[ ص: 188 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=5له ملك السماوات والأرض وإلى الله ترجع الأمور nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=6يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وهو عليم بذات الصدور nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=7آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير ) .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=5له ملك السماوات والأرض وإلى الله ترجع الأمور ) أي إلى حيث لا مالك سواه ، ودل بهذا القول على
nindex.php?page=treesubj&link=30340_30347إثبات المعاد .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=6يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وهو عليم بذات الصدور ) وهذه الآيات قد تقدم تفسيرها في سائر السور ، وهي جامعة بين الدلالة على قدرته ، وبين إظهار نعمه ، والمقصود من إعادتها البعث على النظر والتأمل ، ثم الاشتغال بالشكر .
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=7آمنوا بالله ورسوله ) اعلم أنه تعالى لما ذكر أنواعا من الدلائل على التوحيد والعلم والقدرة ، أتبعها بالتكاليف ، وبدأ
nindex.php?page=treesubj&link=28750_29618بالأمر بالإيمان بالله ورسوله ، فإن قيل قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=7آمنوا ) خطاب مع من عرف الله ، أو مع من لم يعرف الله ؟ فإن كان الأول كان ذلك أمرا بأن يعرفه من عرف ، فيكون ذلك أمرا بتحصيل الحاصل وهو محال ، وإن كان الثاني ، كان الخطاب متوجها على من لم يكن عارفا به ، ومن لم يكن عارفا به استحال أن يكون عارفا بأمره ، فيكون الأمر متوجها على من يستحيل أن يعرف كونه مأمورا بذلك الأمر ، وهذا تكليف ما لا يطاق ، والجواب : من الناس من قال : معرفة وجود الصانع حاصلة للكل ، وإنما المقصود من هذا الأمر معرفة الصفات .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=7آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه فالذين آمنوا منكم وأنفقوا ) في هذه الآية مسائل :
المسألة الأولى : اعلم أنه أمر الناس أولا بأن يشتغلوا بطاعة الله ، ثم أمرهم ثانيا
nindex.php?page=treesubj&link=29497بترك الدنيا والإعراض عنها وإنفاقها في سبيل الله ، كما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=91قل الله ثم ذرهم ) ، فقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=91قل الله ) هو المراد ههنا من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=7آمنوا بالله ورسوله ) وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=91ثم ذرهم ) [الأنعام : 91 ] هو المراد ههنا من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=7nindex.php?page=treesubj&link=32946_29028_23467وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه ) .
المسألة الثانية : في الآية وجهان :
الأول : أن الأموال التي في أيديكم إنما هي أموال الله بخلقه وإنشائه لها ، ثم إنه تعالى جعلها تحت يد المكلف ، وتحت تصرفه لينتفع بها على وفق إذن الشرع ، فالمكلف في تصرفه في هذه الأموال بمنزلة الوكيل والنائب والخليفة ، فوجب أن يسهل عليكم الإنفاق من تلك الأموال ، كما يسهل على الرجل النفقة من مال غيره إذا أذن له فيه .
الثاني : أنه جعلكم مستخلفين ممن كان قبلكم ، لأجل أنه نقل أموالهم إليكم على سبيل الإرث ، فاعتبروا بحالهم ، فإنها كما انتقلت منهم إليكم فستنتقل منكم إلى غيركم فلا تبخلوا بها .
المسألة الثالثة : اختلفوا في هذا الإنفاق ، فقال بعضهم : هو الزكاة الواجبة ، وقال آخرون : بل يدخل فيه التطوع ، ولا يمتنع أن يكون عاما في جميع وجوه البر ، ثم إنه تعالى ضمن لمن فعل ذلك أجرا كبيرا فقال :
[ ص: 189 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=7فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير ) قال القاضي : هذه الآية تدل على أن هذا الأجر لا يحصل بالإيمان المنفرد حتى ينضاف هذا الإنفاق إليه ، فمن هذا الوجه يدل على أن من أخل بالواجب من زكاة وغيرها فلا أجر له .
واعلم أن هذا الاستدلال ضعيف ، وذلك لأن الآية تدل على أن
nindex.php?page=treesubj&link=2650من أخل بالزكاة الواجبة لم يحصل له ذلك الأجر الكبير ، فلم قلتم : إنها تدل على أنه لا أجر له أصلا .
[ ص: 188 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=5لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=6يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=7آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ ) .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=5لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ ) أَيْ إِلَى حَيْثُ لَا مَالِكَ سِوَاهُ ، وَدَلَّ بِهَذَا الْقَوْلِ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=30340_30347إِثْبَاتِ الْمَعَادِ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=6يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ) وَهَذِهِ الْآيَاتُ قَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهَا فِي سَائِرِ السُّوَرِ ، وَهِيَ جَامِعَةٌ بَيْنَ الدَّلَالَةِ عَلَى قُدْرَتِهِ ، وَبَيْنَ إِظْهَارِ نِعَمِهِ ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ إِعَادَتِهَا الْبَعْثُ عَلَى النَّظَرِ وَالتَّأَمُّلِ ، ثُمَّ الِاشْتِغَالُ بِالشُّكْرِ .
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=7آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ) اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ أَنْوَاعًا مِنَ الدَّلَائِلِ عَلَى التَّوْحِيدِ وَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ ، أَتْبَعَهَا بِالتَّكَالِيفِ ، وَبَدَأَ
nindex.php?page=treesubj&link=28750_29618بِالْأَمْرِ بِالْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ، فَإِنْ قِيلَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=7آمِنُوا ) خِطَابٌ مَعَ مَنْ عَرَفَ اللَّهَ ، أَوْ مَعَ مَنْ لَمْ يَعْرِفِ اللَّهَ ؟ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ كَانَ ذَلِكَ أَمْرًا بِأَنْ يَعْرِفَهُ مَنْ عَرَفَ ، فَيَكُونُ ذَلِكَ أَمْرًا بِتَحْصِيلِ الْحَاصِلِ وَهُوَ مُحَالٌ ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ ، كَانَ الْخِطَابُ مُتَوَجِّهًا عَلَى مَنْ لَمْ يَكُنْ عَارِفًا بِهِ ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ عَارِفًا بِهِ اسْتَحَالَ أَنْ يَكُونَ عَارِفًا بِأَمْرِهِ ، فَيَكُونُ الْأَمْرُ مُتَوَجِّهًا عَلَى مَنْ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَعْرِفَ كَوْنَهُ مَأْمُورًا بِذَلِكَ الْأَمْرِ ، وَهَذَا تَكْلِيفُ مَا لَا يُطَاقُ ، وَالْجَوَابُ : مِنَ النَّاسِ مَنْ قَالَ : مَعْرِفَةُ وُجُودِ الصَّانِعِ حَاصِلَةٌ لِلْكُلِّ ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ مَعْرِفَةُ الصِّفَاتِ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=7آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا ) فِي هَذِهِ الْآيَةِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : اعْلَمْ أَنَّهُ أَمَرَ النَّاسَ أَوَّلًا بِأَنْ يَشْتَغِلُوا بِطَاعَةِ اللَّهِ ، ثُمَّ أَمَرَهُمْ ثَانِيًا
nindex.php?page=treesubj&link=29497بِتَرْكِ الدُّنْيَا وَالْإِعْرَاضِ عَنْهَا وَإِنْفَاقِهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، كَمَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=91قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ ) ، فَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=91قُلِ اللَّهُ ) هُوَ الْمُرَادُ هَهُنَا مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=7آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ) وَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=91ثُمَّ ذَرْهُمْ ) [الْأَنْعَامِ : 91 ] هُوَ الْمُرَادُ هَهُنَا مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=7nindex.php?page=treesubj&link=32946_29028_23467وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ ) .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : فِي الْآيَةِ وَجْهَانِ :
الْأَوَّلُ : أَنَّ الْأَمْوَالَ الَّتِي فِي أَيْدِيكُمْ إِنَّمَا هِيَ أَمْوَالُ اللَّهِ بِخَلْقِهِ وَإِنْشَائِهِ لَهَا ، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى جَعَلَهَا تَحْتَ يَدِ الْمُكَلَّفِ ، وَتَحْتَ تَصَرُّفِهِ لِيَنْتَفِعَ بِهَا عَلَى وَفْقِ إِذَنِ الشَّرْعِ ، فَالْمُكَلَّفُ فِي تَصَرُّفِهِ فِي هَذِهِ الْأَمْوَالِ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ وَالنَّائِبِ وَالْخَلِيفَةِ ، فَوَجَبَ أَنْ يَسْهُلَ عَلَيْكُمُ الْإِنْفَاقُ مِنْ تِلْكَ الْأَمْوَالِ ، كَمَا يَسْهُلُ عَلَى الرَّجُلِ النَّفَقَةُ مِنْ مَالِ غَيْرِهِ إِذَا أَذِنَ لَهُ فِيهِ .
الثَّانِي : أَنَّهُ جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ، لِأَجْلِ أَنَّهُ نَقَلَ أَمْوَالَهُمْ إِلَيْكُمْ عَلَى سَبِيلِ الْإِرْثِ ، فَاعْتَبِرُوا بِحَالِهِمْ ، فَإِنَّهَا كَمَا انْتَقَلَتْ مِنْهُمْ إِلَيْكُمْ فَسَتَنْتَقِلُ مِنْكُمْ إِلَى غَيْرِكُمْ فَلَا تَبْخَلُوا بِهَا .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : اخْتَلَفُوا فِي هَذَا الْإِنْفَاقِ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ : هُوَ الزَّكَاةُ الْوَاجِبَةُ ، وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ يَدْخُلُ فِيهِ التَّطَوُّعُ ، وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ عَامًّا فِي جَمِيعِ وُجُوهِ الْبِرِّ ، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى ضَمِنَ لِمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ أَجْرًا كَبِيرًا فَقَالَ :
[ ص: 189 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=7فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ ) قَالَ الْقَاضِي : هَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا الْأَجْرَ لَا يَحْصُلُ بِالْإِيمَانِ الْمُنْفَرِدِ حَتَّى يَنْضَافَ هَذَا الْإِنْفَاقُ إِلَيْهِ ، فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ أَخَلَّ بِالْوَاجِبِ مِنْ زَكَاةٍ وَغَيْرِهَا فَلَا أَجْرَ لَهُ .
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الِاسْتِدْلَالَ ضَعِيفٌ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْآيَةَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=2650مَنْ أَخَلَّ بِالزَّكَاةِ الْوَاجِبَةِ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ ذَلِكَ الْأَجْرُ الْكَبِيرُ ، فَلِمَ قُلْتُمْ : إِنَّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا أَجْرَ لَهُ أَصْلًا .