(
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=25لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس )
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=25لقد أرسلنا رسلنا بالبينات ) وفي تفسير البينات قولان :
الأول : وهو قول
مقاتل بن سليمان : إنها هي المعجزة الظاهرة والدلائل القاهرة .
والثاني : وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=17132مقاتل بن حيان أي
nindex.php?page=treesubj&link=28749أرسلناهم بالأعمال التي تدعوهم إلى طاعة الله وإلى الإعراض عن غير الله ، والأول هو الوجه الصحيح ؛ لأن نبوتهم إنما ثبتت بتلك المعجزات .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=25وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس ) .
واعلم أن نظير هذه الآية قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=17الله الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان ) [ الشورى : 17 ] وقال :
[ ص: 210 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=7والسماء رفعها ووضع الميزان ) وههنا مسائل :
المسألة الأولى : في وجه المناسبة بين الكتاب والميزان والحديد وجوه :
أحدها : وهو الذي أقوله : أن مدار التكليف على أمرين :
أحدهما : فعل ما ينبغي فعله .
والثاني : ترك ما ينبغي تركه ، والأول هو المقصود بالذات ؛ لأن المقصود بالذات لو كان هو الترك لوجب أن لا يخلق أحد ؛ لأن الترك كان حاصلا في الأزل ، وأما فعل ما ينبغي فعله ، فإما أن يكون متعلقا بالنفي وهو المعارف ، أو بالبدن وهو أعمال الجوارح ، فالكتاب هو الذي يتوسل به إلى فعل ما ينبغي من الأفعال النفسانية لأن يتميز الحق من الباطل والحجة من الشبهة ، والميزان هو الذي يتوسل به إلى فعل ما ينبغي من الأفعال البدنية ، فإن معظم التكاليف الشاقة في الأعمال هو ما يرجع إلى معاملة الخلق ، والميزان هو الذي يتميز به العدل عن الظلم والزائد عن الناقص ، وأما الحديد ففيه بأس شديد ، وهو زاجر للخلق عما لا ينبغي ، والحاصل أن الكتاب إشارة إلى القوة النظرية ، والميزان إلى القوة العملية ، والحديد إلى دفع ما لا ينبغي ، ولما كان أشرف الأقسام رعاية المصالح الروحانية ، ثم رعاية المصالح الجسمانية ، ثم الزجر عما لا ينبغي - روعي هذا الترتيب في هذه الآية .
وثانيها : المعاملة إما مع الخالق وطريقها الكتاب ، أو مع الخلق وهم : إما الأحباب والمعاملة معهم بالسوية وهي بالميزان ، أو مع الأعداء والمعاملة معهم بالسيف والحديد .
وثالثها : الأقوام ثلاثة : إما السابقون وهم يعاملون الخلق بمقتضى الكتاب ، فينصفون ولا ينتصفون ، ويحترزون عن مواقع الشبهات ، وإما مقتصدون وهم الذين ينصفون وينتصفون ، فلا بد لهم من الميزان ، وإما ظالمون وهم الذين ينتصفون ولا ينصفون ، ولا بد لهم من الحديد والزجر .
ورابعها : الإنسان ، إما أن يكون في مقام الحقيقة وهو مقام النفس المطمئنة ومقام المقربين ، فههنا لا يسكن إلا إلى الله ، ولا يعمل إلا بكتاب الله ، كما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=28ألا بذكر الله تطمئن القلوب ) [ الرعد : 28 ] وإما أن يكون في مقام الطريقة وهو مقام النفس اللوامة ، ومقام أصحاب اليمين ، فلا بد له من الميزان في معرفة الأخلاق حتى يحترز عن طرفي الإفراط والتفريط ، ويبقى على الصراط المستقيم ، وإما أن يكون في مقام الشريعة وهو مقام النفس الأمارة ، وههنا لا بد له من حديد المجاهدة والرياضات الشاقة .
وخامسها : الإنسان إما أن يكون صاحب المكاشفة والوصول فلا أنس له إلا بالكتاب ، أو صاحب الطلب والاستدلال فلا بد له من ميزان الدليل والحجة ، أو صاحب العناد واللجاج ، فلا بد وأن ينفى من الأرض بالحديد .
وسادسها : أن الدين هو إما الأصول وإما الفروع ، وبعبارة أخرى : إما المعارف وإما الأعمال ، فالأصول من الكتاب ، وأما الفروع : فالمقصود الأفعال التي فيها عدلهم ومصلحتهم ، وذلك بالميزان ، فإنه إشارة إلى رعاية العدل ، والحديد لتأديب من ترك ذينك الطريقين .
وسابعها : الكتاب إشارة إلى ما ذكر الله في كتابه من الأحكام المقتضية للعدل والإنصاف ، والميزان إشارة إلى حمل الناس على تلك الأحكام المبنية على العدل والإنصاف ، وهو شأن الملوك ، والحديد إشارة إلى أنهم لو تمردوا لوجب أن يحملوا عليهما بالسيف ، وهذا يدل على أن
nindex.php?page=treesubj&link=18467مرتبة العلماء وهم أرباب الكتاب مقدمة على مرتبة الملوك الذين هم أرباب السيف ، ووجوه المناسبات كثيرة ، وفيما ذكرناه تنبيه على الباقي .
المسألة الثانية : ذكروا في إنزال الميزان وإنزال الحديد قولين :
الأول : أن الله تعالى أنزلهما من السماء ، روي أن
جبريل عليه السلام نزل بالميزان فدفعه إلى
نوح ، وقال : مر قومك يزنوا به ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : نزل
آدم من الجنة ومعه خمسة أشياء من الحديد : السندان ، والكلبتان ، والمقمعة ، والمطرقة ، والإبرة ، والمقمعة ما
[ ص: 211 ] يحدد به . ويدل على صحة هذا ما روى
ابن عمر أنه عليه الصلاة والسلام قال : "
إن الله تعالى أنزل أربع بركات من السماء إلى الأرض : أنزل الحديد والنار والماء والملح " .
والقول الثاني : أن معنى هذا الإنزال الإنشاء والتهيئة ، كقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=6وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج ) [ الزمر : 6 ] قال
قطرب : " أنزلناها " أي هيأناها ، من النزل ، يقال : أنزل الأمير على فلان نزلا حسنا . ومنهم من قال : هذا من جنس قوله : علفتها تبنا وماء باردا ، وأكلت خبزا ولبنا .
المسألة الثالثة : ذكر في
nindex.php?page=treesubj&link=18524منافع الميزان أن يقوم الناس بالقسط ، والقسط والإقساط هو الإنصاف ، وهو أن تعطي قسط غيرك كما تأخذ قسط نفسك ، والعادل مقسط ، قال الله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=42إن الله يحب المقسطين ) [ المائدة : 42 ] وأما الحديد ففيه البأس الشديد ، فإن آلات الحروب متخذة منه ، وفيه أيضا منافع كثيرة منها قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=80وعلمناه صنعة لبوس لكم ) [ الأنبياء : 80 ] ومنها أن مصالح العالم إما أصول ، وإما فروع ، أما الأصول فأربعة : الزراعة ، والحياكة ، وبناء البيوت ، والسلطنة ، وذلك لأن الإنسان مضطر إلى طعام يأكله ، وثوب يلبسه ، وبناء يجلس فيه ،
nindex.php?page=treesubj&link=31825والإنسان مدني بالطبع ، فلا تتم مصلحته إلا عند اجتماع جمع من أبناء جنسه يشتغل كل واحد منهم بمهم خاص ، فحينئذ ينتظم من الكل مصالح الكل ، وذلك الانتظام لا بد وأن يفضي إلى المزاحمة ، ولا بد من شخص يدفع ضرر البعض عن البعض ، وذلك هو السلطان ، فثبت أنه لا تنتظم مصلحة العالم إلا بهذه الحروف الأربعة ، أما الزراعة فمحتاجة إلى الحديد ، وذلك في كرب الأراضي وحفرها ، ثم عند تكون هذه الحبوب وتولدها لا بد من خبزها وتنقيتها ، وذلك لا يتم إلا بالحديد ، ثم الحبوب لا بد من طحنها ، وذلك لا يتم إلا بالحديد ، ثم لا بد من خبزها ، ولا يتم إلا بالنار ، ولا بد من المقدحة الحديدية ، وأما الفواكه فلا بد من تنظيفها عن قشورها ، وقطعها على الوجوه الموافقة للأكل ، ولا يتم ذلك إلا بالحديد ، وأما الحياكة فمعلوم أنه يحتاج في آلات الحياكة إلى الحديد ، ثم يحتاج في قطع الثياب وخياطتها إلى الحديد ، وأما البناء فمعلوم أن كمال الحال فيه لا يحصل إلا بالحديد ، وأما أسباب السلطنة فمعلوم أنها لا تتم ولا تكمل إلا بالحديد ، وعند هذا يظهر أن أكثر مصالح العالم لا تتم إلا بالحديد ، ويظهر أيضا أن الذهب لا يقوم مقام الحديد في شيء من هذه المصالح ، فلو لم يوجد الذهب في الدنيا ما كان يختل شيء من مصالح الدنيا ، ولو لم يوجد الحديد لاختل جميع مصالح الدنيا ، ثم إن الحديد لما كانت الحاجة إليه شديدة جعله سهل الوجدان ، كثير الوجود ، والذهب لما قلت الحاجة إليه جعله عزيز الوجود ، وعند هذا يظهر
nindex.php?page=treesubj&link=29703_32415أثر جود الله تعالى ورحمته على عبيده ، فإن كل ما كانت حاجتهم إليه أكثر جعل وجدانه أسهل ؛ ولهذا قال بعض الحكماء : إن أعظم الأمور حاجة إليه هو الهواء ، فإنه لو انقطع وصوله إلى القلب لحظة لمات الإنسان في الحال ، فلا جرم جعله الله أسهل الأشياء وجدانا ، وهيأ أسباب التنفس وآلاته ، حتى إن الإنسان يتنفس دائما بمقتضى طبعه من غير حاجة فيه إلى تكلف عمل ، وبعد الهواء الماء ، إلا أنه لما كانت الحاجة إلى الماء أقل من الحاجة إلى الهواء جعل تحصيل الماء أشق قليلا من تحصيل الهواء ، وبعد الماء الطعام ، ولما كانت الحاجة إلى الطعام أقل من الحاجة إلى الماء ، جعل تحصيل الطعام أشق من تحصيل الماء ، ثم تتفاوت الأطعمة في درجات الحاجة والعزة ، فكل ما كانت الحاجة إليه أشد كان وجدانه أسهل ، وكل ما كان وجدانه أعسر كانت الحاجة إليه أقل ، والجواهر لما كانت الحاجة إليها قليلة جدا ، لا جرم كانت عزيزة جدا ، فعلمنا أن كل شيء كانت الحاجة إليه أكثر كان وجدانه أسهل ، ولما كانت الحاجة إلى رحمة الله تعالى أشد من الحاجة إلى كل شيء فنرجو من
[ ص: 212 ] فضله أن يجعلها أسهل الأشياء وجدانا ، قال الشاعر :
سبحان من خص العزيز بعزه والناس مستغنون عن أجناسه وأذل أنفاس الهواء وكل ذي
نفس فمحتاج إلى أنفاسه
(
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=25لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ )
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=25لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ ) وَفِي تَفْسِيرِ الْبَيِّنَاتِ قَوْلَانِ :
الْأَوَّلُ : وَهُوَ قَوْلُ
مُقَاتِلِ بْنِ سُلَيْمَانَ : إِنَّهَا هِيَ الْمُعْجِزَةُ الظَّاهِرَةُ وَالدَّلَائِلُ الْقَاهِرَةُ .
وَالثَّانِي : وَهُوَ قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=17132مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ أَيْ
nindex.php?page=treesubj&link=28749أَرْسَلْنَاهُمْ بِالْأَعْمَالِ الَّتِي تَدْعُوهُمْ إِلَى طَاعَةِ اللَّهِ وَإِلَى الْإِعْرَاضِ عَنْ غَيْرِ اللَّهِ ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْوَجْهُ الصَّحِيحُ ؛ لِأَنَّ نُبُوَّتَهُمْ إِنَّمَا ثَبَتَتْ بِتِلْكَ الْمُعْجِزَاتِ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=25وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ ) .
وَاعْلَمْ أَنَّ نَظِيرَ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=17اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ ) [ الشُّورَى : 17 ] وَقَالَ :
[ ص: 210 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=7وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ ) وَهَهُنَا مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : فِي وَجْهِ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ الْكِتَابِ وَالْمِيزَانِ وَالْحَدِيدِ وُجُوهٌ :
أَحَدُهَا : وَهُوَ الَّذِي أَقُولُهُ : أَنَّ مَدَارَ التَّكْلِيفِ عَلَى أَمْرَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : فِعْلُ مَا يَنْبَغِي فِعْلُهُ .
وَالثَّانِي : تَرْكُ مَا يَنْبَغِي تَرْكُهُ ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَقْصُودُ بِالذَّاتِ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالذَّاتِ لَوْ كَانَ هُوَ التَّرْكُ لَوَجَبَ أَنْ لَا يُخْلَقَ أَحَدٌ ؛ لَأَنَّ التَّرْكَ كَانَ حَاصِلًا فِي الْأَزَلِ ، وَأَمَّا فِعْلُ مَا يَنْبَغِي فِعْلُهُ ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِالنَّفْيِ وَهُوَ الْمَعَارِفُ ، أَوْ بِالْبَدَنِ وَهُوَ أَعْمَالُ الْجَوَارِحِ ، فَالْكِتَابُ هُوَ الَّذِي يُتَوَسَّلُ بِهِ إِلَى فِعْلِ مَا يَنْبَغِي مِنَ الْأَفْعَالِ النَّفْسَانِيَّةِ لِأَنْ يَتَمَيَّزَ الْحَقُّ مِنَ الْبَاطِلِ وَالْحُجَّةُ مِنَ الشُّبْهَةِ ، وَالْمِيزَانُ هُوَ الَّذِي يُتَوَسَّلُ بِهِ إِلَى فِعْلِ مَا يَنْبَغِي مِنَ الْأَفْعَالِ الْبَدَنِيَّةِ ، فَإِنَّ مُعْظَمَ التَّكَالِيفِ الشَّاقَّةِ فِي الْأَعْمَالِ هُوَ مَا يَرْجِعُ إِلَى مُعَامَلَةِ الْخَلْقِ ، وَالْمِيزَانُ هُوَ الَّذِي يَتَمَيَّزُ بِهِ الْعَدْلُ عَنِ الظُّلْمِ وَالزَّائِدُ عَنِ النَّاقِصِ ، وَأَمَّا الْحَدِيدُ فَفِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ ، وَهُوَ زَاجِرٌ لِلْخَلْقِ عَمَّا لَا يَنْبَغِي ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْكِتَابَ إِشَارَةٌ إِلَى الْقُوَّةِ النَّظَرِيَّةِ ، وَالْمِيزَانَ إِلَى الْقُوَّةِ الْعَمَلِيَّةِ ، وَالْحَدِيدَ إِلَى دَفْعِ مَا لَا يَنْبَغِي ، وَلَمَّا كَانَ أَشْرَفُ الْأَقْسَامِ رِعَايَةَ الْمَصَالِحِ الرُّوحَانِيَّةِ ، ثُمَّ رِعَايَةَ الْمَصَالِحِ الْجُسْمَانِيَّةِ ، ثُمَّ الزَّجْرَ عَمَّا لَا يَنْبَغِي - رُوعِيَ هَذَا التَّرْتِيبُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ .
وَثَانِيهَا : الْمُعَامَلَةُ إِمَّا مَعَ الْخَالِقِ وَطَرِيقُهَا الْكِتَابُ ، أَوْ مَعَ الْخَلْقِ وَهُمْ : إِمَّا الْأَحْبَابُ وَالْمُعَامَلَةُ مَعَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ وَهِيَ بِالْمِيزَانِ ، أَوْ مَعَ الْأَعْدَاءِ وَالْمُعَامَلَةُ مَعَهُمْ بِالسَّيْفِ وَالْحَدِيدِ .
وَثَالِثُهَا : الْأَقْوَامُ ثَلَاثَةٌ : إِمَّا السَّابِقُونَ وَهُمْ يُعَامِلُونَ الْخَلْقَ بِمُقْتَضَى الْكِتَابِ ، فَيُنْصِفُونَ وَلَا يَنْتَصِفُونَ ، وَيَحْتَرِزُونَ عَنْ مَوَاقِعِ الشُّبُهَاتِ ، وَإِمَّا مُقْتَصِدُونَ وَهُمُ الَّذِينَ يُنْصِفُونَ وَيَنْتَصِفُونَ ، فَلَا بُدَّ لَهُمْ مِنَ الْمِيزَانِ ، وَإِمَّا ظَالِمُونَ وَهُمُ الَّذِينَ يَنْتَصِفُونَ وَلَا يُنْصِفُونَ ، وَلَا بُدَّ لَهُمْ مِنَ الْحَدِيدِ وَالزَّجْرِ .
وَرَابِعُهَا : الْإِنْسَانُ ، إِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي مَقَامِ الْحَقِيقَةِ وَهُوَ مَقَامُ النَّفْسِ الْمُطْمَئِنَّةِ وَمَقَامُ الْمُقَرَّبِينَ ، فَهَهُنَا لَا يَسْكُنُ إِلَّا إِلَى اللَّهِ ، وَلَا يَعْمَلُ إِلَّا بِكِتَابِ اللَّهِ ، كَمَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=28أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ) [ الرَّعْدِ : 28 ] وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي مَقَامِ الطَّرِيقَةِ وَهُوَ مَقَامُ النَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ، وَمَقَامُ أَصْحَابِ الْيَمِينِ ، فَلَا بُدَّ لَهُ مِنَ الْمِيزَانِ فِي مَعْرِفَةِ الْأَخْلَاقِ حَتَّى يَحْتَرِزَ عَنْ طَرَفَيِ الْإِفْرَاطِ وَالتَّفْرِيطِ ، وَيَبْقَى عَلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي مَقَامِ الشَّرِيعَةِ وَهُوَ مَقَامُ النَّفْسِ الْأَمَّارَةِ ، وَهَهُنَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْ حَدِيدِ الْمُجَاهَدَةِ وَالرِّيَاضَاتِ الشَّاقَّةِ .
وَخَامِسُهَا : الْإِنْسَانُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ صَاحِبَ الْمُكَاشَفَةِ وَالْوُصُولِ فَلَا أُنْسَ لَهُ إِلَّا بِالْكِتَابِ ، أَوْ صَاحِبَ الطَّلَبِ وَالِاسْتِدْلَالِ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ مِيزَانِ الدَّلِيلِ وَالْحُجَّةِ ، أَوْ صَاحِبَ الْعِنَادِ وَاللِّجَاجِ ، فَلَا بُدَّ وَأَنْ يُنْفَى مِنَ الْأَرْضِ بِالْحَدِيدِ .
وَسَادِسُهَا : أَنَّ الدِّينَ هُوَ إِمَّا الْأُصُولُ وَإِمَّا الْفُرُوعُ ، وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى : إِمَّا الْمَعَارِفُ وَإِمَّا الْأَعْمَالُ ، فَالْأُصُولُ مِنَ الْكِتَابِ ، وَأَمَّا الْفُرُوعُ : فَالْمَقْصُودُ الْأَفْعَالُ الَّتِي فِيهَا عَدْلُهُمْ وَمَصْلَحَتُهُمْ ، وَذَلِكَ بِالْمِيزَانِ ، فَإِنَّهُ إِشَارَةٌ إِلَى رِعَايَةِ الْعَدْلِ ، وَالْحَدِيدُ لِتَأْدِيبِ مَنْ تَرَكَ ذَيْنِكَ الطَّرِيقَيْنِ .
وَسَابِعُهَا : الْكِتَابُ إِشَارَةٌ إِلَى مَا ذَكَرَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ مِنَ الْأَحْكَامِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلْعَدْلِ وَالْإِنْصَافِ ، وَالْمِيزَانُ إِشَارَةٌ إِلَى حَمْلِ النَّاسِ عَلَى تِلْكَ الْأَحْكَامِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى الْعَدْلِ وَالْإِنْصَافِ ، وَهُوَ شَأْنُ الْمُلُوكِ ، وَالْحَدِيدُ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُمْ لَوْ تَمَرَّدُوا لَوَجَبَ أَنْ يُحْمَلُوا عَلَيْهِمَا بِالسَّيْفِ ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=18467مَرْتَبَةَ الْعُلَمَاءِ وَهُمْ أَرْبَابُ الْكِتَابِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى مَرْتَبَةِ الْمُلُوكِ الَّذِينَ هُمْ أَرْبَابُ السَّيْفِ ، وَوُجُوهُ الْمُنَاسَبَاتِ كَثِيرَةٌ ، وَفِيمَا ذَكَرْنَاهُ تَنْبِيهٌ عَلَى الْبَاقِي .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : ذَكَرُوا فِي إِنْزَالِ الْمِيزَانِ وَإِنْزَالِ الْحَدِيدِ قَوْلَيْنِ :
الْأَوَّلُ : أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْزَلَهُمَا مِنَ السَّمَاءِ ، رُوِيَ أَنَّ
جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ نَزَلَ بِالْمِيزَانِ فَدَفَعَهُ إِلَى
نُوحٍ ، وَقَالَ : مُرْ قَوْمَكَ يَزِنُوا بِهِ ، وَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ : نَزَلَ
آدَمُ مِنَ الْجَنَّةِ وَمَعَهُ خَمْسَةُ أَشْيَاءَ مِنَ الْحَدِيدِ : السَّنَدَانُ ، وَالْكَلْبَتَانُ ، وَالْمِقْمَعَةُ ، وَالْمِطْرَقَةُ ، وَالْإِبْرَةُ ، وَالْمِقْمَعَةُ مَا
[ ص: 211 ] يُحَدَّدُ بِهِ . وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا مَا رَوَى
ابْنُ عُمَرَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ : "
إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْزَلَ أَرْبَعَ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ : أَنْزَلَ الْحَدِيدَ وَالنَّارَ وَالْمَاءَ وَالْمِلْحَ " .
وَالْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّ مَعْنَى هَذَا الْإِنْزَالِ الْإِنْشَاءُ وَالتَّهْيِئَةُ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=6وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ ) [ الزُّمَرِ : 6 ] قَالَ
قُطْرُبٌ : " أَنْزَلْنَاهَا " أَيْ هَيَّأْنَاهَا ، مِنَ النُّزُلِ ، يُقَالُ : أُنْزِلَ الْأَمِيرُ عَلَى فُلَانٍ نُزُلًا حَسَنًا . وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : هَذَا مِنْ جِنْسِ قَوْلِهِ : عَلَفْتُهَا تِبْنًا وَمَاءً بَارِدًا ، وَأَكَلْتُ خُبْزًا وَلَبَنًا .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : ذُكِرَ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=18524مَنَافِعِ الْمِيزَانِ أَنْ يَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ، وَالْقِسْطُ وَالْإِقْسَاطُ هُوَ الْإِنْصَافُ ، وَهُوَ أَنْ تُعْطِيَ قِسْطَ غَيْرِكَ كَمَا تَأْخُذُ قِسْطَ نَفْسِكَ ، وَالْعَادِلُ مُقْسِطٌ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=42إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ) [ الْمَائِدَةِ : 42 ] وَأَمَّا الْحَدِيدُ فَفِيهِ الْبَأْسُ الشَّدِيدُ ، فَإِنَّ آلَاتِ الْحُرُوبِ مُتَّخَذَةٌ مِنْهُ ، وَفِيهِ أَيْضًا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ مِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=80وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ ) [ الْأَنْبِيَاءِ : 80 ] وَمِنْهَا أَنَّ مَصَالِحَ الْعَالَمِ إِمَّا أُصُولٌ ، وَإِمَّا فُرُوعٌ ، أَمَّا الْأُصُولُ فَأَرْبَعَةٌ : الزِّرَاعَةُ ، وَالْحِيَاكَةُ ، وَبِنَاءُ الْبُيُوتِ ، وَالسَّلْطَنَةُ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ مُضْطَرٌّ إِلَى طَعَامٍ يَأْكُلُهُ ، وَثَوْبٍ يَلْبَسُهُ ، وَبِنَاءٍ يَجْلِسُ فِيهِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=31825وَالْإِنْسَانُ مَدَنِيٌّ بِالطَّبْعِ ، فَلَا تَتِمُّ مَصْلَحَتُهُ إِلَّا عِنْدَ اجْتِمَاعِ جَمْعٍ مِنْ أَبْنَاءِ جِنْسِهِ يَشْتَغِلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِمُهِمٍّ خَاصٍّ ، فَحِينَئِذٍ يَنْتَظِمُ مِنَ الْكُلِّ مَصَالِحُ الْكُلِّ ، وَذَلِكَ الِانْتِظَامُ لَا بُدَّ وَأَنْ يُفْضِيَ إِلَى الْمُزَاحَمَةِ ، وَلَا بُدَّ مِنْ شَخْصٍ يَدْفَعُ ضَرَرَ الْبَعْضِ عَنِ الْبَعْضِ ، وَذَلِكَ هُوَ السُّلْطَانُ ، فَثَبَتَ أَنَّهُ لَا تَنْتَظِمُ مَصْلَحَةُ الْعَالَمِ إِلَّا بِهَذِهِ الْحُرُوفِ الْأَرْبَعَةِ ، أَمَّا الزِّرَاعَةُ فَمُحْتَاجَةٌ إِلَى الْحَدِيدِ ، وَذَلِكَ فِي كُرَبِ الْأَرَاضِي وَحَفْرِهَا ، ثُمَّ عِنْدَ تَكَوُّنِ هَذِهِ الْحُبُوبِ وَتَوَلُّدِهَا لَا بُدَّ مِنْ خَبْزِهَا وَتَنْقِيَتِهَا ، وَذَلِكَ لَا يَتِمُّ إِلَّا بِالْحَدِيدِ ، ثُمَّ الْحُبُوبُ لَا بُدَّ مِنْ طَحْنِهَا ، وَذَلِكَ لَا يَتِمُّ إِلَّا بِالْحَدِيدِ ، ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ خَبْزِهَا ، وَلَا يَتِمُّ إِلَّا بِالنَّارِ ، وَلَا بُدَّ مِنَ الْمِقْدَحَةِ الْحَدِيدِيَّةِ ، وَأَمَّا الْفَوَاكِهُ فَلَا بُدَّ مِنْ تَنْظِيفِهَا عَنْ قُشُورِهَا ، وَقَطْعِهَا عَلَى الْوُجُوهِ الْمُوَافِقَةِ لِلْأَكْلِ ، وَلَا يَتِمُّ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَدِيدِ ، وَأَمَّا الْحِيَاكَةُ فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ يَحْتَاجُ فِي آلَاتِ الْحِيَاكَةِ إِلَى الْحَدِيدِ ، ثُمَّ يَحْتَاجُ فِي قَطْعِ الثِّيَابِ وَخِيَاطَتِهَا إِلَى الْحَدِيدِ ، وَأَمَّا الْبِنَاءُ فَمَعْلُومٌ أَنَّ كَمَالَ الْحَالِ فِيهِ لَا يَحْصُلُ إِلَّا بِالْحَدِيدِ ، وَأَمَّا أَسْبَابُ السَّلْطَنَةِ فَمَعْلُومٌ أَنَّهَا لَا تَتِمُّ وَلَا تَكْمُلُ إِلَّا بِالْحَدِيدِ ، وَعِنْدَ هَذَا يَظْهَرُ أَنَّ أَكْثَرَ مَصَالِحِ الْعَالَمِ لَا تَتِمُّ إِلَّا بِالْحَدِيدِ ، وَيَظْهَرُ أَيْضًا أَنَّ الذَّهَبَ لَا يَقُومُ مَقَامَ الْحَدِيدِ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْمَصَالِحِ ، فَلَوْ لَمْ يُوجَدِ الذَّهَبُ فِي الدُّنْيَا مَا كَانَ يَخْتَلُّ شَيْءٌ مِنْ مَصَالِحِ الدُّنْيَا ، وَلَوْ لَمْ يُوجَدِ الْحَدِيدُ لَاخْتَلَّ جَمِيعُ مَصَالِحِ الدُّنْيَا ، ثُمَّ إِنَّ الْحَدِيدَ لَمَّا كَانَتِ الْحَاجَةُ إِلَيْهِ شَدِيدَةً جَعَلَهُ سَهْلَ الْوِجْدَانِ ، كَثِيرَ الْوُجُودِ ، وَالذَّهَبُ لَمَّا قَلَّتِ الْحَاجَةُ إِلَيْهِ جَعَلَهُ عَزِيزَ الْوُجُودِ ، وَعِنْدَ هَذَا يَظْهَرُ
nindex.php?page=treesubj&link=29703_32415أَثَرُ جُودِ اللَّهِ تَعَالَى وَرَحْمَتِهِ عَلَى عَبِيدِهِ ، فَإِنَّ كُلَّ مَا كَانَتْ حَاجَتُهُمْ إِلَيْهِ أَكْثَرَ جَعَلَ وِجْدَانَهُ أَسْهَلَ ؛ وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ : إِنَّ أَعْظَمَ الْأُمُورِ حَاجَةً إِلَيْهِ هُوَ الْهَوَاءُ ، فَإِنَّهُ لَوِ انْقَطَعَ وُصُولُهُ إِلَى الْقَلْبِ لَحْظَةً لَمَاتَ الْإِنْسَانُ فِي الْحَالِ ، فَلَا جَرَمَ جَعَلَهُ اللَّهُ أَسْهَلَ الْأَشْيَاءِ وِجْدَانًا ، وَهَيَّأَ أَسْبَابَ التَّنَفُّسِ وَآلَاتِهِ ، حَتَّى إِنَّ الْإِنْسَانَ يَتَنَفَّسُ دَائِمًا بِمُقْتَضَى طَبْعِهِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ فِيهِ إِلَى تَكَلُّفِ عَمَلٍ ، وَبَعْدَ الْهَوَاءِ الْمَاءُ ، إِلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَتِ الْحَاجَةُ إِلَى الْمَاءِ أَقَلَّ مِنَ الْحَاجَةِ إِلَى الْهَوَاءِ جَعَلَ تَحْصِيلَ الْمَاءِ أَشَقَّ قَلِيلًا مِنْ تَحْصِيلِ الْهَوَاءِ ، وَبَعْدَ الْمَاءِ الطَّعَامُ ، وَلَمَّا كَانَتِ الْحَاجَةُ إِلَى الطَّعَامِ أَقَلَّ مِنَ الْحَاجَةِ إِلَى الْمَاءِ ، جَعَلَ تَحْصِيلَ الطَّعَامِ أَشَقَّ مِنْ تَحْصِيلِ الْمَاءِ ، ثُمَّ تَتَفَاوَتُ الْأَطْعِمَةُ فِي دَرَجَاتِ الْحَاجَةِ وَالْعِزَّةِ ، فَكُلُّ مَا كَانَتِ الْحَاجَةُ إِلَيْهِ أَشَدَّ كَانَ وِجْدَانُهُ أَسْهَلَ ، وَكُلُّ مَا كَانَ وِجْدَانُهُ أَعْسَرَ كَانَتِ الْحَاجَةُ إِلَيْهِ أَقَلَّ ، وَالْجَوَاهِرُ لَمَّا كَانَتِ الْحَاجَةُ إِلَيْهَا قَلِيلَةً جِدًّا ، لَا جَرَمَ كَانَتْ عَزِيزَةً جِدًّا ، فَعَلِمْنَا أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ كَانَتِ الْحَاجَةُ إِلَيْهِ أَكْثَرَ كَانَ وِجْدَانُهُ أَسْهَلَ ، وَلَمَّا كَانَتِ الْحَاجَةُ إِلَى رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى أَشَدَّ مِنَ الْحَاجَةِ إِلَى كُلِّ شَيْءٍ فَنَرْجُو مِنْ
[ ص: 212 ] فَضْلِهِ أَنْ يَجْعَلَهَا أَسْهَلَ الْأَشْيَاءِ وِجْدَانًا ، قَالَ الشَّاعِرُ :
سُبْحَانَ مَنْ خَصَّ الْعَزِيزَ بِعِزِّهِ وَالنَّاسُ مُسْتَغْنُونَ عَنْ أَجْنَاسِهِ وَأَذَلَّ أَنْفَاسَ الْهَوَاءِ وَكُلُّ ذِي
نَفْسٍ فَمُحْتَاجٌ إِلَى أَنْفَاسِهِ