(
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=50nindex.php?page=treesubj&link=29039_31975_18752فاجتباه ربه فجعله من الصالحين nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=51وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر ) فيه مسألتان :
المسألة الأولى : في الآية وجهان :
أحدهما : قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : رد الله إليه الوحي وشفعه في قومه .
والثاني : قال قوم : ولعله ما كان رسولا صاحب وحي قبل هذه الواقعة ، ثم بعد هذه الواقعة جعله الله رسولا ، وهو المراد من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=50فاجتباه ربه ) والذين أنكروا الكرامات والإرهاص لا بد وأن يختاروا القول الأول ؛ لأن احتباسه في بطن الحوت وعدم موته هناك لما لم يكن إرهاصا ولا كرامة فلا بد وأن يكون معجزة ، وذلك يقتضي أنه كان رسولا في تلك الحالة .
[ ص: 88 ]
المسألة الثانية : احتج الأصحاب على أن
nindex.php?page=treesubj&link=28785فعل العبد خلق الله تعالى بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=50فجعله من الصالحين ) فالآية تدل على أن ذلك الصلاح إنما حصل بجعل الله وخلقه ، قال
الجبائي : يحتمل أن يكون معنى ( جعله ) أنه أخبر بذلك ، ويحتمل أن يكون لطف به حتى صلح إذ الجعل يستعمل في اللغة في هذه المعاني .
والجواب : أن هذين الوجهين اللذين ذكرتم مجاز ، والأصل في الكلام الحقيقة .
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=51وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر ) فيه مسألتان :
المسألة الأولى : إن مخففة من الثقيلة واللام علمها .
المسألة الثانية : قرئ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=51ليزلقونك ) بضم الياء وفتحها ، وزلقه وأزلقه بمعنى ويقال : زلق الرأس وأزلقه حلقه ، وقرئ ( ليزهقونك ) من زهقت نفسه وأزهقها ، ثم فيه وجوه :
أحدها : أنهم من شدة تحديقهم ونظرهم إليك شزرا بعيون العداوة والبغضاء يكادون يزلون قدمك من قولهم : نظر إلي نظرا يكاد يصرعني ، ويكاد يأكلني ، أي لو أمكنه بنظره الصرع أو الأكل لفعله ، قال الشاعر :
يتقارضون إذا التقوا في موطن نظرا يزيل مواطئ الأقدام
وأنشد
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس لما مر بأقوام حددوا النظر إليه :
نظروا إلي بأعين محمرة نظر التيوس إلى شفار الجازر
وبين الله تعالى أن هذا النظر كان يشتد منهم في حال قراءة النبي صلى الله عليه وسلم للقرآن وهو قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=51لما سمعوا الذكر ) .
الثاني : منهم من حمله على الإصابة بالعين ، وههنا مقامان :
أحدهما : الإصابة بالعين ، هل لها في الجملة حقيقة أم لا ؟
الثاني : أن بتقدير كونها صحيحة ، فهل الآية ههنا مفسرة بها أم لا ؟
المقام الأول : من الناس من أنكر ذلك ، وقال : تأثير الجسم في الجسم لا يعقل إلا بواسطة المماسة ، وههنا لا مماسة ، فامتنع حصول التأثير .
واعلم أن المقدمة الأولى ضعيفة ؛ وذلك لأن الإنسان إما أن يكون عبارة عن النفس أو عن البدن ، فإن كان الأول لم يمتنع اختلاف النفوس في جواهرها وماهياتها ، وإذا كان كذلك لم يمتنع أيضا اختلافها في لوازمها وآثارها ، فلا يستبعد أن يكون لبعض النفوس خاصية في التأثير ، وإن كان الثاني لم يمتنع أيضا أن يكون مزاج إنسان واقعا على وجه مخصوص يكون له أثر خاص ، وبالجملة فالاحتمال العقلي قائم ، وليس في بطلانه شبهة فضلا عن حجة ، والدلائل السمعية ناطقة بذلك ، كما يروى أنه عليه الصلاة والسلام قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013863العين حق " وقال : "
العين تدخل الرجل القبر والجمل القدر " .
والمقام الثاني : من الناس من فسر الآية بهذا المعنى قالوا : كانت العين في
بني أسد ، وكان الرجل منهم يتجوع ثلاثة أيام فلا يمر به شيء ، فيقول فيه : لم أر كاليوم مثله ، إلا عانه ، فالتمس الكفار من بعض من كانت له هذه الصفة أن يقول في رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك ، فعصمه الله تعالى ، وطعن
الجبائي في هذا التأويل ، وقال : الإصابة بالعين تنشأ عن استحسان الشيء ، والقوم ما كانوا ينظرون إلى الرسول عليه السلام على هذا الوجه ، بل كانوا يمقتونه ويبغضونه ، والنظر على هذا الوجه لا يقتضي الإصابة بالعين .
[ ص: 89 ]
واعلم أن هذا السؤال ضعيف ؛ لأنهم وإن كانوا يبغضونه من حيث الدين لعلهم كانوا يستحسنون فصاحته ، وإيراده للدلائل . وعن
الحسن : دواء الإصابة بالعين قراءة هذه الآية .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=50nindex.php?page=treesubj&link=29039_31975_18752فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=51وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ ) فِيهِ مَسْأَلَتَانِ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : فِي الْآيَةِ وَجْهَانِ :
أَحَدُهُمَا : قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : رَدَّ اللَّهُ إِلَيْهِ الْوَحْيَ وَشَفَّعَهُ فِي قَوْمِهِ .
وَالثَّانِي : قَالَ قَوْمٌ : وَلَعَلَّهُ مَا كَانَ رَسُولًا صَاحِبَ وَحْيٍ قَبْلَ هَذِهِ الْوَاقِعَةِ ، ثُمَّ بَعْدَ هَذِهِ الْوَاقِعَةِ جَعَلَهُ اللَّهُ رَسُولًا ، وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=50فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ ) وَالَّذِينَ أَنْكَرُوا الْكَرَامَاتِ وَالْإِرْهَاصَ لَا بُدَّ وَأَنْ يَخْتَارُوا الْقَوْلَ الْأَوَّلَ ؛ لِأَنَّ احْتِبَاسَهُ فِي بَطْنِ الْحُوتِ وَعَدَمَ مَوْتِهِ هُنَاكَ لَمَّا لَمْ يَكُنْ إِرْهَاصًا وَلَا كَرَامَةً فَلَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ مُعْجِزَةً ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّهُ كَانَ رَسُولًا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ .
[ ص: 88 ]
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : احْتَجَّ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28785فِعْلَ الْعَبْدِ خَلْقُ اللَّهِ تَعَالَى بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=50فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ ) فَالْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الصَّلَاحَ إِنَّمَا حَصَلَ بِجَعْلِ اللَّهِ وَخَلْقِهِ ، قَالَ
الْجُبَّائِيُّ : يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى ( جَعَلَهُ ) أَنَّهُ أَخْبَرَ بِذَلِكَ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لَطَفَ بِهِ حَتَّى صَلَحَ إِذِ الْجَعْلُ يُسْتَعْمَلُ فِي اللُّغَةِ فِي هَذِهِ الْمَعَانِي .
وَالْجَوَابُ : أَنَّ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْتُمْ مَجَازٌ ، وَالْأَصْلُ فِي الْكَلَامِ الْحَقِيقَةُ .
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=51وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ ) فِيهِ مَسْأَلَتَانِ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : إِنْ مُخَفَّفَةٌ مِنَ الثَّقِيلَةِ وَاللَّامُ عَلَمُهَا .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : قُرِئَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=51لَيُزْلِقُونَكَ ) بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِهَا ، وَزَلَقَهُ وَأَزْلَقَهُ بِمَعْنًى وَيُقَالُ : زَلَقَ الرَّأْسَ وَأَزْلَقَهُ حَلَقَهُ ، وَقُرِئَ ( لَيُزْهِقُونَكَ ) مِنْ زَهَقَتْ نَفْسُهُ وَأَزْهَقَهَا ، ثُمَّ فِيهِ وُجُوهٌ :
أَحَدُهَا : أَنَّهُمْ مِنْ شِدَّةِ تَحْدِيقِهِمْ وَنَظَرِهِمْ إِلَيْكَ شَزْرًا بِعُيُونِ الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ يَكَادُونَ يُزِلُّونَ قَدَمَكَ مِنْ قَوْلِهِمْ : نَظَرَ إِلَيَّ نَظَرًا يَكَادُ يَصْرَعُنِي ، وَيَكَادُ يَأْكُلُنِي ، أَيْ لَوْ أَمْكَنَهُ بِنَظَرِهِ الصَّرْعُ أَوِ الْأَكْلُ لَفَعَلَهُ ، قَالَ الشَّاعِرُ :
يَتَقَارَضُونَ إِذَا الْتَقَوْا فِي مَوْطِنٍ نَظَرًا يُزِيلُ مَوَاطِئَ الْأَقْدَامِ
وَأَنْشَدَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ لَمَّا مَرَّ بِأَقْوَامٍ حَدَّدُوا النَّظَرَ إِلَيْهِ :
نَظَرُوا إِلَيَّ بِأَعْيُنٍ مُحَمَّرَةٍ نَظَرَ التُّيُوسِ إِلَى شِفَارِ الْجَازِرِ
وَبَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ هَذَا النَّظَرَ كَانَ يَشْتَدُّ مِنْهُمْ فِي حَالِ قِرَاءَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْقُرْآنِ وَهُوَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=51لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ ) .
الثَّانِي : مِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى الْإِصَابَةِ بِالْعَيْنِ ، وَهَهُنَا مَقَامَانِ :
أَحَدُهُمَا : الْإِصَابَةُ بِالْعَيْنِ ، هَلْ لَهَا فِي الْجُمْلَةِ حَقِيقَةٌ أَمْ لَا ؟
الثَّانِي : أَنَّ بِتَقْدِيرِ كَوْنِهَا صَحِيحَةً ، فَهَلِ الْآيَةُ هَهُنَا مُفَسَّرَةٌ بِهَا أَمْ لَا ؟
الْمَقَامُ الْأَوَّلُ : مِنَ النَّاسِ مَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ ، وَقَالَ : تَأْثِيرُ الْجِسْمِ فِي الْجِسْمِ لَا يُعْقَلُ إِلَّا بِوَاسِطَةِ الْمُمَاسَّةِ ، وَهَهُنَا لَا مُمَاسَّةَ ، فَامْتَنَعَ حُصُولُ التَّأْثِيرِ .
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُقَدِّمَةَ الْأُولَى ضَعِيفَةٌ ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ عِبَارَةً عَنِ النَّفْسِ أَوْ عَنِ الْبَدَنِ ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ لَمْ يَمْتَنِعِ اخْتِلَافُ النُّفُوسِ فِي جَوَاهِرِهَا وَمَاهِيَّاتِهَا ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَمْتَنِعْ أَيْضًا اخْتِلَافُهَا فِي لَوَازِمِهَا وَآثَارِهَا ، فَلَا يُسْتَبْعَدُ أَنْ يَكُونَ لِبَعْضِ النُّفُوسِ خَاصِّيَّةٌ فِي التَّأْثِيرِ ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي لَمْ يَمْتَنِعْ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ مِزَاجُ إِنْسَانٍ وَاقِعًا عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ يَكُونُ لَهُ أَثَرٌ خَاصٌّ ، وَبِالْجُمْلَةِ فَالِاحْتِمَالُ الْعَقْلِيُّ قَائِمٌ ، وَلَيْسَ فِي بُطْلَانِهِ شُبْهَةٌ فَضْلًا عَنْ حُجَّةٍ ، وَالدَّلَائِلُ السَّمْعِيَّةُ نَاطِقَةٌ بِذَلِكَ ، كَمَا يُرْوَى أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013863الْعَيْنُ حَقٌّ " وَقَالَ : "
الْعَيْنُ تُدْخِلُ الرَّجُلَ الْقَبْرَ وَالْجَمَلَ الْقِدْرَ " .
وَالْمَقَامُ الثَّانِي : مِنَ النَّاسِ مَنْ فَسَّرَ الْآيَةَ بِهَذَا الْمَعْنَى قَالُوا : كَانَتِ الْعَيْنُ فِي
بَنِي أَسَدٍ ، وَكَانَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ يَتَجَوَّعُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَلَا يَمُرُّ بِهِ شَيْءٌ ، فَيَقُولُ فِيهِ : لَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ مِثْلَهُ ، إِلَّا عَانَهُ ، فَالْتَمَسَ الْكُفَّارُ مِنْ بَعْضِ مَنْ كَانَتْ لَهُ هَذِهِ الصِّفَةُ أَنْ يَقُولَ فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ ، فَعَصَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ، وَطَعَنَ
الْجُبَّائِيُّ فِي هَذَا التَّأْوِيلِ ، وَقَالَ : الْإِصَابَةُ بِالْعَيْنِ تَنْشَأُ عَنِ اسْتِحْسَانِ الشَّيْءِ ، وَالْقَوْمُ مَا كَانُوا يَنْظُرُونَ إِلَى الرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ ، بَلْ كَانُوا يَمْقُتُونَهُ وَيُبْغِضُونَهُ ، وَالنَّظَرُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَا يَقْتَضِي الْإِصَابَةَ بِالْعَيْنِ .
[ ص: 89 ]
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا السُّؤَالَ ضَعِيفٌ ؛ لِأَنَّهُمْ وَإِنْ كَانُوا يُبْغِضُونَهُ مِنْ حَيْثُ الدِّينِ لَعَلَّهُمْ كَانُوا يَسْتَحْسِنُونَ فَصَاحَتَهُ ، وَإِيرَادَهُ لِلدَّلَائِلِ . وَعَنِ
الْحَسَنِ : دَوَاءُ الْإِصَابَةِ بِالْعَيْنِ قِرَاءَةُ هَذِهِ الْآيَةِ .