[ ص: 257 ] ( سورة الممتحنة )
وهي ثلاث عشرة آية مدنية
بسم الله الرحمن الرحيم
(
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة )
بسم الله الرحمن الرحيم
(
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1ياأيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة ) وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى : اعلم أن جملة ما يتحقق به التعلق بما قبلها هو أنهما يشتركان في بيان
nindex.php?page=treesubj&link=32423_32431حال الرسول صلى الله عليه وسلم مع الحاضرين في زمانه من اليهود والنصارى وغيرهم ، فإن بعضهم أقدموا على الصلح واعترفوا بصدقه ، ومن جملتهم
بنو النضير ، فإنهم قالوا : والله إنه النبي الذي وجدنا نعته وصفته في التوراة ، وبعضهم أنكروا ذلك وأقدموا على القتال ، إما على التصريح وإما على الإخفاء ، فإنهم مع أهل الإسلام في الظاهر ، ومع أهل الكفر في الباطن ، وأما تعلق الأول بالآخر فظاهر ، لما أن آخر تلك السورة يشتمل على الصفات الحميدة لحضرة الله تعالى من الوحدانية وغيرها ، وأول هذه السورة مشتمل على حرمة الاختلاط مع من لم يعترف بتلك الصفات .
المسألة الثانية : أما
nindex.php?page=treesubj&link=32312_32351سبب النزول فقد روي أنها نزلت في
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013804 nindex.php?page=showalam&ids=195حاطب بن أبي بلتعة ، لما كتب إلى أهل مكة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يتجهز للفتح ، ويريد أن يغزوكم فخذوا حذركم ، ثم أرسل ذلك الكتاب مع امرأة مولاة لبني هاشم ، يقال لها سارة ، جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة ، فقال عليه السلام : أمسلمة جئت ؟ قالت : لا ، قال : أمهاجرة جئت ؟ قالت : لا ، قال : فما جاء بك ؟ قالت : قد ذهب الموالي يوم بدر - أي قتلوا في ذلك اليوم - فاحتجت حاجة شديدة ، فحث عليها بني المطلب فكسوها وحملوها وزودوها ، فأتاها حاطب وأعطاها عشرة دنانير وكساها بردا واستحملها ذلك الكتاب إلى أهل مكة ، فخرجت سائرة ، فأطلع الله الرسول عليه السلام على ذلك ، فبعث عليا وعمر وعمارا وطلحة والزبير خلفها وهم فرسان ، فأدركوها وسألوها عن ذلك فأنكرت وحلفت ، فقال علي عليه السلام : والله ما كذبنا ، ولا كذب رسول الله ، وسل سيفه ، فأخرجته من عقاص شعرها ، فجاءوا بالكتاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرضه على حاطب فاعترف ، وقال : إن لي بمكة أهلا ومالا فأردت أن أتقرب منهم ، وقد علمت أن الله تعالى ينزل بأسه عليهم ، فصدقه وقبل عذره ، فقال عمر : دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق ، فقال صلى الله عليه وسلم : ما يدريك يا عمر لعل الله تعالى قد اطلع على أهل بدر [ ص: 258 ] فقال لهم : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ، ففاضت عينا عمر ، وقال : الله ورسوله أعلم فنزلت ، وأما تفسير الآية فالخطاب في : (
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=13ياأيها الذين آمنوا ) قد مر ، وكذلك في
nindex.php?page=treesubj&link=28647الإيمان أنه في نفسه شيء واحد وهو التصديق بالقلب أو أشياء كثيرة وهي الطاعات ، كما ذهب إليه
المعتزلة .
وأما قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1لا تتخذوا عدوي وعدوكم ) فاتخذ يتعدى إلى مفعولين ، وهما عدوي وأولياء ، والعدو فعول من عدا ، كعفو من عفا ، ولكونه على زنة المصدر أوقع على الجمع إيقاعه على الواحد ، والعداوة ضد الصداقة ، وهما لا يجتمعان في محل واحد ، في زمان واحد ، من جهة واحدة ، لكنهما يرتفعان في مادة الإمكان ، وعن
الزجاج والكرابيسي " عدوي " أي عدو ديني ، وقال عليه السلام :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013805 " المرء على دين خليله ، فلينظر أحدكم من يخالل " nindex.php?page=hadith&LINKID=16013806وقال عليه السلام لأبي ذر : " يا أبا ذر nindex.php?page=treesubj&link=28802أي عرى الإيمان أوثق ؟ فقال الله ورسوله أعلم ، فقال : الموالاة في الله ، والحب في الله ، والبغض في الله " وقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1تلقون إليهم بالمودة ) فيه مسألتان :
المسألة الأولى : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1تلقون ) بماذا يتعلق ، نقول : فيه وجوه :
الأول : قال صاحب النظم : هو وصف النكرة التي هي أولياء ، قاله
الفراء .
والثاني : قال في الكشاف : يجوز أن يتعلق بلا تتخذوا حالا من ضميره ، وأولياء صفة له .
الثالث : قال ويجوز أن يكون استئنافا ، فلا يكون صلة لأولياء ، والباء في المودة كهي في قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=25ومن يرد فيه بإلحاد بظلم ) والمعنى : تلقون إليهم أخبار النبي صلى الله عليه وسلم وسره بالمودة التي بينكم وبينهم ، ويدل عليه : (
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1تسرون إليهم بالمودة ) [ الممتحنة : 1 ] .
المسألة الثانية : في الآية مباحث :
الأول : اتخاذ العدو وليا كيف يمكن ، وقد كانت العداوة منافية للمحبة والمودة ، والمحبة والمودة من لوازم ذلك الاتخاذ ، نقول : لا يبعد أن تكون العداوة بالنسبة إلى أمر ، والمحبة والمودة بالنسبة إلى أمر آخر ، ألا ترى إلى قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=14إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم ) [ التغابن : 14 ] والنبي صلى الله عليه وسلم قال : "
أولادنا أكبادنا " .
الثاني : لما قال : ( عدوي ) فلم لم يكتف به حتى قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1وعدوكم ) لأن عدو الله إنما هو عدو المؤمنين ؟ نقول : الأمر لازم من هذا التلازم ، وإنما لا يلزم من كونه عدوا للمؤمنين أن يكون عدوا لله ، كما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=14إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم ) .
الثالث : لم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1عدوي وعدوكم ) ولم يقل بالعكس ؟ فنقول :
nindex.php?page=treesubj&link=28802العداوة بين المؤمن والكافر بسبب محبة الله تعالى ومحبة رسوله ، فتكون محبة العبد من أهل الإيمان لحضرة الله تعالى لعلة ، ومحبة حضرة الله تعالى للعبد لا لعلة ، لما أنه غني على الإطلاق ، فلا حاجة به إلى الغير أصلا ، والذي لا لعلة مقدم على الذي لعلة ، ولأن الشيء إذا كان له نسبة إلى الطرفين ، فالطرف الأعلى مقدم على الطرف الأدنى .
الرابع : قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1أولياء ) ولم يقل : وليا ، والعدو والولي بلفظ ، فنقول : كما أن المعرف بحرف التعريف يتناول كل فرد ، فكذلك المعرف بالإضافة .
الخامس : منهم من قال : الباء زائدة ، وقد مر أن
nindex.php?page=treesubj&link=29568الزيادة في القرآن لا تمكن ، والباء مشتملة على الفائدة ، فلا تكون زائدة في الحقيقة .
[ ص: 257 ] ( سُورَةُ الْمُمْتَحِنَةِ )
وَهِيَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ آيَةً مَدَنِيَّةً
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ )
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ ) وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : اعْلَمْ أَنَّ جُمْلَةَ مَا يَتَحَقَّقُ بِهِ التَّعَلُّقُ بِمَا قَبْلَهَا هُوَ أَنَّهُمَا يَشْتَرِكَانِ فِي بَيَانِ
nindex.php?page=treesubj&link=32423_32431حَالِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ الْحَاضِرِينَ فِي زَمَانِهِ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَغَيْرِهِمْ ، فَإِنَّ بَعْضَهُمْ أَقْدَمُوا عَلَى الصُّلْحِ وَاعْتَرَفُوا بِصِدْقِهِ ، وَمِنْ جُمْلَتِهِمْ
بَنُو النَّضِيرِ ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا : وَاللَّهِ إِنَّهُ النَّبِيُّ الَّذِي وَجَدْنَا نَعْتَهُ وَصِفْتَهُ فِي التَّوْرَاةِ ، وَبَعْضُهُمْ أَنْكَرُوا ذَلِكَ وَأَقْدَمُوا عَلَى الْقِتَالِ ، إِمَّا عَلَى التَّصْرِيحِ وَإِمَّا عَلَى الْإِخْفَاءِ ، فَإِنَّهُمْ مَعَ أَهْلِ الْإِسْلَامِ فِي الظَّاهِرِ ، وَمَعَ أَهْلِ الْكُفْرِ فِي الْبَاطِنِ ، وَأَمَّا تَعَلُّقُ الْأَوَّلِ بِالْآخِرِ فَظَاهِرٌ ، لِمَا أَنَّ آخِرَ تِلْكَ السُّورَةِ يَشْتَمِلُ عَلَى الصِّفَاتِ الْحَمِيدَةِ لِحَضْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى مِنَ الْوَحْدَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا ، وَأَوَّلَ هَذِهِ السُّورَةِ مُشْتَمِلٌ عَلَى حُرْمَةِ الِاخْتِلَاطِ مَعَ مَنْ لَمْ يَعْتَرِفْ بِتِلْكَ الصِّفَاتِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : أَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=32312_32351سَبَبُ النُّزُولِ فَقَدْ رُوِيَ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013804 nindex.php?page=showalam&ids=195حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ ، لَمَّا كَتَبَ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَجَهَّزُ لِلْفَتْحِ ، وَيُرِيدُ أَنْ يَغْزُوَكُمْ فَخُذُوا حِذْرَكُمْ ، ثُمَّ أَرْسَلَ ذَلِكَ الْكِتَابَ مَعَ امْرَأَةٍ مَوْلَاةٍ لِبَنِي هَاشِمٍ ، يُقَالُ لَهَا سَارَّةُ ، جَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ ، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ : أَمُسْلِمَةً جِئْتِ ؟ قَالَتْ : لَا ، قَالَ : أَمُهَاجِرَةً جِئْتِ ؟ قَالَتْ : لَا ، قَالَ : فَمَا جَاءَ بِكِ ؟ قَالَتْ : قَدْ ذَهَبَ الْمَوَالِي يَوْمَ بَدْرٍ - أَيْ قُتِلُوا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ - فَاحْتَجْتُ حَاجَةً شَدِيدَةً ، فَحَثَّ عَلَيْهَا بَنِي الْمُطَّلِبِ فَكَسَوْهَا وَحَمَلُوهَا وَزَوَّدُوهَا ، فَأَتَاهَا حَاطِبٌ وَأَعْطَاهَا عَشَرَةَ دَنَانِيرَ وَكَسَاهَا بُرْدًا وَاسْتَحْمَلَهَا ذَلِكَ الْكِتَابَ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ ، فَخَرَجَتْ سَائِرَةً ، فَأَطْلَعَ اللَّهُ الرَّسُولَ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى ذَلِكَ ، فَبَعَثَ عَلِيًّا وَعُمَرَ وَعَمَّارًا وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ خَلْفَهَا وَهُمْ فُرْسَانٌ ، فَأَدْرَكُوهَا وَسَأَلُوهَا عَنْ ذَلِكَ فَأَنْكَرَتْ وَحَلَفَتْ ، فَقَالَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ : وَاللَّهِ مَا كَذَبْنَا ، وَلَا كَذَبَ رَسُولُ اللَّهِ ، وَسَلَّ سَيْفَهُ ، فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصِ شَعْرِهَا ، فَجَاءُوا بِالْكِتَابِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَرَضَهُ عَلَى حَاطِبٍ فَاعْتَرَفَ ، وَقَالَ : إِنَّ لِي بِمَكَّةَ أَهْلًا وَمَالًا فَأَرَدْتُ أَنْ أَتَقَرَّبَ مِنْهُمْ ، وَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُنْزِلُ بَأْسَهُ عَلَيْهِمْ ، فَصَدَّقَهُ وَقَبِلَ عُذْرَهُ ، فَقَالَ عُمَرُ : دَعْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ أَضْرِبُ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا يُدْرِيكَ يَا عُمَرُ لَعَلَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدِ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ [ ص: 258 ] فَقَالَ لَهُمْ : اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ ، فَفَاضَتْ عَيْنَا عُمَرَ ، وَقَالَ : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ فَنَزَلَتْ ، وَأَمَّا تَفْسِيرُ الْآيَةِ فَالْخِطَابُ فِي : (
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=13يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ) قَدْ مَرَّ ، وَكَذَلِكَ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=28647الْإِيمَانِ أَنَّهُ فِي نَفْسِهِ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَهُوَ التَّصْدِيقُ بِالْقَلْبِ أَوْ أَشْيَاءُ كَثِيرَةٌ وَهِيَ الطَّاعَاتُ ، كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ
الْمُعْتَزِلَةُ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ ) فَاتَّخَذَ يَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ ، وَهُمَا عَدُوِّي وَأَوْلِيَاءُ ، وَالْعَدُوُّ فَعُولٌ مِنْ عَدَا ، كَعَفُوٍّ مِنْ عَفَا ، وَلِكَوْنِهِ عَلَى زِنَةِ الْمَصْدَرِ أُوقِعَ عَلَى الْجَمْعِ إِيقَاعَهُ عَلَى الْوَاحِدِ ، وَالْعَدَاوَةُ ضِدُّ الصَّدَاقَةِ ، وَهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ ، فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ ، مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ ، لَكِنَّهُمَا يَرْتَفِعَانِ فِي مَادَّةِ الْإِمْكَانِ ، وَعَنِ
الزَّجَّاجِ وَالْكَرَابِيسِيِّ " عَدُوِّي " أَيْ عَدُوُّ دِينِي ، وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013805 " الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ " nindex.php?page=hadith&LINKID=16013806وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِأَبِي ذَرٍّ : " يَا أَبَا ذَرٍّ nindex.php?page=treesubj&link=28802أَيُّ عُرَى الْإِيمَانِ أَوْثَقُ ؟ فَقَالَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، فَقَالَ : الْمُوَالَاةُ فِي اللَّهِ ، وَالْحُبُّ فِي اللَّهِ ، وَالْبُغْضُ فِي اللَّهِ " وَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ ) فِيهِ مَسْأَلَتَانِ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1تُلْقُونَ ) بِمَاذَا يَتَعَلَّقُ ، نَقُولُ : فِيهِ وُجُوهٌ :
الْأَوَّلُ : قَالَ صَاحِبُ النَّظْمِ : هُوَ وَصْفُ النَّكِرَةِ الَّتِي هِيَ أَوْلِيَاءُ ، قَالَهُ
الْفَرَّاءُ .
وَالثَّانِي : قَالَ فِي الْكَشَّافِ : يَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِلَا تَتَّخِذُوا حَالًا مِنْ ضَمِيرِهِ ، وَأَوْلِيَاءُ صِفَةٌ لَهُ .
الثَّالِثُ : قَالَ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اسْتِئْنَافًا ، فَلَا يَكُونُ صِلَةً لِأَوْلِيَاءَ ، وَالْبَاءُ فِي الْمَوَدَّةِ كَهِيَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=25وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ ) وَالْمَعْنَى : تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ أَخْبَارَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسِرَّهُ بِالْمَوَدَّةِ الَّتِي بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ ) [ الْمُمْتَحِنَةِ : 1 ] .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : فِي الْآيَةِ مَبَاحِثُ :
الْأَوَّلُ : اتِّخَاذُ الْعَدُوِّ وَلِيًّا كَيْفَ يُمْكِنُ ، وَقَدْ كَانَتِ الْعَدَاوَةُ مُنَافِيَةً لِلْمَحَبَّةِ وَالْمَوَدَّةِ ، وَالْمَحَبَّةُ وَالْمَوَدَّةُ مِنْ لَوَازِمِ ذَلِكَ الِاتِّخَاذِ ، نَقُولُ : لَا يَبْعُدُ أَنْ تَكُونَ الْعَدَاوَةُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى أَمْرٍ ، وَالْمَحَبَّةُ وَالْمَوَدَّةُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى أَمْرٍ آخَرَ ، أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=14إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ ) [ التَّغَابُنِ : 14 ] وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : "
أَوْلَادُنَا أَكْبَادُنَا " .
الثَّانِي : لَمَّا قَالَ : ( عَدُوِّي ) فَلِمَ لَمْ يَكْتَفِ بِهِ حَتَّى قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1وَعَدُوَّكُمْ ) لِأَنَّ عَدُوَّ اللَّهِ إِنَّمَا هُوَ عَدُوُّ الْمُؤْمِنِينَ ؟ نَقُولُ : الْأَمْرُ لَازِمٌ مِنْ هَذَا التَّلَازُمِ ، وَإِنَّمَا لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ عَدُوًّا لِلْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَكُونَ عَدُوًّا لِلَّهِ ، كَمَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=14إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ ) .
الثَّالِثُ : لِمَ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ ) وَلَمْ يَقُلْ بِالْعَكْسِ ؟ فَنَقُولُ :
nindex.php?page=treesubj&link=28802الْعَدَاوَةُ بَيْنَ الْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ بِسَبَبِ مَحَبَّةِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَحَبَّةِ رَسُولِهِ ، فَتَكُونُ مَحَبَّةُ الْعَبْدِ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ لِحَضْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى لِعِلَّةٍ ، وَمَحَبَّةُ حَضْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى لِلْعَبْدِ لَا لِعِلَّةٍ ، لِمَا أَنَّهُ غَنِيٌّ عَلَى الْإِطْلَاقِ ، فَلَا حَاجَةَ بِهِ إِلَى الْغَيْرِ أَصْلًا ، وَالَّذِي لَا لِعِلَّةٍ مُقَدَّمٌ عَلَى الَّذِي لِعِلَّةٍ ، وَلِأَنَّ الشَّيْءَ إِذَا كَانَ لَهُ نِسْبَةٌ إِلَى الطَّرَفَيْنِ ، فَالطَّرَفُ الْأَعْلَى مُقَدَّمٌ عَلَى الطَّرَفِ الْأَدْنَى .
الرَّابِعُ : قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1أَوْلِيَاءَ ) وَلَمْ يَقُلْ : وَلِيًّا ، وَالْعَدُوُّ وَالْوَلِيُّ بِلَفْظٍ ، فَنَقُولُ : كَمَا أَنَّ الْمُعَرَّفَ بِحَرْفِ التَّعْرِيفِ يَتَنَاوَلُ كُلَّ فَرْدٍ ، فَكَذَلِكَ الْمُعَرَّفُ بِالْإِضَافَةِ .
الْخَامِسُ : مِنْهُمْ مَنْ قَالَ : الْبَاءُ زَائِدَةٌ ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29568الزِّيَادَةَ فِي الْقُرْآنِ لَا تُمْكِنُ ، وَالْبَاءُ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى الْفَائِدَةِ ، فَلَا تَكُونُ زَائِدَةً فِي الْحَقِيقَةِ .