(
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=1فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=2يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=3وأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا ) .
النوع الأول مما حكوه : قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=1فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=2يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا ) أي قالوا لقومهم حين رجعوا إليهم كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=29فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين ) [الأحقاف : 29] ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=1قرآنا عجبا ) أي خارجا عن حد أشكاله ونظائره ، و ( عجبا ) مصدر يوضع موضع العجيب ولا شك أنه أبلغ من العجيب ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=2يهدي إلى الرشد ) أي إلى الصواب ، وقيل : إلى التوحيد ( فآمنا به ) أي بالقرآن, ويمكن أن يكون المراد فآمنا بالرشد الذي في القرآن وهو التوحيد (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=2ولن نشرك بربنا أحدا ) أي ولن نعود إلى ما كنا
[ ص: 137 ] عليه من الإشراك به, وهذا يدل على أن أولئك الجن كانوا من المشركين .
النوع الثاني :
nindex.php?page=treesubj&link=30461_28797مما ذكره الجن أنهم كما نفوا عن أنفسهم الشرك نزهوا ربهم عن الصاحبة والولد . فقالوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=3وأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا ) وفيه مسائل :
المسألة الأولى : في الجد قولان :
الأول : الجد في اللغة العظمة يقال : جد فلان أي عظم ومنه الحديث : "كان الرجل إذا قرأ سورة البقرة جد فينا" أي جد قدره وعظم ؛ لأن الصاحبة تتخذ للحاجة إليها, والولد للتكثر به والاستئناس ، وهذه من سمات الحدوث وهو سبحانه منزه عن كل نقص .
القول الثاني : الجد الغنى ومنه الحديث : "لا ينفع ذا الجد منك الجد" قال
أبو عبيدة : أي لا ينفع ذا الغنى منك غناه ، وكذلك الحديث الآخر "قمت على باب الجنة فإذا عامة من يدخلها الفقراء, وإذا أصحاب الجد محبوسون" يعني أصحاب الغنى في الدنيا ، فيكون المعنى وأنه تعالى غني عن الاحتياج إلى الصاحبة والاستئناس بالولد .
وعندي فيه قول ثالث وهو أن جد الإنسان أصله الذي منه وجوده, فجعل الجد مجازا عن الأصل ، فقوله تعالى : ( جد ربنا ) معناه تعالى أصل ربنا وأصله حقيقته المخصوصة التي لنفس تلك الحقيقة من حيث إنها هي تكون واجبة الوجود, فيصير المعنى أن حقيقته المخصوصة متعالية عن جميع جهات التعلق بالغير ؛ لأن الواجب لذاته يجب أن يكون واجب الوجود من جميع جهاته ، وما كان كذلك استحال أن يكون له صاحبة وولد .
المسألة الثانية : قرئ جدا ربنا بالنصب على التمييز وجد ربنا بالكسر أي صدق ربوبيته وحق إلهيته عن اتخاذ الصاحبة والولد ، وكأن هؤلاء الجن لما سمعوا القرآن تنبهوا لفساد ما عليه كفرة الجن, فرجعوا أولا عن الشرك وثانيا عن دين النصارى .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=1فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=2يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=3وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا ) .
النَّوْعُ الْأَوَّلُ مِمَّا حَكَوْهُ : قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=1فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=2يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا ) أَيْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ حِينَ رَجَعُوا إِلَيْهِمْ كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=29فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ ) [الْأَحْقَافِ : 29] ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=1قُرْآنًا عَجَبًا ) أَيْ خَارِجًا عَنْ حَدِّ أَشْكَالِهِ وَنَظَائِرِهِ ، وَ ( عَجَبًا ) مَصْدَرٌ يُوضَعُ مَوْضِعَ الْعَجِيبِ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ أَبْلَغُ مِنَ الْعَجِيبِ ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=2يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ ) أَيْ إِلَى الصَّوَابِ ، وَقِيلَ : إِلَى التَّوْحِيدِ ( فَآمَنَّا بِهِ ) أَيْ بِالْقُرْآنِ, وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ فَآمَنَّا بِالرُّشْدِ الَّذِي فِي الْقُرْآنِ وَهُوَ التَّوْحِيدُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=2وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا ) أَيْ وَلَنْ نَعُودَ إِلَى مَا كُنَّا
[ ص: 137 ] عَلَيْهِ مِنَ الْإِشْرَاكِ بِهِ, وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أُولَئِكَ الْجِنَّ كَانُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ .
النَّوْعُ الثَّانِي :
nindex.php?page=treesubj&link=30461_28797مِمَّا ذَكَرَهُ الْجِنُّ أَنَّهُمْ كَمَا نَفَوْا عَنْ أَنْفُسِهِمُ الشِّرْكَ نَزَّهُوا رَبَّهُمْ عَنِ الصَّاحِبَةِ وَالْوَلَدِ . فَقَالُوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=3وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا ) وَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : فِي الْجَدِّ قَوْلَانِ :
الْأَوَّلُ : الْجَدُّ فِي اللُّغَةِ الْعَظَمَةُ يُقَالُ : جَدَّ فُلَانٌ أَيْ عَظُمَ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ : "كَانَ الرَّجُلُ إِذَا قَرَأَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ جَدَّ فِينَا" أَيْ جَدَّ قَدْرُهُ وَعَظُمَ ؛ لِأَنَّ الصَّاحِبَةَ تُتَّخَذُ لِلْحَاجَةِ إِلَيْهَا, وَالْوَلَدَ لِلتَّكَثُّرِ بِهِ وَالِاسْتِئْنَاسِ ، وَهَذِهِ مِنْ سِمَاتِ الْحُدُوثِ وَهُوَ سُبْحَانَهُ مُنَزَّهٌ عَنْ كُلِّ نَقْصٍ .
الْقَوْلُ الثَّانِي : الْجَدُّ الْغِنَى وَمِنْهُ الْحَدِيثُ : "لَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ" قَالَ
أَبُو عُبَيْدَةَ : أَيْ لَا يَنْفَعُ ذَا الْغِنَى مِنْكَ غِنَاهُ ، وَكَذَلِكَ الْحَدِيثُ الْآخَرُ "قُمْتُ عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ فَإِذَا عَامَّةُ مَنْ يَدْخُلُهَا الْفُقَرَاءُ, وَإِذَا أَصْحَابُ الْجَدِّ مَحْبُوسُونَ" يَعْنِي أَصْحَابَ الْغِنَى فِي الدُّنْيَا ، فَيَكُونُ الْمَعْنَى وَأَنَّهُ تَعَالَى غَنِيٌّ عَنِ الِاحْتِيَاجِ إِلَى الصَّاحِبَةِ وَالِاسْتِئْنَاسِ بِالْوَلَدِ .
وَعِنْدِي فِيهِ قَوْلٌ ثَالِثٌ وَهُوَ أَنَّ جَدَّ الْإِنْسَانِ أَصْلُهُ الَّذِي مِنْهُ وُجُودُهُ, فَجُعِلَ الْجَدُّ مَجَازًا عَنِ الْأَصْلِ ، فَقَوْلُهُ تَعَالَى : ( جَدُّ رَبِّنَا ) مَعْنَاهُ تَعَالَى أَصْلُ رَبِّنَا وَأَصْلُهُ حَقِيقَتُهُ الْمَخْصُوصَةُ الَّتِي لِنَفْسِ تِلْكَ الْحَقِيقَةِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهَا هِيَ تَكُونُ وَاجِبَةَ الْوُجُودِ, فَيَصِيرُ الْمَعْنَى أَنَّ حَقِيقَتَهُ الْمَخْصُوصَةَ مُتَعَالِيَةٌ عَنْ جَمِيعِ جِهَاتِ التَّعَلُّقِ بِالْغَيْرِ ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ لِذَاتِهِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ وَاجِبَ الْوُجُودِ مِنْ جَمِيعِ جِهَاتِهِ ، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ اسْتَحَالَ أَنْ يَكُونَ لَهُ صَاحِبَةٌ وَوَلَدٌ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : قُرِئَ جَدًّا رَبُّنَا بِالنَّصْبِ عَلَى التَّمْيِيزِ وَجِدُّ رَبِّنَا بِالْكَسْرِ أَيْ صِدْقُ رُبُوبِيَّتِهِ وَحَقُّ إِلَهِيَّتِهِ عَنِ اتِّخَاذِ الصَّاحِبَةِ وَالْوَلَدِ ، وَكَأَنَّ هَؤُلَاءِ الْجِنَّ لَمَّا سَمِعُوا الْقُرْآنَ تَنَبَّهُوا لِفَسَادِ مَا عَلَيْهِ كَفَرَةُ الْجِنِّ, فَرَجَعُوا أَوَّلًا عَنِ الشِّرْكِ وَثَانِيًا عَنْ دِينِ النَّصَارَى .