(
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=5ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزي الفاسقين nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=6وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ولكن الله يسلط رسله على من يشاء والله على كل شيء قدير ) قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=5ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزي الفاسقين ) فيه مسائل :
المسألة الأولى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=5من لينة ) بيان لما قطعتم ، ومحل "ما" نصب بـ"قطعتم" ، كأنه قال : أي شيء قطعتم ، وأنث الضمير الراجع إلى " ما " في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=5أو تركتموها ) لأنه في معنى اللينة .
المسألة الثانية : قال
أبو عبيدة : اللينة : النخلة ما لم تكن عجوة أو برنية ، وأصل لينة لونة ، فذهبت الواو لكسرة اللام ، وجمعها ألوان ، وهي النخل كله سوى البرني والعجوة ، وقال بعضهم : اللينة النخلة الكريمة ، كأنهم اشتقوها من اللين ، وجمعها لين ، فإن قيل : لم خصت اللينة بالقطع ؟ قلنا : إن كانت من الألوان فليستبقوا لأنفسهم العجوة والبرنية ، وإن كانت من كرام النخل فليكون غيظ
اليهود أشد .
المسألة الثالثة : قال صاحب الكشاف : قرئ " قوما على أصلها " وفيه وجهان :
أحدهما : أنه جمع أصل ؛ كرهن ورهن ، واكتفي فيه بالضمة عن الواو ، وقرئ " قائما على أصوله " ، ذهابا إلى لفظ "ما" ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=5فبإذن الله ) أي : قطعها بإذن الله وبأمره (
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=5وليخزي الفاسقين ) أي : ولأجل إخزاء الفاسقين ، أي
اليهود ، أذن الله في قطعها .
المسألة الرابعة : روي أنه عليه الصلاة والسلام حين أمر أن يقطع نخلهم ويحرق ، قالوا : يا
محمد قد كنت تنهى عن الفساد في الأرض فما بال
nindex.php?page=treesubj&link=30866قطع النخل وتحريقها ؟ وكان في أنفس المؤمنين من ذلك شيء ، فنزلت هذه الآية ، والمعنى : أن الله إنما أذن في ذلك حتى يزداد غيظ الكفار ، وتتضاعف حسرتهم بسبب نفاذ
[ ص: 247 ] حكم أعدائهم في أعز أموالهم .
المسألة الخامسة : احتج العلماء بهذه الآية على أن
nindex.php?page=treesubj&link=30866_30867_8366حصون الكفرة وديارهم لا بأس أن تهدم وتحرق وتغرق وترمى بالمجانيق ، وكذلك أشجارهم لا بأس بقلعها مثمرة كانت أو غير مثمرة ، وعن
ابن مسعود : قطعوا منها ما كان موضعا للقتال .
المسألة السادسة : روي أن رجلين كانا يقطعان ، أحدهما العجوة والآخر اللون ، فسألهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال هذا : تركتها لرسول الله ، وقال هذا : قطعتها غيظا للكفار ، فاستدلوا به على
nindex.php?page=treesubj&link=22239_22272جواز الاجتهاد ، وعلى جوازه بحضرة الرسول .
قوله تعالى (
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=6وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ولكن الله يسلط رسله على من يشاء والله على كل شيء قدير )
قال
nindex.php?page=showalam&ids=15153المبرد : يقال : فاء يفيء ، إذا رجع ، وأفاءه الله إذا رده ، وقال
الأزهري : الفيء ما رده الله على أهل دينه من أموال من خالف أهل دينه بلا قتال ، إما بأن يجلوا عن أوطانهم ويخلوها للمسلمين ، أو يصالحوا على جزية يؤدونها عن رءوسهم ، أو مال غير الجزية يفتدون به من سفك دمائهم ، كما فعله
بنو النضير حين صالحوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن لكل ثلاثة منهم حمل بعير مما شاءوا سوى السلاح ، ويتركوا الباقي ، فهذا المال هو
nindex.php?page=treesubj&link=8571_30869الفيء ، وهو ما أفاء الله على المسلمين ، أي رده من الكفار إلى المسلمين ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=6منهم ) أي من
يهود بني النضير . وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=6فما أوجفتم ) يقال : وجف الفرس والبعير يجف وجفا ووجيفا ، وهو سرعة السير ، وأوجفه صاحبه إذا حمله على السير السريع . وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=6عليه ) أي على ما أفاء الله . وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=6من خيل ولا ركاب ) الركاب ما يركب من الإبل ، واحدتها راحلة ، ولا واحد لها من لفظها ، والعرب لا يطلقون لفظ الراكب إلا على راكب البعير ، ويسمون راكب الفرس فارسا .
ومعنى الآية أن الصحابة طلبوا من الرسول عليه الصلاة والسلام أن يقسم الفيء بينهم كما قسم الغنيمة بينهم ، فذكر الله الفرق بين الأمرين ، وهو أن الغنيمة ما أتعبتم أنفسكم في تحصيلها وأوجفتم عليها الخيل والركاب ، بخلاف الفيء فإنكم ما تحملتم في تحصيله تعبا ، فكان الأمر فيه مفوضا إلى الرسول يضعه حيث يشاء .
ثم ههنا سؤال : وهو أن أموال
بني النضير أخذت بعد القتال لأنهم حوصروا أياما ، وقاتلوا وقتلوا ثم صالحوا على الجلاء . فوجب أن تكون تلك الأموال من جملة الغنيمة لا من جملة الفيء ، ولأجل هذا السؤال ذكر المفسرون ههنا وجهين :
الأول : أن هذه الآية ما نزلت في قرى
بني النضير ؛ لأنهم أوجفوا عليهم بالخيل والركاب ، وحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون ، بل هو في
فدك ، وذلك لأن
أهل فدك انجلوا عنه فصارت تلك القرى والأموال في يد الرسول عليه السلام من غير حرب ، فكان عليه الصلاة والسلام يأخذ من غلة
فدك نفقته ونفقة من يعوله ، ويجعل الباقي في السلاح والكراع ، فلما مات ادعت
فاطمة عليها السلام أنه كان ينحلها فدك ، فقال
أبو بكر : أنت أعز الناس علي فقرا ، وأحبهم إلي غنى ، لكني لا أعرف صحة قولك ، ولا يجوز أن أحكم بذلك ، فشهد لها
nindex.php?page=showalam&ids=11406أم أيمن ومولى للرسول عليه السلام ، فطلب منها
أبو بكر الشاهد الذي يجوز قبول شهادته في الشرع فلم يكن ، فأجرى
أبو بكر ذلك على ما كان يجريه الرسول صلى الله عليه وسلم ، ينفق منه على من كان ينفق عليه الرسول ، ويجعل ما يبقى في السلاح والكراع ، وكذلك
عمر جعله في يد علي ليجريه على هذا المجرى ، ورد ذلك في آخر عهد
عمر إلى
عمر ، وقال : إن بنا غنى ، وبالمسلمين حاجة إليه ، وكان
عثمان [ ص: 248 ] رضي الله عنه يجريه كذلك ، ثم صار إلى
علي فكان يجريه هذا المجرى ، فالأئمة الأربعة اتفقوا على ذلك .
والقول الثاني : إن هذه الآية نزلت في
بني النضير وقراهم ، وليس للمسلمين يومئذ كثير خيل ولا ركاب ، ولم يقطعوا إليها مسافة كثيرة ، وإنما كانوا على ميلين من
المدينة فمشوا إليها مشيا ، ولم يركب إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان راكب جمل ، فلما كانت المقاتلة قليلة والخيل والركب غير حاصل ، أجراه الله تعالى مجرى ما لم يحصل فيه المقاتلة أصلا ، فخص رسول الله صلى الله عليه وسلم بتلك الأموال ، ثم روي أنه قسمها بين
المهاجرين ، ولم يعط
الأنصار منها شيئا إلا ثلاثة نفر كانت بهم حاجة ، وهم :
nindex.php?page=showalam&ids=262أبو دجانة ،
وسهل بن حنيف ،
والحارث بن الصمة .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=5مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=6وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=5مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ ) فِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأَوْلَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=5مِنْ لِينَةٍ ) بَيَانٌ لِمَا قَطَعْتُمْ ، وَمَحَلُّ "مَا" نُصِبَ بِـ"قَطَعْتُمْ" ، كَأَنَّهُ قَالَ : أَيُّ شَيْءٍ قَطَعْتُمْ ، وَأَنَّثَ الضَّمِيرَ الرَّاجِعَ إِلَى " مَا " فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=5أَوْ تَرَكْتُمُوهَا ) لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى اللِّينَةِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : قَالَ
أَبُو عُبَيْدَةَ : اللِّينَةُ : النَّخْلَةُ مَا لَمْ تَكُنْ عَجْوَةً أَوْ بَرْنِيَّةً ، وَأَصْلُ لِينَةٍ لِوْنَةٌ ، فَذَهَبَتِ الْوَاوُ لِكَسْرَةِ اللَّامِ ، وَجَمْعُهَا أَلْوَانٌ ، وَهِيَ النَّخْلُ كُلُّهُ سِوَى الْبَرْنِيِّ وَالْعَجْوَةِ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : اللِّينَةُ النَّخْلَةُ الْكَرِيمَةُ ، كَأَنَّهُمُ اشْتَقُّوهَا مِنَ اللِّينِ ، وَجَمْعُهَا لِينٌ ، فَإِنْ قِيلَ : لِمَ خُصَّتِ اللِّينَةُ بِالْقَطْعِ ؟ قُلْنَا : إِنْ كَانَتْ مِنَ الْأَلْوَانِ فَلْيَسْتَبْقُوا لِأَنْفُسِهِمُ الْعَجْوَةَ وَالْبَرْنِيَّةَ ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ كِرَامِ النَّخْلِ فَلِيَكُونَ غَيْظُ
الْيَهُودِ أَشَدَّ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : قَالَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ : قُرِئَ " قَوْمًا عَلَى أُصُلِهَا " وَفِيهِ وَجْهَانِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ جَمْعُ أَصْلٍ ؛ كَرَهْنٍ وَرُهُنٍ ، وَاكْتُفِيَ فِيهِ بِالضَّمَّةِ عَنِ الْوَاوِ ، وَقُرِئَ " قَائِمًا عَلَى أُصُولِهِ " ، ذَهَابًا إِلَى لَفْظِ "مَا" ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=5فَبِإِذْنِ اللَّهِ ) أَيْ : قَطْعُهَا بِإِذْنِ اللَّهِ وَبِأَمْرِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=5وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ ) أَيْ : وَلِأَجْلِ إِخْزَاءِ الْفَاسِقِينَ ، أَيِ
الْيَهُودِ ، أَذِنَ اللَّهُ فِي قَطْعِهَا .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ حِينَ أَمَرَ أَنْ يُقْطَعَ نَخْلُهُمْ وَيُحْرَقُ ، قَالُوا : يَا
مُحَمَّدُ قَدْ كُنْتَ تَنْهَى عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ فَمَا بَالُ
nindex.php?page=treesubj&link=30866قَطْعِ النَّخْلِ وَتَحْرِيقِهَا ؟ وَكَانَ فِي أَنْفُسِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ، وَالْمَعْنَى : أَنَّ اللَّهَ إِنَّمَا أَذِنَ فِي ذَلِكَ حَتَّى يَزْدَادَ غَيْظُ الْكُفَّارِ ، وَتَتَضَاعَفَ حَسْرَتُهُمْ بِسَبَبِ نَفَاذِ
[ ص: 247 ] حُكْمِ أَعْدَائِهِمْ فِي أَعَزِّ أَمْوَالِهِمْ .
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ : احْتَجَّ الْعُلَمَاءُ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30866_30867_8366حُصُونَ الْكَفَرَةِ وَدِيَارَهُمْ لَا بَأْسَ أَنْ تُهْدَمَ وَتُحْرَقَ وَتُغْرَقَ وَتُرْمَى بِالْمَجَانِيقِ ، وَكَذَلِكَ أَشْجَارُهُمْ لَا بَأْسَ بِقَلْعِهَا مُثْمِرَةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَ مُثْمِرَةٍ ، وَعَنِ
ابْنِ مَسْعُودٍ : قَطَعُوا مِنْهَا مَا كَانَ مَوْضِعًا لِلْقِتَالِ .
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ : رُوِيَ أَنَّ رَجُلَيْنِ كَانَا يَقْطَعَانِ ، أَحَدُهُمَا الْعَجْوَةَ وَالْآخَرُ اللَّوْنَ ، فَسَأَلَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ هَذَا : تَرَكْتُهَا لِرَسُولِ اللَّهِ ، وَقَالَ هَذَا : قَطَعْتُهَا غَيْظًا لِلْكَفَّارِ ، فَاسْتَدَلُّوا بِهِ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=22239_22272جَوَازِ الِاجْتِهَادِ ، وَعَلَى جَوَازِهِ بِحَضْرَةِ الرَّسُولِ .
قَوْلُهُ تَعَالَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=6وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15153الْمُبَرِّدُ : يُقَالُ : فَاءَ يَفِيءُ ، إِذَا رَجَعَ ، وَأَفَاءَهُ اللَّهُ إِذَا رَدَّهُ ، وَقَالَ
الْأَزْهَرِيُّ : الْفَيْءُ مَا رَدَّهُ اللَّهُ عَلَى أَهْلِ دِينِهِ مِنْ أَمْوَالِ مَنْ خَالَفَ أَهْلَ دِينِهِ بِلَا قِتَالٍ ، إِمَّا بِأَنْ يُجْلَوْا عَنْ أَوْطَانِهِمْ وَيُخَلُّوهَا لِلْمُسْلِمِينَ ، أَوْ يُصَالَحُوا عَلَى جِزْيَةٍ يُؤَدُّونَهَا عَنْ رُءُوسِهِمْ ، أَوْ مَالٍ غَيْرِ الْجِزْيَةِ يَفْتَدُونَ بِهِ مِنْ سَفْكِ دِمَائِهِمْ ، كَمَا فَعَلَهُ
بَنُو النَّضِيرِ حِينَ صَالَحُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنَّ لِكُلِّ ثَلَاثَةٍ مِنْهُمْ حِمْلَ بِعِيرٍ مِمَّا شَاءُوا سِوَى السِّلَاحِ ، وَيَتْرُكُوا الْبَاقِيَ ، فَهَذَا الْمَالُ هُوَ
nindex.php?page=treesubj&link=8571_30869الْفَيْءُ ، وَهُوَ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ ، أَيْ رَدَّهُ مِنَ الْكُفَّارِ إِلَى الْمُسْلِمِينَ ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=6مِنْهُمْ ) أَيْ مِنْ
يَهُودِ بَنِي النَّضِيرِ . وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=6فَمَا أَوْجَفْتُمْ ) يُقَالُ : وَجَفَ الْفَرَسُ وَالْبَعِيرُ يَجِفُ وَجْفًا وَوَجِيفًا ، وَهُوَ سُرْعَةُ السَّيْرِ ، وَأَوْجَفَهُ صَاحِبُهُ إِذَا حَمَلَهُ عَلَى السَّيْرِ السَّرِيعِ . وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=6عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى مَا أَفَاءَ اللَّهُ . وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=6مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ ) الرِّكَابُ مَا يُرْكَبُ مِنَ الْإِبِلِ ، وَاحِدَتُهَا رَاحِلَةٌ ، وَلَا وَاحِدَ لَهَا مِنْ لَفْظِهَا ، وَالْعَرَبُ لَا يُطْلِقُونَ لَفْظَ الرَّاكِبِ إِلَّا عَلَى رَاكِبِ الْبَعِيرِ ، وَيُسَمُّونَ رَاكِبَ الْفَرَسِ فَارِسًا .
وَمَعْنَى الْآيَةِ أَنَّ الصَّحَابَةَ طَلَبُوا مِنَ الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنْ يُقَسِّمَ الْفَيْءَ بَيْنَهُمْ كَمَا قَسَّمَ الْغَنِيمَةَ بَيْنَهُمْ ، فَذَكَرَ اللَّهُ الْفَرْقَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ ، وَهُوَ أَنَّ الْغَنِيمَةَ مَا أَتْعَبْتُمْ أَنْفُسَكُمْ فِي تَحْصِيلِهَا وَأَوْجَفْتُمْ عَلَيْهَا الْخَيْلَ وَالرِّكَابَ ، بِخِلَافِ الْفَيْءِ فَإِنَّكُمْ مَا تَحَمَّلْتُمْ فِي تَحْصِيلِهِ تَعَبًا ، فَكَانَ الْأَمْرُ فِيهِ مُفَوَّضًا إِلَى الرَّسُولِ يَضَعُهُ حَيْثُ يَشَاءُ .
ثُمَّ هَهُنَا سُؤَالٌ : وَهُوَ أَنَّ أَمْوَالَ
بَنِي النَّضِيرِ أُخِذَتْ بَعْدَ الْقِتَالِ لِأَنَّهُمْ حُوصِرُوا أَيَّامًا ، وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا ثُمَّ صَالَحُوا عَلَى الْجَلَاءِ . فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الْأَمْوَالُ مِنْ جُمْلَةِ الْغَنِيمَةِ لَا مِنْ جُمْلَةِ الْفَيْءِ ، وَلِأَجْلِ هَذَا السُّؤَالِ ذَكَرَ الْمُفَسِّرُونَ هَهُنَا وَجْهَيْنِ :
الْأَوَّلُ : أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَا نَزَلَتْ فِي قُرَى
بَنِي النَّضِيرِ ؛ لِأَنَّهُمْ أَوْجَفُوا عَلَيْهِمْ بِالْخَيْلِ وَالرِّكَابِ ، وَحَاصَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمُونَ ، بَلْ هُوَ فِي
فَدَكَ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ
أَهْلَ فَدَكَ انْجَلَوْا عَنْهُ فَصَارَتْ تِلْكَ الْقُرَى وَالْأَمْوَالُ فِي يَدِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ غَيْرِ حَرْبٍ ، فَكَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يَأْخُذُ مِنْ غَلَّةِ
فَدَكَ نَفَقَتَهُ وَنَفَقَةَ مَنْ يَعُولُهُ ، وَيَجْعَلُ الْبَاقِيَ فِي السِّلَاحِ وَالْكُرَاعِ ، فَلَمَّا مَاتَ ادَّعَتْ
فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلَامُ أَنَّهُ كَانَ يَنْحَلُهَا فَدَكَ ، فَقَالَ
أَبُو بَكْرٍ : أَنْتِ أَعَزُّ النَّاسِ عَلَيَّ فَقْرًا ، وَأَحَبُّهُمْ إِلَيَّ غِنًى ، لَكِنِّي لَا أَعْرِفُ صِحَّةَ قَوْلِكِ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ أَحْكُمَ بِذَلِكَ ، فَشَهِدَ لَهَا
nindex.php?page=showalam&ids=11406أَمُّ أَيْمَنَ وَمَوْلًى لِلرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، فَطَلَبَ مِنْهَا
أَبُو بَكْرٍ الشَّاهِدَ الَّذِي يَجُوزُ قَبُولُ شَهَادَتُهُ فِي الشَّرْعِ فَلَمْ يَكُنْ ، فَأَجْرَى
أَبُو بَكْرٍ ذَلِكَ عَلَى مَا كَانَ يُجْرِيهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يُنْفِقُ مِنْهُ عَلَى مَنْ كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ الرَّسُولُ ، وَيَجْعَلُ مَا يَبْقَى فِي السِّلَاحِ وَالْكُرَاعِ ، وَكَذَلِكَ
عُمَرُ جَعَلَهُ فِي يَدِ عَلِيٍّ لِيُجْرِيَهُ عَلَى هَذَا الْمَجْرَى ، وَرَدَّ ذَلِكَ فِي آخِرِ عَهْدِ
عُمَرَ إِلَى
عُمَرَ ، وَقَالَ : إِنَّ بِنَا غِنًى ، وَبِالْمُسْلِمِينَ حَاجَةٌ إِلَيْهِ ، وَكَانَ
عُثْمَانُ [ ص: 248 ] رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُجْرِيهِ كَذَلِكَ ، ثُمَّ صَارَ إِلَى
عَلِيٍّ فَكَانَ يُجْرِيهِ هَذَا الْمَجْرَى ، فَالْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ اتَّفَقُوا عَلَى ذَلِكَ .
وَالْقَوْلُ الثَّانِي : إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي
بَنِي النَّضِيرِ وَقُرَاهُمْ ، وَلَيْسَ لِلْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ كَثِيرُ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ ، وَلَمْ يَقْطَعُوا إِلَيْهَا مَسَافَةً كَثِيرَةً ، وَإِنَّمَا كَانُوا عَلَى مِيلَيْنِ مِنَ
الْمَدِينَةِ فَمَشَوْا إِلَيْهَا مَشْيًا ، وَلَمْ يَرْكَبْ إِلَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ رَاكِبَ جَمَلٍ ، فَلَمَّا كَانَتِ الْمُقَاتَلَةُ قَلِيلَةً وَالْخَيْلُ وَالرَّكْبُ غَيْرَ حَاصِلٍ ، أَجْرَاهُ اللَّهُ تَعَالَى مَجْرَى مَا لَمْ يَحْصُلْ فِيهِ الْمُقَاتَلَةُ أَصْلًا ، فَخَصَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتِلْكَ الْأَمْوَالِ ، ثُمَّ رُوِيَ أَنَّهُ قَسَّمَهَا بَيْنَ
الْمُهَاجِرِينَ ، وَلَمْ يُعْطِ
الْأَنْصَارَ مِنْهَا شَيْئًا إِلَّا ثَلَاثَةَ نَفَرٍ كَانَتْ بِهِمْ حَاجَةٌ ، وَهُمْ :
nindex.php?page=showalam&ids=262أَبُو دُجَانَةَ ،
وَسَهْلُ بْنُ حَنِيفٍ ،
وَالْحَارِثُ بْنُ الصِّمَّةِ .