(
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=2الذي خلق الموت والحياة )
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=2الذي خلق الموت والحياة ) فيه مسائل :
لمسألة الأولى : قالوا : الحياة هي الصفة التي يكون الموصوف بها بحيث يصح أن يعلم ويقدر ، واختلفوا في الموت ، فقال قوم : إنه عبارة عن عدم هذه الصفة ، وقال أصحابنا : إنه صفة وجودية مضادة للحياة ، واحتجوا على قولهم بأنه تعالى قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=2الذي خلق الموت ) والعدم لا يكون مخلوقا ، هذا هو التحقيق ، وروى
الكلبي بإسناده عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أن الله تعالى خلق الموت في صورة كبش أملح لا يمر بشيء ، ولا يجد رائحته شيء إلا مات ، وخلق الحياة في صورة فارس يلقاه فوق الحمار ودون البغل ، لا تمر بشيء ولا يجد ريحتها شيء إلا حيي . واعلم أن هذا لا بد وأن يكون مقولا على سبيل التمثيل والتصوير ، وإلا فالتحقيق هو الذي ذكرناه .
المسألة الثانية : إنما قدم ذكر الموت على ذكر الحياة مع أن الحياة مقدمة على الموت لوجوه :
أحدها : قال
مقاتل : يعني بالموت نطفة وعلقة ومضغة والحياة نفخ الروح .
وثانيها : روى
عطاء عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : يريد
[ ص: 49 ] الموت في الدنيا ، والحياة في الآخرة دار الحيوان .
وثالثها : أنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013849أن مناديا ينادي يوم القيامة : يا أهل الجنة ، فيعلمون أنه من قبل الله عز وجل فيقولون : لبيك ربنا وسعديك ، فيقول : هل وجدتم ما وعد ربكم حقا ؟ قالوا : نعم ، ثم nindex.php?page=treesubj&link=30299يؤتى بالموت في صورة كبش أملح ويذبح ، ثم ينادى : يا أهل الجنة خلود بلا موت ، ويا أهل النار خلود بلا موت ، فيزداد أهل الجنة فرحا إلى فرح ، ويزداد أهل النار حزنا إلى حزن " .
واعلم أنا بينا أن الموت عرض من الأعراض كالسكون والحركة ، فلا يجوز أن يصير كبشا بل المراد منه التمثيل ليعلم أن في ذلك اليوم قد انقضى أمر الموت ، فظهر بما ذكرناه أن أيام الموت هي أيام الدنيا وهي منقضية ، وأما أيام الآخرة فهي أيام الحياة وهي متأخرة ؛ فلما كانت أيام الموت متقدمة على أيام الحياة لا جرم قدم الله ذكر الموت على ذكر الحياة .
ورابعها : إنما قدم الموت على الحياة ؛ لأن
nindex.php?page=treesubj&link=1970_1969أقوى الناس داعيا إلى العمل من نصب موته بين عينيه ، فقدم لأنه فيما يرجع إلى الغرض له أهم .
المسألة الثالثة : اعلم أن الحياة هي الأصل في النعم ولولاها لم يتنعم أحد في الدنيا وهي الأصل أيضا في نعم الآخرة ولولاها لم يثبت الثواب الدائم ، والموت أيضا نعمة على ما شرحنا الحال فيه في مواضع من هذا الكتاب ، وكيف لا وهو الفاصل بين حال التكليف وحال المجازاة وهو نعمة من هذا الوجه ، قال عليه الصلاة والسلام : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013850أكثروا من ذكر هاذم اللذات " وقال لقوم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013851لو أكثرتم ذكر هاذم اللذات لشغلكم عما أرى "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013852وسأل عليه الصلاة والسلام عن رجل فأثنوا عليه ، فقال : "كيف ذكره الموت ؟ قالوا : قليل ، قال : فليس كما تقولون " .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=2الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ )
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=2الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ ) فِيهِ مَسَائِلُ :
لْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : قَالُوا : الْحَيَاةُ هِيَ الصِّفَةُ الَّتِي يَكُونُ الْمَوْصُوفُ بِهَا بِحَيْثُ يَصِحُّ أَنْ يَعْلَمَ وَيَقْدِرَ ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْمَوْتِ ، فَقَالَ قَوْمٌ : إِنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ عَدَمِ هَذِهِ الصِّفَةِ ، وَقَالَ أَصْحَابُنَا : إِنَّهُ صِفَةٌ وُجُودِيَّةٌ مُضَادَّةٌ لِلْحَيَاةِ ، وَاحْتَجُّوا عَلَى قَوْلِهِمْ بِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=2الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ ) وَالْعَدَمُ لَا يَكُونُ مَخْلُوقًا ، هَذَا هُوَ التَّحْقِيقُ ، وَرَوَى
الْكَلْبِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ الْمَوْتَ فِي صُورَةِ كَبْشٍ أَمْلَحَ لَا يَمُرُّ بِشَيْءٍ ، وَلَا يَجِدُ رَائِحَتَهُ شَيْءٌ إِلَّا مَاتَ ، وَخَلَقَ الْحَيَاةَ فِي صُورَةِ فَارِسٍ يَلْقَاهُ فَوْقَ الْحِمَارِ وَدُونَ الْبَغْلِ ، لَا تَمُرُّ بِشَيْءٍ وَلَا يَجِدُ رِيحَتَهَا شَيْءٌ إِلَّا حَيِيَ . وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ مَقُولًا عَلَى سَبِيلِ التَّمْثِيلِ وَالتَّصْوِيرِ ، وَإِلَّا فَالتَّحْقِيقُ هُوَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : إِنَّمَا قَدَّمَ ذِكْرَ الْمَوْتِ عَلَى ذِكْرِ الْحَيَاةِ مَعَ أَنَّ الْحَيَاةَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْمَوْتِ لِوُجُوهٍ :
أَحَدُهَا : قَالَ
مُقَاتِلٌ : يَعْنِي بِالْمَوْتِ نُطْفَةً وَعَلَقَةً وَمُضْغَةً وَالْحَيَاةُ نَفْخُ الرُّوحِ .
وَثَانِيهَا : رَوَى
عَطَاءٌ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : يُرِيدُ
[ ص: 49 ] الْمَوْتَ فِي الدُّنْيَا ، وَالْحَيَاةَ فِي الْآخِرَةِ دَارِ الْحَيَوَانِ .
وَثَالِثُهَا : أَنَّهُ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013849أَنَّ مُنَادِيًا يُنَادِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ : يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ ، فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَيَقُولُونَ : لَبَّيْكَ رَبَّنَا وَسَعْدَيْكَ ، فَيَقُولُ : هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا ؟ قَالُوا : نَعَمْ ، ثُمَّ nindex.php?page=treesubj&link=30299يُؤْتَى بِالْمَوْتِ فِي صُورَةِ كَبْشٍ أَمْلَحَ وَيُذْبَحُ ، ثُمَّ يُنَادَى : يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ خُلُودٌ بِلَا مَوْتٍ ، وَيَا أَهْلَ النَّارِ خُلُودٌ بِلَا مَوْتٍ ، فَيَزْدَادُ أَهْلُ الْجَنَّةِ فَرَحًا إِلَى فَرَحٍ ، وَيَزْدَادُ أَهْلُ النَّارِ حُزْنًا إِلَى حُزْنٍ " .
وَاعْلَمْ أَنَّا بَيَّنَّا أَنَّ الْمَوْتَ عَرَضٌ مِنَ الْأَعْرَاضِ كَالسُّكُونِ وَالْحَرَكَةِ ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَصِيرَ كَبْشًا بَلِ الْمُرَادُ مِنْهُ التَّمْثِيلُ لِيُعْلَمَ أَنَّ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ قَدِ انْقَضَى أَمْرُ الْمَوْتِ ، فَظَهَرَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّ أَيَّامَ الْمَوْتِ هِيَ أَيَّامُ الدُّنْيَا وَهِيَ مُنْقَضِيَةٌ ، وَأَمَّا أَيَّامُ الْآخِرَةِ فَهِيَ أَيَّامُ الْحَيَاةِ وَهِيَ مُتَأَخِّرَةٌ ؛ فَلَمَّا كَانَتْ أَيَّامُ الْمَوْتِ مُتَقَدِّمَةً عَلَى أَيَّامِ الْحَيَاةِ لَا جَرَمَ قَدَّمَ اللَّهُ ذِكْرَ الْمَوْتِ عَلَى ذِكْرِ الْحَيَاةِ .
وَرَابِعُهَا : إِنَّمَا قَدَّمَ الْمَوْتَ عَلَى الْحَيَاةِ ؛ لِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=1970_1969أَقْوَى النَّاسِ دَاعِيًا إِلَى الْعَمَلِ مَنْ نَصَبَ مَوْتَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ ، فَقُدِّمَ لِأَنَّهُ فِيمَا يَرْجِعُ إِلَى الْغَرَضِ لَهُ أَهَمُّ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : اعْلَمْ أَنَّ الْحَيَاةَ هِيَ الْأَصْلُ فِي النِّعَمِ وَلَوْلَاهَا لَمْ يَتَنَعَّمْ أَحَدٌ فِي الدُّنْيَا وَهِيَ الْأَصْلُ أَيْضًا فِي نِعَمِ الْآخِرَةِ وَلَوْلَاهَا لَمْ يَثْبُتِ الثَّوَابُ الدَّائِمُ ، وَالْمَوْتُ أَيْضًا نِعْمَةٌ عَلَى مَا شَرَحْنَا الْحَالَ فِيهِ فِي مَوَاضِعَ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ ، وَكَيْفَ لَا وَهُوَ الْفَاصِلُ بَيْنَ حَالِ التَّكْلِيفِ وَحَالِ الْمُجَازَاةِ وَهُوَ نِعْمَةٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ ، قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013850أَكْثِرُوا مِنْ ذِكْرِ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ " وَقَالَ لِقَوْمٍ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013851لَوْ أَكْثَرْتُمْ ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ لَشَغَلَكُمْ عَمَّا أَرَى "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013852وَسَأَلَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَنْ رَجُلٍ فَأَثْنَوْا عَلَيْهِ ، فَقَالَ : "كَيْفَ ذِكْرُهُ الْمَوْتَ ؟ قَالُوا : قَلِيلٌ ، قَالَ : فَلَيْسَ كَمَا تَقُولُونَ " .