[ ص: 107 ] سورة المعارج
أربعون وأربع آيات
بسم الله الرحمن الرحيم
(
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=1سأل سائل بعذاب واقع nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=2للكافرين ليس له دافع nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=3من الله ذي المعارج ) .
بسم الله الرحمن الرحيم
(
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=1سأل سائل بعذاب واقع nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=2للكافرين ليس له دافع nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=3من الله ذي المعارج ) .
اعلم أن قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=1سأل ) فيه قراءتان منهم من قرأه بالهمزة ، ومنهم من قرأه بغير همزة ، أما الأولون وهم الجمهور فهذه القراءة تحتمل وجوها من التفسير :
الأول : أن
nindex.php?page=treesubj&link=32337النضر بن الحارث لما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=32اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ) [الأنفال : 32] فأنزل الله تعالى هذه الآية ، ومعنى قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=1سأل سائل ) أي : دعا داع (
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=1بعذاب واقع ) من قولك دعا بكذا إذا استدعاه وطلبه ، ومنه قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=55يدعون فيها بكل فاكهة آمنين ) قال
nindex.php?page=showalam&ids=12590ابن الأنباري : وعلى هذا القول تقدير الباء الإسقاط ، وتأويل الآية : سأل سائل عذابا واقعا ، فأكد بالباء كقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=25وهزي إليك بجذع النخلة ) [مريم : 25] وقال صاحب الكشاف : لما كان (
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=1سأل ) معناه ههنا دعا لا جرم عدي تعديته , كأنه قال : دعا داع بعذاب من الله .
الثاني : قال
الحسن وقتادة : لما بعث الله
محمدا صلى الله عليه وسلم وخوف المشركين بالعذاب قال المشركون بعضهم لبعض : سلوا
محمدا لمن هذا العذاب وبمن يقع ، فأخبره الله عنه بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=1سأل سائل بعذاب واقع ) قال
nindex.php?page=showalam&ids=12590ابن الأنباري : والتأويل على هذا القول : (
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=1سأل سائل ) عن عذاب والباء بمعنى عن ، كقوله :
فإن تسألوني بالنساء فإنني بصير بأدواء النساء طبيب
وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=59فاسأل به خبيرا ) [الفرقان : 59] وقال صاحب "الكشاف" : (
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=1سأل ) على هذا الوجه في تقدير عنى واهتم كأنه قيل : اهتم مهتم بعذاب واقع .
الثالث : قال بعضهم : هذا السائل هو رسول الله استعجل بعذاب الكافرين ، فبين الله أن هذا العذاب واقع بهم ، فلا دافع له ، قالوا : والذي يدل على صحة هذا التأويل قوله تعالى في آخر الآية : (
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=5فاصبر صبرا جميلا ) [المعارج : 5] وهذا يدل على أن ذلك السائل هو الذي أمره بالصبر
[ ص: 108 ] الجميل .
أما القراءة الثانية ، وهي " سال " بغير همز فلها وجهان :
أحدهما : أنه أراد (
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=1سأل ) بالهمزة فخفف وقلب قال :
سالت هذيل رسول الله فاحشة ضلت هذيل بما سألت ولم تصب
والوجه الثاني : أن يكون ذلك من السيلان ويؤيده قراءة
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس " سال سيل" والسيل مصدر في معنى السائل ، كالغور بمعنى الغائر ، والمعنى اندفع واد بعذاب ، وهذا قول
nindex.php?page=showalam&ids=47زيد بن ثابت وعبد الرحمن بن زيد قالا : سال واد من أودية جهنم (
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=1بعذاب واقع ) . أما سائل ، فقد اتفقوا على أنه لا يجوز فيه غير الهمز ؛ لأنه إن كان من سأل المهموز ، فهو بالهمز ، وإن لم يكن من المهموز كان بالهمز أيضا نحو قائل وخائف ، إلا أنك إن شئت خففت الهمزة فجعلتها بين بين ، وقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=1بعذاب واقع nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=2للكافرين ) فيه وجهان ، وذلك لأنا إن فسرنا قوله : سأل بما ذكرنا من أن
النضر طلب العذاب ، كان المعنى أنه طلب طالب عذابا هو واقع لا محالة سواء طلب أو لم يطلب ، وذلك لأن ذلك
nindex.php?page=treesubj&link=28766_29468_30362_30351_33678العذاب نازل للكافرين في الآخرة واقع بهم لا يدفعه عنهم أحد ، وقد وقع
بالنضر في الدنيا ؛ لأنه قتل يوم
بدر ، وهو المراد من قوله ليس له دافع ، وأما إذا فسرناه بالوجه الثاني وهو أنهم سألوا الرسول عليه السلام ، أن هذا العذاب بمن ينزل ؟ فأجاب الله تعالى عنه بأنه واقع للكافرين . والقول الأول هو السديد .
وقوله من الله فيه وجهان :
الأول : أن يكون تقدير الآية بعذاب واقع من الله للكافرين .
الثاني : أن يكون التقدير ليس له دافع من الله ، أي : ليس لذلك العذاب الصادر من الله دافع من جهته ، فإنه إذا أوجبت الحكمة وقوعه امتنع أن لا يفعله الله وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=3ذي المعارج ) المعارج : جمع معرج وهو المصعد ، ومنه قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=33ومعارج عليها يظهرون ) [الزخرف : 33] والمفسرون ذكروا فيه وجوها :
أحدها : قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في رواية
الكلبي ذي المعارج ، أي : ذي السماوات ، وسماها معارج ؛ لأن
nindex.php?page=treesubj&link=29685الملائكة يعرجون فيها .
وثانيها : قال
قتادة : ذي الفواضل والنعم وذلك لأن لأياديه ووجوه إنعامه مراتب ، وهي تصل إلى الناس على مراتب مختلفة .
وثالثها : أن المعارج هي الدرجات التي يعطيها أولياءه في الجنة .
وعندي فيه وجه رابع : وهو أن هذه السماوات كما أنها متفاوتة في الارتفاع والانخفاض والكبر والصغر ، فكذا الأرواح الملكية مختلفة في القوة والضعف والكمال والنقص ، وكثرة المعارف الإلهية وقوتها وشدة القوة على تدبير هذا العالم وضعف تلك القوة ، ولعل نور إنعام الله وأثر فيض رحمته لا يصل إلى هذا العالم بواسطة تلك الأرواح ، إما على سبيل العادة أو لا كذلك على ما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=4فالمقسمات أمرا ) [الذاريات : 4] ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=5فالمدبرات أمرا ) [النازعات : 5] فالمراد بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=3من الله ذي المعارج ) الإشارة إلى تلك الأرواح المختلفة التي هي كالمصاعد لارتفاع مراتب الحاجات من هذا العالم إليها, وكالمنازل لنزول أثر الرحمة من ذلك العالم إلى ههنا .
[ ص: 107 ] سُورَةُ الْمَعَارِجِ
أَرْبَعُونَ وَأَرْبَعُ آيَاتٍ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=1سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=2لِلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=3مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ ) .
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=1سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=2لِلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=3مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ ) .
اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=1سَأَلَ ) فِيهِ قِرَاءَتَانِ مِنْهُمْ مَنْ قَرَأَهُ بِالْهَمْزَةِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَرَأَهُ بِغَيْرِ هَمْزَةٍ ، أَمَّا الْأَوَّلُونَ وَهُمُ الْجُمْهُورُ فَهَذِهِ الْقِرَاءَةُ تَحْتَمِلُ وُجُوهًا مِنَ التَّفْسِيرِ :
الْأَوَّلُ : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=32337النَّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ لَمَّا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=32اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ) [الْأَنْفَالِ : 32] فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=1سَأَلَ سَائِلٌ ) أَيْ : دَعَا دَاعٍ (
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=1بِعَذَابٍ وَاقِعٍ ) مِنْ قَوْلِكَ دَعَا بِكَذَا إِذَا اسْتَدْعَاهُ وَطَلَبَهُ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=55يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ ) قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12590ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ : وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ تَقْدِيرُ الْبَاءِ الْإِسْقَاطُ ، وَتَأْوِيلُ الْآيَةِ : سَأَلَ سَائِلٌ عَذَابًا وَاقِعًا ، فَأَكَّدَ بِالْبَاءِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=25وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ ) [مَرَيْمَ : 25] وَقَالَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ : لَمَّا كَانَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=1سَأَلَ ) مَعْنَاهُ هَهُنَا دَعَا لَا جَرَمَ عُدِّيَ تَعْدِيَتُهُ , كَأَنَّهُ قَالَ : دَعَا دَاعٍ بِعَذَابٍ مِنَ اللَّهِ .
الثَّانِي : قَالَ
الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ : لَمَّا بَعَثَ اللَّهُ
مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَوَّفَ الْمُشْرِكِينَ بِالْعَذَابِ قَالَ الْمُشْرِكُونَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ : سَلُوا
مُحَمَّدًا لِمَنْ هَذَا الْعَذَابُ وَبِمَنْ يَقَعُ ، فَأَخْبَرَهُ اللَّهُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=1سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ ) قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12590ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ : وَالتَّأْوِيلُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=1سَأَلَ سَائِلٌ ) عَنْ عَذَابٍ وَالْبَاءُ بِمَعْنَى عَنْ ، كَقَوْلِهِ :
فَإِنْ تَسْأَلُونِي بِالنِّسَاءِ فَإِنَّنِي بَصِيرٌ بِأَدْوَاءِ النِّسَاءِ طَبِيبُ
وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=59فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا ) [الْفُرْقَانِ : 59] وَقَالَ صَاحِبُ "الْكَشَّافِ" : (
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=1سَأَلَ ) عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فِي تَقْدِيرِ عَنَى وَاهْتَمَّ كَأَنَّهُ قِيلَ : اهْتَمَّ مُهْتَمٌّ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ .
الثَّالِثُ : قَالَ بَعْضُهُمْ : هَذَا السَّائِلُ هُوَ رَسُولُ اللَّهِ اسْتَعْجَلَ بِعَذَابِ الْكَافِرِينَ ، فَبَيَّنَ اللَّهُ أَنَّ هَذَا الْعَذَابَ وَاقِعٌ بِهِمْ ، فَلَا دَافِعَ لَهُ ، قَالُوا : وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا التَّأْوِيلِ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي آخِرِ الْآيَةِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=5فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا ) [الْمَعَارِجِ : 5] وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ السَّائِلَ هُوَ الَّذِي أَمَرَهُ بِالصَّبْرِ
[ ص: 108 ] الْجَمِيلِ .
أَمَّا الْقِرَاءَةُ الثَّانِيَةُ ، وَهِيَ " سَالَ " بِغَيْرِ هَمْزٍ فَلَهَا وَجْهَانِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ أَرَادَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=1سَأَلَ ) بِالْهَمْزَةِ فَخَفَّفَ وَقَلَبَ قَالَ :
سَالَتْ هُذَيْلٌ رَسُولَ اللَّهِ فَاحِشَةً ضَلَّتْ هُذَيْلٌ بِمَا سَأَلَتْ وَلَمْ تُصِبِ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنَ السَّيَلَانِ وَيُؤَيِّدُهُ قِرَاءَةُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ " سَالَ سَيْلٌ" وَالسَّيْلُ مَصْدَرٌ فِي مَعْنَى السَّائِلِ ، كَالْغَوْرِ بِمَعْنَى الْغَائِرِ ، وَالْمَعْنَى انْدَفَعَ وَادٍ بِعَذَابٍ ، وَهَذَا قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=47زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ قَالَا : سَالَ وَادٍ مِنَ أَوْدِيَةِ جَهَنَّمَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=1بِعَذَابٍ وَاقِعٍ ) . أَمَّا سَائِلٌ ، فَقَدِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِيهِ غَيْرُ الْهَمْزِ ؛ لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ مِنْ سَأَلَ الْمَهْمُوزِ ، فَهُوَ بِالْهَمْزِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنَ الْمَهْمُوزِ كَانَ بِالْهَمْزِ أَيْضًا نَحْوَ قَائِلٍ وَخَائِفٍ ، إِلَّا أَنَّكَ إِنْ شِئْتَ خَفَّفْتَ الْهَمْزَةَ فَجَعَلْتَهَا بَيْنَ بَيْنَ ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=1بِعَذَابٍ وَاقِعٍ nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=2لِلْكَافِرينَ ) فِيهِ وَجْهَانِ ، وَذَلِكَ لِأَنَّا إِنْ فَسَّرْنَا قَوْلَهُ : سَأَلَ بِمَا ذَكَرْنَا مِنَ أَنَّ
النَّضْرَ طَلَبَ الْعَذَابَ ، كَانَ الْمَعْنَى أَنَّهُ طَلَبَ طَالِبٌ عَذَابًا هُوَ وَاقِعٌ لَا مَحَالَةَ سَوَاءٌ طَلَبَ أَوْ لَمْ يَطْلُبْ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ ذَلِكَ
nindex.php?page=treesubj&link=28766_29468_30362_30351_33678الْعَذَابَ نَازِلٌ لِلْكَافِرِينَ فِي الْآخِرَةِ وَاقِعٌ بِهِمْ لَا يَدْفَعُهُ عَنْهُمْ أَحَدٌ ، وَقَدْ وَقَعَ
بِالنَّضْرِ فِي الدُّنْيَا ؛ لِأَنَّهُ قُتِلَ يَوْمَ
بَدْرٍ ، وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ ، وَأَمَّا إِذَا فَسَّرْنَاهُ بِالْوَجْهِ الثَّانِي وَهُوَ أَنَّهُمْ سَأَلُوا الرَّسُولَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، أَنَّ هَذَا الْعَذَابَ بِمَنْ يَنْزِلُ ؟ فَأَجَابَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بِأَنَّهُ وَاقِعٌ لِلْكَافِرِينَ . وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ هُوَ السَّدِيدُ .
وَقَوْلُهُ مِنَ اللَّهِ فِيهِ وَجْهَانِ :
الْأَوَّلُ : أَنْ يَكُونَ تَقْدِيرُ الْآيَةِ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ مِنَ اللَّهِ لِلْكَافِرِينَ .
الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ مِنَ اللَّهِ ، أَيْ : لَيْسَ لِذَلِكَ الْعَذَابِ الصَّادِرِ مِنَ اللَّهِ دَافِعٌ مِنْ جِهَتِهِ ، فَإِنَّهُ إِذَا أَوْجَبَتِ الْحِكْمَةُ وُقُوعَهُ امْتَنَعَ أَنْ لَا يَفْعَلَهُ اللَّهُ وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=3ذِي الْمَعَارِجِ ) الْمَعَارِجُ : جَمْعُ مِعْرَجٍ وَهُوَ الْمَصْعَدُ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=33وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ ) [الزُّخْرُفِ : 33] وَالْمُفَسِّرُونَ ذَكَرُوا فِيهِ وُجُوهًا :
أَحَدُهَا : قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ
الْكَلْبِيِّ ذِي الْمَعَارِجِ ، أَيْ : ذِي السَّمَاوَاتِ ، وَسَمَّاهَا مَعَارِجَ ؛ لِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29685الْمَلَائِكَةَ يَعْرُجُونَ فِيهَا .
وَثَانِيهَا : قَالَ
قَتَادَةُ : ذِي الْفَوَاضِلِ وَالنِّعَمِ وَذَلِكَ لِأَنَّ لِأَيَادِيهِ وَوُجُوهِ إِنْعَامِهِ مَرَاتِبَ ، وَهِيَ تَصِلُ إِلَى النَّاسِ عَلَى مَرَاتِبَ مُخْتَلِفَةٍ .
وَثَالِثُهَا : أَنَّ الْمَعَارِجَ هِيَ الدَّرَجَاتُ الَّتِي يُعْطِيهَا أَوْلِيَاءَهُ فِي الْجَنَّةِ .
وَعِنْدِي فِيهِ وَجْهٌ رَابِعٌ : وَهُوَ أَنَّ هَذِهِ السَّمَاوَاتِ كَمَا أَنَّهَا مُتَفَاوِتَةٌ فِي الِارْتِفَاعِ وَالِانْخِفَاضِ وَالْكِبَرِ وَالصِّغَرِ ، فَكَذَا الْأَرْوَاحُ الْمَلَكِيَّةُ مُخْتَلِفَةٌ فِي الْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ وَالْكَمَالِ وَالنَّقْصِ ، وَكَثْرَةِ الْمَعَارِفِ الْإِلَهِيَّةِ وَقُوَّتِهَا وَشِدَّةِ الْقُوَّةِ عَلَى تَدْبِيرِ هَذَا الْعَالَمِ وَضَعْفِ تِلْكَ الْقُوَّةِ ، وَلَعَلَّ نُورَ إِنْعَامِ اللَّهِ وَأَثَرَ فَيْضِ رَحْمَتِهِ لَا يَصِلُ إِلَى هَذَا الْعَالَمِ بِوَاسِطَةِ تِلْكَ الْأَرْوَاحِ ، إِمَّا عَلَى سَبِيلِ الْعَادَةِ أَوْ لَا كَذَلِكَ عَلَى مَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=4فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا ) [الذَّارِيَاتِ : 4] ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=5فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا ) [النَّازِعَاتِ : 5] فَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=3مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ ) الْإِشَارَةُ إِلَى تِلْكَ الْأَرْوَاحِ الْمُخْتَلِفَةِ الَّتِي هِيَ كَالْمَصَاعِدِ لِارْتِفَاعِ مَرَاتِبِ الْحَاجَاتِ مِنْ هَذَا الْعَالَمِ إِلَيْهَا, وَكَالْمَنَازِلِ لِنُزُولِ أَثَرِ الرَّحْمَةِ مِنْ ذَلِكَ الْعَالَمِ إِلَى هَهُنَا .