من وسطه ، مثاله من يطلب الماء ، ثم يصل إلى بركة عظيمة ، فإذا أخذ من طرفه شيئا يقول : هو ماء ، وربما يقول قائل آخر : هذا ليس بماء ، وإنما هو طين ، وأما الماء ما أخذته من وسط البركة ، فالذي في طرف البركة ماء بالنسبة إلى أجسام أخرى ، ثم إذا نسب إلى الماء الصافي ربما يقال له شيء آخر ، فإذا قال : هذا هو الماء حقا قد أكد ، وله أن يقول : حق الماء ، أي الماء حقا هذا بحيث لا يقول أحد فيه شيئا ، فكذلك ههنا كأنه قال : هذا هو اليقين حقا لا اليقين الذي يقول بعض إنه ليس بيقين ، ويحتمل وجها آخر ، وهو أن يقال : الإضافة على حقيقتها ، ومعناه أن هذا القول لك يا
محمد وللمؤمنين ، وحق اليقين أن تقول كذا ، ويقرب من هذا ما يقال : حق الكمال أن يصلي المؤمن ، وهذا كما قيل في قوله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013776أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها أن الضمير راجع إلى الكلمة أي إلا بحق الكلمة ، ومن حق الكلمة أداء الزكاة والصلاة ، فكذلك حق اليقين أن يعرف ما قاله الله تعالى في الواقعة في حق الأزواج الثلاثة ، وعلى هذا معناه : أن
nindex.php?page=treesubj&link=29507اليقين لا يحق ولا يكون إلا إذا صدق فيما قاله بحق ، فالتصديق حق اليقين الذي يستحقه ، وأما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=96فسبح باسم ربك العظيم ) فقد تقدم تفسيره ، وقلنا إنه تعالى لما بين الحق وامتنع الكفار ، قال لنبيه صلى الله عليه وسلم : هذا هو حق ، فإن امتنعوا فلا تتركهم ولا تعرض عنهم وسبح ربك في نفسك ، وما عليك من قومك سواء صدقوك أو كذبوك ، ويحتمل أن يكون المراد فسبح واذكر ربك باسمه الأعظم ، وهذا
[ ص: 178 ] متصل بما بعده ؛ لأنه قال في السورة التي تلي هذه : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=1سبح لله ما في السماوات ) [ الحديد : 1 ] فكأنه قال :
nindex.php?page=treesubj&link=33133سبح الله ما في السماوات ، فعليك أن توافقهم ولا تلتفت إلى الشرذمة القليلة الضالة ، فإن كل شيء معك يسبح الله عز وجل .
تم تفسير السورة ، والله أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب ، وصلى الله على سيدنا
محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=92وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=93فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=94وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=95إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=96فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ ) .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=92وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=93فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=94وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ ) وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : قَالَ هَهُنَا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=92مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ ) وَقَالَ مِنْ قَبْلُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=51ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ ) [ الْوَاقِعَةِ : 51 ] وَقَدْ بَيَّنَّا فَائِدَةَ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ هُنَاكَ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : ذَكَرَ الْأَزْوَاجَ الثَّلَاثَةَ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ بِعِبَارَةٍ وَأَعَادَهُمْ بِعِبَارَةٍ أُخْرَى فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=8أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ ) ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=27أَصْحَابُ الْيَمِينِ ) وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=9وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ ) [ الْوَاقِعَةِ : 9 ] ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=41وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ ) [ الْوَاقِعَةِ : 41 ] وَأَعَادَهُمْ هَهُنَا ، وَفِي الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ ذَكَرَ أَصْحَابَ الْيَمِينِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ أَوْ بِلَفْظَيْنِ مَرَّتَيْنِ ، أَحَدُهُمَا غَيْرُ الْآخَرِ ، وَذَكَرَ السَّابِقِينَ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ بِلَفْظِ السَّابِقِينَ ، وَفِي آخِرِ السُّورَةِ بِلَفْظِ الْمُقَرَّبِينَ ، وَذَكَرَ أَصْحَابَ النَّارِ فِي الْأَوَّلِ بِلَفْظِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=9أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ ) ثُمَّ بِلَفْظِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=41أَصْحَابُ الشِّمَالِ ) ثُمَّ بِلَفْظِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=92الْمُكَذِّبِينَ ) فَمَا الْحِكْمَةُ فِيهِ ؟ نَقُولُ : أَمَّا السَّابِقُ فَلَهُ حَالَتَانِ : إِحْدَاهُمَا فِي الْأُولَى ، وَالْأُخْرَى فِي الْآخِرَةِ ، فَذَكَرَهُ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى بِمَا لَهُ فِي الْحَالَةِ الْأُولَى ، وَفِي الثَّانِيَةِ بِمَا لَهُ فِي الْحَالَةِ الْآخِرَةِ ، وَلَيْسَ لَهُ حَالَةٌ هِيَ وَاسِطَةٌ بَيْنَ الْوُقُوفِ لِلْعَرْضِ وَبَيْنَ الْحِسَابِ ، بَلْ هُوَ يُنْقَلُ مِنَ الدُّنْيَا إِلَى أَعْلَى عِلِّيِّينَ ، ثُمَّ ذَكَرَ أَصْحَابَ الْيَمِينِ بِلَفْظَيْنِ مُتَقَارِبَيْنِ ؛ لِأَنَّ حَالَهُمْ قَرِيبَةٌ مِنْ حَالِ السَّابِقِينَ ، وَذَكَرَ الْكُفَّارَ بِأَلْفَاظٍ ثَلَاثَةٍ كَأَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا ضَحِكُوا عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُمْ أَصْحَابُ مَوْضِعِ شُؤْمٍ ، فَوَصَفُوهُمْ بِمَوْضِعِ الشُّؤْمِ ، فَإِنَّ الْمَشْأَمَةَ مَفْعَلَةٌ وَهِيَ الْمَوْضِعُ ، ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=41nindex.php?page=treesubj&link=30437_30356_30351أَصْحَابُ الشِّمَالِ )
[ ص: 177 ] فَإِنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ يُؤْتَوْنَ كِتَابَهُمْ بِشِمَالِهِمْ ، وَيَقِفُونَ فِي مَوْضِعٍ هُوَ شِمَالٌ ، لِأَجْلِ كَوْنِهِمْ مِنْ أَهْلِ النَّارِ ، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ حَالَهُمْ فِي أَوَّلِ الْحَشْرِ بِكَوْنِهِمْ مِنْ أَصْحَابِ الشِّمَالِ ذَكَرَ مَا يَكُونُ لَهُمْ مِنَ السَّمُومِ وَالْحَمِيمِ ، ثُمَّ لَمْ يَقْتَصِرْ عَلَيْهِ ، ثُمَّ ذَكَرَ السَّبَبَ فِيهِ ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=45إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=46وَكَانُوا يُصِرُّونَ ) [ الْوَاقِعَةِ : 46 ] فَذَكَرَ سَبَبَ الْعِقَابِ لِمَا بَيَّنَّا مِرَارًا أَنَّ الْعَادِلَ يَذْكُرُ لِلْعِقَابِ سَبَبًا ، وَالْمُتَفَضِّلَ لَا يَذْكُرُ لِلْإِنْعَامِ وَالتَّفَضُّلِ سَبَبًا ، فَذَكَّرَهُمْ فِي الْآخِرَةِ مَا عَمِلُوهُ فِي الدُّنْيَا ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=92وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ ) لِيَكُونَ
nindex.php?page=treesubj&link=30542تَرْتِيبُ الْعِقَابِ عَلَى تَكْذِيبِ الْكِتَابِ فَظَهَرَ الْعَدْلُ ، وَغَيْرُ ذَلِكَ ظَاهِرٌ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=95إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=96فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ ) وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=95هَذَا ) إِشَارَةٌ إِلَى مَاذَا ؟ نَقُولُ : فِيهِ وُجُوهٌ :
أَحَدُهَا : الْقُرْآنُ .
ثَانِيهَا : مَا ذَكَرَهُ فِي السُّورَةِ .
ثَالِثُهَا : جَزَاءُ الْأَزْوَاجِ الثَّلَاثَةِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : كَيْفَ أَضَافَ الْحَقَّ إِلَى الْيَقِينِ مَعَ أَنَّهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ ؟ نَقُولُ : فِيهِ وُجُوهٌ :
أَحَدُهَا : هَذِهِ الْإِضَافَةُ ، كَمَا أَضَافَ الْجَانِبَ إِلَى الْغَرْبِيِّ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=44وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ ) [ الْقَصَصِ : 44 ] وَأَضَافَ الدَّارَ إِلَى الْآخِرَةِ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=109وَلَدَارُ الْآخِرَةِ ) [ يُوسُفَ : 109 ] غَيْرَ أَنَّ الْمُقَدَّرَ هُنَا غَيْرُ ظَاهِرٍ ، فَإِنَّ شَرْطَ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ يُوصَفُ بِالْيَقِينِ ، وَيُضَافُ إِلَيْهِ الْحَقُّ ، وَمَا يُوصَفُ بِالْيَقِينِ بَعْدَ إِضَافَةِ الْحَقِّ إِلَيْهِ .
وَثَانِيهَا : أَنَّهُ مِنَ الْإِضَافَةِ الَّتِي بِمَعْنَى مِنْ ، كَمَا يُقَالُ : بَابٌ مِنْ سَاجٍ ، وَبَابُ سَاجٍ ، وَخَاتَمٌ مِنْ فِضَّةٍ ، وَخَاتَمُ فِضَّةٍ ، فَكَأَنَّهُ قَالَ : لَهُوَ الْحَقُّ مِنَ الْيَقِينِ .
ثَالِثُهَا : وَهُوَ أَقْرَبُ مِنْهَا مَا ذَكَرَهُ
ابْنُ عَطِيَّةَ أَنَّ ذَلِكَ نَوْعُ تَأْكِيدٍ يُقَالُ : هَذَا مِنْ حَقِّ الْحَقِّ ، وَصَوَابُ الصَّوَابِ ، أَيْ غَايَتُهُ وَنِهَايَتُهُ الَّتِي لَا وُصُولَ فَوْقَهُ ، وَالَّذِي وَقَعَ فِي تَقْرِيرِ هَذَا أَنَّ الْإِنْسَانَ أَظْهَرُ مَا عِنْدَهُ الْأَنْوَارُ الْمُدْرَكَةُ بِالْحِسِّ ، وَتِلْكَ الْأَنْوَارُ أَكْثَرُهَا مَشُوبَةٌ بِغَيْرِهَا ، فَإِذَا وَصَلَ الطَّالِبُ إِلَى أَوَّلِهِ يَقُولُ : وَجَدْتُ أَمْرَ كَذَا ، ثُمَّ إِنَّهُ مَعَ صِحَّةِ إِطْلَاقِ اللَّفْظِ عَلَيْهِ لَا يَتَمَيَّزُ عَنْ غَيْرِهِ ، فَيَتَوَسَّطُ الطَّالِبُ وَيَأْخُذُ مَطْلُوبَهُ مِنْ وَسَطِهِ ، مِثَالُهُ مَنْ يَطْلُبُ الْمَاءَ ، ثُمَّ يَصِلُ إِلَى بِرْكَةٍ عَظِيمَةٍ ، فَإِذَا أَخَذَ مِنْ طَرَفِهِ شَيْئًا يَقُولُ : هُوَ مَاءٌ ، وَرُبَّمَا يَقُولُ قَائِلٌ آخَرُ : هَذَا لَيْسَ بِمَاءٍ ، وَإِنَّمَا هُوَ طِينٌ ، وَأَمَّا الْمَاءُ مَا أَخَذْتَهُ مِنْ وَسَطِ الْبِرْكَةِ ، فَالَّذِي فِي طَرَفِ الْبِرْكَةِ مَاءٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى أَجْسَامٍ أُخْرَى ، ثُمَّ إِذَا نُسِبَ إِلَى الْمَاءِ الصَّافِي رُبَّمَا يُقَالُ لَهُ شَيْءٌ آخَرُ ، فَإِذَا قَالَ : هَذَا هُوَ الْمَاءُ حَقًّا قَدْ أَكَّدَ ، وَلَهُ أَنْ يَقُولَ : حَقُّ الْمَاءِ ، أَيِ الْمَاءُ حَقًّا هَذَا بِحَيْثُ لَا يَقُولُ أَحَدٌ فِيهِ شَيْئًا ، فَكَذَلِكَ هَهُنَا كَأَنَّهُ قَالَ : هَذَا هُوَ الْيَقِينُ حَقًّا لَا الْيَقِينُ الَّذِي يَقُولُ بَعْضٌ إِنَّهُ لَيْسَ بِيَقِينٍ ، وَيَحْتَمِلُ وَجْهًا آخَرَ ، وَهُوَ أَنْ يُقَالَ : الْإِضَافَةُ عَلَى حَقِيقَتِهَا ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ لَكَ يَا
مُحَمَّدُ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ، وَحُقُّ الْيَقِينِ أَنْ تَقُولَ كَذَا ، وَيَقْرُبُ مِنْ هَذَا مَا يُقَالُ : حَقُّ الْكَمَالِ أَنْ يُصَلِّيَ الْمُؤْمِنُ ، وَهَذَا كَمَا قِيلَ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013776أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا أَنَّ الضَّمِيرَ رَاجِعٌ إِلَى الْكَلِمَةِ أَيْ إِلَّا بِحَقِّ الْكَلِمَةِ ، وَمِنْ حَقِّ الْكَلِمَةِ أَدَاءُ الزَّكَاةِ وَالصَّلَاةُ ، فَكَذَلِكَ حَقُّ الْيَقِينِ أَنْ يَعْرِفَ مَا قَالَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْوَاقِعَةِ فِي حَقِّ الْأَزْوَاجِ الثَّلَاثَةِ ، وَعَلَى هَذَا مَعْنَاهُ : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29507الْيَقِينَ لَا يَحِقُّ وَلَا يَكُونُ إِلَّا إِذَا صَدَقَ فِيمَا قَالَهُ بِحَقٍّ ، فَالتَّصْدِيقُ حَقُّ الْيَقِينِ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ ، وَأَمَّا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=96فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ ) فَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ ، وَقُلْنَا إِنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ الْحَقَّ وَامْتَنَعَ الْكُفَّارُ ، قَالَ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : هَذَا هُوَ حَقٌّ ، فَإِنِ امْتَنَعُوا فَلَا تَتْرُكْهُمْ وَلَا تُعْرِضْ عَنْهُمْ وَسَبِّحْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ ، وَمَا عَلَيْكَ مِنْ قَوْمِكَ سَوَاءٌ صَدَّقُوكَ أَوْ كَذَّبُوكَ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ فَسَبِّحْ وَاذْكُرْ رَبَّكَ بِاسْمِهِ الْأَعْظَمِ ، وَهَذَا
[ ص: 178 ] مُتَّصِلٌ بِمَا بَعْدَهُ ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِي السُّورَةِ الَّتِي تَلِي هَذِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=1سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ ) [ الْحَدِيدِ : 1 ] فَكَأَنَّهُ قَالَ :
nindex.php?page=treesubj&link=33133سَبَّحَ اللَّهَ مَا فِي السَّمَاوَاتِ ، فَعَلَيْكَ أَنْ تُوَافِقَهُمْ وَلَا تَلْتَفِتْ إِلَى الشِّرْذِمَةِ الْقَلِيلَةِ الضَّالَّةِ ، فَإِنَّ كُلَّ شَيْءٍ مَعَكَ يُسَبِّحُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ .
تَمَّ تَفْسِيرُ السُّورَةِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا
مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ .