[ ص: 119 ] ( سورة نوح )
عشرون وثمان آيات مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
(
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=1إنا أرسلنا نوحا إلى قومه أن أنذر قومك من قبل أن يأتيهم عذاب أليم nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=2قال يا قوم إني لكم نذير مبين nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=3أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=4يغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى أجل مسمى إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر لو كنتم تعلمون ) .
بسم الله الرحمن الرحيم
(
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=1إنا أرسلنا نوحا إلى قومه أن أنذر قومك ) في قوله "أن" وجهان :
أحدهما : أصله بأن أنذر فحذف الجار وأوصل الفعل ، والمعنى أرسلناه بأن قلنا له : أنذر أي أرسلناه بالأمر بالإندار .
الثاني : قال
الزجاج : يجوز أن تكون مفسرة ، والتقدير : إنا أرسلنا
nindex.php?page=treesubj&link=33953نوحا إلى قومه أي أنذر قومك . وقرأ
ابن مسعود ، " أنذر " بغير أن على إرادة القول .
ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=1من قبل أن يأتيهم عذاب أليم ) قال
مقاتل : يعني الغرق بالطوفان .
واعلم أن الله تعالى لما أمره بذلك امتثل ذلك الأمر ، و (
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=2قال ياقوم إني لكم نذير مبين ) .
ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=3أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=4يغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى أجل مسمى إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر لو كنتم تعلمون ) . أن اعبدوا هو نظير أن أنذر في الوجهين ، ثم إنه أمر القوم بثلاثة أشياء ؛ بعبادة الله وتقواه وطاعة نفسه ، فالأمر بالعبادة يتناول جميع الواجبات والمندوبات من أفعال القلوب وأفعال الجوارح ، والأمر بتقواه يتناول الزجر عن جميع المحظورات والمكروهات ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=3وأطيعون ) يتناول أمرهم بطاعته وجميع المأمورات والمنهيات ، وهذا وإن كان داخلا في
nindex.php?page=treesubj&link=29428_19863_19867الأمر بعبادة الله وتقواه ، إلا أنه خصه بالذكر تأكيدا في ذلك التكليف ومبالغة في تقريره ، ثم إنه تعالى لما كلفهم بهذه الأشياء الثلاثة وعدهم عليها
[ ص: 120 ] بشيئين :
أحدهما : أن يزيل مضار الآخرة عنهم ، وهو قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=4يغفر لكم من ذنوبكم ) .
الثاني : يزيل عنهم مضار الدنيا بقدر الإمكان ، وذلك بأن يؤخر أجلهم إلى أقصى الإمكان . وههنا سؤالات :
السؤال الأول : ما فائدة " من " في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=4يغفر لكم من ذنوبكم ) ؟ ( والجواب ) من وجوه :
أحدها : أنها صلة زائدة والتقدير يغفر لكم ذنوبكم .
والثاني : أن غفران الذنب هو أن لا يؤاخذ به ، فلو قال : يغفر لكم ذنوبكم ، لكان معناه أن لا يؤاخذكم بمجموع ذنوبكم ، وعدم المؤاخذة بالمجموع لا يوجب عدم المؤاخذة بكل واحد من آحاد المجموع ، فله أن يقول : لا أطالبك بمجموع ذنوبك ، ولكني أطالبك بهذا الذنب الواحد فقط ، أما لما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=4يغفر لكم من ذنوبكم ) كان تقديره يغفر كل ما كان من ذنوبكم ، وهذا يقتضي عدم المؤاخذة على مجموع الذنوب وعدم المؤاخذة أيضا على كل فرد من أفراد المجموع .
الثالث : أن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=4يغفر لكم من ذنوبكم ) هب أنه يقتضي التبعيض لكنه حتى لأن من آمن فإنه يصير ما تقدم من ذنوبه على إيمانه مغفورا ، أما ما تأخر عنه فإنه لا يصير بذلك السبب مغفورا ، فثبت أنه لا بد ههنا من حرف التبعيض .
السؤال الثاني : كيف قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=4ويؤخركم ) مع إخباره بامتناع
nindex.php?page=treesubj&link=28791_30495_30452_30455تأخير الأجل ، وهل هذا إلا تناقض ؟ ( الجواب ) قضى الله مثلا أن قوم
نوح إن آمنوا عمرهم الله ألف سنة ، وإن بقوا على كفرهم أهلكهم على رأس تسعمائة سنة ، فقيل لهم : آمنوا (
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=4ويؤخركم إلى أجل مسمى ) أي إلى وقت سماه الله وجعله غاية الطول في العمر ، وهو تمام الألف ، ثم أخبر أنه إذا انقضى ذلك الأجل الأطول لا بد من الموت .
السؤال الثالث : ما الفائدة في قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=4لو كنتم تعلمون ( ( الجواب ) الغرض
nindex.php?page=treesubj&link=29497_30200_19793الزجر عن حب الدنيا ، وعن التهالك عليها والإعراض عن الدين بسبب حبها ، يعني أن غلوهم في حب الدنيا وطلب لذاتها بلغ إلى حيث يدل على أنهم شاكون في الموت .
[ ص: 119 ] ( سُورَةُ نُوحٍ )
عِشْرُونَ وَثَمَانِ آيَاتٍ مَكِّيَّةٍ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=1إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=2قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=3أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=4يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) .
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=1إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ ) فِي قَوْلِهِ "أَنْ" وَجْهَانِ :
أَحَدُهُمَا : أَصْلُهُ بِأَنْ أَنْذِرْ فَحُذِفَ الْجَارُّ وَأُوصِلَ الْفِعْلُ ، وَالْمَعْنَى أَرْسَلْنَاهُ بِأَنْ قُلْنَا لَهُ : أَنْذِرْ أَيْ أَرْسَلْنَاهُ بِالْأَمْرِ بِالْإِنْدَارِ .
الثَّانِي : قَالَ
الزَّجَّاجُ : يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مُفَسِّرَةً ، وَالتَّقْدِيرُ : إِنَّا أَرْسَلْنَا
nindex.php?page=treesubj&link=33953نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَيْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ . وَقَرَأَ
ابْنُ مَسْعُودٍ ، " أَنْذِرْ " بِغَيْرِ أَنْ عَلَى إِرَادَةِ الْقَوْلِ .
ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=1مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) قَالَ
مُقَاتِلٌ : يَعْنِي الْغَرَقَ بِالطُّوفَانِ .
وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا أَمَرَهُ بِذَلِكَ امْتَثَلَ ذَلِكَ الْأَمْرَ ، وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=2قَالَ يَاقَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ ) .
ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=3أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=4يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) . أَنِ اعْبُدُوا هُوَ نَظِيرُ أَنْ أَنْذِرْ فِي الْوَجْهَيْنِ ، ثُمَّ إِنَّهُ أَمَرَ الْقَوْمَ بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ ؛ بِعِبَادَةِ اللَّهِ وَتَقْوَاهُ وَطَاعَةِ نَفْسِهِ ، فَالْأَمْرُ بِالْعِبَادَةِ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ الْوَاجِبَاتِ وَالْمَنْدُوبَاتِ مِنْ أَفْعَالِ الْقُلُوبِ وَأَفْعَالِ الْجَوَارِحِ ، وَالْأَمْرُ بِتَقْوَاهُ يَتَنَاوَلُ الزَّجْرَ عَنْ جَمِيعِ الْمَحْظُورَاتِ وَالْمَكْرُوهَاتِ ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=3وَأَطِيعُونِ ) يَتَنَاوَلُ أَمْرَهُمْ بِطَاعَتِهِ وَجَمِيعَ الْمَأْمُورَاتِ وَالْمَنْهِيَّاتِ ، وَهَذَا وَإِنْ كَانَ دَاخِلًا فِي
nindex.php?page=treesubj&link=29428_19863_19867الْأَمْرِ بِعِبَادَةِ اللَّهِ وَتَقْوَاهُ ، إِلَّا أَنَّهُ خَصَّهُ بِالذِّكْرِ تَأْكِيدًا فِي ذَلِكَ التَّكْلِيفِ وَمُبَالَغَةً فِي تَقْرِيرِهِ ، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى لَمَّا كَلَّفَهُمْ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ وَعَدَهُمْ عَلَيْهَا
[ ص: 120 ] بِشَيْئَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنْ يُزِيلَ مَضَارَّ الْآخِرَةِ عَنْهُمْ ، وَهُوَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=4يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ ) .
الثَّانِي : يُزِيلُ عَنْهُمْ مَضَارَّ الدُّنْيَا بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ ، وَذَلِكَ بِأَنْ يُؤَخِّرَ أَجَلَهُمْ إِلَى أَقْصَى الْإِمْكَانِ . وَهَهُنَا سُؤَالَاتٌ :
السُّؤَالُ الْأَوَّلُ : مَا فَائِدَةُ " مِنْ " فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=4يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ ) ؟ ( وَالْجَوَابُ ) مِنْ وُجُوهٍ :
أَحَدُهَا : أَنَّهَا صِلَةٌ زَائِدَةٌ وَالتَّقْدِيرُ يَغْفِرُ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ .
وَالثَّانِي : أَنَّ غُفْرَانَ الذَّنْبِ هُوَ أَنْ لَا يُؤَاخَذَ بِهِ ، فَلَوْ قَالَ : يَغْفِرُ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ، لَكَانَ مَعْنَاهُ أَنْ لَا يُؤَاخِذَكُمْ بِمَجْمُوعِ ذُنُوبِكُمْ ، وَعَدَمُ الْمُؤَاخَذَةِ بِالْمَجْمُوعِ لَا يُوجِبُ عَدَمَ الْمُؤَاخَذَةِ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ آحَادِ الْمَجْمُوعِ ، فَلَهُ أَنْ يَقُولَ : لَا أُطَالِبُكَ بِمَجْمُوعِ ذُنُوبِكَ ، وَلَكِنِّي أُطَالِبُكَ بِهَذَا الذَّنْبِ الْوَاحِدِ فَقَطْ ، أَمَّا لَمَّا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=4يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ ) كَانَ تَقْدِيرُهُ يَغْفِرُ كُلَّ مَا كَانَ مِنْ ذُنُوبِكُمْ ، وَهَذَا يَقْتَضِي عَدَمَ الْمُؤَاخَذَةِ عَلَى مَجْمُوعِ الذُّنُوبِ وَعَدَمِ الْمُؤَاخَذَةِ أَيْضًا عَلَى كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْمَجْمُوعِ .
الثَّالِثُ : أَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=4يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ ) هَبْ أَنَّهُ يَقْتَضِي التَّبْعِيضَ لَكِنَّهُ حَتَّى لِأَنَّ مَنْ آمَنَ فَإِنَّهُ يَصِيرُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذُنُوبِهِ عَلَى إِيمَانِهِ مَغْفُورًا ، أَمَّا مَا تَأَخَّرَ عَنْهُ فَإِنَّهُ لَا يَصِيرُ بِذَلِكَ السَّبَبِ مَغْفُورًا ، فَثَبَتَ أَنَّهُ لَا بُدَّ هَهُنَا مِنْ حَرْفِ التَّبْعِيضِ .
السُّؤَالُ الثَّانِي : كَيْفَ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=4وَيُؤَخِّرْكُمْ ) مَعَ إِخْبَارِهِ بِامْتِنَاعِ
nindex.php?page=treesubj&link=28791_30495_30452_30455تَأْخِيرِ الْأَجَلِ ، وَهَلْ هَذَا إِلَّا تَنَاقُضٌ ؟ ( الْجَوَابُ ) قَضَى اللَّهُ مَثَلًا أَنَّ قَوْمَ
نُوحٍ إِنْ آمَنُوا عَمَّرَهُمُ اللَّهُ أَلْفَ سَنَةٍ ، وَإِنْ بَقُوا عَلَى كُفْرِهِمْ أَهْلَكَهُمْ عَلَى رَأْسِ تِسْعِمِائَةِ سَنَةٍ ، فَقِيلَ لَهُمْ : آمِنُوا (
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=4وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ) أَيْ إِلَى وَقْتٍ سَمَّاهُ اللَّهُ وَجَعَلَهُ غَايَةَ الطُّولِ فِي الْعُمْرِ ، وَهُوَ تَمَامُ الْأَلْفِ ، ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّهُ إِذَا انْقَضَى ذَلِكَ الْأَجَلُ الْأَطْوَلُ لَا بُدَّ مِنَ الْمَوْتِ .
السُّؤَالُ الثَّالِثُ : مَا الْفَائِدَةُ فِي قَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=4لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ( ( الْجَوَابُ ) الْغَرَضُ
nindex.php?page=treesubj&link=29497_30200_19793الزَّجْرُ عَنْ حُبِّ الدُّنْيَا ، وَعَنِ التَّهَالُكِ عَلَيْهَا وَالْإِعْرَاضِ عَنِ الدِّينِ بِسَبَبِ حُبِّهَا ، يَعْنِي أَنَّ غُلُوَّهُمْ فِي حُبِّ الدُّنْيَا وَطَلَبِ لَذَّاتِهَا بَلَغَ إِلَى حَيْثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ شَاكُّونَ فِي الْمَوْتِ .