[ ص: 19 ] ( سورة التغابن )
ثمان عشرة آية مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
(
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=1يسبح لله ما في السماوات وما في الأرض له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير )
بسم الله الرحمن الرحيم
(
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=1يسبح لله ما في السماوات وما في الأرض له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير )
وجه التعلق بما قبلها ظاهر لما أن تلك السورة للمنافقين الكاذبين وهذه السورة للمنافقين الصادقين ، وأيضا تلك السورة مشتملة على بطالة أهل النفاق سرا وعلانية ، وهذه السورة على ما هو التهديد البالغ لهم ، وهو قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=4يعلم ما في السماوات والأرض ويعلم ما تسرون وما تعلنون والله عليم بذات الصدور ) وأما الأول بالآخر فلأن في آخر تلك السورة التنبيه على الذكر والشكر كما مر ، وفي أول هذه إشارة إلى أنهم إن أعرضوا عن الذكر والشكر ، قلنا : من الخلق قوم يواظبون على الذكر والشكر دائما ، وهم الذين يسبحون ، كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=1يسبح لله ما في السماوات وما في الأرض ) ، وقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=1له الملك وله الحمد ) معناه إذا
nindex.php?page=treesubj&link=33133سبح لله ما في السماوات وما في الأرض فله الملك وله الحمد ، ولما كان له الملك فهو متصرف في ملكه والتصرف مفتقر إلى القدرة فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=1وهو على كل شيء قدير ) وقال في الكشاف : قدم الظرفان ليدل بتقديمهما على معنى
nindex.php?page=treesubj&link=33144_29687اختصاص الملك والحمد بالله تعالى وذلك لأن الملك في الحقيقة له لأنه مبدئ لكل شيء ومبدعه والقائم به والمهيمن عليه ، كذلك الحمد فإن أصول النعم وفروعها منه ، وأما ملك غيره فتسليط منه واسترعاء ، وحمده اعتداد بأن نعمة الله جرت على يده ، وقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=1وهو على كل شيء قدير ) قيل : معناه وهو على كل شيء أراده قدير ، وقيل : قدير يفعل ما يشاء بقدر ما يشاء لا يزيد عليه ولا ينقص . وقد مر ذلك ، وفي الآية مباحث :
الأول : أنه تعالى قال في الحديد : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=1سبح ) والحشر والصف كذلك ، وفي الجمعة والتغابن (
nindex.php?page=tafseer&surano=62&ayano=1يسبح لله ) فما الحكمة فيه ؟ نقول : الجواب عنه قد تقدم .
البحث الثاني : قال في موضع : (
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=1سبح لله ما في السماوات وما في الأرض ) [ الحشر : 1 ] وفي موضع
[ ص: 20 ] nindex.php?page=treesubj&link=28912_28900آخر ( nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=1سبح لله ما في السماوات والأرض ) فما الحكمة فيه ؟
قلنا : الحكمة لا بد منها ، ولا نعلمها كما هي ، لكن نقول : ما يخطر بالبال ، وهو أن مجموع السماوات والأرض شيء واحد ، وهو عالم مؤلف من الأجسام الفلكية والعنصرية ، ثم الأرض من هذا المجموع شيء والباقي منه شيء آخر ، فقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=1يسبح لله ما في السماوات وما في الأرض ) بالنسبة إلى هذا الجزء من المجموع وبالنسبة إلى ذلك الجزء منه كذلك ، وإذا كان كذلك فلا يبعد أن يقال : قال تعالى في بعض السور كذا وفي البعض هذا ليعلم أن هذا العالم الجسماني من وجه شيء واحد ، ومن وجه شيئان بل أشياء كثيرة ، والخلق في المجموع غير ما في هذا الجزء ، وغير ما في ذلك أيضا ولا يلزم من وجود الشيء في المجموع أن يوجد في كل جزء من أجزائه إلا بدليل منفصل ، فقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=1سبح لله ما في السماوات وما في الأرض ) على سبيل المبالغة من جملة ذلك الدليل لما أنه يدل على تسبيح ما في السماوات ، وعلى تسبيح ما في الأرض ، كذلك بخلاف قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=1سبح لله ما في السماوات والأرض ) .
[ ص: 19 ] ( سُورَةُ التَّغَابُنِ )
ثَمَانِ عَشْرَةَ آيَةً مَكِّيَّةً
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=1يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=1يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )
وَجْهُ التَّعَلُّقِ بِمَا قَبْلَهَا ظَاهِرٌ لِمَا أَنَّ تِلْكَ السُّورَةَ لِلْمُنَافِقِينَ الْكَاذِبِينَ وَهَذِهِ السُّورَةُ لِلْمُنَافِقِينَ الصَّادِقِينَ ، وَأَيْضًا تِلْكَ السُّورَةُ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى بَطَالَةِ أَهْلِ النِّفَاقِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً ، وَهَذِهِ السُّورَةُ عَلَى مَا هُوَ التَّهْدِيدُ الْبَالِغُ لَهُمْ ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=4يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ) وَأَمَّا الْأَوَّلُ بِالْآخِرِ فَلِأَنَّ فِي آخِرِ تِلْكَ السُّورَةِ التَّنْبِيهَ عَلَى الذِّكْرِ وَالشُّكْرِ كَمَا مَرَّ ، وَفِي أَوَّلِ هَذِهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُمْ إِنْ أَعْرَضُوا عَنِ الذِّكْرِ وَالشُّكْرِ ، قُلْنَا : مِنَ الْخَلْقِ قَوْمٌ يُوَاظِبُونَ عَلَى الذِّكْرِ وَالشُّكْرِ دَائِمًا ، وَهُمُ الَّذِينَ يُسَبِّحُونَ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=1يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ) ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=1لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ ) مَعْنَاهُ إِذَا
nindex.php?page=treesubj&link=33133سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ فَلَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ ، وَلَمَّا كَانَ لَهُ الْمُلْكُ فَهُوَ مُتَصَرِّفٌ فِي مُلْكِهِ وَالتَّصَرُّفُ مُفْتَقِرٌ إِلَى الْقُدْرَةِ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=1وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) وَقَالَ فِي الْكَشَّافِ : قُدِّمَ الظَّرْفَانِ لِيَدُلَّ بِتَقْدِيمِهِمَا عَلَى مَعْنَى
nindex.php?page=treesubj&link=33144_29687اخْتِصَاصِ الْمُلْكِ وَالْحَمْدِ بِاللَّهِ تَعَالَى وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُلْكَ فِي الْحَقِيقَةِ لَهُ لِأَنَّهُ مُبْدِئٌ لِكُلِّ شَيْءٍ وَمُبْدِعُهُ وَالْقَائِمُ بِهِ وَالْمُهَيْمِنُ عَلَيْهِ ، كَذَلِكَ الْحَمْدُ فَإِنَّ أُصُولَ النِّعَمِ وَفُرُوعَهَا مِنْهُ ، وَأَمَّا مُلْكُ غَيْرِهِ فَتَسْلِيطٌ مِنْهُ وَاسْتِرْعَاءٌ ، وَحَمْدُهُ اعْتِدَادٌ بِأَنَّ نِعْمَةَ اللَّهِ جَرَتْ عَلَى يَدِهِ ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=1وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) قِيلَ : مَعْنَاهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ أَرَادَهُ قَدِيرٌ ، وَقِيلَ : قَدِيرٌ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ بِقَدْرِ مَا يَشَاءُ لَا يَزِيدُ عَلَيْهِ وَلَا يَنْقُصُ . وَقَدْ مَرَّ ذَلِكَ ، وَفِي الْآيَةِ مَبَاحِثُ :
الْأَوَّلُ : أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ فِي الْحَدِيدِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=1سَبَّحَ ) وَالْحَشْرِ وَالصَّفِّ كَذَلِكَ ، وَفِي الْجُمُعَةِ وَالتَّغَابُنِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=62&ayano=1يُسَبِّحُ لِلَّهِ ) فَمَا الْحِكْمَةُ فِيهِ ؟ نَقُولُ : الْجَوَابُ عَنْهُ قَدْ تَقَدَّمَ .
الْبَحْثُ الثَّانِي : قَالَ فِي مَوْضِعٍ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=1سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ) [ الْحَشْرِ : 1 ] وَفِي مَوْضِعٍ
[ ص: 20 ] nindex.php?page=treesubj&link=28912_28900آخَرَ ( nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=1سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) فَمَا الْحِكْمَةُ فِيهِ ؟
قُلْنَا : الْحِكْمَةُ لَا بُدَّ مِنْهَا ، وَلَا نَعْلَمُهَا كَمَا هِيَ ، لَكِنْ نَقُولُ : مَا يَخْطُرُ بِالْبَالِ ، وَهُوَ أَنَّ مَجْمُوعَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ شَيْءٌ وَاحِدٌ ، وَهُوَ عَالَمٌ مُؤَلَّفٌ مِنَ الْأَجْسَامِ الْفَلَكِيَّةِ وَالْعُنْصُرِيَّةِ ، ثُمَّ الْأَرْضُ مِنْ هَذَا الْمَجْمُوعِ شَيْءٌ وَالْبَاقِي مِنْهُ شَيْءٌ آخَرُ ، فَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=1يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ) بِالنِّسْبَةِ إِلَى هَذَا الْجُزْءِ مِنَ الْمَجْمُوعِ وَبِالنِّسْبَةِ إِلَى ذَلِكَ الْجُزْءِ مِنْهُ كَذَلِكَ ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ : قَالَ تَعَالَى فِي بَعْضِ السُّورِ كَذَا وَفِي الْبَعْضِ هَذَا لِيُعْلَمَ أَنَّ هَذَا الْعَالَمَ الْجُسْمَانِيَّ مِنْ وَجْهٍ شَيْءٌ وَاحِدٌ ، وَمِنْ وَجْهٍ شَيْئَانِ بَلْ أَشْيَاءُ كَثِيرَةٌ ، وَالْخَلْقُ فِي الْمَجْمُوعِ غَيْرُ مَا فِي هَذَا الْجُزْءِ ، وَغَيْرُ مَا فِي ذَلِكَ أَيْضًا وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ الشَّيْءِ فِي الْمَجْمُوعِ أَنْ يُوجَدَ فِي كُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهِ إِلَّا بِدَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ ، فَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=1سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ) عَلَى سَبِيلِ الْمُبَالَغَةِ مِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ الدَّلِيلِ لِمَا أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى تَسْبِيحِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ ، وَعَلَى تَسْبِيحِ مَا فِي الْأَرْضِ ، كَذَلِكَ بِخِلَافِ قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=1سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) .