(
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=14وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=15وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=16وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=17لنفتنهم فيه ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذابا صعدا ) .
النوع الثالث عشر : قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=14وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا ) القاسط الجائر ، والمقسط العادل ، وذكرنا معنى قسط وأقسط في أول سورة النساء ، فالقاسطون الكافرون الجائرون عن طريق الحق ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير : أن
الحجاج قال له حين أراد قتله ما تقول في ؟ قال : قاسط عادل ، فقال القوم : ما أحسن ما قال ، حسبوا أنه يصفه بالقسط والعدل ، فقال
الحجاج : يا جهلة إنه سماني ظالما مشركا ، وتلا لهم قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=15وأما القاسطون ) وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=1ثم الذين كفروا بربهم يعدلون ) [الأنعام : 1] ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=14تحروا رشدا ) أي قصدوا طريق الحق ، قال
أبو عبيدة : تحروا توخوا ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=15153المبرد : أصل التحري من قولهم : ذلك أحرى ، أي أحق وأقرب ، وبالحري أن تفعل كذا ، أي يجب عليك .
ثم إن
nindex.php?page=treesubj&link=28797الجن ذموا الكافرين فقالوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=15وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا ) وفيه سؤالان :
[ ص: 142 ] الأول : لم ذكر عقاب القاسطين ، ولم يذكر ثواب المسلمين ؟ ( الجواب ) بل ذكر ثواب المؤمنين وهو قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=14تحروا رشدا ) أي توخوا رشدا عظيما لا يبلغ كنهه إلا الله تعالى ، ومثل هذا لا يتحقق إلا في الثواب .
السؤال الثاني :
nindex.php?page=treesubj&link=31766الجن مخلوقون من النار ، فكيف يكونون حطبا للنار ؟ ( الجواب ) أنهم وإن خلقوا من النار ، لكنهم تغيروا عن تلك الكيفية وصاروا لحما ودما هكذا ، قيل وههنا آخر كلام الحسن .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=16وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=17لنفتنهم فيه ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذابا صعدا ) .
هذا من جملة الموحى إليه ، والتقدير : (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=1قل أوحي إلي أنه استمع نفر ) [الجن : 1] (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=16وأن لو استقاموا ) فيكون هذا هو النوع الثاني مما أوحي إليه ، وههنا مسائل :
المسألة الأولى : أن مخففة من الثقيلة ، والمعنى وأوحي إلي أن الشأن والحديث لو استقاموا لكان كذا وكذا . قال
الواحدي : وفصل لو بينها وبين الفعل كفصل لا والسين في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=89ألا يرجع إليهم قولا ) [طه : 89] و (
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=20علم أن سيكون ) [ المزمل : 20] .
المسألة الثانية : الضمير في قوله : ( استقاموا ) إلى من يرجع ؟ فيه قولان : قال بعضهم : إلى الجن الذين تقدم ذكرهم ووصفهم ، أي هؤلاء القاسطون لو آمنا لفعلنا بهم كذا وكذا .
وقال آخرون : بل المراد الإنس ، واحتجوا عليه بوجهين :
الأول : أن الترغيب بالانتفاع بالماء الغدق إنما يليق بالإنس لا بالجن .
والثاني : أن هذه الآية إنما نزلت بعدما حبس الله المطر عن
أهل مكة سنين ، أقصى ما في الباب أنه لم يتقدم ذكر الإنس ، ولكنه لما كان ذلك معلوما جرى مجرى قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=97&ayano=1إنا أنزلناه في ليلة القدر ) [القدر : 1] وقال القاضي : الأقرب أن الكل يدخلون فيه . وأقول : يمكن أن يحتج لصحة قول القاضي بأنه تعالى لما أثبت حكما معللا بعلة وهو الاستقامة ، وجب أن يعم الحكم بعموم العلة .
المسألة الثالثة : الغدق بفتح الدال وكسرها : الماء الكثير ، وقرئ بهما ، يقال : غدقت العين بالكسر فهي غدقة ، وروضة مغدقة أي كثيرة الماء ، ومطر مغدوق وغيداق وغيدق إذا كان كثير الماء ، وفي المراد بالماء الغدق في هذه الآية ثلاثة أقوال :
أحدها : أنه الغيث والمطر .
والثاني : وهو قول
أبي مسلم : أنه إشارة إلى الجنة كما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=85&ayano=11جنات تجري من تحتها الأنهار ) [البروج : 12] .
وثالثها : أنه المنافع والخيرات جعل الماء كناية عنها ؛ لأن
nindex.php?page=treesubj&link=31746الماء أصل الخيرات كلها في الدنيا .
المسألة الرابعة : إن قلنا : الضمير في قوله : ( استقاموا ) راجع إلى الجن كان في الآية قولان :
أحدهما : لو استقام الجن على الطريقة المثلى أي : لو ثبت أبوهم الجان على ما كان عليه من عبادة الله ولم يستكبر عن السجود
لآدم ولم يكفر, وتبعه ولده على الإسلام لأنعمنا عليهم ، ونظيره قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=65ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا ) [المائدة : 65] وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=66ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا ) [المائدة : 66] وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=2ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه ) [الطلاق : 2] وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=10فقلت استغفروا ربكم ) إلى قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=12ويمددكم بأموال وبنين ) [نوح 10 - 12] وإنما ذكر الماء كناية عن طيب العيش وكثرة المنافع ، فإن اللائق بالجن هو هذا الماء المشروب .
والثاني : أن يكون المعنى وأن لو استقام الجن الذين سمعوا القرآن على طريقتهم التي كانوا عليها قبل الاستماع ولم ينتقلوا عنها إلى الإسلام لوسعنا عليهم الرزق ، ونظيره قوله تعالى : ( ولولا أن )
[ ص: 143 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=33يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ) [الزخرف : 33] واختار
الزجاج الوجه الأول قال : لأنه تعالى ذكر الطريقة معرفة بالألف واللام فتكون راجعة إلى الطريقة المعروفة المشهورة, وهي طريقة الهدى, والذاهبون إلى التأويل الثاني استدلوا عليه بقوله بعد هذه الآية : (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=17لنفتنهم فيه ) فهو كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=178إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ) [آل عمران : 178] ويمكن الجواب عنه أن من آمن فأنعم الله عليه كان ذلك الإنعام أيضا ابتلاء واختبارا حتى يظهر أنه هل يشتغل بالشكر أم لا ، وهل ينفقه في طلب مراضي الله ، أو في مراضي الشهوة والشيطان ، وأما الذين قالوا الضمير عائد إلى الإنس ، فالوجهان عائدان فيه بعينه وههنا يكون إجراء قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=16لأسقيناهم ماء غدقا ) على ظاهره أولى ؛ لأن انتفاع الإنس بذلك أتم وأكمل .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=14وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=15وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=16وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=17لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا ) .
النَّوْعُ الثَّالِثَ عَشَرَ : قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=14وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا ) الْقَاسِطُ الْجَائِرُ ، وَالْمُقْسِطُ الْعَادِلُ ، وَذَكَرْنَا مَعْنَى قَسَطَ وَأَقْسَطَ فِي أَوَّلِ سُورَةِ النِّسَاءِ ، فَالْقَاسِطُونَ الْكَافِرُونَ الْجَائِرُونَ عَنْ طَرِيقِ الْحَقِّ ، وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=15992سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ : أَنَّ
الْحَجَّاجَ قَالَ لَهُ حِينَ أَرَادَ قَتْلَهُ مَا تَقُولُ فِيَّ ؟ قَالَ : قَاسِطٌ عَادِلٌ ، فَقَالَ الْقَوْمُ : مَا أَحْسَنَ مَا قَالَ ، حَسِبُوا أَنَّهُ يَصِفُهُ بِالْقِسْطِ وَالْعَدْلِ ، فَقَالَ
الْحَجَّاجُ : يَا جَهَلَةُ إِنَّهُ سَمَّانِي ظَالِمًا مُشْرِكًا ، وَتَلَا لَهُمْ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=15وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ ) وَقَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=1ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ) [الْأَنْعَامِ : 1] ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=14تَحَرَّوْا رَشَدًا ) أَيْ قَصَدُوا طَرِيقَ الْحَقِّ ، قَالَ
أَبُو عُبَيْدَةَ : تَحَرَّوْا تَوَخَّوْا ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15153الْمُبَرِّدُ : أَصْلُ التَّحَرِّي مِنْ قَوْلِهِمْ : ذَلِكَ أَحْرَى ، أَيْ أَحَقُّ وَأَقْرَبُ ، وَبِالْحَرِيِّ أَنْ تَفْعَلَ كَذَا ، أَيْ يَجِبُ عَلَيْكَ .
ثُمَّ إِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28797الْجِنَّ ذَمُّوا الْكَافِرِينَ فَقَالُوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=15وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا ) وَفِيهِ سُؤَالَانِ :
[ ص: 142 ] الْأَوَّلُ : لِمَ ذَكَرَ عِقَابَ الْقَاسِطِينَ ، وَلَمْ يَذْكُرْ ثَوَابَ الْمُسْلِمِينَ ؟ ( الْجَوَابُ ) بَلْ ذَكَرَ ثَوَابَ الْمُؤْمِنِينَ وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=14تَحَرَّوْا رَشَدًا ) أَيْ تَوَخَّوْا رَشَدًا عَظِيمًا لَا يَبْلُغُ كُنْهَهُ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى ، وَمِثْلُ هَذَا لَا يَتَحَقَّقُ إِلَّا فِي الثَّوَابِ .
السُّؤَالُ الثَّانِي :
nindex.php?page=treesubj&link=31766الْجِنُّ مَخْلُوقُونَ مِنَ النَّارِ ، فَكَيْفَ يَكُونُونَ حَطَبًا لِلنَّارِ ؟ ( الْجَوَابُ ) أَنَّهُمْ وَإِنْ خُلِقُوا مِنَ النَّارِ ، لَكِنَّهُمْ تَغَيَّرُوا عَنْ تِلْكَ الْكَيْفِيَّةِ وَصَارُوا لَحْمًا وَدَمًا هَكَذَا ، قِيلَ وَهَهُنَا آخِرُ كَلَامِ الْحَسَنِ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=16وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=17لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا ) .
هَذَا مِنْ جُمْلَةِ الْمُوحَى إِلَيْهِ ، وَالتَّقْدِيرُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=1قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ ) [الْجِنِّ : 1] (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=16وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا ) فَيَكُونُ هَذَا هُوَ النَّوْعُ الثَّانِي مِمَّا أُوحِيَ إِلَيْهِ ، وَهَهُنَا مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : أَنْ مُخَفَّفَةٌ مِنَ الثَّقِيلَةِ ، وَالْمَعْنَى وَأُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّ الشَّأْنَ وَالْحَدِيثَ لَوِ اسْتَقَامُوا لَكَانَ كَذَا وَكَذَا . قَالَ
الْوَاحِدِيُّ : وَفَصْلُ لَوْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْفِعْلِ كَفَصْلِ لَا وَالسِّينِ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=89أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا ) [طه : 89] وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=20عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ ) [ الْمُزَّمِّلِ : 20] .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ : ( اسْتَقَامُوا ) إِلَى مَنْ يَرْجِعُ ؟ فِيهِ قَوْلَانِ : قَالَ بَعْضُهُمْ : إِلَى الْجِنِّ الَّذِينَ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمْ وَوَصْفُهُمْ ، أَيْ هَؤُلَاءِ الْقَاسِطُونَ لَوْ آمَنَّا لَفَعَلْنَا بِهِمْ كَذَا وَكَذَا .
وَقَالَ آخَرُونَ : بَلِ الْمُرَادُ الْإِنْسُ ، وَاحْتَجُّوا عَلَيْهِ بِوَجْهَيْنِ :
الْأَوَّلُ : أَنَّ التَّرْغِيبَ بِالِانْتِفَاعِ بِالْمَاءِ الْغَدَقِ إِنَّمَا يَلِيقُ بِالْإِنْسِ لَا بِالْجِنِّ .
وَالثَّانِي : أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ إِنَّمَا نَزَلَتْ بَعْدَمَا حَبَسَ اللَّهُ الْمَطَرَ عَنْ
أَهْلِ مَكَّةَ سِنِينَ ، أَقْصَى مَا فِي الْبَابِ أَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ ذِكْرُ الْإِنْسِ ، وَلَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ ذَلِكَ مَعْلُومًا جَرَى مَجْرَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=97&ayano=1إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) [الْقَدْرِ : 1] وَقَالَ الْقَاضِي : الْأَقْرَبُ أَنَّ الْكُلَّ يَدْخُلُونَ فِيهِ . وَأَقُولُ : يُمْكِنُ أَنْ يُحْتَجَّ لِصِحَّةِ قَوْلِ الْقَاضِي بِأَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَثْبَتَ حُكْمًا مُعَلَّلًا بِعِلَّةٍ وَهُوَ الِاسْتِقَامَةُ ، وَجَبَ أَنْ يُعَمَّ الْحُكْمُ بِعُمُومِ الْعِلَّةِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : الْغَدَقُ بِفَتْحِ الدَّالِ وَكَسْرِهَا : الْمَاءُ الْكَثِيرُ ، وَقُرِئَ بِهِمَا ، يُقَالُ : غَدَقَتِ الْعَيْنُ بِالْكَسْرِ فَهِيَ غَدِقَةٌ ، وَرَوْضَةٌ مُغْدِقَةٌ أَيْ كَثِيرَةُ الْمَاءِ ، وَمَطَرٌ مَغْدُوقٌ وَغَيْدَاقٌ وَغَيْدَقٌ إِذَا كَانَ كَثِيرَ الْمَاءِ ، وَفِي الْمُرَادِ بِالْمَاءِ الْغَدَقِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ :
أَحَدُهَا : أَنَّهُ الْغَيْثُ وَالْمَطَرُ .
وَالثَّانِي : وَهُوَ قَوْلُ
أَبِي مُسْلِمٍ : أَنَّهُ إِشَارَةٌ إِلَى الْجَنَّةِ كَمَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=85&ayano=11جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ) [الْبُرُوجِ : 12] .
وَثَالِثُهَا : أَنَّهُ الْمَنَافِعُ وَالْخَيْرَاتُ جُعِلَ الْمَاءُ كِنَايَةً عَنْهَا ؛ لِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=31746الْمَاءَ أَصْلُ الْخَيْرَاتِ كُلِّهَا فِي الدُّنْيَا .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : إِنْ قُلْنَا : الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ : ( اسْتَقَامُوا ) رَاجِعٌ إِلَى الْجِنِّ كَانَ فِي الْآيَةِ قَوْلَانِ :
أَحَدُهُمَا : لَوِ اسْتَقَامَ الْجِنُّ عَلَى الطَّرِيقَةِ الْمُثْلَى أَيْ : لَوْ ثَبَتَ أَبُوهُمُ الْجَانُّ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ عِبَادَةِ اللَّهِ وَلَمْ يَسْتَكْبِرْ عَنِ السُّجُودِ
لِآدَمَ وَلَمْ يَكْفُرْ, وَتَبِعَهُ وَلَدُهُ عَلَى الْإِسْلَامِ لَأَنْعَمْنَا عَلَيْهِمْ ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=65وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا ) [الْمَائِدَةِ : 65] وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=66وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا ) [الْمَائِدَةِ : 66] وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=2وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ ) [الطَّلَاقِ : 2] وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=10فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ) إِلَى قَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=12وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ ) [نُوحٍ 10 - 12] وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْمَاءَ كِنَايَةً عَنْ طِيبِ الْعَيْشِ وَكَثْرَةِ الْمَنَافِعِ ، فَإِنَّ اللَّائِقَ بِالْجِنِّ هُوَ هَذَا الْمَاءُ الْمَشْرُوبُ .
وَالثَّانِي : أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامَ الْجِنُّ الَّذِينَ سَمِعُوا الْقُرْآنَ عَلَى طَرِيقَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قَبْلَ الِاسْتِمَاعِ وَلَمْ يَنْتَقِلُوا عَنْهَا إِلَى الْإِسْلَامِ لَوَسَّعْنَا عَلَيْهِمُ الرِّزْقَ ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : ( وَلَوْلَا أَنْ )
[ ص: 143 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=33يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ ) [الزُّخْرُفِ : 33] وَاخْتَارَ
الزَّجَّاجُ الْوَجْهَ الْأَوَّلَ قَالَ : لِأَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ الطَّرِيقَةَ مُعَرَّفَةً بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ فَتَكُونُ رَاجِعَةً إِلَى الطَّرِيقَةِ الْمَعْرُوفَةِ الْمَشْهُورَةِ, وَهِيَ طَرِيقَةُ الْهُدَى, وَالذَّاهِبُونَ إِلَى التَّأْوِيلِ الثَّانِي اسْتَدَلُّوا عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=17لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ) فَهُوَ كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=178إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا ) [آلِ عِمْرَانَ : 178] وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ مَنْ آمَنَ فَأَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ كَانَ ذَلِكَ الْإِنْعَامُ أَيْضًا ابْتِلَاءً وَاخْتِبَارًا حَتَّى يَظْهَرَ أَنَّهُ هَلْ يَشْتَغِلُ بِالشُّكْرِ أَمْ لَا ، وَهَلْ يُنْفِقُهُ فِي طَلَبِ مَرَاضِي اللَّهِ ، أَوْ فِي مَرَاضِي الشَّهْوَةِ وَالشَّيْطَانِ ، وَأَمَّا الَّذِينَ قَالُوا الضَّمِيرُ عَائِدٌ إِلَى الْإِنْسِ ، فَالْوَجْهَانِ عَائِدَانِ فِيهِ بِعَيْنِهِ وَهَهُنَا يَكُونُ إِجْرَاءُ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=16لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا ) عَلَى ظَاهِرِهِ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ انْتِفَاعَ الْإِنْسِ بِذَلِكَ أَتَمُّ وَأَكْمَلُ .