[ ص: 203 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=20اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور )
ولما ذكر أحوال المؤمنين والكافرين ذكر بعده ما يدل على حقارة الدنيا وكمال حال الآخرة فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=20اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور ) وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى : المقصود الأصلي من الآية
nindex.php?page=treesubj&link=29497_19793تحقير حال الدنيا وتعظيم حال الآخرة ، فقال : الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر ، ولا شك أن هذه الأشياء أمور محقرة ، وأما الآخرة فهي عذاب شديد دائم أو رضوان الله على سبيل الدوام ، ولا شك أن ذلك عظيم .
المسألة الثانية : اعلم أن الحياة الدنيا حكمة وصواب ؛ ولذلك لما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=30إني جاعل في الأرض خليفة ) قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=30إني أعلم ما لا تعلمون ) [ البقرة : 30 ] ولولا أنها حكمة وصواب لما قال ذلك ، ولأن الحياة خلقه ، كما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=2الذي خلق الموت والحياة ) [ الملك : 2 ] وأنه لا يفعل العبث على ما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=115أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا ) [ المؤمنون : 115 ] وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=27وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ) [ ص : 27 ] ولأن الحياة نعمة بل هي أصل لجميع النعم ، وحقائق الأشياء لا تختلف بأن كانت في الدنيا أو في الآخرة ، ولأنه تعالى عظم المنة بخلق الحياة فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=28كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ) [ البقرة : 28 ] فأول ما ذكر من أصناف نعمه هو الحياة ، فدل مجموع ما ذكرنا على أن الحياة الدنيا غير مذمومة ، بل المراد أن
nindex.php?page=treesubj&link=29497من صرف هذه الحياة الدنيا لا إلى طاعة الله بل إلى طاعة الشيطان ومتابعة الهوى فذاك هو المذموم ، ثم إنه تعالى وصفها بأمور :
أولها : أنها (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=20لعب ) وهو فعل الصبيان الذين يتعبون أنفسهم جدا ، ثم إن تلك المتاعب تنقضي من غير فائدة .
وثانيها : أنها (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=20ولهو ) وهو فعل الشبان ، والغالب أن بعد انقضائه لا يبقى إلا الحسرة ، وذلك لأن العاقل بعد انقضائه يرى المال ذاهبا والعمر ذاهبا ، واللذة منقضية ، والنفس ازدادت شوقا وتعطشا إليه مع فقدانها ، فتكون المضار مجتمعة متوالية .
وثالثها : أنها (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=20وزينة ) وهذا دأب النساء ؛ لأن المطلوب من الزينة تحسين القبيح ، وعمارة البناء المشرف على أن يصير خرابا ، والاجتهاد في تكميل الناقص ، ومن المعلوم أن العرضي لا يقاوم الذاتي ، فإذا كانت الدنيا منقضية لذاتها ، فاسدة لذاتها ، فكيف يتمكن العاقل من إزالة هذه المفاسد عنها ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : المعنى أن الكافر يشتغل طول حياته بطلب زينة الدنيا دون العمل للآخرة ، وهذا كما قيل :
حياتك يا مغرور سهو وغفلة
ورابعها : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=106شهادة بينكم ) بالصفات الفانية الزائلة ، وهو إما التفاخر بالنسب ، أو التفاخر بالقدرة والقوة والعساكر ، وكلها ذاهبة .
وخامسها : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=20وتكاثر في الأموال والأولاد ) قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : يجمع المال في
[ ص: 204 ] سخط الله ، ويتباهى به على أولياء الله ، ويصرفه في مساخط الله ، فهو ظلمات بعضها فوق بعض ، وأنه لا وجه بتبعية أصحاب الدنيا يخرج عن هذه الأقسام ، وبين أن حال الدنيا إذا لم يخل من هذه الوجوه فيجب أن يعدل عنها إلى ما يؤدي إلى عمارة الآخرة ، ثم ذكر تعالى لهذه الحياة مثلا ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=20كمثل غيث ) يعني المطر ، ونظيره قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=45واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء ) [ الكهف : 45 ] والكاف في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=20كمثل غيث ) موضعه رفع من وجهين :
أحدهما : أن يكون صفة لقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=20لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر ) ، ( والآخر ) : أن يكون خبرا بعد خبر ، قاله
الزجاج ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=20أعجب الكفار نباته ) فيه قولان :
الأول : قال
ابن مسعود : المراد من الكفار الزراع ، قال
الأزهري : والعرب تقول للزارع كافر ؛ لأنه يكفر البذر الذي يبذره بتراب الأرض ، وإذا أعجب الزارع نباته مع علمهم به فهو في غاية الحسن .
الثاني : أن المراد بالكفار في هذه الآية الكفار بالله ، وهم أشد إعجابا بزينة الدنيا وحرثها من المؤمنين ؛ لأنهم لا يرون سعادة سوى سعادة الدنيا ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=20نباته ) أي ما نبت من ذلك الغيث ، وباقي الآية مفسر في سورة الزمر .
ثم إنه تعالى ذكر بعده حال الآخرة فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=20وفي الآخرة عذاب شديد ) أي لمن كانت حياته بهذه الصفة ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=20ومغفرة من الله ورضوان ) لأوليائه وأهل طاعته ، وذلك لأنه لما
nindex.php?page=treesubj&link=29497وصف الدنيا بالحقارة وسرعة الانقضاء ، بين أن الآخرة إما عذاب شديد دائم وإما رضوان ، وهو أعظم درجات الثواب ، ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=20وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور ) يعني لمن أقبل عليها ، وأعرض بها عن طلب الآخرة ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير : الدنيا متاع الغرور إذا ألهتك عن طلب الآخرة ، فأما إذا دعتك إلى طلب رضوان الله وطلب الآخرة فنعم الوسيلة .
[ ص: 203 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=20اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ )
وَلَمَّا ذَكَرَ أَحْوَالَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ ذَكَرَ بَعْدَهُ مَا يَدُلُّ عَلَى حَقَارَةِ الدُّنْيَا وَكَمَالِ حَالِ الْآخِرَةِ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=20اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ) وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : الْمَقْصُودُ الْأَصْلِيُّ مِنَ الْآيَةِ
nindex.php?page=treesubj&link=29497_19793تَحْقِيرُ حَالِ الدُّنْيَا وَتَعْظِيمُ حَالِ الْآخِرَةِ ، فَقَالَ : الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ ، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ أُمُورٌ مُحَقَّرَةٌ ، وَأَمَّا الْآخِرَةُ فَهِيَ عَذَابٌ شَدِيدٌ دَائِمٌ أَوْ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَى سَبِيلِ الدَّوَامِ ، وَلَا شَكَّ أَنَّ ذَلِكَ عَظِيمٌ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : اعْلَمْ أَنَّ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا حِكْمَةٌ وَصَوَابٌ ؛ وَلِذَلِكَ لَمَّا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=30إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ) قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=30إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ) [ الْبَقَرَةِ : 30 ] وَلَوْلَا أَنَّهَا حِكْمَةٌ وَصَوَابٌ لَمَا قَالَ ذَلِكَ ، وَلِأَنَّ الْحَيَاةَ خَلْقُهُ ، كَمَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=2الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ ) [ الْمُلْكِ : 2 ] وَأَنَّهُ لَا يَفْعَلُ الْعَبَثَ عَلَى مَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=115أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا ) [ الْمُؤْمِنُونَ : 115 ] وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=27وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ) [ ص : 27 ] وَلِأَنَّ الْحَيَاةَ نِعْمَةٌ بَلْ هِيَ أَصْلٌ لِجَمِيعِ النِّعَمِ ، وَحَقَائِقُ الْأَشْيَاءِ لَا تَخْتَلِفُ بِأَنْ كَانَتْ فِي الدُّنْيَا أَوْ فِي الْآخِرَةِ ، وَلِأَنَّهُ تَعَالَى عَظَّمَ الْمِنَّةَ بِخَلْقِ الْحَيَاةِ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=28كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ) [ الْبَقَرَةِ : 28 ] فَأَوَّلُ مَا ذَكَرَ مِنْ أَصْنَافِ نِعَمِهِ هُوَ الْحَيَاةُ ، فَدَلَّ مَجْمُوعُ مَا ذَكَرْنَا عَلَى أَنَّ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا غَيْرُ مَذْمُومَةٍ ، بَلِ الْمُرَادُ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29497مَنْ صَرَفَ هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا لَا إِلَى طَاعَةِ اللَّهِ بَلْ إِلَى طَاعَةِ الشَّيْطَانِ وَمُتَابَعَةِ الْهَوَى فَذَاكَ هُوَ الْمَذْمُومُ ، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى وَصَفَهَا بِأُمُورٍ :
أَوَّلُهَا : أَنَّهَا (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=20لَعِبٌ ) وَهُوَ فِعْلُ الصِّبْيَانِ الَّذِينَ يُتْعِبُونَ أَنْفُسَهُمْ جِدًّا ، ثُمَّ إِنَّ تِلْكَ الْمَتَاعِبَ تَنْقَضِي مِنْ غَيْرِ فَائِدَةٍ .
وَثَانِيهَا : أَنَّهَا (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=20وَلَهْوٌ ) وَهُوَ فِعْلُ الشُّبَّانِ ، وَالْغَالِبُ أَنَّ بَعْدَ انْقِضَائِهِ لَا يَبْقَى إِلَّا الْحَسْرَةُ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعَاقِلَ بَعْدَ انْقِضَائِهِ يَرَى الْمَالَ ذَاهِبًا وَالْعُمُرَ ذَاهِبًا ، وَاللَّذَّةَ مُنْقَضِيَةً ، وَالنَّفْسَ ازْدَادَتْ شَوْقًا وَتَعَطُّشًا إِلَيْهِ مَعَ فِقْدَانِهَا ، فَتَكُونُ الْمَضَارُّ مُجْتَمِعَةً مُتَوَالِيَةً .
وَثَالِثُهَا : أَنَّهَا (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=20وَزِينَةٌ ) وَهَذَا دَأْبُ النِّسَاءِ ؛ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ مِنَ الزِّينَةِ تَحْسِينُ الْقَبِيحِ ، وَعِمَارَةُ الْبِنَاءِ الْمُشْرِفِ عَلَى أَنْ يَصِيرَ خَرَابًا ، وَالِاجْتِهَادُ فِي تَكْمِيلِ النَّاقِصِ ، وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْعَرَضِيَّ لَا يُقَاوِمُ الذَّاتِيَّ ، فَإِذَا كَانَتِ الدُّنْيَا مُنْقَضِيَةً لِذَاتِهَا ، فَاسِدَةً لِذَاتِهَا ، فَكَيْفَ يَتَّمَكَّنُ الْعَاقِلُ مِنْ إِزَالَةِ هَذِهِ الْمَفَاسِدِ عَنْهَا ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : الْمَعْنَى أَنَّ الْكَافِرَ يَشْتَغِلُ طُولَ حَيَاتِهِ بِطَلَبِ زِينَةِ الدُّنْيَا دُونَ الْعَمَلِ لِلْآخِرَةِ ، وَهَذَا كَمَا قِيلَ :
حَيَاتُكَ يَا مَغْرُورُ سَهْوٌ وَغَفْلَةٌ
وَرَابِعُهَا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=106شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ ) بِالصِّفَاتِ الْفَانِيَةِ الزَّائِلَةِ ، وَهُوَ إِمَّا التَّفَاخُرُ بِالنَّسَبِ ، أَوِ التَّفَاخُرُ بِالْقُدْرَةِ وَالْقُوَّةِ وَالْعَسَاكِرِ ، وَكُلُّهَا ذَاهِبَةٌ .
وَخَامِسُهَا : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=20وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ) قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : يَجْمَعُ الْمَالَ فِي
[ ص: 204 ] سَخَطِ اللَّهِ ، وَيَتَبَاهَى بِهِ عَلَى أَوْلِيَاءِ اللَّهِ ، وَيَصْرِفُهُ فِي مَسَاخِطِ اللَّهِ ، فَهُوَ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ ، وَأَنَّهُ لَا وَجْهَ بِتَبَعِيَّةِ أَصْحَابِ الدُّنْيَا يَخْرُجُ عَنْ هَذِهِ الْأَقْسَامِ ، وَبَيَّنَ أَنَّ حَالَ الدُّنْيَا إِذَا لَمْ يَخْلُ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ فَيَجِبُ أَنْ يَعْدِلَ عَنْهَا إِلَى مَا يُؤَدِّي إِلَى عِمَارَةِ الْآخِرَةِ ، ثُمَّ ذَكَرَ تَعَالَى لِهَذِهِ الْحَيَاةِ مَثَلًا ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=20كَمَثَلِ غَيْثٍ ) يَعْنِي الْمَطَرَ ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=45وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ ) [ الْكَهْفِ : 45 ] وَالْكَافُ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=20كَمَثَلِ غَيْثٍ ) مَوْضِعُهُ رَفْعٌ مِنْ وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ صِفَةً لِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=20لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ ) ، ( وَالْآخَرُ ) : أَنْ يَكُونَ خَبَرًا بَعْدَ خَبَرٍ ، قَالَهُ
الزَّجَّاجُ ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=20أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ) فِيهِ قَوْلَانِ :
الْأَوَّلُ : قَالَ
ابْنُ مَسْعُودٍ : الْمُرَادُ مِنَ الْكُفَّارِ الزُّرَّاعُ ، قَالَ
الْأَزْهَرِيُّ : وَالْعَرَبُ تَقُولُ لِلزَّارِعِ كَافِرٌ ؛ لِأَنَّهُ يَكْفُرُ الْبَذْرَ الَّذِي يَبْذُرُهُ بِتُرَابِ الْأَرْضِ ، وَإِذَا أَعْجَبَ الزَّارِعَ نَبَاتُهُ مَعَ عِلْمِهِمْ بِهِ فَهُوَ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ .
الثَّانِي : أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكَفَّارِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكُفَّارُ بِاللَّهِ ، وَهُمْ أَشَدُّ إِعْجَابًا بِزِينَةِ الدُّنْيَا وَحَرْثِهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَرَوْنَ سَعَادَةً سِوَى سَعَادَةِ الدُّنْيَا ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=20نَبَاتُهُ ) أَيْ مَا نَبَتَ مِنْ ذَلِكَ الْغَيْثِ ، وَبَاقِي الْآيَةِ مُفَسَّرٌ فِي سُورَةِ الزُّمَرِ .
ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ بَعْدَهُ حَالَ الْآخِرَةِ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=20وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ ) أَيْ لِمَنْ كَانَتْ حَيَاتُهُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=20وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ ) لِأَوْلِيَائِهِ وَأَهْلِ طَاعَتِهِ ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=29497وَصَفَ الدُّنْيَا بِالْحَقَارَةِ وَسُرْعَةِ الِانْقِضَاءِ ، بَيَّنَ أَنَّ الْآخِرَةَ إِمَّا عَذَابٌ شَدِيدٌ دَائِمٌ وَإِمَّا رِضْوَانٌ ، وَهُوَ أَعْظَمُ دَرَجَاتِ الثَّوَابِ ، ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=20وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ) يَعْنِي لِمَنْ أَقْبَلَ عَلَيْهَا ، وَأَعْرَضَ بِهَا عَنْ طَلَبِ الْآخِرَةِ ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15992سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ : الدُّنْيَا مَتَاعُ الْغُرُورِ إِذَا أَلْهَتْكَ عَنْ طَلَبِ الْآخِرَةِ ، فَأَمَّا إِذَا دَعَتْكَ إِلَى طَلَبِ رِضْوَانِ اللَّهِ وَطَلَبِ الْآخِرَةِ فَنِعْمَ الْوَسِيلَةُ .