[ ص: 254 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=20لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=21لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=22هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=23هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار )
(
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=20لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون )
واعلم أن التفاوت بين هذين الفريقين معلوم بالضرورة ، فذكر هذا الفرق في مثل هذا الموضع يكون الغرض منه التنبيه على عظم ذلك الفرق ، وفيه مسألتان :
المسألة الأولى :
المعتزلة احتجوا على أن
nindex.php?page=treesubj&link=30394_28652صاحب الكبيرة لا يدخل الجنة ؛ لأن الآية دلت على أن أصحاب النار وأصحاب الجنة لا يستويان ، فلو دخل صاحب الكبيرة في الجنة لكان أصحاب النار وأصحاب الجنة يستويان ، وهو غير جائز ، وجوابه معلوم .
المسألة الثانية : احتج أصحابنا بهذه الآية على أن
nindex.php?page=treesubj&link=9163المسلم لا يقتل بالذمي ، وقد بينا وجهه في الخلافيات .
ثم إنه تعالى لما شرح هذه البيانات عظم أمر القرآن فقال :
(
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=21nindex.php?page=treesubj&link=29568_29030_18648_28902لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله ) والمعنى أنه لو جعل في الجبل عقل كما جعل فيكم ، ثم أنزل عليه القرآن لخشع وخضع وتشقق من خشية الله .
ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=21وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون ) أي الغرض من ذكر هذا الكلام التنبيه على قساوة قلوب هؤلاء الكفار وغلظ طباعهم ، ونظير قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=74ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة ) [ البقرة : 74 ] واعلم أنه لما وصف القرآن بالعظم ، ومعلوم أن عظم الصفة تابع لعظم الموصوف ، أتبع ذلك بشرح عظمة الله فقال :
(
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=22nindex.php?page=treesubj&link=29030_29692_29693_28723هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم ) وقيل : السر والعلانية ، وقيل : الدنيا والآخرة .
اعلم أنه تعالى قدم الغيب على الشهادة في اللفظ وفيه سر عقلي ، أما المفسرون فذكروا أقوالا في الغيب والشهادة ، فقيل : الغيب المعدوم ، والشهادة الموجود ، ما غاب عن العباد وما شاهدوه .
ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=23هو الله الذي لا إله إلا هو الملك ) وكل ذلك قد تقدم تفسيره .
ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=23القدوس ) قرئ بالضم والفتح ، وهو البليغ في النزاهة في الذات والصفات والأفعال والأحكام والأسماء ، وقد شرحناه في أول سورة الحديد ، ومضى شيء منه في تفسير قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=30ونقدس لك ) [ البقرة : 30 ] وقال
الحسن : إنه الذي كثرت بركاته .
[ ص: 255 ] وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=23السلام ) فيه وجهان :
الأول : أنه بمعنى السلامة ، ومنه دار السلام ، وسلام عليكم . وصف به مبالغة في كونه سليما من النقائص ، كما يقال : رجاء ، وغياث ، وعدل . فإن قيل : فعلى هذا التفسير لا يبقى بين القدوس وبين السلام فرق ، والتكرار خلاف الأصل ؟
قلنا : كونه قدوسا إشارة إلى براءته عن جميع العيوب في الماضي والحاضر ، وكونه سليما إشارة إلى أنه لا يطرأ عليه شيء من العيوب في الزمان المستقبل ، فإن الذي يطرأ عليه شيء من العيوب ، فإنه تزول سلامته ، ولا يبقى سليما .
الثاني : أنه سلام بمعنى كونه موجبا للسلامة .
وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=23المؤمن ) فيه وجهان :
الأول : أنه الذي آمن أولياءه عذابه ، يقال : آمنه يؤمنه ، فهو مؤمن .
والثاني : أنه المصدق ، إما على معنى أنه يصدق أنبياءه بإظهار المعجزة لهم ، أو لأجل أن أمة
محمد صلى الله عليه وسلم يشهدون لسائر الأنبياء ، كما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=143لتكونوا شهداء على الناس ) [ البقرة : 143 ] ثم إن الله يصدقهم في تلك الشهادة ، وقرئ بفتح الميم ، يعني المؤمن به ؛ على حذف الجار كما حذف في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=155واختار موسى قومه ) [ الأعراف : 155 ] .
وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=23المهيمن ) قالوا : معناه الشاهد الذي لا يغيب عنه شيء . ثم في أصله قولان ، قال
الخليل وأبو عبيدة : هيمن ، يهيمن ، فهو مهيمن ، إذا كان رقيبا على الشيء .
وقال آخرون : مهيمن أصله مؤيمن ، من آمن يؤمن ، فيكون بمعنى المؤمن ، وقد تقدم استقصاؤه عند قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=48ومهيمنا عليه ) [ المائدة : 48 ] وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12590ابن الأنباري : المهيمن القائم على خلقه برزقه ، وأنشد :
ألا إن خير الناس بعد نبيه مهيمنه التاليه في العرف والنكر
قال : معناه : القائم على الناس بعده .
وأما (
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=23العزيز ) فهو إما الذي لا يوجد له نظير ، وإما الغالب القاهر .
وأما (
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=23الجبار ) ففيه وجوه :
أحدها : أنه فعال من جبر إذا أغنى الفقير ، وأصلح الكسير . قال
الأزهري : وهو لعمري جابر كل كسير وفقير ، وهو جابر دينه الذي ارتضاه ، قال
العجاج :
قد جبر الدين الإله فجبر
والثاني : أن يكون الجبار من : جبره على كذا ، إذا أكرهه على ما أراده ، قال
السدي : إنه الذي يقهر الناس ويجبرهم على ما أراده . قال
الأزهري : هي لغة
تميم ، وكثير من الحجازيين يقولونها ، وكان
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي يقول : جبره السلطان على كذا بغير ألف . وجعل
الفراء الجبار بهذا المعنى من أجبره ، وهي اللغة المعروفة في الإكراه ، فقال : لم أسمع فعالا من أفعل إلا في حرفين وهما جبار من أجبر ، ودراك من أدرك ، وعلى هذا القول الجبار هو القهار .
الثالث : قال
nindex.php?page=showalam&ids=12590ابن الأنباري : الجبار في صفة الله الذي لا ينال ، ومنه قيل للنخلة التي فاتت يد المتناول : جبارة .
الرابع : قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : الجبار هو الملك العظيم . قال
الواحدي : هذا الذي ذكرناه من معاني الجبار في صفة الله ، وللجبار معان في صفة الخلق :
أحدها : المسلط كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=45وما أنت عليهم بجبار ) [ ق : 45 ] .
والثاني : العظيم الجسم كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=22إن فيها قوما جبارين ) [ المائدة : 22 ] .
والثالث : المتمرد عن عبادة الله ، كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=32ولم يجعلني جبارا ) [ مريم : 32 ] .
والرابع : القتال ؛ كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=130بطشتم جبارين ) وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=19إن تريد إلا أن تكون جبارا في الأرض ) [ القصص : 19 ] .
[ ص: 254 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=20لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=21لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=22هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=23هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ )
(
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=20لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ )
وَاعْلَمْ أَنَّ التَّفَاوُتَ بَيْنَ هَذَيْنِ الْفَرِيقَيْنِ مَعْلُومٌ بِالضَّرُورَةِ ، فَذِكْرُ هَذَا الْفَرْقِ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْضِعِ يَكُونُ الْغَرَضُ مِنْهُ التَّنْبِيهَ عَلَى عِظَمِ ذَلِكَ الْفَرْقِ ، وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ :
الْمَسْأَلَةُ الْأَوْلَى :
الْمُعْتَزِلَةُ احْتَجُّوا عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30394_28652صَاحِبَ الْكَبِيرَةِ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ ؛ لِأَنَّ الْآيَةَ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ أَصْحَابَ النَّارِ وَأَصْحَابَ الْجَنَّةِ لَا يَسْتَوِيَانِ ، فَلَوْ دَخَلَ صَاحِبُ الْكَبِيرَةِ فِي الْجَنَّةِ لَكَانَ أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَسْتَوِيَانِ ، وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ ، وَجَوَابُهُ مَعْلُومٌ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : احْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=9163الْمُسْلِمَ لَا يُقْتَلُ بِالذِّمِّيِّ ، وَقَدْ بَيَّنَّا وَجْهَهُ فِي الْخِلَافِيَّاتِ .
ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى لَمَّا شَرَحَ هَذِهِ الْبَيَانَاتِ عَظَّمَ أَمْرَ الْقُرْآنِ فَقَالَ :
(
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=21nindex.php?page=treesubj&link=29568_29030_18648_28902لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ) وَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَوْ جُعِلَ فِي الْجَبَلِ عَقْلٌ كَمَا جُعِلَ فِيكُمْ ، ثُمَّ أُنْزِلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ لَخَشَعَ وَخَضَعَ وَتَشَقَّقَ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ .
ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=21وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) أَيِ الْغَرَضُ مِنْ ذِكْرِ هَذَا الْكَلَامِ التَّنْبِيهُ عَلَى قَسَاوَةِ قُلُوبِ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارِ وَغِلَظِ طِبَاعِهِمْ ، وَنَظِيرُ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=74ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ) [ الْبَقَرَةِ : 74 ] وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَمَّا وَصَفَ الْقُرْآنَ بِالْعِظَمِ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ عِظَمَ الصِّفَةِ تَابِعٌ لِعِظَمِ الْمَوْصُوفِ ، أَتْبَعَ ذَلِكَ بِشَرْحِ عَظَمَةِ اللَّهِ فَقَالَ :
(
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=22nindex.php?page=treesubj&link=29030_29692_29693_28723هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ) وَقِيلَ : السِّرُّ وَالْعَلَانِيَةُ ، وَقِيلَ : الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ .
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى قَدَّمَ الْغَيْبَ عَلَى الشَّهَادَةِ فِي اللَّفْظِ وَفِيهِ سِرٌّ عَقْلِيٌّ ، أَمَّا الْمُفَسِّرُونَ فَذَكَرُوا أَقْوَالًا فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ، فَقِيلَ : الْغَيْبُ الْمَعْدُومُ ، وَالشَّهَادَةُ الْمَوْجُودُ ، مَا غَابَ عَنِ الْعِبَادِ وَمَا شَاهَدُوهُ .
ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=23هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ ) وَكُلُّ ذَلِكَ قَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ .
ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=23الْقُدُّوسُ ) قُرِئَ بِالضَّمِّ وَالْفَتْحِ ، وَهُوَ الْبَلِيغُ فِي النَّزَاهَةِ فِي الذَّاتِ وَالصِّفَاتِ وَالْأَفْعَالِ وَالْأَحْكَامِ وَالْأَسْمَاءِ ، وَقَدْ شَرَحْنَاهُ فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْحَدِيدِ ، وَمَضَى شَيْءٌ مِنْهُ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=30وَنُقَدِّسُ لَكَ ) [ الْبَقَرَةِ : 30 ] وَقَالَ
الْحَسَنُ : إِنَّهُ الَّذِي كَثُرَتْ بَرَكَاتُهُ .
[ ص: 255 ] وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=23السَّلَامُ ) فِيهِ وَجْهَانِ :
الْأَوَّلُ : أَنَّهُ بِمَعْنَى السَّلَامَةِ ، وَمِنْهُ دَارُ السَّلَامِ ، وَسَلَامٌ عَلَيْكُمْ . وُصِفَ بِهِ مُبَالَغَةً فِي كَوْنِهِ سَلِيمًا مِنَ النَّقَائِصِ ، كَمَا يُقَالُ : رَجَاءٌ ، وَغِيَاثٌ ، وَعَدْلٌ . فَإِنْ قِيلَ : فَعَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ لَا يَبْقَى بَيْنَ الْقُدُّوسِ وَبَيْنَ السَّلَامِ فَرْقٌ ، وَالتَّكْرَارُ خِلَافُ الْأَصْلِ ؟
قُلْنَا : كَوْنُهُ قُدُّوسًا إِشَارَةٌ إِلَى بَرَاءَتِهِ عَنْ جَمِيعِ الْعُيُوبِ فِي الْمَاضِي وَالْحَاضِرِ ، وَكَوْنُهُ سَلِيمًا إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يَطْرَأُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنَ الْعُيُوبِ فِي الزَّمَانِ الْمُسْتَقْبَلِ ، فَإِنَّ الَّذِي يَطْرَأُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنَ الْعُيُوبِ ، فَإِنَّهُ تَزُولُ سَلَامَتُهُ ، وَلَا يَبْقَى سَلِيمًا .
الثَّانِي : أَنَّهُ سَلَامٌ بِمَعْنَى كَوْنِهِ مُوجِبًا لِلسَّلَامَةِ .
وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=23الْمُؤْمِنُ ) فِيهِ وَجْهَانِ :
الْأَوَّلُ : أَنَّهُ الَّذِي آمَنَ أَوْلِيَاءَهُ عَذَابَهُ ، يُقَالُ : آمَنَهُ يُؤَمِّنُهُ ، فَهُوَ مُؤْمِنٌ .
وَالثَّانِي : أَنَّهُ الْمُصَدِّقُ ، إِمَّا عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ يُصَدِّقُ أَنْبِيَاءَهُ بِإِظْهَارِ الْمُعْجِزَةِ لَهُمْ ، أَوْ لِأَجْلِ أَنَّ أُمَّةَ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَشْهَدُونَ لِسَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ ، كَمَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=143لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ) [ الْبَقَرَةِ : 143 ] ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ يَصْدُقُهُمْ فِي تِلْكَ الشَّهَادَةِ ، وَقُرِئَ بِفَتْحِ الْمِيمِ ، يَعْنِي الْمُؤْمِنَ بِهِ ؛ عَلَى حَذْفِ الْجَارِ كَمَا حُذِفَ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=155وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ ) [ الْأَعْرَافِ : 155 ] .
وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=23الْمُهَيْمِنُ ) قَالُوا : مَعْنَاهُ الشَّاهِدُ الَّذِي لَا يَغِيبُ عَنْهُ شَيْءٌ . ثُمَّ فِي أَصْلِهِ قَوْلَانِ ، قَالَ
الْخَلِيلُ وَأَبُو عُبَيْدَةَ : هَيْمَنَ ، يُهَيْمِنُ ، فَهُوَ مُهَيْمِنٌ ، إِذَا كَانَ رَقِيبًا عَلَى الشَّيْءِ .
وَقَالَ آخَرُونَ : مُهَيْمِنٌ أَصْلُهُ مُؤَيْمِنٌ ، مِنْ آمَنَ يُؤْمِنُ ، فَيَكُونُ بِمَعْنَى الْمُؤْمِنِ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ اسْتِقْصَاؤُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=48وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ) [ الْمَائِدَةِ : 48 ] وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12590ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ : الْمُهَيْمِنُ الْقَائِمُ عَلَى خَلْقِهِ بِرِزْقِهِ ، وَأَنْشَدَ :
أَلَا إِنَّ خَيْرَ النَّاسِ بَعْدَ نَبِيِّهِ مُهَيْمِنُهُ التَّالِيهِ فِي الْعُرْفِ وَالنُّكْرِ
قَالَ : مَعْنَاهُ : الْقَائِمُ عَلَى النَّاسِ بَعْدَهُ .
وَأَمَّا (
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=23الْعَزِيزُ ) فَهُوَ إِمَّا الَّذِي لَا يُوجَدُ لَهُ نَظِيرٌ ، وَإِمَّا الْغَالِبُ الْقَاهِرُ .
وَأَمَّا (
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=23الْجَبَّارُ ) فَفِيهِ وُجُوهٌ :
أَحَدُهَا : أَنَّهُ فَعَّالٌ مِنْ جَبَرَ إِذَا أَغْنَى الْفَقِيرَ ، وَأَصْلَحَ الْكَسِيرَ . قَالَ
الْأَزْهَرِيُّ : وَهُوَ لَعَمْرِي جَابِرُ كُلِّ كَسِيرٍ وَفَقِيرٍ ، وَهُوَ جَابِرُ دِينِهِ الَّذِي ارْتَضَاهُ ، قَالَ
الْعَجَّاجُ :
قَدْ جَبَرَ الدِّينَ الْإِلَهُ فَجَبَرَ
وَالثَّانِي : أَنْ يَكُونَ الْجَبَّارُ مِنْ : جَبَرَهُ عَلَى كَذَا ، إِذَا أَكْرَهَهُ عَلَى مَا أَرَادَهُ ، قَالَ
السُّدِّيُّ : إِنَّهُ الَّذِي يَقْهَرُ النَّاسَ وَيُجْبِرُهُمْ عَلَى مَا أَرَادَهُ . قَالَ
الْأَزْهَرِيُّ : هِيَ لُغَةُ
تَمِيمٍ ، وَكَثِيرٌ مِنَ الْحِجَازِيِّينَ يَقُولُونَهَا ، وَكَانَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ يَقُولُ : جَبَرَهُ السُّلْطَانُ عَلَى كَذَا بِغَيْرِ أَلِفٍ . وَجَعَلَ
الْفَرَّاءُ الْجَبَّارَ بِهَذَا الْمَعْنَى مِنْ أَجْبَرَهُ ، وَهِيَ اللُّغَةُ الْمَعْرُوفَةُ فِي الْإِكْرَاهِ ، فَقَالَ : لَمْ أَسْمَعْ فَعَّالًا مِنْ أَفْعَلَ إِلَّا فِي حَرْفَيْنِ وَهُمَا جَبَّارٌ مِنْ أَجْبَرَ ، وَدَرَّاكٌ مِنْ أَدْرَكَ ، وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ الْجَبَّارُ هُوَ الْقَهَّارُ .
الثَّالِثُ : قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12590ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ : الْجَبَّارُ فِي صِفَةِ اللَّهِ الَّذِي لَا يُنَالُ ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلنَّخْلَةِ الَّتِي فَاتَتْ يَدَ الْمُتَنَاوِلِ : جَبَّارَةٌ .
الرَّابِعُ : قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : الْجَبَّارُ هُوَ الْمَلِكُ الْعَظِيمُ . قَالَ
الْوَاحِدِيُّ : هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ مَعَانِي الْجَبَّارِ فِي صِفَةِ اللَّهِ ، وَلِلْجَبَّارِ مَعَانٍ فِي صِفَةِ الْخَلْقِ :
أَحَدُهَا : الْمُسَلَّطُ كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=45وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ ) [ ق : 45 ] .
وَالثَّانِي : الْعَظِيمُ الْجِسْمِ كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=22إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ ) [ الْمَائِدَةِ : 22 ] .
وَالثَّالِثُ : الْمُتَمَرِّدُ عَنْ عِبَادَةِ اللَّهِ ، كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=32وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا ) [ مَرْيَمَ : 32 ] .
وَالرَّابِعُ : الْقِتَالُ ؛ كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=130بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ ) وَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=19إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ ) [ الْقَصَصِ : 19 ] .