(
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=2ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور ) قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=2ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور ) وفيه مسائل :
المسألة الأولى :
nindex.php?page=treesubj&link=30355الابتلاء هو التجربة والامتحان حتى يعلم أنه هل يطيع أو يعصي ، وذلك في حق من وجب أن يكون عالما بجميع المعلومات أزلا وأبدا محال ، إلا أنا قد حققنا هذه المسألة في تأويل قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=124وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات ) ( البقرة : 124 ) والحاصل أن الابتلاء من الله هو أن يعامل عبده معاملة تشبه ( الابتلاء ) على المختبر .
المسألة الثانية : احتج القائلون بأنه تعالى يفعل الفعل لغرض بقوله : ( ليبلوكم ) قالوا : هذه اللام للغرض ، ونظيره قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=56إلا ليعبدون ) ( الذاريات : 56 ) وجوابه أن الفعل في نفسه ليس بابتلاء إلا أنه لما أشبه الابتلاء سمي مجازا ، فكذا ههنا ، فإنه يشبه الغرض وإن لم يكن في نفسه غرضا ، فذكر فيه حرف الغرض .
المسألة الثالثة : اعلم أنا فسرنا الموت والحياة بالموت حال كونه نطفة وعلقة ومضغة ، والحياة بعد ذلك . فوجه الابتلاء على هذا الوجه أن يعلم أنه تعالى هو الذي نقله من الموت إلى الحياة ، وكما فعل ذلك فلا بد وأن يكون قادرا على أن ينقله من الحياة إلى الموت فيحذر مجيء الموت الذي به ينقطع استدراك ما فات ويستوي فيه الفقير والغني والمولى والعبد ، وأما إن فسرناهما بالموت في الدنيا وبالحياة في القيامة فالابتلاء فيهما أتم ؛ لأن الخوف من الموت في الدنيا حاصل ، وأشد منه الخوف من تبعات الحياة في القيامة ، والمراد من الابتلاء أنه هل ينزجر عن القبائح بسبب هذا الخوف أم لا ؟
[ ص: 50 ]
المسألة الرابعة : في تعلق قوله : ( ليبلوكم ) بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=2أيكم أحسن عملا ) وجهان :
الأول : وهو قول
الفراء والزجاج : إن المتعلق بـ"أيكم" مضمر ، والتقدير : ليبلوكم فيعلم أو فينظر أيكم أحسن عملا .
المسألة الخامسة : ارتفعت ( أي ) بالابتداء ، ولا يعمل فيها ما قبلها ؛ لأنها على أصل الاستفهام فإنك إذا قلت : لا أعلم أيكم أفضل كان المعنى لا أعلم أزيد أفضل أم عمرو . واعلم أن ما لا يعمل فيما بعد الألف فكذلك لا يعمل في ( أي ) ؛ لأن المعنى واحد ، ونظير هذه الآية قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=40سلهم أيهم بذلك زعيم ) ( القلم : 40 ) وقد تقدم الكلام فيه .
المسألة السادسة : ذكروا في تفسير (
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=2أحسن عملا ) وجوها :
أحدها : أن يكون أخلص الأعمال وأصوبها ؛ لأن
nindex.php?page=treesubj&link=29550العمل إذا كان خالصا غير صواب لم يقبل ، وكذلك إذا كان صوابا غير خالص ، فالخالص أن يكون لوجه الله ، والصواب أن يكون على السنة .
وثانيها : قال
قتادة :
سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : "يقول أيكم أحسن عقلا" ثم قال : أتمكم عقلا أشدكم لله خوفا وأحسنكم فيما أمر الله به ونهى عنه نظرا ، وإنما جاز أن يفسر حسن العمل بتمام العقل ؛ لأنه يترتب على العقل ، فمن كان أتم عقلا كان أحسن عملا على ما ذكر في حديث
قتادة .
وثالثها : روي عن
الحسن : أيكم أزهد في الدنيا وأشد تركا لها ، واعلم أنه لما ذكر حديث الابتلاء قال بعده : (
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=2وهو العزيز الغفور ) أي وهو العزيز الغالب الذي لا يعجزه من أساء العمل ، الغفور لمن تاب من أهل الإساءة .
واعلم أن كونه عزيزا غفورا لا يتم إلا بعد كونه قادرا على كل المقدورات عالما بكل المعلومات ، أما أنه لا بد من القدرة التامة ، فلأجل أن يتمكن من إيصال جزاء كل أحد بتمامه إليه سواء كان عقابا أو ثوابا ، وأما أنه لا بد من العلم التام فلأجل أن يعلم أن المطيع من هو والعاصي من هو ، فلا يقع الخطأ في إيصال الحق إلى مستحقه ، فثبت أن كونه عزيزا غفورا لا يمكن ثبوتها إلا بعد ثبوت القدرة التامة والعلم التام ، فلهذا السبب ذكر الله الدليل على ثبوت هاتين الصفتين في هذا المقام ، ولما كان العلم بكونه تعالى قادرا متقدما على العلم بكونه عالما ، لا جرم ذكر أولا دلائل القدرة ، وثانيا دلائل العلم .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=2لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ) قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=2لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ) وَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى :
nindex.php?page=treesubj&link=30355الِابْتِلَاءُ هُوَ التَّجْرِبَةُ وَالِامْتِحَانُ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهُ هَلْ يُطِيعُ أَوْ يَعْصِي ، وَذَلِكَ فِي حَقِّ مَنْ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِجَمِيعِ الْمَعْلُومَاتِ أَزَلًا وَأَبَدًا مُحَالٌ ، إِلَّا أَنَّا قَدْ حَقَّقْنَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=124وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ ) ( الْبَقَرَةِ : 124 ) وَالْحَاصِلُ أَنَّ الِابْتِلَاءَ مِنَ اللَّهِ هُوَ أَنْ يُعَامِلَ عَبْدَهُ مُعَامَلَةً تُشْبِهُ ( الِابْتِلَاءَ ) عَلَى الْمُخْتَبَرِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : احْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ تَعَالَى يَفْعَلُ الْفِعْلَ لِغَرَضٍ بِقَوْلِهِ : ( لِيَبْلُوَكُمْ ) قَالُوا : هَذِهِ اللَّامُ لِلْغَرَضِ ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=56إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) ( الذَّارِيَاتِ : 56 ) وَجَوَابُهُ أَنَّ الْفِعْلَ فِي نَفْسِهِ لَيْسَ بِابْتِلَاءٍ إِلَّا أَنَّهُ لَمَّا أَشْبَهَ الِابْتِلَاءَ سُمِّيَ مَجَازًا ، فَكَذَا هَهُنَا ، فَإِنَّهُ يُشْبِهُ الْغَرَضَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي نَفْسِهِ غَرَضًا ، فَذَكَرَ فِيهِ حَرْفَ الْغَرَضِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : اعْلَمْ أَنَّا فَسَّرْنَا الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ بِالْمَوْتِ حَالَ كَوْنِهِ نُطْفَةً وَعَلَقَةً وَمُضْغَةً ، وَالْحَيَاةُ بَعْدَ ذَلِكَ . فَوَجْهُ الِابْتِلَاءِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّهُ تَعَالَى هُوَ الَّذِي نَقَلَهُ مِنَ الْمَوْتِ إِلَى الْحَيَاةِ ، وَكَمَا فَعَلَ ذَلِكَ فَلَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ قَادِرًا عَلَى أَنْ يَنْقُلَهُ مِنَ الْحَيَاةِ إِلَى الْمَوْتِ فَيَحْذَرُ مَجِيءَ الْمَوْتِ الَّذِي بِهِ يَنْقَطِعُ اسْتِدْرَاكُ مَا فَاتَ وَيَسْتَوِي فِيهِ الْفَقِيرُ وَالْغَنِيُّ وَالْمَوْلَى وَالْعَبْدُ ، وَأَمَّا إِنْ فَسَّرْنَاهُمَا بِالْمَوْتِ فِي الدُّنْيَا وَبِالْحَيَاةِ فِي الْقِيَامَةِ فَالِابْتِلَاءُ فِيهِمَا أَتَمُّ ؛ لِأَنَّ الْخَوْفَ مِنَ الْمَوْتِ فِي الدُّنْيَا حَاصِلٌ ، وَأَشَدُّ مِنْهُ الْخَوْفُ مِنْ تَبِعَاتِ الْحَيَاةِ فِي الْقِيَامَةِ ، وَالْمُرَادُ مِنَ الِابْتِلَاءِ أَنَّهُ هَلْ يَنْزَجِرُ عَنِ الْقَبَائِحِ بِسَبَبِ هَذَا الْخَوْفِ أَمْ لَا ؟
[ ص: 50 ]
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : فِي تَعَلُّقِ قَوْلِهِ : ( لِيَبْلُوَكُمْ ) بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=2أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ) وَجْهَانِ :
الْأَوَّلُ : وَهُوَ قَوْلُ
الْفَرَّاءِ وَالزَّجَّاجِ : إِنَّ الْمُتَعَلِّقَ بِـ"أَيُّكُمْ" مُضْمَرٌ ، وَالتَّقْدِيرُ : لِيَبْلُوَكُمْ فَيَعْلَمَ أَوْ فَيَنْظُرَ أَيَّكُمْ أَحْسَنَ عَمَلًا .
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ : ارْتَفَعَتْ ( أَيُّ ) بِالِابْتِدَاءِ ، وَلَا يَعْمَلُ فِيهَا مَا قَبْلَهَا ؛ لِأَنَّهَا عَلَى أَصْلِ الِاسْتِفْهَامِ فَإِنَّكَ إِذَا قُلْتَ : لَا أَعْلَمُ أَيُّكُمْ أَفْضَلُ كَانَ الْمَعْنَى لَا أَعْلَمُ أَزَيْدٌ أَفْضَلُ أَمْ عَمْرٌو . وَاعْلَمْ أَنَّ مَا لَا يَعْمَلُ فِيمَا بَعْدَ الْأَلِفِ فَكَذَلِكَ لَا يَعْمَلُ فِي ( أَيٍّ ) ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى وَاحِدٌ ، وَنَظِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=40سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ ) ( الْقَلَمِ : 40 ) وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ .
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ : ذَكَرُوا فِي تَفْسِيرِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=2أَحْسَنُ عَمَلًا ) وُجُوهًا :
أَحَدُهَا : أَنْ يَكُونَ أَخْلَصَ الْأَعْمَالِ وَأَصْوَبَهَا ؛ لِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29550الْعَمَلَ إِذَا كَانَ خَالِصًا غَيْرَ صَوَابٍ لَمْ يُقْبَلْ ، وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ صَوَابًا غَيْرَ خَالِصٍ ، فَالْخَالِصُ أَنْ يَكُونَ لِوَجْهِ اللَّهِ ، وَالصَّوَابُ أَنْ يَكُونَ عَلَى السُّنَّةِ .
وَثَانِيهَا : قَالَ
قَتَادَةُ :
سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : "يَقُولُ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَقْلًا" ثُمَّ قَالَ : أَتَمُّكُمْ عَقْلًا أَشَدُّكُمْ لِلَّهِ خَوْفًا وَأَحْسَنُكُمْ فِيمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَنَهَى عَنْهُ نَظَرًا ، وَإِنَّمَا جَازَ أَنْ يُفَسَّرَ حُسْنُ الْعَمَلِ بِتَمَامِ الْعَقْلِ ؛ لِأَنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَى الْعَقْلِ ، فَمَنْ كَانَ أَتَمَّ عَقْلًا كَانَ أَحْسَنَ عَمَلًا عَلَى مَا ذُكِرَ فِي حَدِيثِ
قَتَادَةَ .
وَثَالِثُهَا : رُوِيَ عَنِ
الْحَسَنِ : أَيُّكُمْ أَزْهَدُ فِي الدُّنْيَا وَأَشَدُّ تَرْكًا لَهَا ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ حَدِيثَ الِابْتِلَاءِ قَالَ بَعْدَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=2وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ) أَيْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَالِبُ الَّذِي لَا يُعْجِزُهُ مَنْ أَسَاءَ الْعَمَلَ ، الْغَفُورُ لِمَنْ تَابَ مِنْ أَهْلِ الْإِسَاءَةِ .
وَاعْلَمْ أَنَّ كَوْنَهُ عَزِيزًا غَفُورًا لَا يَتِمُّ إِلَّا بَعْدَ كَوْنِهِ قَادِرًا عَلَى كُلِّ الْمَقْدُورَاتِ عَالِمًا بِكُلِّ الْمَعْلُومَاتِ ، أَمَّا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنَ الْقُدْرَةِ التَّامَّةِ ، فَلِأَجْلِ أَنْ يَتَمَكَّنَ مِنْ إِيصَالِ جَزَاءِ كُلِّ أَحَدٍ بِتَمَامِهِ إِلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ عِقَابًا أَوْ ثَوَابًا ، وَأَمَّا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنَ الْعِلْمِ التَّامِّ فَلِأَجْلِ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الْمُطِيعَ مَنْ هُوَ وَالْعَاصِيَ مَنْ هُوَ ، فَلَا يَقَعُ الْخَطَأُ فِي إِيصَالِ الْحَقِّ إِلَى مُسْتَحِقِّهِ ، فَثَبَتَ أَنَّ كَوْنَهُ عَزِيزًا غَفُورًا لَا يُمْكِنُ ثُبُوتُهَا إِلَّا بَعْدَ ثُبُوتِ الْقُدْرَةِ التَّامَّةِ وَالْعِلْمِ التَّامِّ ، فَلِهَذَا السَّبَبِ ذَكَرَ اللَّهُ الدَّلِيلَ عَلَى ثُبُوتِ هَاتَيْنِ الصِّفَتَيْنِ فِي هَذَا الْمَقَامِ ، وَلَمَّا كَانَ الْعِلْمُ بِكَوْنِهِ تَعَالَى قَادِرًا مُتَقَدِّمًا عَلَى الْعِلْمِ بِكَوْنِهِ عَالِمًا ، لَا جَرَمَ ذَكَرَ أَوَّلًا دَلَائِلَ الْقُدْرَةِ ، وَثَانِيًا دَلَائِلَ الْعِلْمِ .