(
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=17فكيف تتقون إن كفرتم يوما يجعل الولدان شيبا nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=18السماء منفطر به كان وعده مفعولا )
ثم إنه تعالى عاد إلى تخويفهم بالقيامة مرة أخرى ، فقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=17فكيف تتقون إن كفرتم يوما يجعل الولدان شيبا nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=18السماء منفطر به كان وعده مفعولا ) وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قال
الواحدي : في الآية تقديم وتأخير ، أي فكيف تتقون يوما يجعل الولدان شيبا إن كفرتم .
المسألة الثانية : ذكر صاحب " الكشاف " في قوله " يوما " وجوها :
الأول : أنه مفعول به ، أي : فكيف تتقون أنفسكم يوم القيامة وهوله إن بقيتم على الكفر .
والثاني : أن يكون ظرفا ، أي : وكيف لكم بالتقوى في يوم القيامة إن كفرتم في الدنيا .
والثالث : أن ينتصب بـ " كفرتم " على تأويل جحدتم ، أي : فكيف تتقون الله وتخشونه إن جحدتم يوم القيامة والجزاء ؛ لأن تقوى الله لا معنى لها إلا خوف عقابه .
المسألة الثالثة : أنه تعالى ذكر من هول ذلك اليوم أمرين :
الأول : قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=17يجعل الولدان شيبا ) وفيه وجهان :
الأول : أنه مثل في الشدة يقال في اليوم الشديد ، يوم يشيب نواصي الأطفال ، والأصل فيه أن الهموم والأحزان إذا تفاقمت على الإنسان أسرع فيه الشيب ، لأن كثرة الهموم توجب انقصار الروح إلى داخل القلب ، وذلك الانقصار يوجب انطفاء الحرارة الغريزية ، وانطفاء الحرارة الغريزية وضعفها يوجب بقاء الأجزاء الغذائية غير تامة النضج ، وذلك يوجب استيلاء البلغم على الأخلاط ، وذلك يوجب ابيضاض الشعر ، فلما رأوا أن حصول الشيب من لوازم كثرة الهموم ، جعلوا الشيب كناية عن الشدة والمحنة ، وليس المراد أن هول ذلك اليوم يجعل الولدان شيبا حقيقة ، لأن إيصال الألم والخوف إلى الصبيان غير جائز يوم القيامة .
الثاني : يجوز أن يكون المراد وصف ذلك اليوم بالطول ، وأن الأطفال يبلغون فيه أوان الشيخوخة والشيب ، ولقد سألني بعض الأدباء عن قول
nindex.php?page=showalam&ids=11880المعري :
وظلم يملأ الفودين شيبا
[ ص: 163 ] وقال : كيف يفضل هذا التشبيه الذي في القرآن على بيت
nindex.php?page=showalam&ids=11880المعري ؟ فقلت : من وجوه :
الأول : أن امتلاء الفودين من الشيب ليس بعجب ، أما صيرورة الولدان شيبا فهو عجيب ؛ كأن شدة ذلك اليوم تنقلهم من سن الطفولية إلى سن الشيخوخة ، من غير أن يمروا فيما بين الحالتين بسن الشباب ، وهذا هو المبالغة العظيمة في وصف اليوم بالشدة .
وثانيها : أن امتلاء الفودين من الشيب معناه ابيضاض الشعر ، وقد يبيض الشعر لعلة مع أن قوة الشباب تكون باقية ، فهذا ليس فيه مبالغة ، وأما الآية فإنها تدل على صيرورة الولدان شيوخا في الضعف والنحافة وعدم طراوة الوجه ، وذلك نهاية في شدة ذلك اليوم .
وثالثها : أن امتلاء الفودين من الشيب ليس فيه مبالغة ؛ لأن جانبي الرأس موضع للرطوبات الكثيرة البلغمية ؛ ولهذا السبب فإن الشيب إنما يحدث أولا في الصدغين ، وبعده في سائر جوانب الرأس ، فحصول الشيب في الفودين ليس بمبالغة ، إنما المبالغة هو استيلاء الشيب على جميع أجزاء الرأس ، بل على جميع أجزاء البدن كما هو مذكور في الآية ، والله أعلم .
النوع الثاني :
nindex.php?page=treesubj&link=30296من أهوال يوم القيامة قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=18السماء منفطر به ) وهذا وصف لليوم بالشدة أيضا ، وأن السماء على عظمها وقوتها تنفطر فيه ، فما ظنك بغيرها من الخلائق ، ونظيره قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=82&ayano=1إذا السماء انفطرت ) ( الانفطار : 1 ) وفيه سؤالان :
السؤال الأول : لم لم يقل : منفطرة ؟ الجواب من وجوه :
أولها : روى أبو
عبيدة عن
nindex.php?page=showalam&ids=12114أبي عمرو بن العلاء : إنما قال (
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=18السماء منفطر ) ولم يقل منفطرة ؛ لأن مجازها مجاز السقف ، تقول : هذا سماء البيت .
وثانيها : قال
الفراء : السماء تؤنث وتذكر ، وهي ههنا في وجوه التذكير ، وأنشد شعرا :
فلو رفع السماء إليه قوما لحقنا بالنجوم مع السحاب
وثالثها : أن تأنيث السماء ليس بحقيقي ، وما كان كذلك جاز تذكيره .
قال الشاعر :
والعين بالإثمد الخيري مكحول
وقال
الأعشى :
فلا مزنة ودقت ودقها ولا أرض أبقل إبقالها
ورابعها : أن يكون السماء ذات انفطار ، فيكون من باب الجراد المنتشر ، والشجر الأخضر ، وأعجاز نخل منقعر ، وكقولهم : امرأة مرضع ، أي ذات رضاع .
السؤال الثاني : ما معنى (
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=18منفطر به ) ؟ الجواب من وجوه :
أحدها : قال
الفراء : المعنى منفطر فيه .
وثانيها : أن الباء في " به " مثلها في قولك : فطرت العود بالقدوم فانفطر به ، يعني أنها تنفطر لشدة ذلك اليوم وهوله ، كما ينفطر الشيء بما ينفطر به .
وثالثها : يجوز أن يراد : السماء مثقلة به إثقالا يؤدي إلى انفطارها لعظم تلك الواقعة عليها وخشيتها منها ، كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=187ثقلت في السماوات والأرض ) [ الأعراف : 187] .
أما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=18كان وعده مفعولا ) فاعلم أن الضمير في قوله ( وعده ) يحتمل أن يكون عائدا إلى المفعول وأن يكون عائدا إلى الفاعل . أما الأول فأن يكون المعنى : وعد ذلك اليوم مفعول ، أي : الوعد المضاف إلى ذلك اليوم واجب الوقوع ؛ لأن حكمة الله تعالى وعلمه يقتضيان إيقاعه .
وأما الثاني : فأن يكون المعنى وعد
[ ص: 164 ] الله واقع لا محالة ؛ لأنه تعالى منزه عن الكذب ، وههنا وإن لم يجر ذكر الله تعالى ولكنه حسن عود الضمير إليه لكونه معلوما ، واعلم أنه تعالى بدأ في أول السورة بشرح أحوال السعداء ، ومعلوم أن أحوالهم قسمان :
أحدهما : ما يتعلق بالدين والطاعة للمولى فقدم ذلك .
والثاني : ما يتعلق بالمعاملة مع الخلق ، وبين ذلك بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=10واصبر على ما يقولون واهجرهم هجرا جميلا ) . وأما الأشقياء فقد بدأ بتهديدهم على سبيل الإجمال ، وهو قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=11وذرني والمكذبين ) ثم ذكر بعده أنواع عذاب الآخرة ثم ذكر بعده عذاب الدنيا ، وهو الأخذ الوبيل في الدنيا ، ثم وصف بعده شدة يوم القيامة ، فعند هذا تم البيان بالكلية ، فلا جرم ختم ذلك الكلام بقوله :
(
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=17فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=18السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا )
ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى عَادَ إِلَى تَخْوِيفِهِمْ بِالْقِيَامَةِ مَرَّةً أُخْرَى ، فَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=17فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=18السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا ) وَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : قَالَ
الْوَاحِدِيُّ : فِي الْآيَةِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ ، أَيْ فَكَيْفَ تَتَّقُونَ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا إِنْ كَفَرْتُمْ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : ذَكَرَ صَاحِبُ " الْكَشَّافِ " فِي قَوْلِهِ " يَوْمًا " وُجُوهًا :
الْأَوَّلُ : أَنَّهُ مَفْعُولٌ بِهِ ، أَيْ : فَكَيْفَ تَتَّقُونَ أَنْفُسَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَهَوْلَهُ إِنْ بَقِيتُمْ عَلَى الْكُفْرِ .
وَالثَّانِي : أَنْ يَكُونَ ظَرْفًا ، أَيْ : وَكَيْفَ لَكُمْ بِالتَّقْوَى فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنْ كَفَرْتُمْ فِي الدُّنْيَا .
وَالثَّالِثُ : أَنْ يَنْتَصِبَ بِـ " كَفَرْتُمْ " عَلَى تَأْوِيلِ جَحَدْتُمْ ، أَيْ : فَكَيْفَ تَتَّقُونَ اللَّهَ وَتَخْشَوْنَهُ إِنْ جَحَدْتُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالْجَزَاءَ ؛ لِأَنَّ تَقْوَى اللَّهِ لَا مَعْنَى لَهَا إِلَّا خَوْفَ عِقَابِهِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : أَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ مِنْ هَوْلِ ذَلِكَ الْيَوْمِ أَمْرَيْنِ :
الْأَوَّلُ : قَوْلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=17يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا ) وَفِيهِ وَجْهَانِ :
الْأَوَّلُ : أَنَّهُ مَثَلٌ فِي الشِّدَّةِ يُقَالُ فِي الْيَوْمِ الشَّدِيدِ ، يَوْمَ يَشِيبُ نَوَاصِي الْأَطْفَالِ ، وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْهُمُومَ وَالْأَحْزَانَ إِذَا تَفَاقَمَتْ عَلَى الْإِنْسَانِ أَسْرَعَ فِيهِ الشَّيْبُ ، لِأَنَّ كَثْرَةَ الْهُمُومِ تُوجِبُ انْقِصَارَ الرُّوحِ إِلَى دَاخِلِ الْقَلْبِ ، وَذَلِكَ الِانْقِصَارُ يُوجِبُ انْطِفَاءَ الْحَرَارَةِ الْغَرِيزِيَّةِ ، وَانْطِفَاءُ الْحَرَارَةِ الْغَرِيزِيَّةِ وَضَعْفُهَا يُوجِبُ بَقَاءَ الْأَجْزَاءِ الْغِذَائِيَّةِ غَيْرَ تَامَّةِ النُّضْجِ ، وَذَلِكَ يُوجِبُ اسْتِيلَاءَ الْبَلْغَمِ عَلَى الْأَخْلَاطِ ، وَذَلِكَ يُوجِبُ ابْيِضَاضَ الشَّعَرِ ، فَلَمَّا رَأَوْا أَنَّ حُصُولَ الشَّيْبِ مِنْ لَوَازِمِ كَثْرَةِ الْهُمُومِ ، جَعَلُوا الشَّيْبَ كِنَايَةً عَنِ الشَّدَّةِ وَالْمِحْنَةِ ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ هَوْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا حَقِيقَةً ، لِأَنَّ إِيصَالَ الْأَلَمِ وَالْخَوْفِ إِلَى الصِّبْيَانِ غَيْرُ جَائِزٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ .
الثَّانِي : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ وَصْفَ ذَلِكَ الْيَوْمِ بِالطُّولِ ، وَأَنَّ الْأَطْفَالَ يَبْلُغُونَ فِيهِ أَوَانَ الشَّيْخُوخَةِ وَالشَّيْبِ ، وَلَقَدْ سَأَلَنِي بَعْضُ الْأُدَبَاءِ عَنْ قَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=11880الْمَعَرِّي :
وَظُلْمٌ يَمْلَأُ الْفَوْدَيْنِ شِيبًا
[ ص: 163 ] وَقَالَ : كَيْفَ يُفَضَّلُ هَذَا التَّشْبِيهُ الَّذِي فِي الْقُرْآنِ عَلَى بَيْتِ
nindex.php?page=showalam&ids=11880الْمَعَرِّي ؟ فَقُلْتُ : مِنْ وُجُوهٍ :
الْأَوَّلُ : أَنَّ امْتِلَاءَ الْفَوْدَيْنِ مِنَ الشَّيْبِ لَيْسَ بِعَجَبٍ ، أَمَّا صَيْرُورَةُ الْوِلْدَانِ شِيبًا فَهُوَ عَجِيبٌ ؛ كَأَنَّ شِدَّةَ ذَلِكَ الْيَوْمِ تَنْقُلُهُمْ مِنْ سِنِّ الطُّفُولِيَّةِ إِلَى سِنِّ الشَّيْخُوخَةِ ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمُرُّوا فِيمَا بَيْنَ الْحَالَتَيْنِ بِسَنِّ الشَّبَابِ ، وَهَذَا هُوَ الْمُبَالَغَةُ الْعَظِيمَةُ فِي وَصْفِ الْيَوْمِ بِالشِّدَّةِ .
وَثَانِيهَا : أَنَّ امْتِلَاءَ الْفَوْدَيْنِ مِنَ الشَّيْبِ مَعْنَاهُ ابْيِضَاضُ الشَّعْرِ ، وَقَدْ يَبْيَضُّ الشَّعْرُ لِعِلَّةٍ مَعَ أَنَّ قُوَّةَ الشَّبَابِ تَكُونُ بَاقِيَةً ، فَهَذَا لَيْسَ فِيهِ مُبَالَغَةٌ ، وَأَمَّا الْآيَةُ فَإِنَّهَا تَدُلُّ عَلَى صَيْرُورَةِ الْوِلْدَانِ شُيُوخًا فِي الضَّعْفِ وَالنَّحَافَةِ وَعَدَمِ طَرَاوَةِ الْوَجْهِ ، وَذَلِكَ نِهَايَةٌ فِي شِدَّةِ ذَلِكَ الْيَوْمِ .
وَثَالِثُهَا : أَنَّ امْتِلَاءَ الْفَوْدَيْنِ مِنَ الشَّيْبِ لَيْسَ فِيهِ مُبَالَغَةٌ ؛ لِأَنَّ جَانِبَيِ الرَّأْسِ مَوْضِعٌ لِلرُّطُوبَاتِ الْكَثِيرَةِ الْبَلْغَمِيَّةِ ؛ وَلِهَذَا السَّبَبِ فَإِنَّ الشَّيْبَ إِنَّمَا يَحْدُثُ أَوَّلًا فِي الصُّدْغَيْنِ ، وَبَعْدَهُ فِي سَائِرِ جَوَانِبِ الرَّأْسِ ، فَحُصُولُ الشَّيْبِ فِي الْفَوْدَيْنِ لَيْسَ بِمُبَالَغَةٍ ، إِنَّمَا الْمُبَالَغَةُ هُوَ اسْتِيلَاءُ الشَّيْبِ عَلَى جَمِيعِ أَجْزَاءِ الرَّأْسِ ، بَلْ عَلَى جَمِيعِ أَجْزَاءِ الْبَدَنِ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْآيَةِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
النَّوْعُ الثَّانِي :
nindex.php?page=treesubj&link=30296مِنْ أَهْوَالِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=18السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ ) وَهَذَا وَصْفٌ لِلْيَوْمِ بِالشِّدَّةِ أَيْضًا ، وَأَنَّ السَّمَاءَ عَلَى عِظَمِهَا وَقُوَّتِهَا تَنْفَطِرُ فِيهِ ، فَمَا ظَنُّكَ بِغَيْرِهَا مِنَ الْخَلَائِقِ ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=82&ayano=1إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ ) ( الِانْفِطَارِ : 1 ) وَفِيهِ سُؤَالَانِ :
السُّؤَالُ الْأَوَّلُ : لِمَ لَمْ يَقُلْ : مُنْفَطِرَةٌ ؟ الْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ :
أَوَّلُهَا : رَوَى أَبُو
عُبَيْدَةَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=12114أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ : إِنَّمَا قَالَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=18السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ ) وَلَمْ يَقُلْ مُنْفَطِرَةٌ ؛ لِأَنَّ مَجَازَهَا مَجَازُ السَّقْفِ ، تَقُولُ : هَذَا سَمَاءُ الْبَيْتِ .
وَثَانِيهَا : قَالَ
الْفَرَّاءُ : السَّمَاءُ تُؤَنَّثُ وَتُذَكَّرُ ، وَهِيَ هَهُنَا فِي وُجُوهِ التَّذْكِيرِ ، وَأَنْشَدَ شِعْرًا :
فَلَوْ رَفَعَ السَّمَاءُ إِلَيْهِ قَوْمًا لَحِقْنَا بِالنُّجُومِ مَعَ السَّحَابِ
وَثَالِثُهَا : أَنَّ تَأْنِيثَ السَّمَاءِ لَيْسَ بِحَقِيقِيٍّ ، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ جَازَ تَذْكِيرُهُ .
قَالَ الشَّاعِرُ :
وَالْعَيْنُ بِالْإِثْمِدِ الْخَيْرِيِّ مَكْحُولُ
وَقَالَ
الْأَعْشَى :
فَلَا مُزْنَةَ وَدَقَتْ وَدْقَهَا وَلَا أَرْضَ أَبْقَلَ إِبْقَالَهَا
وَرَابِعُهَا : أَنْ يَكُونَ السَّمَاءُ ذَاتَ انْفِطَارٍ ، فَيَكُونَ مِنْ بَابِ الْجَرَادِ الْمُنْتَشِرِ ، وَالشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ، وَأَعْجَازِ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ ، وَكَقَوْلِهِمُ : امْرَأَةٌ مُرْضِعٌ ، أَيْ ذَاتُ رَضَاعٍ .
السُّؤَالُ الثَّانِي : مَا مَعْنَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=18مُنْفَطِرٌ بِهِ ) ؟ الْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ :
أَحَدُهَا : قَالَ
الْفَرَّاءُ : الْمَعْنَى مُنْفَطِرٌ فِيهِ .
وَثَانِيهَا : أَنَّ الْبَاءَ فِي " بِهِ " مِثْلُهَا فِي قَوْلِكَ : فَطَرْتُ الْعُودَ بِالْقَدُومِ فَانْفَطَرَ بِهِ ، يَعْنِي أَنَّهَا تَنْفَطِرُ لِشِدَّةِ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَهَوْلِهِ ، كَمَا يَنْفَطِرُ الشَّيْءُ بِمَا يَنْفَطِرُ بِهِ .
وَثَالِثُهَا : يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ : السَّمَاءُ مُثْقَلَةٌ بِهِ إِثْقَالًا يُؤَدِّي إِلَى انْفِطَارِهَا لِعِظَمِ تِلْكَ الْوَاقِعَةِ عَلَيْهَا وَخَشْيَتِهَا مِنْهَا ، كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=187ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) [ الْأَعْرَافِ : 187] .
أَمَّا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=18كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا ) فَاعْلَمْ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ ( وَعْدُهُ ) يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَائِدًا إِلَى الْمَفْعُولِ وَأَنْ يَكُونَ عَائِدًا إِلَى الْفَاعِلِ . أَمَّا الْأَوَّلُ فَأَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى : وَعْدُ ذَلِكَ الْيَوْمِ مَفْعُولٌ ، أَيِ : الْوَعْدُ الْمُضَافُ إِلَى ذَلِكَ الْيَوْمِ وَاجِبُ الْوُقُوعِ ؛ لِأَنَّ حِكْمَةَ اللَّهِ تَعَالَى وَعِلْمَهُ يَقْتَضِيَانِ إِيقَاعَهُ .
وَأَمَّا الثَّانِي : فَأَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى وَعْدُ
[ ص: 164 ] اللَّهِ وَاقِعٌ لَا مَحَالَةَ ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنِ الْكَذِبِ ، وَهَهُنَا وَإِنْ لَمْ يَجْرِ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى وَلَكِنَّهُ حَسُنَ عَوْدُ الضَّمِيرِ إِلَيْهِ لِكَوْنِهِ مَعْلُومًا ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى بَدَأَ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ بِشَرْحِ أَحْوَالِ السُّعَدَاءِ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ أَحْوَالَهُمْ قِسْمَانِ :
أَحَدُهُمَا : مَا يَتَعَلَّقُ بِالدِّينِ وَالطَّاعَةِ لِلْمَوْلَى فَقَدَّمَ ذَلِكَ .
وَالثَّانِي : مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمُعَامَلَةِ مَعَ الْخَلْقِ ، وَبَيَّنَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=10وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا ) . وَأَمَّا الْأَشْقِيَاءُ فَقَدْ بَدَأَ بِتَهْدِيدِهِمْ عَلَى سَبِيلِ الْإِجْمَالِ ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=11وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ ) ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَهُ أَنْوَاعَ عَذَابِ الْآخِرَةِ ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَهُ عَذَابَ الدُّنْيَا ، وَهُوَ الْأَخْذُ الْوَبِيلُ فِي الدُّنْيَا ، ثُمَّ وَصَفَ بَعْدَهُ شِدَّةَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، فَعِنْدَ هَذَا تَمَّ الْبَيَانُ بِالْكُلِّيَّةِ ، فَلَا جَرَمَ خَتَمَ ذَلِكَ الْكَلَامَ بِقَوْلِهِ :