(
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=4وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=5وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رءوسهم ورأيتهم يصدون وهم مستكبرون nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=6سواء عليهم أأستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم إن الله لا يهدي القوم الفاسقين )
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=4وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=5وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رءوسهم ورأيتهم يصدون وهم مستكبرون nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=6سواء عليهم أأستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم إن الله لا يهدي القوم الفاسقين ) .
اعلم أن قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=4وإذا رأيتهم ) يعني
عبد الله بن أبي ،
ومغيث بن قيس ،
وجد بن قيس ، كانت لهم أجسام ومنظر ، تعجبك أجسامهم لحسنها وجمالها ، وكان
عبد الله بن أبي جسيما صبيحا فصيحا ، وإذا قال سمع النبي صلى الله عليه وسلم قوله ، وهو قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=4وإن يقولوا تسمع لقولهم ) أي ويقولوا : إنك لرسول الله تسمع لقولهم ، وقرئ يسمع على البناء للمفعول ، ثم شبههم بالخشب المسندة ، وفي الخشب التخفيف كبدنة وبدن وأسد وأسد ، والتثقيل كذلك كثمرة وثمر ، وخشبة وخشب ، ومدرة ومدر ، وهي قراءة
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، والتثقيل لغة
أهل الحجاز ، والخشب لا تعقل ولا تفهم ، فكذلك
nindex.php?page=treesubj&link=30563_30565أهل النفاق كأنهم في ترك التفهم ، والاستبصار بمنزلة الخشب .
وأما المسندة يقال : سند إلى شيء ، أي مال إليه ، وأسنده إلى الشيء ، أي أماله فهو مسند ، والتشديد للمبالغة ، وإنما وصف الخشب بها ، لأنها تشبه الأشجار القائمة التي تنمو وتثمر بوجه ما ، ثم نسبهم إلى الجبن وعابهم به ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=4يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو ) وقال
مقاتل : إذا نادى مناد في العسكر ، وانفلتت دابة ، أو نشدت ضالة مثلا ظنوا أنهم يرادون بذلك لما في قلوبهم من الرعب ، وذلك لأنهم على وجل من أن يهتك الله أستارهم ، ويكشف أسرارهم ، يتوقعون الإيقاع بهم ساعة فساعة ، ثم أعلم [ الله ] رسوله بعداوتهم فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=4هم العدو فاحذرهم ) أن تأمنهم على السر ولا تلتفت إلى ظاهرهم فإنهم الكاملون في العداوة بالنسبة إلى غيرهم وقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=4قاتلهم الله أنى يؤفكون ) مفسر وهو دعاء عليهم
[ ص: 15 ] وطلب من ذاته أن يلعنهم ويخزيهم وتعليم للمؤمنين أن يدعوا بذلك ، و (
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=4أنى يؤفكون ) أي يعدلون عن الحق تعجبا من جهلهم وضلالتهم وظنهم الفاسد أنهم على الحق .
وقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=5وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله ) قال
الكلبي : لما
nindex.php?page=treesubj&link=30563_30569نزل القرآن على الرسول صلى الله عليه وسلم بصفة المنافقين مشى إليه عشائرهم من المؤمنين وقالوا : لهم ويلكم افتضحتم بالنفاق وأهلكتم أنفسكم ، فأتوا رسول الله وتوبوا إليه من النفاق واسألوه أن يستغفر لكم ، فأبوا ذلك وزهدوا في الاستغفار فنزلت ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس لما رجع عبد الله بن أبي من أحد بكثير من الناس مقته المسلمون وعنفوه وأسمعوه المكروه ، فقال له بنو أبيه : لو أتيت رسول صلى الله عليه وسلم حتى يستغفر لك ويرضى عنك ، فقال : لا أذهب إليه ، ولا أريد أن يستغفر لي ، وجعل يلوي رأسه فنزلت .
وعند الأكثرين ، إنما دعي إلى الاستغفار لأنه قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=8ليخرجن الأعز منها الأذل ) [ المنافقون : 8 ] وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=7لا تنفقوا على من عند رسول الله ) فقيل له : تعال يستغفر لك رسول الله فقال : ماذا قلت : فذلك قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=5لووا رءوسهم ) وقرئ : " لووا " بالتخفيف ، والتشديد للكثرة ، والكناية قد تجعل جمعا والمقصود واحد وهو كثير في أشعار العرب قال
جرير :
لا بارك الله فيمن كان يحسبكم إلا على العهد حتى كان ما كانا
وإنما خاطب بهذا امرأة وقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=5ورأيتهم يصدون وهم مستكبرون ) أي عن استغفار رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ذكر تعالى أن استغفاره لا ينفعهم فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=6سواء عليهم أأستغفرت لهم ) قال
قتادة : نزلت هذه الآية بعد قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=80استغفر لهم أو لا تستغفر لهم ) وذلك لأنها لما نزلت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "
خيرني ربي فلأزيدنهم على السبعين " فأنزل الله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=6لن يغفر الله لهم إن الله لا يهدي القوم الفاسقين ) قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : المنافقين ، وقال قوم : فيه بيان أن الله تعالى يملك هداية وراء هداية البيان ، وهي خلق فعل الاهتداء فيمن علم منه ذلك ، وقيل : معناه لا يهديهم لفسقهم وقالت
المعتزلة لا يسميهم المهتدين إذا فسقوا وضلوا وفي الآية مباحث :
البحث الأول : لم شبههم بالخشب المسندة لا بغيره من الأشياء المنتفع بها ؟ نقول لاشتمال هذا التشبيه على فوائد كثيرة لا توجد في الغير :
الأولى : قال في الكشاف :
nindex.php?page=treesubj&link=30565_28914شبهوا في استنادهم وما هم إلا أجرام خالية عن الإيمان والخير ، بالخشب المسندة إلى الحائط ، ولأن الخشب إذا انتفع به كان في سقف أو جدار أو غيرهما من مظان الانتفاع ، وما دام متروكا فارغا غير منتفع به أسند إلى الحائط ، فشبهوا به في عدم الانتفاع ، ويجوز أن يراد بها الأصنام المنحوتة من الخشب المسندة إلى الحائط شبهوا بها في حسن صورهم ، وقلة جدواهم .
الثانية : الخشب المسندة في الأصل كانت غصنا طريا يصلح لأن يكون من الأشياء المنتفع بها ، ثم تصير غليظة يابسة ، والكافر والمنافق كذلك كان في الأصل صالحا لكذا وكذا ، ثم يخرج عن تلك الصلاحية .
الثالثة : الكفرة من جنس الإنس حطب ، كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=98حصب جهنم أنتم لها واردون ) [ الأنبياء : 98 ] والخشب المسندة حطب . أيضا .
الرابعة : أن الخشب المسندة إلى الحائط أحد طرفيها إلى جهة ، والآخر إلى جهة أخرى ، والمنافقون كذلك ، لأن المنافق أحد طرفيه وهو الباطن إلى جهة أهل الكفر ، والطرف الآخر وهو الظاهر إلى جهة أهل الإسلام .
الخامسة : المعتمد عليه الخشب المسندة ما يكون من الجمادات والنباتات ، والمعتمد عليه للمنافقين كذلك ، وإذا كانوا من المشركين إذ هو الأصنام ، إنها من الجمادات أو النباتات .
الثاني من المباحث أنه تعالى شبههم بالخشب المسندة ، ثم قال من بعد ما ينافي هذا التشبيه وهو
[ ص: 16 ] قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=4يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو ) والخشب المسندة لا يحسبون أصلا ، نقول : لا يلزم أن يكون المشبه والمشبه به يشتركان في جميع الأوصاف ، فهم كالخشب المسندة بالنسبة إلى الانتفاع وعدم الانتفاع ، وليسوا كالخشب المسندة بالنسبة إلى الاستماع وعدم الاستماع للصيحة وغيرها .
الثالث : قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=6إن الله لا يهدي القوم الفاسقين ) ولم يقل : القوم الكافرين أو المنافقين أو المستكبرين مع أن كل واحد منهم من جملة ما سبق ذكره . نقول : كل أحد من تلك الأقوام داخل تحت قوله : ( الفاسقين ) أي الذين سبق ذكرهم وهم الكافرون والمنافقون والمستكبرون .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=4وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=5وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=6سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ )
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=4وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=5وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=6سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ) .
اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=4وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ ) يَعْنِي
عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ ،
وَمُغِيثَ بْنَ قَيْسٍ ،
وَجَدَّ بْنَ قَيْسٍ ، كَانَتْ لَهُمْ أَجْسَامٌ وَمَنْظَرٌ ، تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ لِحُسْنِهَا وَجَمَالِهَا ، وَكَانَ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ جَسِيمًا صَبِيحًا فَصِيحًا ، وَإِذَا قَالَ سَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلَهُ ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=4وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ) أَيْ وَيَقُولُوا : إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ تَسْمَعُ لِقَوْلِهِمْ ، وَقُرِئَ يُسْمَعْ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ ، ثُمَّ شَبَّهَهُمْ بِالْخُشُبِ الْمُسَنَّدَةِ ، وَفِي الْخُشُبِ التَّخْفِيفُ كَبَدَنَةٍ وَبُدْنٍ وَأَسَدٍ وَأُسْدٍ ، وَالتَّثْقِيلُ كَذَلِكَ كَثَمَرَةٍ وَثُمُرٍ ، وَخَشَبَةٍ وَخُشُبٍ ، وَمَدَرَةٍ وَمُدُرٍ ، وَهِيَ قِرَاءَةُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَالتَّثْقِيلُ لُغَةُ
أَهْلِ الْحِجَازِ ، وَالْخُشُبُ لَا تَعْقِلُ وَلَا تَفْهَمُ ، فَكَذَلِكَ
nindex.php?page=treesubj&link=30563_30565أَهِلُ النِّفَاقِ كَأَنَّهُمْ فِي تَرْكِ التَّفَهُّمِ ، وَالِاسْتِبْصَارِ بِمَنْزِلَةِ الْخُشُبِ .
وَأَمَّا الْمُسَنَّدَةُ يُقَالُ : سَنَدَ إِلَى شَيْءٍ ، أَيْ مَالَ إِلَيْهِ ، وَأَسْنَدَهُ إِلَى الشَّيْءِ ، أَيْ أَمَالَهُ فَهُوَ مُسْنَدٌ ، وَالتَّشْدِيدُ لِلْمُبَالَغَةِ ، وَإِنَّمَا وُصِفَ الْخُشُبُ بِهَا ، لِأَنَّهَا تُشْبِهُ الْأَشْجَارَ الْقَائِمَةَ الَّتِي تَنْمُو وَتُثْمِرُ بِوَجْهٍ مَا ، ثُمَّ نَسَبَهُمْ إِلَى الْجُبْنِ وَعَابَهُمْ بِهِ ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=4يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ ) وَقَالَ
مُقَاتِلٌ : إِذَا نَادَى مُنَادٍ فِي الْعَسْكَرِ ، وَانْفَلَتَتْ دَابَّةٌ ، أَوْ نُشِدَتْ ضَالَّةٌ مَثَلًا ظَنُّوا أَنَّهُمْ يُرَادُونَ بِذَلِكَ لِمَا فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الرُّعْبِ ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ عَلَى وَجَلٍ مِنْ أَنْ يَهْتِكَ اللَّهُ أَسْتَارَهُمْ ، وَيَكْشِفَ أَسْرَارَهُمْ ، يَتَوَقَّعُونَ الْإِيقَاعَ بِهِمْ سَاعَةً فَسَاعَةً ، ثُمَّ أَعْلَمَ [ اللَّهُ ] رَسُولَهُ بِعَدَاوَتِهِمْ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=4هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ ) أَنْ تَأْمَنَهُمْ عَلَى السِّرِّ وَلَا تَلْتَفِتَ إِلَى ظَاهِرِهِمْ فَإِنَّهُمُ الْكَامِلُونَ فِي الْعَدَاوَةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى غَيْرِهِمْ وَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=4قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ) مُفَسِّرٌ وَهُوَ دُعَاءٌ عَلَيْهِمْ
[ ص: 15 ] وَطَلَبٌ مِنْ ذَاتِهِ أَنْ يَلْعَنَهُمْ وَيُخْزِيَهُمْ وَتَعْلِيمٌ لِلْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَدْعُوا بِذَلِكَ ، وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=4أَنَّى يُؤْفَكُونَ ) أَيْ يَعْدِلُونَ عَنِ الْحَقِّ تَعَجُّبًا مِنْ جَهْلِهِمْ وَضَلَالَتِهِمْ وَظَنِّهِمُ الْفَاسِدِ أَنَّهُمْ عَلَى الْحَقِّ .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=5وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ ) قَالَ
الْكَلْبِيُّ : لَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=30563_30569نَزَلَ الْقُرْآنُ عَلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصِفَةِ الْمُنَافِقِينَ مَشَى إِلَيْهِ عَشَائِرُهُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَقَالُوا : لَهُمْ وَيَلْكُمُ افْتَضَحْتُمْ بِالنِّفَاقِ وَأَهْلَكْتُمْ أَنْفُسَكُمْ ، فَأْتُوا رَسُولَ اللَّهِ وَتُوبُوا إِلَيْهِ مِنَ النِّفَاقِ وَاسْأَلُوهُ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكُمْ ، فَأَبَوْا ذَلِكَ وَزَهِدُوا فِي الِاسْتِغْفَارِ فَنَزَلَتْ ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ لَمَّا رَجَعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ مِنْ أُحُدٍ بِكَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ مَقَتَهُ الْمُسْلِمُونَ وَعَنَّفُوهُ وَأَسْمَعُوهُ الْمَكْرُوهَ ، فَقَالَ لَهُ بَنُو أَبِيهِ : لَوْ أَتَيْتَ رَسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يَسْتَغْفِرَ لَكَ وَيَرْضَى عَنْكَ ، فَقَالَ : لَا أَذْهَبُ إِلَيْهِ ، وَلَا أُرِيدُ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لِي ، وَجَعَلَ يَلْوِي رَأْسَهُ فَنَزَلَتْ .
وَعِنْدَ الْأَكْثَرِينَ ، إِنَّمَا دُعِيَ إِلَى الِاسْتِغْفَارِ لِأَنَّهُ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=8لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ ) [ الْمُنَافِقُونَ : 8 ] وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=7لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ) فَقِيلَ لَهُ : تَعَالَ يَسْتَغْفِرْ لَكَ رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ : مَاذَا قُلْتُ : فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=5لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ ) وَقُرِئَ : " لَوَوْا " بِالتَّخْفِيفِ ، وَالتَّشْدِيدِ لِلْكَثْرَةِ ، وَالْكِنَايَةُ قَدْ تُجْعَلُ جَمْعًا وَالْمَقْصُودُ وَاحِدٌ وَهُوَ كَثِيرٌ فِي أَشْعَارِ الْعَرَبِ قَالَ
جَرِيرٌ :
لَا بَارَكَ اللَّهُ فِيمَنْ كَانَ يَحْسَبُكُمْ إِلَّا عَلَى الْعَهْدِ حَتَّى كَانَ مَا كَانَا
وَإِنَّمَا خَاطَبَ بِهَذَا امْرَأَةً وَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=5وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ ) أَيْ عَنِ اسْتِغْفَارِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ذَكَرَ تَعَالَى أَنَّ اسْتِغْفَارَهُ لَا يَنْفَعُهُمْ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=6سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ ) قَالَ
قَتَادَةُ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ بَعْدَ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=80اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ ) وَذَلِكَ لِأَنَّهَا لَمَّا نَزَلَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "
خَيَّرَنِي رَبِّي فَلَأَزِيدَنَّهُمْ عَلَى السَّبْعِينَ " فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=6لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ) قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : الْمُنَافِقِينَ ، وَقَالَ قَوْمٌ : فِيهِ بَيَانٌ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَمْلِكُ هِدَايَةً وَرَاءَ هِدَايَةِ الْبَيَانِ ، وَهِيَ خَلْقُ فِعْلِ الِاهْتِدَاءِ فِيمَنْ عَلِمَ مِنْهُ ذَلِكَ ، وَقِيلَ : مَعْنَاهُ لَا يَهْدِيهِمْ لِفِسْقِهِمْ وَقَالَتِ
الْمُعْتَزِلَةُ لَا يُسَمِّيهِمُ الْمُهْتَدِينَ إِذَا فَسَقُوا وَضَلُّوا وَفِي الْآيَةِ مَبَاحِثُ :
الْبَحْثُ الْأَوَّلُ : لِمَ شَبَّهَهُمْ بِالْخُشُبِ الْمُسَنَّدَةِ لَا بِغَيْرِهِ مِنَ الْأَشْيَاءِ الْمُنْتَفِعِ بِهَا ؟ نَقُولُ لِاشْتِمَالِ هَذَا التَّشْبِيهِ عَلَى فَوَائِدَ كَثِيرَةٍ لَا تُوجَدُ فِي الْغَيْرِ :
الْأُولَى : قَالَ فِي الْكَشَّافِ :
nindex.php?page=treesubj&link=30565_28914شُبِّهُوا فِي اسْتِنَادِهِمْ وَمَا هُمْ إِلَّا أَجْرَامٌ خَالِيَةٌ عَنِ الْإِيمَانِ وَالْخَيْرِ ، بِالْخُشُبِ الْمُسَنَّدَةِ إِلَى الْحَائِطِ ، وَلِأَنَّ الْخَشَبَ إِذَا انْتُفِعَ بِهِ كَانَ فِي سَقْفٍ أَوْ جِدَارٍ أَوْ غَيْرِهِمَا مِنْ مَظَانِّ الِانْتِفَاعِ ، وَمَا دَامَ مَتْرُوكًا فَارِغًا غَيْرَ مُنْتَفَعٍ بِهِ أُسْنِدَ إِلَى الْحَائِطِ ، فَشُبِّهُوا بِهِ فِي عَدَمِ الِانْتِفَاعِ ، وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهَا الْأَصْنَامُ الْمَنْحُوتَةُ مِنَ الْخُشُبِ الْمُسَنَّدَةِ إِلَى الْحَائِطِ شُبِّهُوا بِهَا فِي حُسْنِ صُوَرِهِمْ ، وَقِلَّةِ جَدْوَاهُمْ .
الثَّانِيَةُ : الْخُشُبُ الْمُسَنَّدَةُ فِي الْأَصْلِ كَانَتْ غُصْنًا طَرِيًّا يَصْلُحُ لِأَنْ يَكُونَ مِنَ الْأَشْيَاءِ الْمُنْتَفَعِ بِهَا ، ثُمَّ تَصِيرُ غَلِيظَةً يَابِسَةً ، وَالْكَافِرُ وَالْمُنَافِقُ كَذَلِكَ كَانَ فِي الْأَصْلِ صَالِحًا لِكَذَا وَكَذَا ، ثُمَّ يَخْرُجُ عَنْ تِلْكَ الصَّلَاحِيَّةِ .
الثَّالِثَةُ : الْكَفَرَةُ مِنْ جِنْسِ الْإِنْسِ حَطَبٌ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=98حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ ) [ الْأَنْبِيَاءِ : 98 ] وَالْخُشُبُ الْمُسَنَّدَةُ حَطَبٌ . أَيْضًا .
الرَّابِعَةُ : أَنَّ الْخُشُبَ الْمُسَنَّدَةَ إِلَى الْحَائِطِ أَحَدُ طَرَفَيْهَا إِلَى جِهَةٍ ، وَالْآخَرُ إِلَى جِهَةٍ أُخْرَى ، وَالْمُنَافِقُونَ كَذَلِكَ ، لِأَنَّ الْمُنَافِقَ أَحَدُ طَرَفَيْهِ وَهُوَ الْبَاطِنُ إِلَى جِهَةِ أَهْلِ الْكُفْرِ ، وَالطَّرَفُ الْآخَرُ وَهُوَ الظَّاهِرُ إِلَى جِهَةِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ .
الْخَامِسَةُ : الْمُعْتَمِدُ عَلَيْهِ الْخُشُبُ الْمُسَنَّدَةُ مَا يَكُونُ مِنَ الْجَمَادَاتِ وَالنَّبَاتَاتِ ، وَالْمُعْتَمَدُ عَلَيْهِ لِلْمُنَافِقِينَ كَذَلِكَ ، وَإِذَا كَانُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِذْ هُوَ الْأَصْنَامُ ، إِنَّهَا مِنَ الْجَمَادَاتِ أَوِ النَّبَاتَاتِ .
الثَّانِي مِنَ الْمَبَاحِثِ أَنَّهُ تَعَالَى شَبَّهَهُمْ بِالْخُشُبِ الْمُسَنَّدَةِ ، ثُمَّ قَالَ مِنْ بَعْدُ مَا يُنَافِي هَذَا التَّشْبِيهَ وَهُوَ
[ ص: 16 ] قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=4يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ ) وَالْخُشُبُ الْمُسَنَّدَةُ لَا يَحْسَبُونَ أَصْلًا ، نَقُولُ : لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْمُشَبَّهُ وَالْمُشَبَّهُ بِهِ يَشْتَرِكَانِ فِي جَمِيعِ الْأَوْصَافِ ، فَهُمْ كَالْخُشُبِ الْمُسَنَّدَةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الِانْتِفَاعِ وَعَدَمِ الِانْتِفَاعِ ، وَلَيْسُوا كَالْخُشُبِ الْمُسَنَّدَةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الِاسْتِمَاعِ وَعَدَمِ الِاسْتِمَاعِ لِلصَّيْحَةِ وَغَيْرِهَا .
الثَّالِثُ : قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=6إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ) وَلَمْ يَقُلْ : الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ أَوِ الْمُنَافِقِينَ أَوِ الْمُسْتَكْبِرِينَ مَعَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِنْ جُمْلَةِ مَا سَبَقَ ذِكْرُهُ . نَقُولُ : كُلُّ أَحَدٍ مِنْ تِلْكَ الْأَقْوَامِ دَاخِلٌ تَحْتَ قَوْلِهِ : ( الْفَاسِقِينَ ) أَيِ الَّذِينَ سَبَقَ ذِكْرُهُمْ وَهُمُ الْكَافِرُونَ وَالْمُنَافِقُونَ وَالْمُسْتَكْبِرُونَ .