(
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=16ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون )
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=16ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون )
وفيه مسألتان :
المسألة الأولى : قرأ
الحسن : " ألما يأن " ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=13042ابن جني : أصل لما لم ، ثم زيد عليها ما ، فـ " لم " نفي لقوله : أفعل ، ولما : نفي لقوله : قد يفعل ، وذلك لأنه لما زيد في الإثبات "قد" لا جرم زيد في نفيه "ما" ، إلا أنهم لما ركبوا "لم" مع "ما" حدث لها معنى ولفظ ، أما المعنى فإنها صارت في بعض المواضع ظرفا ، فقالوا : لما قمت قام زيد ، أي وقت قيامك قام زيد ، وأما اللفظ فإنه يجوز أن تقف عليها دون مجزومها ، فيجوز أن تقول : جئت ولما ، أي ولما يجئ ، ولا يجوز أن يقول : جئت ولم .
وأما الذين قرأوا : " ألم يأن " فالمشهور ألم يأن من أنى الأمر يأني إذا جاء إناه أي وقته . وقرئ : ألم يئن ، من أن يئين بمعنى أنى يأني .
المسألة الثانية : اختلفوا في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=16ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله ) فقال بعضهم : نزل في المنافقين الذين أظهروا الإيمان وفي قلوبهم النفاق المباين للخشوع ، والقائلون بهذا القول لعلهم ذهبوا إلى أن المؤمن لا يكون مؤمنا في الحقيقة إلا مع خشوع القلب ، فلا يجوز أن يقول تعالى ذلك إلا لمن ليس بمؤمن ، وقال آخرون : بل المراد من هو مؤمن على الحقيقة ، لكن المؤمن قد يكون له خشوع وخشية ، وقد لا يكون كذلك ، ثم على هذا القول تحتمل الآية وجوها :
أحدها : لعل طائفة من المؤمنين ما كان فيهم مزيد خشوع ولا رقة ، فحثوا عليه بهذه الآية .
وثانيها : لعل قوما كان فيهم خشوع كثير ، ثم زال منهم شدة ذلك الخشوع ، فحثوا على المعاودة إليها . عن
nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش قال : إن الصحابة لما قدموا
المدينة أصابوا لينا في العيش ورفاهية ، ففتروا عن بعض ما كانوا عليه ، فعوتبوا بهذه الآية . وعن
أبي بكر : أن هذه الآية قرئت بين يديه وعنده
[ ص: 200 ] قوم من
أهل اليمامة ، فبكوا بكاء شديدا ، فنظر إليهم فقال : هكذا كنا حتى قست القلوب ، وأما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=16لذكر الله ) ففيه قولان :
الأول : أن تقدير الآية : أما حان للمؤمنين أن ترق قلوبهم لذكر الله ، أي مواعظ الله التي ذكرها في القرآن ، وعلى هذا الذكر مصدر أضيف إلى الفاعل .
والقول الثاني : أن الذكر مضاف إلى المفعول ، والمعنى : لذكرهم الله ، أي يجب أن يورثهم الذكر خشوعا ، ولا يكونوا كمن ذكره بالغفلة فلا يخشع قلبه للذكر ، وقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=16وما نزل من الحق ) فيه مسائل :
المسألة الأولى : ما في موضع جر بالعطف على الذكر وهو موصول ، والعائد إليه محذوف على تقدير : وما نزل من الحق ، ثم قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=16وما نزل من الحق ) يعني القرآن .
المسألة الثانية : قال
أبو علي : قرأ
نافع وحفص والمفضل عن
عاصم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=16وما نزل من الحق ) خفيفة ، وقرأ الباقون
وأبو بكر عن
عاصم : "وما نزل " مشددة ، وعن
أبي عمرو : " وما نزل من الحق "مرتفعة النون مكسورة الزاي ، والتقدير في القراءة الأولى : أن تخشع قلوبهم لذكر الله ولما نزل من الحق ، وفي القراءة الثانية : ولما نزله الله من الحق ، وفي القراءة الثالثة : ولما نزل من الحق .
المسألة الثالثة : يحتمل أن يكون
nindex.php?page=treesubj&link=29568المراد من الحق هو القرآن ؛ لأنه جامع للوصفين ؛ الذكر والموعظة ، وأنه حق نازل من السماء ، ويحتمل أن يكون المراد من الذكر هو ذكر الله مطلقا ، والمراد بما نزل من الحق هو القرآن ، وإنما قدم الخشوع بالذكر على الخشوع بما نزل من القرآن ؛ لأن
nindex.php?page=treesubj&link=24582الخشوع والخوف والخشية لا تحصل إلا عند ذكر الله ، فأما حصولها عند سماع القرآن فذاك لأجل اشتمال القرآن على ذكر الله ، ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=16ولا يكونوا ) قال
الفراء : هو في موضع نصب ، معناه : ألم يأن أن تخشع قلوبهم ، وأن لا يكونوا ، قال : ولو كان جزما على النهي كان صوابا ، ويدل على هذا الوجه قراءة من قرأ بالتاء على سبيل الالتفات ، ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=16كالذين أوتوا الكتاب من قبل ) يريد
اليهود والنصارى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=16فطال عليهم الأمد ) وفيه مسألتان :
المسألة الأولى : ذكروا في تفسير طول الأمد وجوها :
أحدها : طالت المدة بينهم وبين أنبيائهم فقست قلوبهم .
وثانيها : قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : مالوا إلى الدنيا وأعرضوا عن مواعظ الله .
وثالثها : طالت أعمارهم في الغفلة ، فحصلت القسوة في قلوبهم بذلك السبب .
ورابعها : قال
nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان : الأمد ههنا الأمل البعيد ، والمعنى على هذا : طال عليهم الأمد بطول الأمل ، أي لما طالت آمالهم لا جرم قست قلوبهم .
وخامسها : قال
مقاتل بن سليمان : طال عليهم أمد خروج النبي عليه السلام .
وسادسها : طال عهدهم بسماع التوراة والإنجيل فزال وقعهما عن قلوبهم ، فلا جرم قست قلوبهم ، فكأنه تعالى نهى المؤمنين عن أن يكونوا كذلك ، قاله
القرظي .
المسألة الثانية : قرئ : "الأمد" بالتشديد ، أي الوقت الأطول ، ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=16وكثير منهم فاسقون ) أي خارجون عن دينهم رافضون لما في الكتابين ، وكأنه إشارة إلى أن عدم الخشوع في أول الأمر يفضي إلى الفسق في آخر الأمر .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=16أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ )
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=16أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ )
وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : قَرَأَ
الْحَسَنُ : " أَلَمَّا يَأْنِ " ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13042ابْنُ جِنِّي : أَصْلُ لَمَّا لَمْ ، ثُمَّ زِيدَ عَلَيْهَا مَا ، فَـ " لَمْ " نَفْيٌ لِقَوْلِهِ : أَفْعَلُ ، وَلَمَّا : نَفْيٌ لِقَوْلِهِ : قَدْ يَفْعَلُ ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمَّا زِيدَ فِي الْإِثْبَاتِ "قَدْ" لَا جَرَمَ زِيدَ فِي نَفْيِهِ "مَا" ، إِلَّا أَنَّهُمْ لَمَّا رَكَّبُوا "لَمْ" مَعَ "مَا" حَدَثَ لَهَا مَعْنًى وَلَفْظٌ ، أَمَّا الْمَعْنَى فَإِنَّهَا صَارَتْ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ ظَرْفًا ، فَقَالُوا : لَمَّا قُمْتَ قَامَ زَيْدٌ ، أَيْ وَقْتَ قِيَامِكَ قَامَ زَيْدٌ ، وَأَمَّا اللَّفْظُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تَقِفَ عَلَيْهَا دُونَ مَجْزُومِهَا ، فَيَجُوزُ أَنْ تَقُولَ : جِئْتُ وَلَمَّا ، أَيْ وَلَمَّا يَجِئْ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ : جِئْتُ وَلَمْ .
وَأَمَّا الَّذِينَ قَرَأُوا : " أَلَمْ يَأْنِ " فَالْمَشْهُورُ أَلَمْ يَأْنِ مِنْ أَنَى الْأَمْرُ يَأْنِي إِذَا جَاءَ إِنَاهُ أَيْ وَقْتُهُ . وَقُرِئَ : أَلَمْ يَئِنْ ، مِنْ أَنَّ يَئِينُ بِمَعْنَى أَنَى يَأْنِي .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : اخْتَلَفُوا فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=16أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ ) فَقَالَ بَعْضُهُمْ : نَزَلَ فِي الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ أَظْهَرُوا الْإِيمَانَ وَفِي قُلُوبِهِمُ النِّفَاقُ الْمُبَايِنُ لِلْخُشُوعِ ، وَالْقَائِلُونَ بِهَذَا الْقَوْلِ لَعَلَّهُمْ ذَهَبُوا إِلَى أَنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَكُونُ مُؤْمِنًا فِي الْحَقِيقَةِ إِلَّا مَعَ خُشُوعِ الْقَلْبِ ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ تَعَالَى ذَلِكَ إِلَّا لِمَنْ لَيْسَ بِمُؤْمِنٍ ، وَقَالَ آخَرُونَ : بَلِ الْمُرَادُ مَنْ هُوَ مُؤْمِنٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ ، لَكِنَّ الْمُؤْمِنَ قَدْ يَكُونُ لَهُ خُشُوعٌ وَخَشْيَةٌ ، وَقَدْ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ ، ثُمَّ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ تَحْتَمِلُ الْآيَةُ وُجُوهًا :
أَحَدُهَا : لَعَلَّ طَائِفَةً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ مَا كَانَ فِيهِمْ مَزِيدُ خُشُوعٍ وَلَا رِقَّةٍ ، فَحُثُّوا عَلَيْهِ بِهَذِهِ الْآيَةِ .
وَثَانِيهَا : لَعَلَّ قَوْمًا كَانَ فِيهِمْ خُشُوعٌ كَثِيرٌ ، ثُمَّ زَالَ مِنْهُمْ شِدَّةُ ذَلِكَ الْخُشُوعِ ، فَحُثُّوا عَلَى الْمُعَاوَدَةِ إِلَيْهَا . عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=13726الْأَعْمَشِ قَالَ : إِنَّ الصَّحَابَةَ لَمَّا قَدِمُوا
الْمَدِينَةَ أَصَابُوا لِينًا فِي الْعَيْشِ وَرَفَاهِيَةً ، فَفَتَرُوا عَنْ بَعْضِ مَا كَانُوا عَلَيْهِ ، فَعُوتِبُوا بِهَذِهِ الْآيَةِ . وَعَنْ
أَبِي بَكْرٍ : أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ قُرِئَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ وَعِنْدَهُ
[ ص: 200 ] قَوْمٌ مِنْ
أَهْلِ الْيَمَامَةِ ، فَبَكَوْا بُكَاءً شَدِيدًا ، فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ : هَكَذَا كُنَّا حَتَّى قَسَتِ الْقُلُوبُ ، وَأَمَّا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=16لِذِكْرِ اللَّهِ ) فَفِيهِ قَوْلَانِ :
الْأَوَّلُ : أَنَّ تَقْدِيرَ الْآيَةِ : أَمَا حَانَ لِلْمُؤْمِنِينَ أَنْ تَرِقَّ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ ، أَيْ مَوَاعِظِ اللَّهِ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي الْقُرْآنِ ، وَعَلَى هَذَا الذِّكْرُ مُصْدَرٌ أُضِيفَ إِلَى الْفَاعِلِ .
وَالْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّ الذِّكْرَ مُضَافٌ إِلَى الْمَفْعُولِ ، وَالْمَعْنَى : لِذِكْرِهِمُ اللَّهَ ، أَيْ يَجِبُ أَنْ يُورِثَهُمُ الذِّكْرُ خُشُوعًا ، وَلَا يَكُونُوا كَمَنْ ذِكْرُهُ بِالْغَفْلَةِ فَلَا يَخْشَعُ قَلْبُهُ لِلذِّكْرِ ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=16وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ ) فِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : مَا فِي مَوْضِعِ جَرٍّ بِالْعَطْفِ عَلَى الذِّكْرِ وَهُوَ مَوْصُولٌ ، وَالْعَائِدُ إِلَيْهِ مَحْذُوفٌ عَلَى تَقْدِيرِ : وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ ، ثُمَّ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=16وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ ) يَعْنِي الْقُرْآنَ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : قَالَ
أَبُو عَلِيٍّ : قَرَأَ
نَافِعٌ وَحَفْصٌ وَالْمُفَضَّلُ عَنْ
عَاصِمٍ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=16وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ ) خَفِيفَةً ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ
وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ
عَاصِمٍ : "وَمَا نَزَّلَ " مُشَدَّدَةً ، وَعَنْ
أَبِي عَمْرٍو : " وَمَا نُزِّلَ مِنَ الْحَقِّ "مُرْتَفِعَةَ النُّونِ مَكْسُورَةَ الزَّايِ ، وَالتَّقْدِيرُ فِي الْقِرَاءَةِ الْأُولَى : أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَلِمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ ، وَفِي الْقِرَاءَةِ الثَّانِيَةِ : وَلِمَا نَزَّلَهُ اللَّهُ مِنَ الْحَقِّ ، وَفِي الْقِرَاءَةِ الثَّالِثَةِ : وَلِمَا نُزِّلَ مِنَ الْحَقِّ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ
nindex.php?page=treesubj&link=29568الْمُرَادُ مِنَ الْحَقِّ هُوَ الْقُرْآنَ ؛ لِأَنَّهُ جَامِعٌ لِلْوَصْفَيْنِ ؛ الذِّكْرِ وَالْمَوْعِظَةِ ، وَأَنَّهُ حَقٌّ نَازِلٌ مِنَ السَّمَاءِ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنَ الذِّكْرِ هُوَ ذِكْرَ اللَّهِ مُطْلَقًا ، وَالْمُرَادُ بِمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ هُوَ الْقُرْآنَ ، وَإِنَّمَا قُدِّمَ الْخُشُوعُ بِالذِّكْرِ عَلَى الْخُشُوعِ بِمَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ ؛ لِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=24582الْخُشُوعَ وَالْخَوْفَ وَالْخَشْيَةَ لَا تَحْصُلُ إِلَّا عِنْدَ ذِكْرِ اللَّهِ ، فَأَمَّا حُصُولُهَا عِنْدَ سَمَاعِ الْقُرْآنِ فَذَاكَ لِأَجْلِ اشْتِمَالِ الْقُرْآنِ عَلَى ذِكْرِ اللَّهِ ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=16وَلَا يَكُونُوا ) قَالَ
الْفَرَّاءُ : هُوَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ ، مَعْنَاهُ : أَلَمْ يَأْنِ أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ ، وَأَنْ لَا يَكُونُوا ، قَالَ : وَلَوْ كَانَ جَزْمًا عَلَى النَّهْيِ كَانَ صَوَابًا ، وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ بِالتَّاءِ عَلَى سَبِيلِ الِالْتِفَاتِ ، ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=16كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ ) يُرِيدُ
الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=16فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ ) وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : ذَكَرُوا فِي تَفْسِيرِ طُولِ الْأَمَدِ وُجُوهًا :
أَحَدُهَا : طَالَتِ الْمُدَّةُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَنْبِيَائِهِمْ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ .
وَثَانِيهَا : قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : مَالُوا إِلَى الدُّنْيَا وَأَعْرَضُوا عَنْ مَوَاعِظِ اللَّهِ .
وَثَالِثُهَا : طَالَتْ أَعْمَارُهُمْ فِي الْغَفْلَةِ ، فَحَصَلَتِ الْقَسْوَةُ فِي قُلُوبِهِمْ بِذَلِكَ السَّبَبِ .
وَرَابِعُهَا : قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13053ابْنُ حِبَانٍ : الْأَمَدُ هَهُنَا الْأَمَلُ الْبَعِيدُ ، وَالْمَعْنَى عَلَى هَذَا : طَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ بِطُولِ الْأَمَلِ ، أَيْ لَمَّا طَالَتْ آمَالُهُمْ لَا جَرَمَ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ .
وَخَامِسُهَا : قَالَ
مُقَاتِلُ بْنُ سُلَيْمَانَ : طَالَ عَلَيْهِمْ أَمَدُ خُرُوجِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ .
وَسَادِسُهَا : طَالَ عَهْدُهُمْ بِسَمَاعِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ فَزَالَ وَقْعُهُمَا عَنْ قُلُوبِهِمْ ، فَلَا جَرَمَ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ ، فَكَأَنَّهُ تَعَالَى نَهَى الْمُؤْمِنِينَ عَنْ أَنْ يَكُونُوا كَذَلِكَ ، قَالَهُ
الْقُرَظِيُّ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : قُرِئَ : "الْأَمَدُّ" بِالتَّشْدِيدِ ، أَيِ الْوَقْتُ الْأَطْوَلُ ، ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=16وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ) أَيْ خَارِجُونَ عَنْ دِينِهِمْ رَافِضُونَ لِمَا فِي الْكِتَابَيْنِ ، وَكَأَنَّهُ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ عَدَمَ الْخُشُوعِ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ يُفْضِي إِلَى الْفِسْقِ فِي آخِرِ الْأَمْرِ .