( ما أغنى عني ماليه  هلك عني سلطانيه  خذوه فغلوه  ثم الجحيم صلوه  ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه    ) . 
ثم قال : ( ما أغنى عني ماليه  هلك عني سلطانيه  خذوه فغلوه  ثم الجحيم صلوه  ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه    )   [ ص: 101 ]   ( ما أغنى    ) نفي واستفهام على وجه الإنكار أي : أي شيء أغنى عني ما كان لي من اليسار ، ونظيره قوله : ( ويأتينا فردا    ) [مريم : 80] وقوله : ( هلك عني سلطانيه    ) في المراد ب " سلطانيه " وجهان : 
أحدهما : قال  ابن عباس    : ضلت عني حجتي التي كنت أحتج بها على محمد  في الدنيا . وقال مقاتل    : ضلت عني حجتي يعني حين شهدت عليه الجوارح بالشرك . 
والثاني : ذهب ملكي وتسلطي على الناس وبقيت فقيرا ذليلا ، وقيل معناه : إنني إنما كنت أنازع المحقين بسبب الملك والسلطان ، فالآن ذهب ذلك الملك وبقي الوبال . 
واعلم أنه تعالى ذكر سرور السعداء أولا ، ثم ذكر أحوالهم في العيش الطيب وفي الأكل والشرب ، كذا ههنا ذكر غم الأشقياء وحزنهم ، ثم ذكر أحوالهم في الغل والقيد وطعام الغسلين ، فأولها أن تقول خزنة جهنم : خذوه, فيبتدر إليه مائة ألف ملك ، وتجمع يده إلى عنقه ، فذاك قوله : ( فغلوه    ) وقوله : ( ثم الجحيم صلوه    ) قال المبرد : أصليته النار إذا أوردته إياها وصليته أيضا كما يقال أكرمته وكرمته ، وقوله : ( ثم الجحيم صلوه    ) معناه لا تصلوه إلا الجحيم ، وهي النار العظمى ؛ لأنه كان سلطانا يتعظم على الناس ، ثم في سلسلة وهي حلق منتظمة ؛ كل حلقة منها في حلقة , وكل شيء مستمر بعد شيء على الولاء والنظام فهو مسلسل ، وقوله : ( ذرعها    ) معنى الذرع في اللغة : التقدير بالذراع من اليد ، يقال : ذرع الثوب يذرعه ذرعا إذا قدره بذراعه ، وقوله : ( سبعون ذراعا    ) فيه قولان : 
أحدهما : أنه ليس الغرض التقدير بهذا المقدار بل الوصف بالطول ، كما قال : ( إن تستغفر لهم سبعين مرة    ) يريد مرات كثيرة . 
والثاني : أنه مقدر بهذا المقدار ثم قالوا : كل ذراع سبعون باعا, وكل باع أبعد مما بين مكة  والكوفة  ، وقال الحسن    : الله أعلم بأي ذراع هو ، وقوله : ( فاسلكوه    ) قال  المبرد    : يقال : سلكه في الطريق وفي القيد وغير ذلك , وأسلكته معناه أدخلته , ولغة القرآن سلكته قال الله تعالى : ( ما سلككم في سقر    ) [المدثر : 42] وقال : ( سلكناه في قلوب المجرمين    ) [الشعراء : 200] قال  ابن عباس    : تدخل السلسلة من دبره وتخرج من حلقه ، ثم يجمع بين ناصيته وقدميه ، وقال الكلبي    : كما يسلك الخيط في اللؤلؤ ثم يجعل في عنقه سائرها ، وههنا سؤالات : 
السؤال الأول : ما الفائدة في تطويل هذه السلسلة ؟ ( الجواب ) : قال سويد بن أبي نجيح    : بلغني أن جميع أهل النار  في تلك السلسلة ، وإذا كان الجمع من الناس مقيدين بالسلسة الواحدة كان العذاب على كل واحد منهم بذلك السبب أشد . 
السؤال الثاني : سلك السلسلة فيهم معقول ، أما سلكهم في السلسلة فما معناه ؟ ( الجواب ) : سلكه في السلسلة أن تلوى على جسده حتى تلتف عليه أجزاؤها وهو فيما بينها مزهق مضيق عليه لا يقدر على حركة ، وقال الفراء    : المعنى ثم اسلكوا فيه السلسلة كما يقال : أدخلت رأسي في القلنسوة وأدخلتها في رأسي ، ويقال : الخاتم لا يدخل في إصبعي ، والإصبع هو الذي يدخل في الخاتم . 
السؤال الثالث : لم قال في سلسلة : فاسلكوه ، ولم يقل : فاسلكوه في سلسلة ؟ ( الجواب ) : المعنى في تقديم السلسلة على السلك هو الذي ذكرناه في تقديم الجحيم على التصلية ، أي : لا تسلكوه إلا في هذه السلسلة ؛ لأنها أفظع من سائر السلاسل . 
السؤال الرابع : ذكر الأغلال والتصلية بالفاء وذكر السلك في هذه السلسة بلفظ ثم ، فما الفرق ؟ ( الجواب ) : ليس المراد من كلمة ثم تراخي المدة بل التفاوت في مراتب العذاب    . 
				
						
						
